حين ينكمش الإعلام… ويتضخم الفساد! ويُطلب من الأردني أن يصدق رواية بلا رواة!
تاريخ النشر: 19th, November 2025 GMT
حين ينكمش #الإعلام… ويتضخم #الفساد! ويُطلب من #الأردني أن يصدق #رواية بلا #رواة!
بقلم: الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة
إذا كان جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله يقلق، ولكنه لا يخشى إلا الله، فإن الأردنيين من حقهم—بل من واجبهم—أن يقلقوا. وأن لا يخافوا. فالأردن الحر الأبي لا يخشى في الحق لومة لائم، ولا يقبل أن تُدار شؤون دولته في العتمة، بينما يواجه أبناؤه الضباب وحدهم، ويتخبطون في ظلال روايات مبتورة، وصمت رسمي مُطبِق.
نحن اليوم أمام مشهد يوجع كل من يحمل الأردن في قلبه. وطنٌ تتكاثر فيه الأسئلة، وتتعالى فيه الهمسات، ويملأ فضاءه القلق… بينما الإعلام الذي يفترض أن يكون صوت الدولة ونافذتها إلى الحقيقة يقف مثل تلميذ خائف في الصف، يتهيّب من رفع إصبعه، ويخشى قول كلمة حق أكثر مما يخشى الفاسدين أنفسهم. إعلام مرتجف، متردد، متلعثم… إعلام يختبئ خلف البيانات الجوفاء، ويهرب من الأسئلة الحقيقية، وكأن الوطن لا يستحق رواية صادقة.
مقالات ذات صلةفي الأيام الماضية، اهتزّت البلاد على وقع قضية الاستثمار وما رافقها من تساؤلات. والفضيحة ليست في الأسئلة بحد ذاتها، بل في غياب الإجابات. الجميع يعرف أن الصين تستثمر في كل مكان، بل تستثمر في “تويّة أفريقيا”، وفي دول لا ماء فيها ولا كهرباء. لكنها—ويا للعجب—ابتعدت عن الاستثمار في الأردن! لماذا؟ من يجيب؟ الإعلام الرسمي غائب، وكأن القضية تحدث في كوكب آخر.
الإجابة جاءت من الناس… من إعلام المواطن، لا إعلام الوطن. مشروع العطارات كما تردد، كان سيجلب مليارات للصين، وسبعة مليارات للأردن، لكن جزءًا كبيرًا من تلك الأموال كان سيذهب لجيوب من “رتبوا الصفقة وغنائمها”. ولولا تدخل الجهات الأمنية، لكان الأردن اليوم غارقًا في كارثة مالية. ومع ذلك لم يخرج مسؤول واحد ليصارح الأردنيين.
ضاعت فرصة… وضاعت مليارات… وضاعت ثقة.
وفي السياق ذاته، تردد أن المستثمر الأردني زياد المناصير—وهو من أكبر المستثمرين وأكثرهم تأثيرًا في قطاع الطاقة—تعرض لضغوط وإشكالات في مسار أعماله. وإذا كان رجل أعمال بحجم المناصير يواجه عراقيل من النوع الذي جرى الحديث عنه، فكيف لمستثمر صغير أو متوسط؟ وكيف سيأتي مستثمر أجنبي إذا كان المستثمر الأردني نفسه لا يشعر بالأمان في وطنه؟
إنها رسالة قاسية ومؤلمة، تقول إن بيئة الاستثمار في الأردن ليست طاردة فحسب، بل مختنقة بصراعات المصالح والنفوذ.
وهنا يحضرني سرٌ رواه لي صديق قديم كان قريبًا من الملك الحسين رحمه الله، وشاهدًا على ما لا يراه عامة الناس. قال لي يومًا: “يا دكتور محمد… الفساد في الأردن أكبر مما تتخيل. حتى رئيس الوزراء—صاحب الولاية العامة—لا يستطيع مواجهته. محاولته تشبه من يريد تكنيس ملعب كرة قدم بفرشاة أسنان!”
تلك الجملة تلخص عقودًا من الألم الوطني، وتوضح أن الولاية العامة ليست سوى نص جميل في الدستور، لكنه في الواقع مُفرغ من جوهره.
ومجلس النواب يتحمل نصيبًا ثقيلًا من المسؤولية. فهو الذي يشرّع القوانين ويمتلك القدرة على الرقابة، لكنه اختار الطريق الأسهل: منح المسؤول سلطات دون مساءلة، وترك الفساد دون تجريم حقيقي. وهكذا تحولت المناصب إلى مكاسب، والمواقع العامة إلى مزارع خاصة، بينما المواطن يشاهد مسرحًا عبثيًا لا نهاية له.
ولا يكتمل الحديث عن الفساد دون الوقوف عند ملف الطاقة. هذا الملف الذي أثقل اقتصاد الأردن لعقود، وتحول إلى منصة ضخمة لشبكات مصالح متغلغلة. ملف الطاقة ليس مجرد أرقام على ورق، بل شبكة معقدة من العقود، والمصالح، والاتفاقيات الثقيلة التي توارثتها الحكومات. وما جرى في مشروع العطارات، وما واجهه المستثمر زياد المناصير، ليس إلا صورة صغيرة من لوحة كبيرة تُظهر كيف تحول هذا القطاع إلى حقل ألغام يمنع الإصلاح ويغذي الاحتكار ويُبقي الدولة رهينة لشبكات النفوذ.
إننا نعيش اليوم لحظة وطنية تتطلب المكاشفة قبل العلاج، والمصارحة قبل الإصلاح. فسمعة الأردن ليست ملكًا لحكومة أو جهة، بل هي رأس مال كل أردني شريف. واستعادة الثقة لن تتحقق بالصمت، ولا بالترقيع، بل بالمصارحة: كيف تُدار الدولة؟ من يعرقل؟ من يستفيد؟ ومن يدفع الثمن؟
أما الإعلام الرسمي، فما زال يعيش في زمن “إخفاء الخبر السيئ”، وكأن الحقائق تختفي إذا لم تُذكر. بينما الحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي، بإمكانات بسيطة، تهزم إعلام الدولة بإمكاناته الضخمة، لأنها تقول ما يخشاه الإعلام الرسمي: الحقيقة.
بئس الإعلام الذي يخشى قول الحق.
وبئس الإعلام الذي يسكت حين يجب أن يصرخ.
وبئس الإعلام الذي يختبئ خلف نصف رواية، بينما الوطن يبحث عن روايته كاملة.
الأردن أكبر من الشائعات، وأكبر من الفاسدين، وأكبر من المتنفذين.
لكنه أصغر من أن يتحمل صمتًا رسميًا طويلًا كهذا.
حفظ الله الأردن،
وحفظ قائده الذي لا يخشى إلا الله،
وأعاد للدولة هيبتها…
وللإعلام جرأته…
وللمواطن ثقته بوطنه قبل كل شيء.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الإعلام الفساد الأردني رواية رواة الإعلام الذی
إقرأ أيضاً:
«ملعب أطفال».. حماس تفضح رواية الاحتلال بشأن قصف عين الحلوة بجنوب لبنان
كذّبت حركة حماس مزاعم جيش الاحتلال الإسرائيلي، بشأن استهداف معسكر تدريب تابع لها في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان.
قصف مخيم عين الحلوةوأكدت حركة حماس في بيان لها مساء الثلاثاء، أن ادعاءات ومزاعم جيش الاحتلال بأنّ المكان المستهدف في مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان "مجمع للتدريب تابع لها" محضُ افتراءٍ وكذب، يهدف لتبرير عدوانه الإجرامي، والتحريض على المخيّمات.
وأشارت حماس إلى عدم وجود منشآت عسكرية في المخيّمات الفلسطينية في لبنان، مشيرة إلى أن المكان المستهدف ملعب رياضي مفتوح يرتاده الفتيان، ومعروف لعموم أهالي المخيم.
وقالت حركة المقاومة إن من تم استهدافهم في القصف الإسرائيلي مجموعة من الفتية كانوا متواجدين في الملعب لحظة الاستهداف، مضيفة "ندين ونرفض العدوان الصهيوني الذي استهدف مكاناً مكتظّاً بالمدنيين وقريباً من أحد المساجد، ونعدّه اعتداءً وحشياً على شعبنا الفلسطيني الأعزل وعلى السيادة اللبنانية".
مجزرة عين الحلوةوأكدت حركة حماس في بيانها أن "هذا العدوان الإرهابي على مخيّم عين الحلوة هو استمرار للاعتداءات الصهيونية الإرهابية على شعبنا في غزة والضفة، والاعتداءات المتواصلة على لبنان"، محملة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة النكراء بحق الشعب الفلسطيني وبحق الدولة اللبنانية.
يذكر أن وزارة الصحة اللبنانية، أعلنت أمس الثلاثاء عن استشهاد 13 مواطنا وإصابة آخرين جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لمخيم عين الحلوة بمدينة صيدا جنوبي البلاد.