جابر حسين العُماني
jaber.alomani14@gmail.com
نعيش في زمن تكاثرت فيه الشاشات الإلكترونية بأنواعها المختلفة، وانتشر الضجيج الرقمي بين أفراد المجتمع، وأصبح الكثيرون منهم يعيشون حالة غير مسبوقة من الفراغ الديني والروحي، فراغا بات يهدد الأسرة والمجتمع، وينذر بإهمال العبادة لدى البعض، وضعف احترام الشعائر الدينية المقدسة، وذلك بسبب الاندماج المفرط في الفضاء الإلكتروني، والتركيز على المغريات الغربية التي باتت تؤثر على قيم المجتمع العربي وعاداته وتقاليده.
اليوم هناك الكثير من الأفراد الذين يعانون من الفراغ الديني والروحي في حياتهم الأسرية والاجتماعية، وذلك لأسباب فكرية وفلسفية متنوعة الجوانب، قد يكون الفرد تلقاها واعتاد عليها وأدت إلى تفكك البنى التقليدية في اسرته ومجتمعه، والتي منها سيطرة الثقافات الدخيلة، كالثقافية الغربية التي أدت إلى صراع الهويات وضعف الارتباط بالمرجعيات الدينية والاجتماعية في العالم العربي والاسلامي بشكل عام، مما أدى إلى ضعف دور الأسرة في نقل القيم والمبادئ الإنسانية بصورة صحيحة وسليمة إلى أفرادها.
ومن المهم جدًا ترسيخ البعد الديني والروحي داخل الأسرة، حتى تغذى النفوس بما يمنحها من قوة داخلية قوامها الاستقرار النفسي والتوازن في الحياة الأسرية والاجتماعية، وبذلك يتمكن الفرد من تجنب مشاعر القلق والوحدة التي تنشأ غالبا بسبب الإفراط والانغماس في العالم الرقمي.
والاهتمام بالبُعد الديني والروحي يمنح العلاقات الأسرية عمقًا وثباتًا واستمرارية من حيث الاطمئنان والاستقرار الاسري، وهو أساس قوي يربط أفراد العائلة ببعضهم البعض، لذلك ينبغي على الإنسان أن يسعى جاهدا لترسيخ المفاهيم الدينية والروحية في بيته وشؤون حياته اليومية لما لذلك من خير وبركة على وجوده في الحياة.
ومن المهم أن نسأل أنفسنا كيف يمكننا الحفاظ على البعد الديني والروحي وتنميتهما داخل الأسرة؟
يستطيع الإنسان أن يحافظ على بعده الديني والروحي المستمد من قوة الإيمان بالله تعالى، قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب: (اَلْإِيمَانُ شَجَرَةٌ أَصْلُهَا اَلْيَقِينُ وَفَرْعُهَا اَلتُّقَى، وَنُورُهَا اَلْحَيَاءُ، وَثَمَرُهَا اَلسَّخَاءُ)، ويتحقق ذلك من خلال احترام الدين، وترسيخ قيمه ومبادئه في داخل الأسرة، ويتحقق ذلك بعدة نقاط نذكر منها الآتي:
أولًا: خلق القدوة الصالحة:عندما يرى الأبناء الوالدين تحت سقف واحد، متسامحين متصالحين ومتحابين، يسعيان دائما لتحقيق العفو والتغافل عن التوافه، ومهتمين بالحب والمودة والرحمة، فهما بذلك سيتمكنان من تحقيق الجانب الديني والروحي على أكمل وجه ممكن.
ثانيًا: تعزيز احترام القيم والمبادئ الانسانية:داخل الأسرة والمجتمع، وذلك من خلال ترسيخ المفاهيم الأخلاقية وتطبيقها عمليا، مثل التواضع والعفو والرحمة، وتقديم الكلمة الطيبة، ومساعدة الفقراء والأيتام والمساكين.
ثالثًا: صناعة البيئة الأسرية المستقرة والمطمئنة:ويكون ذلك بالمداومة على سماع القرآن الكريم، وتطبيق آياته، قال تعالى: {أَلاٰ بِذِكْرِ اَللّٰهِ تَطْمَئِنُّ اَلْقُلُوبُ}، والاهتمام بالصلاة في أوقاتها، والاستماع إلى الأناشيد الهادفة، والمحافظة على النظام، ونظافة المنزل وتعطيره بالروائح الطيبة، والحرص على رسم الابتسامة الدائمة على الوجوه، فالنفس البشرية تنمو وتزدهر في البيئة التي يسودها السكون والهدوء والجمال والاطمئنان النفسي.
ومن أجل تعزيز الجانب الديني والروحي في الأسرة والمجتمع بشكل أفضل وأجمل، لا بد من تفعيل المراجعة النقدية للخطاب الديني والتربوي المنتشر في أرجاء البلاد العربية والإسلامية، خصوصا الخطاب الموجه إلى الأسرة والمجتمع من خلال الفضاء الإلكتروني، ومعالجة ما أمكن من الانهيارات الاجتماعية مثل الأزمات الاقتصادية والسياسية وغيرها، والسعي الجاد في بناء الأسرة بما يتناسب مع تحديات العصر، وليس التركيز فقط على ما هو قديم وبال مما أكل عليه الدهر وشرب.
ومن أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق أولياء الأمور والمربين والمعلمين؛ بل وكل المهتمين بالشأن التربوي في عصرنا الرقمي الحديث، هو: تربية الأسرة والمجتمع على تعظيم الدين، واحترام العقيدة، وصون المقدسات الإسلامية، والالتزام بالقيم الأخلاقية السمحة، وإجلال المعتقدات، والتمسك بتعاليم الدين وعدم التفريط بها مهما تعددت التحديات المفروضة على المجتمع.
وقد شدد أمير البيان والبنان الناطق على لسان الرسالة والرسول، علي بن أبي طالب وكرَّر قائلًا: (يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ دِينَكُمْ دِينَكُمْ) و(اِعْلَمُوا أَنَّ مِلاَكَ أَمْرِكُمُ اَلدِّينُ) و(مُفَارَقَةُ اَلدِّينِ مُفَارَقَةُ اَلْأَمْنِ) و(لاَ حَيَاةَ إِلاَّ بِالدِّينِ) وغيرها الكثير.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مناوي: ما حدث في الفاشر إبادة جماعية والمجتمع الدولي لم يعد قادرا على الصمت
اتهم مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، قوات الدعم السريع بارتكاب «انتهاكات خطيرة» في مدينة الفاشر السودانية، مؤكداً أن ما ظهر من مشاهد ووثائق لا يمثل سوى جزء محدود مما وقع على الأرض.
قال مناوي إن الأحداث التي شهدتها المدينة "ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية"، مشيراًا إلى أنها تكرار لنمط الانتهاكات التي شهدها إقليم دارفور عام 2003.
أوضح في تصريحات صحفية أن "الطبيعة العنصرية لتكوين هذه القوات" دفعتها إلى استهداف مجموعات بعينها على أساس عرقي، لافتاً إلى أن المدنيين تعرضوا لعمليات قتل عشوائي طالت الأطفال والنساء وكبار السن وحتى المرضى داخل المستشفيات.
وشدد حاكم دارفور على أن المجتمع الدولي "لم يعد قادراا على تجاهل الحقائق"، خاصة بعد أن نشرت قوات الدعم السريع نفسها تسجيلات تظهر جانباً مما يجري، مؤكداً أن الفاشر ليست سوى "عينة مؤلمة" لما يحدث في مناطق أخرى مثل زمزم وغيرها في الإقليم.