حين يصبح الذكاء بلا بصيرة.. والمشاريع بلا دراسة
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
نحن اليوم في منتصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، نعيش زمن الذكاء الاصطناعي الذي أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها. فالإصرار على تجاهله أو التقوقع بعيدا عنه لن يجلب للأمة إلا مزيدا من الجهل والتخلّف عن ركب الحضارة المتسارع، وإن من يتمسك بأدوات الماضي، كمن يقضي عمره في إنجاز عملٍ يدوي جميل، بينما تنجزه الآلات الحديثة خلال ساعات، فيجد نفسه في نهاية المطاف خارج مسار التقدّم والزمن، أّمَا من يحاول اعتماد الذكاء الاصطناعي في جميع مفاصل الحياة والمشاريع والأعمال، فإنَّه يتحول إلى آلة بعير روح وعقل ذكي بلا بصيرة ، وبين هذا وذاك إنسان يواكب التطور والتقدُّم ويُسند لكل مُهمة من هو أهل لها وأجدر لأدائها على الوجه الأمثل.
الذكاء الاصطناعي بين الحلم والواقع
رغم أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المتنامية في العالم الرقمي والافتراضي، فإن الواقع العملي والعلمي يفرض علينا أن نتعامل معه بعين الوعي والتمييز.
يمكنك أن تطلب من أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي أن يصمم لك مدينة أحلامٍ أسطورية بأجمل صورة يمكن تخيلها، لتكون فيلما رائعا على الشاشة. لكن، هل تسمح قوانين الفيزياء والهندسة والعلوم الطبيعية بتحويل هذه المدينة الخيالية إلى واقع ملموس، أم أنك ستنفق مئات الملايين في وهمٍ من نسج الخيال؟!
وكذلك، يمكنك أن تطلب منه اقتراح طرق مبتكرة لمكافحة التصحر، ولكن هل تستطيع أن تجعل الصحراء واحة خضراء قبل أن توفّر لها الماء والمقومات الطبيعية للحياة؟!
بناء على ذلك، فإن الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في إطلاق المشاريع الكبرى دون دراسة واقعية شاملة يُعدّ مخاطرة جسيمة، فكيف يكون الحال إذا كانت تلك المشاريع تُبنى على محاولات شخصية لصناعة مجدٍ ذاتي، دون أي دراسة مسبقة، وبالابتعاد عن نصائح الخبراء والمتخصصين؟
إن مثل هذه المشاريع لا تنذر إلا بالفشل والهدر، لأنها تقوم على قرارات عاطفية غير مستندة إلى علمٍ أو تخطيط، فتكون النتيجة خسائر مضاعفة يتحمّلها الجميع.
هل يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان؟
نعم، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يصوغ نصا بليغا أو يحسّن أسلوب كتابة، لكنه يظل عاجزا عن أن يكون بديلا لعقل الإنسان وضميره وإحساسه العميق بالقيم والمبادئ، فالمصنوع لا يمكن أن يكون كالصانع، والآلة -مهما بلغت من الذكاء- تظل أداة في يد الإنسان، لا بديلا عن روحه وفكره وإبداعه.
إحدى أهم مشكلات الذكاء الاصطناعي حاليا أنه يلتزم بالإجابة على سؤال المستخدم بمنتهى الدقة، فإن قلت له إنك تريد صورة جميلة سيمنحك إياها، لكنها لن تكون "واقعية" إلا إذا طلبت منه ذلك صراحة. ومن هنا تبرز أهمية التمييز بين الخيال والحقيقة، لتكون النتيجة أن الإنسان لا يمكنه أن يعيش في عالم الوهم، وأن دراسات الجدوى وقرارات المصير تبقى من اختصاص العقول البشرية، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتخذ القرار المناسب بشأنها أبدا.
بين القيم والإتقان العلمي
إن الاستفادة من الإمكانات الحديثة للنهوض بالفرد والمجتمع واجب على الأفراد والحكومات معا، فلا ينبغي لعاقل أن "يعيد اختراع العجلة"، فالحضارة الإنسانية ميراث متكامل تبني الأجيال فيه فوق جهود من سبقها.
ومن هنا، يجب علينا أن نستفيد من أحدث ما توصّلت إليه البشرية في ميدان العلم والتقنية، وأن نضيف إليه من قيمنا وهويتنا ما يجعلنا أمة رائدة كما كانت عبر التاريخ.
لكن، مع ذلك، لا بد من تمييزٍ واضحٍ بين القيم الفكرية والإيمانية التي يجب علينا نشرها والدعوة إليها، وبين العلوم التطبيقية التي ينبغي البحث فيها وإتقانها، لنستعيد مكانتنا بين الأمم بالعلم والإيمان معا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الذكاء الاصطناعي إنسان المشاريع دراسة القيم دراسة إنسان مشاريع قيم الذكاء الاصطناعي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی لا یمکن
إقرأ أيضاً:
بلومبيرغ: الذكاء الاصطناعي لن ينقذ الاقتصاد الأميركي
أكد الكاتب الأميركي والرئيس الأسبق لبنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك بيل دَدلي -في مقالة رأي نشرها في بلومبيرغ- أن الطفرة الاستثمارية في الذكاء الاصطناعي تعزز سوق الأسهم والاقتصاد الأميركي حاليا، لكنه يرى أن الصورة بعيدة المدى "على الأرجح ستكون أقرب إلى التعادل"، وأن الذكاء الاصطناعي "لن يحل المعضلة المالية الخطيرة التي تواجهها البلاد".
ويقول دَدلي في عموده إن تقييم الأثر المستقبلي للتقنية يحتاج إلى الإجابة عن 3 أسئلة أساسية:
ما مدى تأثيرها على الإنتاجية والنمو؟ ما آثارها على سوق العمل والبطالة؟ ما انعكاسها على أسعار الفائدة؟ إنتاجية مبهمة للذكاء الاصطناعيوحسب بلومبيرغ، لا يوجد إجماع حتى الآن حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الإنتاجية.
ويذكّر دَدلي بأن التكنولوجيات الكبرى تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تعيد تشكيل الاقتصاد، مستشهدا بتحولات الكهرباء التي استغرقت عقودا، واقتباس الاقتصادي روبرت سولو عام 1987 بأن الحوسبة تُرى "في كل مكان باستثناء إحصاءات الإنتاجية".
ويشير المقال إلى تباين تقديرات الخبراء، إذ إن الحائز على نوبل دارون أسموغلو يرى أن الأثر لن يتجاوز "أقل من 1%" خلال عقد، بينما قدر اقتصاديون في "غولدمان ساكس" زيادة بنحو 15% عند "اعتماد التقنية بالكامل ودمجها في الإنتاج القياسي".
ويرجح دَدلي أن الزيادة ستكون "متواضعة في البداية، ثم تتسارع تدريجيا" مع انتشار التطبيق الفعلي في العمليات الداخلية قبل الخارجية.
الذكاء الاصطناعي سيستبدل العمال أم سيساعدهم؟ويرى دَدلي -في مقاله المنشور على بلومبيرغ- أن السؤال المركزي في سوق العمل يدور حول إذا ما كانت التقنية ستستبدل العمال أم ستساعدهم على أداء مهامهم.
ويطرح مثال البرمجة، إذ "تُسرع الأدوات الذكية عملية كتابة الشيفرة وتقلل عدد العاملين المطلوبين"، لكنها في الوقت نفسه "تزيد الطلب على البرمجيات" مع انخفاض كلفة التطوير.
إعلانويحذر من أن البطالة قد ترتفع إذا تسببت التحولات السريعة في فقدان عدد كبير من الوظائف خلال فترة قصيرة، مما يؤدي إلى "فترة انتقالية يقف فيها العمال في منطقة رمادية بحثا عن اختصاصات جديدة"، وهو ما قد يرفع معدل البطالة المتوافق مع استقرار الأسعار.
تأثير الذكاء الاصطناعي على أسعار الفائدةويفصل دَدلي أن تأثير الذكاء الاصطناعي على أسعار الفائدة "أكثر مباشرة"، لأن الابتكار يرفع العائد المتوقع على الاستثمار، وفي الوقت نفسه يتطلب "استثمارات ضخمة" في البنى التحتية للطاقة والحوسبة، وهو ما يزيد الطلب على رأس المال ويرفع الفائدة الحقيقية.
ويستحضر الكاتب مثال طفرة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي حين ارتفعت الفائدة الحقيقية إلى أكثر من 3% بفعل بناء الشبكات الوطنية للألياف الضوئية.
وحسب بلومبيرغ، يتوقع دَدلي أن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي "مقدما زمنيا" بسبب سرعة التوسع والحجم الهائل المطلوب للبنية التحتية.
معضلة مالية لا يحلها الذكاء الاصطناعيويرى الكاتب في مقاله أن الأثر المركب للتقنية "لن يكون قادرا على إصلاح المسار المالي غير المستدام" للحكومة الأميركية. فارتفاع الإنتاجية والنمو قد يزيد الإيرادات ويخفض نسبة الدين إلى الناتج، لكن "ارتفاع أسعار الفائدة سيزيد تكاليف خدمة الدين، ويدفع في الاتجاه المعاكس".
ويختتم دَدلي مقاله في بلومبيرغ بالتأكيد أن الذكاء الاصطناعي "مهم بلا شك"، لكنه "لن يغير جذريا آفاق الاقتصاد الأميركي طويلة الأجل"، مضيفا: "يمكن للمرء أن يأمل بالأفضل، لكن الأمل ليس إستراتيجية".