في ظل ما تشهده الساحة الاقتصادية من تحولات متسارعة وضغوط خارجية متعاقبة، تطرح الحكومة المصرية رؤيتها الاقتصادية الممتدة حتى عام 2030، مستندة إلى ما تحقق من إصلاحات عميقة خلال السنوات الماضية، وساعية إلى ترسيخ نموذج اقتصادي أكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات العالمية.

 ومع تراكم التحديات الناتجة عن جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والأزمة المشتعلة في غزة، برزت الحاجة إلى إعادة تقييم المسار الاقتصادي والتوسع في الحوار المجتمعي حول أولويات المرحلة المقبلة، خصوصًا في ظل تزايد تكلفة الواردات وتراجع العملة المحلية وتغير خريطة التدفقات المالية العالمية.


وتأتي هذه الرؤية في وقت تخوض فيه مصر المرحلة الأخيرة من برنامجها مع صندوق النقد الدولي، بحثًا عن تحقيق توازن بين استكمال الإصلاحات الهيكلية وتقليل الاعتماد على التمويل الدولي.

 وبينما تسعى الدولة إلى رفع كفاءة القطاعات الإنتاجية، وتوسيع قاعدة الصادرات، وتوطين الصناعة، يبرز السؤال حول ملامح الاقتصاد المصري بعد انتهاء البرنامج الحالي للصندوق، ومدى قدرته على تحقيق نمو مستدام قائم على موارد ذاتية.

الأوضاع الاقتصادية والسياسية.. رئيس شعبة الذهب يكشف أسباب ارتفاع أسعار المعدن الأصفرأحمد موسى: المنطقة الاقتصادية تستهدف جذب نحو 300 شركة جديدةخبير اقتصادي: رؤية مصر الاقتصادية تتجاوز اتفاق صندوق النقد وتمهد لاعتماد كامل على الموارد الذاتية


قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، نائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشئون التنمية الاقتصادية، في تصريحات صحفية لموقع صدى البلد أن الحكومة لديها رؤية اقتصادية حتى عام 2030، تمتد لما بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ترتكز على ما تم تحقيقه من إصلاحات اقتصادية، وطرح هذه الرؤية الاقتصادية المتكاملة للحوار المجتمعي وفق ما أعلن سابقا رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي, موضحا أن برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي سينتهي نهاية عام 2026، ومع تحسن المؤشرات الاقتصادية ونجاح الإصلاحات الاقتصادية خلال السنوات الماضية فمصر قادرة على أن تستكمل مسيرة نجاحاتها الاقتصادية دون الحاجة إلى تمويل جديد أو برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي .

أكد غراب، أن هناك عدد من الأسباب جعلت مصر تتجه إلى برنامج أو اتفاق مع صندوق النقد الدولي، موضحا أن برنامج الإصلاح الاقتصادي بدأ منذ عام 2016 وحقق نجاحا ملحوظا، ومصر لم تكن بحاجة للعودة إلى صندوق النقد الدولي لولا حدوث أزمات عالمية متتالية ومتعاقبة لتفاقم من التحديات الاقتصادية في مصر ودول العالم أجمع، بدأت بجائحة كورونا عام 2020 والتي أدت لسياسات الغلق وتوقف سلاسل الإمداد ما أدى لتراجع معدل النمو الاقتصادي بمصر، وتراجع قيمة العملة المحلية، وتراجع إيرادات قناة السويس، ثم جاء بعدها الحرب الروسية الأوكرانية في بداية عام 2022 لتضاعف أزمات الاقتصاد العالمي خاصة سلاسل الإمداد والتموين وحركة التجارة العالمية خاصة وأن مصر تعتمد على الدولتين بنسبة كبيرة في واردات الحبوب، إضافة إلى هروب أكثر من 20 مليار دولار أموال ساخنة، ثم أعقبها الحرب على غزة في أكتوبر 2023 لتشكل فاتورة أكثر صعوبة وتعقيدا على الاقتصاد المصري، كل ذلك تسبب في تراجع أكثر للعملة المحلية وزيادة قيمة العملات الأجنبية وارتفاع تكلفة الواردات ووجود سوقين للعملة ما جعلت مصر تلجأ إلى تجديد الاقتراض من صندوق النقد الدولي عبر برنامج جديد.

وأكد غراب، أنه بعد انتهاء برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد فإن مصر ليست بحاجة لبرنامج جديد، لتبدأ الدولة فى تعزيز اعتمادها على مواردها الذاتية وتقليص الحاجة إلى برامج التمويل الدولية، ولذا فإن الحكومة في حاجة إلى الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية وتمكين القطاع الخاص من أجل استمرار زيادة معدلات النمو وتحقيق الاستقلال المالي بعيدا عن أي دعم خارجي، مؤكدا أن الإحصائيات تشير إلى أن شهر يوليو الماضي دخلت مصر إيرادات دولارية تقدر بنحو 8.5 مليار دولار من مختلف القطاعات منها تحويلات العاملين بالخارج، وزيادة حجم الصادرات، وإيرادات السياحة وغيرها، وهذا يؤكد أن هناك نموا مستمرا في الإيرادات الدولارية التي تدخل مصر شهريا والتي من الممكن أن تسد احتياجات مصر من النقد الأجنبي .

أوضح غراب، أن من الإصلاحات المطلوبة لتحقيق استدامة أداء جيد للاقتصاد المصري هو توطين الصناعة وتعميق التصنيع المحلي واستمرار تقديم الحكومة التيسيرات والمحفزات الاستثمارية والتشريعات الاقتصادية المحفزة وطرح الأراضى الصناعية بنظام حق الانتفاع والتوسع في إصدار الرخصة الذهبية وغيرها من المحفزات التي تسهم في زيادة حجم الاستثمارات المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية وذلك من أجل زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى إعداد قائمة بكافة الواردات التي يمكن تصنيعها محليا بالتعاون مع القطاع الخاص لتصنيعها بما يساهم في انخفاض عجز الميزان التجاري وخفض حجم الواردات وزيادة حجم الصادرات ما يساهم في توافر العملة الصعبة بكميات كبيرة وتراجعه تدريجيا وارتفاع قيمة العملة المحلية وتراجع أسعار السلع بالأسواق وتحسن معيشة المواطن وارتفاع دخله .

تابع غراب، أن وضع حوافز لقطاعي الصناعة والزراعة والتصنيع الزراعي والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر ومساعدتهم على الإنتاج والتصدير وضمهم للاقتصاد الوطني، يسهم في خلق فرص عمل جديدة وارتفاع دخل المواطن وخفض نسبة الفقر والبطالة، موضحا أن من المشروعات التي لابد من الاستمرار في تنميتها المشروعات السياحية وزيادة الغرف الفندقية وتوفير التمويل اللازم لها لأنها أصبحت من أهم موارد النقد الأجنبي لمصر، موضحا أن لابد أن تعتمد السياسة الاقتصادية للبلاد على استهداف تعزيز مواردها من الاستثمارات والتصنيع، والاعتماد بشكل تدريجي على الإنتاج المحلي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتلبية الاحتياجات الداخلية، وذلك بالاستمرار في دعم القطاع الخاص وتحفيز الاستثمارات، وتحسين بيئة الأعمال لتكون جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي.
  

طباعة شارك الساحة الاقتصادية الأزمات العالمية القطاعات الإنتاجية صندوق النقد الدولي رؤية مصر الاقتصادية

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الساحة الاقتصادية الأزمات العالمية القطاعات الإنتاجية صندوق النقد الدولي رؤية مصر الاقتصادية مع صندوق النقد الدولی موضحا أن

إقرأ أيضاً:

معلومات الوزراء: بيئة الاستثمار العالمي تواجه تحديات بسبب الانقسامات الاقتصادية والصراعات الإقليمية

سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء الضوء على التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد" بعنوان: "متتبع اتجاهات الاستثمار العالمي"، والذي أظهر أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر استمرت في التراجع خلال النصف الأول من عام 2025؛ وانخفضت بنسبة 3%، لتواصل بذلك تراجعها المستمر على مدار عامين متتاليين، كما تراجعت إعلانات المشروعات الجديدة نتيجة لتزايد الحذر لدى المستثمرين وسط تصاعد الرسوم الجمركية والتوترات الجيوسياسية، مما أدى إلى تجميد واسع في قرارات الاستثمار عبر العديد من القطاعات.

وأوضح التقرير أنه على المستوى الإقليمي، انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات المتقدمة بنسبة 7% في النصف الأول من 2025، رغم ارتفاع التدفقات إلى ألمانيا وفرنسا بفضل عدد من الصفقات الضخمة، في حين تراجعت التدفقات في بلجيكا وإسبانيا والبرتغال والنرويج. في المقابل، ارتفع الاستثمار في أمريكا الشمالية بنسبة 5%.

وسجلت صفقات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود انخفاضًا بنسبة 18% لتصل إلى 173 مليار دولار، وكان الانخفاض الأكبر في قطاعي الخدمات والتصنيع، بينما ارتفعت العمليات في قطاعي النقل والكيماويات. وشهدت الصفقات المستهدفة للولايات المتحدة الأمريكية انخفاضًا بنسبة 33%، وفي المملكة المتحدة بنسبة 59%.

وأشار التقرير إلى أن عدد المشروعات الجديدة في الاقتصادات المتقدمة تراجع بنسبة 20%، بانخفاض حاد في ألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة  وفرنسا والمملكة المتحدة ورغم ذلك، ارتفعت القيمة الإجمالية لهذه الاستثمارات بنسبة 48% بفضل زيادة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا؛ إذ بلغت الإعلانات الأمريكية 237 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، منها 103 مليارات لمشروعات أشباه الموصلات و27 مليارًا لمراكز البيانات، وشمل أكبر مشروع توسعة بقيمة 100 مليار دولار لـ"شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة" (TSMC)، بينما شهدت فرنسا مشروعًا ضخمًا بقيمة 43 مليار دولار من شركة "إم جي إكس لإدارة الصناديق" (MGX Fund Management) الإماراتية.

وأظهر التقرير انخفاض مشروعات التصنيع في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 29% والخدمات بنسبة 13%، وتراجعت استثمارات السيارات المعلن عنها بنسبة 65%، في حين تراجع تمويل المشروعات الدولية بنسبة 16% لتواصل اتجاهها الهبوطي المستمر منذ عامي 2023 و2024.

في المقابل، استقرت تدفقات الاستثمار في الاقتصادات النامية، لكن أفريقيا شهدت انخفاضًا حادًا بنسبة 42%، مقابل ارتفاع في آسيا النامية وأمريكا اللاتينية. 

وتراجعت إعلانات المشروعات الجديدة في الدول النامية بنسبة 12% من حيث العدد و37% من حيث القيمة، مع تراجع واضح في قطاعات التصنيع والطاقة والسيارات، بينما ظلت صفقات التمويل الدولي شبه مستقرة، وارتفعت قيمتها الإجمالية بنسبة 21% بدعم من مشروعات ضخمة في بنما والإمارات وأوزبكستان.

واستمر الضعف في صفقات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود في الدول النامية نتيجة عمليات بيع كبيرة في قطاعات الطاقة والمرافق. ويُظهر التقرير أن ارتفاع تكلفة التمويل واستمرار المخاطر الجيوسياسية يضغطان على الاستثمار الدولي، رغم بروز القطاعات الرقمية كمحرك رئيسي للنشاط الاستثماري العالمي في عام 2025.

وأكد التقرير أن الاستثمار المرتبط بأهداف التنمية المستدامة سجّل مزيدًا من التراجع مع انخفاض عدد مشروعاته بنسبة 10% في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025، كما تتجه المشروعات في الدول الأقل نموًا إلى التراجع بنسبة إضافية تبلغ 5% لتصل إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2015.

وتوقع التقرير استمرار التحديات في بيئة الاستثمار العالمي لبقية عام 2025 نتيجة الانقسامات الاقتصادية والصراعات الإقليمية، رغم أن تحسّن الأوضاع المالية وارتفاع نشاط صفقات الاندماج والاستحواذ في الربع الثالث من العام وزيادة إنفاق الصناديق السيادية قد يوفر دعمًا محدودًا للاستثمار العالمي بنهاية العام الجاري.

طباعة شارك مركز المعلومات مجلس الوزراء الاستثمارات الأجنبية الاستثمار الأجنبي

مقالات مشابهة

  • خبير اقتصادي: رؤية مصر الاقتصادية تتجاوز اتفاق صندوق النقد وتمهد لاعتماد كامل على الموارد الذاتية
  • معلومات الوزراء: بيئة الاستثمار العالمي تواجه تحديات بسبب الانقسامات الاقتصادية والصراعات الإقليمية
  • ترقب لزيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر مطلع ديسمبر المقبل
  • تصنيف لتقديرات صندوق النقد لأقوى اقتصاديات العالم للعام 2026 (إنفوغراف)
  • عالية المهدي: المورد البشري طاقة جبارة يجب الاستفادة منها
  • «النقد الدولي» يبدأ مهمة جديدة في أوكرانيا وسط تشديد على مكافحة الفساد
  • «الوقف الصحي» يدشن صندوق دعم الأطفال المصابين بالسكري من النوع الأول
  • صندوق النقد يقدم تمويلا جديدا لبوركينا فاسو
  • الإمارات.. ضاحي خلفان يشعل تكهنات بتدوينة عن شيخ رفض منحة صندوق النقد الدولي