مرتضى بن حسن بن علي

 

لم يكن احتفال الجالية الهندية في حديقة العامرات إلا مجرد فعالية ثقافية عابرة، ومع ذلك نجح في إشعال نقاش وطني واسع امتد لأيام. فما الذي جعل مشهدًا ثقافيًا يتحول بهذه السرعة إلى عاصفة رقمية هزّت المزاج العام؟

الجواب أن حادثة العامرات لم تكن أزمة دينية ولا خلافًا مع جالية بعينها؛ بل كانت مرآة لعمق التوترات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية التي تراكمت عبر السنوات، ووجدت في تلك الواقعة منفذًا للتعبير عن خيبة وقلق واحتقان أصبح يصعب كبته.

الجمر تحت الرماد: اقتصاد مضغوط وجيل يعيش صدمة التحول

على امتداد العقد الماضي، مرّت عُمان بتحولات اقتصادية عميقة اعادت رسم توقعات جيل كامل؛ إذ بعد عقود كان فيها القطاع الحكومي مظلة التوظيف والاستقرار، بدأت قدرة الدولة على استيعاب الخريجين تتراجع بفعل أزمات المالية العامة وتذبذب أسعار النفط، إضافة إلى تشبع الوحدات الحكومية بالوظائف.

وفي الوقت ذاته، واجهت الأسر العُمانية ارتفاعًا ملحوظًا في تكاليف الحياة مع تطبيق الضرائب المختلفة وسحب الدعم التدريجي عن الخدمات لإيجاد توازن بين المصروفات والإيرادات حسبما ذكرتها الحكومة.

هذه التحولات لم تكن “قرارات مالية” فحسب؛ بل تغيير جذري في نموذج الأمان الاجتماعي الذي نشأ عليه جيلان كاملان. ومع ضرورة الإصلاح الاقتصادي، بقي الأثر المباشر على الناس قاسيًا في صورة: زيادة في الالتزامات الشهرية، وتراجع في القوة الشرائية، وتقلص في فرص العمل المناسبة.

التحولات الحالية لم تنشأ من فراغ؛ بل هي امتداد لمسار طويل؛ فمنذ عام 1976، دعت الخطط الخمسية المتتالية إلى: تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، وزيادة الاستثمار في القطاعات المنتجة والموفرة للوظائف، وتعزيز دور القطاع الخاص والتنافسية، وتطوير أنظمة التعليم والتدريب لإحلال العمالة الوطنية. لكن التنفيذ على أرض الواقع لم يواكب طموح تلك الخطط.

وظل النفط المصدر الرئيسي للدخل، وبقي القطاع الخاص هشًا في بنيته، بينما لم تخلق منظومات التعليم المهارات اللازمة لاقتصاد رقمي حديث.

والنتيجة وجود جيل يدخل سوق عمل لا يشبه ما أعدّته له المدارس والجامعات.

الجالية الهندية: شريك تاريخي أم منافس اقتصادي؟

وللجالية الهندية حضور عميق ومتجذر في عُمان، ومساهمة واضحة في التنمية. لكن ضخامة حجمها وانتشارها في قطاعات رئيسية، في ظل بطالة شبابية متنامية، خلقت تصورًا لدى البعض بأنها “شبكة مغلقة” تهيمن على فرص العمل.

ومشكلة هذا التصور أنه ناتج عن نقص التواصل الثقافي والاجتماعي المباشر، ويُغذِّيه الفراغ المعلوماتي حول طبيعة سوق العمل، ويُضخَّم عبر منصات التواصل التي تفضل المحتوى العاطفي على الحقائق.

هكذا أصبح أي احتفال أو تجمع هندّي يبدو- في عين بعض المتابعين- "استعراضًا للنفوذ"، رغم أنه غالبًا مجرد نشاط ثقافي طبيعي يمارسه مئات الآلاف من المقيمين منذ عقود.

الظرف الإقليمي… وتأثير الإعلام

لم يكن المزاج الديني المحيط بعيدًا عن الصورة؛ فالتغطيات الإعلامية في السنوات الأخيرة حول التوترات الدينية في الهند خلقت حساسية عالية تجاه أي رمز هندوسي، حتى لو كان بعيدًا تمامًا عن السياسة. ثم جاءت الحرب على غزة وما رافقها من ألم وغضب وتعبئة عاطفية، لتجعل الشارع أكثر توترًا تجاه كل ما يلامس الهوية والدين.

وفي هذه الحالة المشحونة، يصبح أي اختلاف بسيط قابلًا للتأويل المبالغ فيه.

منصات التواصل: وقود العاطفة وسرعة الاشتعال.

وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد مرآة؛ بل كانت مسرّعًا؛ فالخوارزميات تدفع نحو المحتوى الأكثر إثارة، بينما يضعف المحتوى التحليلي والهادئ. وهكذا تحوّلت الحادثة الصغيرة في حديقة العامرات إلى موجة وطنية، ليس لأن المشهد كان خطيرًا؛ بل لأن المجتمع كان أصلًا محمّلًا بالأسئلة والضغوط.

درس التاريخ: الانفتاح قوة لا تهديد.

في وسط الانفعال، يبرز درس من تاريخنا: الحضارات القوية لا تخشى الاختلاف؛ بل تستثمره.

في العصر العباسي الأول، لم تكن بغداد قلعة مغلقة؛ بل مركزًا لترجمة علوم الإغريق، واستيعاب خبرات الفرس، والاستفادة من المعارف الهندية في الرياضيات والفلك والطب. وهذا الانفتاح لم يُضعف الهوية الإسلامية؛ بل جعلها أكثر نضجًا وثراءً.

وهذا بالضبط ما تحتاجه عُمان اليوم: ثقة بالذات تسمح بالتفاعل دون خوف، والبناء دون ردّات فعل.

ماذا يجب أن نفعل الآن؟

لكي لا تتكرر أحداث مشابهة، ولتستعيد واحة التسامح توازنها الطبيعي، نحن بحاجة إلى خطوات واضحة لا شعارات عامة:

1. إصلاح اقتصادي حقيقي يولّد وظائف حقيقية، وذلك عبر تنمية قطاعات إنتاجية (الصناعة، اللوجستيات، التكنولوجيا، الطاقة المتجددة)، وتقليل الاعتماد على العمالة منخفضة التكلفة.

2. إصلاح تعليمي وتدريبي جذري، يُركِّز على المهارات الحديثة: الرقمية، التقنية، الابتكار، والتفكير التحليلي، حتى يصبح العُماني قادرًا على المنافسة في سوق يتغير بسرعة.

3. حوار وطني شفاف، يُوضِّح للناس مسار الإصلاح وأهدافه، ويعالج فجوات المعلومات التي تتحول إلى تصورات خاطئة وتوترات اجتماعية.

4. بناء جسور مع الجاليات المقيمة، عبر برامج ثقافية وتطوعية وتربوية تخلق تفاعلًا إنسانيًا مباشرًا، وتكسر الصور النمطية من الطرفين.

حادثة العامرات لم تكن أزمة؛ بل "إنذار".. إنذارٌ يذكّر بأن التحديات الاقتصادية والاجتماعية إن تُركت دون معالجة، ستبحث عن منفذ تعبّر من خلاله، ولو كان احتفالًا صغيرًا في حديقة عامة.

والقوة ليست في تجنب العواصف؛ بل في معالجة أسبابها وبناء مجتمع قادر على تحويل اختلافه إلى ثراء لا صراع.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"الوطنية للتمويل" تفتتح فرعا جديدا في العامرات

 

 

مسقط- الرؤية

افتتحت الوطنية للتمويل- الرائدة في قطاع التمويل بسلطنة عُمان- فرعها الجديد في ولاية العامرات، ليكون الفرع الرابع والعشرين ضمن شبكة فروعها المتنامية. ويُعد هذا الافتتاح إنجازًا بارزًا، إذ أصبحت الوطنية للتمويل أول شركة تمويل تفتتح فرعًا في المنطقة، في خطوة تعكس استراتيجية النمو الطموحة التي تنتهجها الشركة.

ويعكس هذا التوسع التزام الوطنية للتمويل بالتركيز على خدمة العملاء وتعزيز الشمول المالي، وتقديم حلول تمويلية سهلة وميسرة للأفراد والشركات في مختلف أنحاء سلطنة عُمان، كما يعزز فرع العامرات الجديد نطاق خدمات الشركة في المنطقة، موفّرًا منتجات تمويلية مصممة خصيصًا لتكون أقرب إلى أماكن إقامة وعمل العملاء، مما يقوّي ارتباط الشركة بالمجتمعات التي تخدمها.

وقال طارق بن سليمان الفارسي، الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية للتمويل: "يُجسّد توسعنا في ولاية العامرات التزامنا المستمر بتسهيل وصول العملاء إلينا للحصول على التمويل الذي يطمحون إليه وفقا لخططهم الفردية والمؤسسية، وكوننا أول شركة تمويل تؤسس مقرها في ولاية العامرات، يُعدّ إنجازًا نفخر به، ويؤكد هذا التوسع استراتيجيتنا القائمة على النمو المدروس والمدفوع بتحقيق تطلعات المجتمع، وإيماننا بأن التمكين المالي يجب أن يكون متاحًا للجميع. ومع استمرار نمونا، نواصل تركيزنا على إحداث تأثير فعّال من خلال تقديم حلول مبتكرة تلبّي احتياجات العملاء في الأماكن الأكثر حاجة إليها".

ويقع الفرع الجديد في موقع استراتيجي بولاية العامرات سريعة التطور، ويدخل سوقًا واعدة بهدف تمكين الأفراد من تحقيق أهدافهم، ومساعدة الشركات على تسريع نموها، إذ صُمم الفرع بلمسة عصرية مميزة من الوطنية للتمويل وأجواء مُرحّبة تراعي احتياجات المجتمع، وهو مزوّد بميزات تكنولوجية متقدمة، بما في ذلك أجهزة الخدمة الذاتية وخدمة ترجمة لغة الإشارة عبر المكالمات المرئية، ما يوفر تجربة عملاء سلسة وشاملة وفعّالة.

ويقدّم الفرع مجموعة متكاملة من منتجات الوطنية للتمويل، المصممة خصيصًا لتلبية الاحتياجات المتنوعة لسكان ولاية العامرات، كما يضم فريقًا متخصصًا من الكفاءات المؤهلة لتقديم استشارات متخصصة ودعم متكامل، مما يضمن للعملاء رحلة تمويل مرنة وميسّرة.

وتركز استراتيجية النمو طويلة المدى للشركة الوطنية للتمويل على تعزيز التواصل مع المجتمعات في مختلف أنحاء سلطنة عُمان. وبصفتها أول شركة تمويل تُنشئ فرعًا في ولاية العامرات، تبادر الشركة إلى تلبية الطلب المتزايد على حلول تمويلية مُيسّرة ومصممة خصيصًا لتلبية احتياجات السوق المحلية، مؤكدةً التزامها بتقديم تجارب استثنائية تتطور بما يتوافق مع احتياجات الأفراد والشركات على حد سواء.

مقالات مشابهة

  • نهيان بن مبارك يفتتح التجمع السنوي للفرسان ويطلق برنامج «قادة التسامح»
  • كلية التجارة جامعة قناة السويس تنظم ندوة دينية لتعزيز قيم التسامح واحترام الكبير
  • "الوطنية للتمويل" تفتتح فرعا جديدا في العامرات
  • شركات النفط الهندية تبرم أول صفقة لاستيراد غاز البترول المسال الأمريكي
  • الجالية الهندية تشيد باستدامة نموذج التسامح والتعايش السلمي في الإمارات
  • صندوق الوطن ينظم فعاليات متنوعة ويطلق جدارية التسامح ضمن المهرجان الوطني للتسامح
  • عندما تبرم صاحب رأس المال انتفض المجتمع الاردني. ماذا لو تكلم علماء الاجتماع..؟.
  • نهيان بن مبارك: قوة الإمارات تنبع من تنوعها وتكامل وتلاحم المواطنين والمقيمين على أرضها
  • كربلاء.. احتراق مدرسة في قضاء الهندية