تجييش القبائل والعسكر.. ماذا يجري في حضرموت باليمن؟
تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT
يتواصل تصاعد التوتر الأمني والعسكري في محافظة حضرموت شرقي اليمن، وسط صراع نفوذ لافت في أكبر محافظات البلاد مساحة والغنية بثروات النفط.
ويشترك في هذا الصراع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تشكل عام 2017 ويطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، ويقول إنه يسعى إلى قيام "دولة جنوبية مستقلة" وإعادة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية في 1990 بين دولتي الشمال والجنوب سابقا.
وفي الطرف المقابل حلف قبائل حضرموت الذي تأسس عام 2013، ويضم شخصيات قبلية واجتماعية وأكاديمية ودينية بارزة، ولديه قوات حماية حضرموت، ويقول إنه يسعى إلى حكم المحافظة حكما ذاتيا حفاظا على سيادتها وثرواتها، ويرفض استقدام أي قوات من خارج المحافظة.
وبين الطرفين الأول والثاني هناك آخر ثالث يتمثل في قوات المنطقتين العسكريتين الأولى والثانية، وهما تابعتان لوزارة الدفاع، لكن قيادتهما منقسمة بين تأييد الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، مما يجعل الواقع في حضرموت أكثر تعقيدا، وسط صراع نفوذ أثار مخاوف الرأي العام في عموم اليمن.
تطور الصراع
ومنذ نحو أسبوع تطور الصراع بشكل ملحوظ عقب دفع المجلس الانتقالي الجنوبي بتعزيزات عسكرية يطلق عليها قوات "الدعم الأمني" يقودها العميد صالح علي بن الشيخ أبو بكر المعروف باسم "أبو علي الحضرمي".
وبنبرة حادة، قال الحضرمي في كلمة مصورة وهو يرتدي بزة عسكرية إن قدر حضرموت مرهون بما سماه "الجنوب العربي"، وهو وصف يتخذه المجلس الانتقالي مسمى لدولته التي يسعى إليها في جنوب اليمن.
وأضاف أن ما يقوم به رئيس حلف قبائل حضرموت عمرو بن حبريش في هضبة حضرموت عمل مدان، متوعدا بأن قواته ستقوم بقطع الإمدادات العسكرية عن قوات حماية حضرموت التابعة للحلف الموجودة في هضبة المحافظة.
وعقب هذه التصريحات المثيرة للجدل دفع المجلس الانتقالي بقوات عسكرية من محافظة شبوة إلى حضرموت، مما أدى إلى تزايد المخاوف لدى حلف قبائل حضرموت بشأن نوايا المجلس.
وقادت هذه التطورات حلف قبائل حضرموت إلى لقاء قبلي موسع دعا إليه رئيس الخلف الخميس الماضي، وشاركت فيه شخصيات قبلية واجتماعية وسياسية، واعتبره الحلف لقاء تاريخيا.
وخلال الاجتماع -الذي عُقد في منطقة العليب بهضبة حضرموت- قال عمرو بن حبريش في كلمة مصورة تابعها مراسل الجزيرة نت إن هناك تهديدات تطال حضرموت وأمنها واستقرارها، مما يستدعي التصدي لها بكل الوسائل وعدم التستر على المخاطر والمغالطات.
واستنكر الزعيم القبلي عمرو بن حبريش استقدام ألوية وقوات من خارج المحافظة، في إشارة إلى "قوات الانتقالي" رغم أن حضرموت نموذج في الأمن والاستقرار وتشيد به مختلف القيادات والجهات، حسب تعبيره.
تحشيد وتحركات مقابلة
ورغم حدة الخطابات فإن المجلس الانتقالي وحلف قبائل حضرموت سبق أن أشارا إلى أهمية أمن وتنمية المحافظة والحفاظ على ثروات أبنائها.
في المقابل، يصطدم هذا الخطاب بالتحشيد العسكري على الأرض، وسط تحذيرات من انفجار وشيك للوضع في هذه المحافظة المسالمة.
وفيما يبدو ردا على تحشيد قوات المجلس الانتقالي أعلن حلف قبائل حضرموت تحركا عسكريا فعليا تمثل في سيطرة قواته على حقول النفط التابعة لشركة بترومسيلة التي تعد من أهم الشركات النفطية في اليمن.
وقال زعيم الحلف عمرو بن حبريش -في بيان- إن وحدات من قوات تابعة له "قامت صباح السبت الماضي بتأمين منشآت حقول نفط المسيلة بغرض تعزيز الأمن فيها والدفاع عن الثروات الوطنية من أي اعتداء أو تدخّل خارجي باعتبارها ثروة شعب وتحت غطاء الدولة الشرعية الرسمية".
في المقابل، اتهم قائد المنطقة العسكرية الثانية (تتبع وزارة الدفاع) القوات التابعة لعمرو بن حبريش بـ"اقتحام المنشأة النفطية والاعتداء على القوات الحضرمية المكلفة بحمايتها"، متوعدا بأنه "لن يسمح بذلك وسيضرب بيد من حديد".
ويُتهم قائد المنطقة العسكرية الثانية بأنه موال للمجلس الانتقالي الذي يشارك أيضا في الحكومة المعترف بها دوليا وفي مجلس القيادة الرئاسي، مما يجعل الوضع مليئا بالتداخلات والتعقيدات.
ولم يستقر الوضع على هذه الحال، بل امتد تأثير هذه التوترات إلى توقف إنتاج النفط وانعكاس ذلك على خدمة الكهرباء، وأعلنت شركة بترومسيلة اليوم الاثنين وقف عمليات إنتاج وتكرير النفط بصورة كاملة لظروف قاهرة بسبب توتر الأوضاع في حضرموت.
وبناء على ذلك توقفت إمدادات وقود الغاز اللازمة لتشغيل محطتين كهربائيتين، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن أجزاء واسعة من حضرموت.
تحديات للصمود
من جهته، يقول أكرم العامري نائب رئيس هيئة التشاور والمصالحة التابعة لمجلس القيادة الرئاسي إن حضرموت تواجه أكبر التحديات في تاريخها المعاصر.
وحذّر العامري -عبر بيان- من انفجار وشيك في حضرموت، مضيفا أن المسؤولية والمصلحة العامة تقتضيان فتح القنوات السياسية مع كافة الأطراف المؤثرة للتوافق على خريطة طريق يتم بموجبها "منع وإيقاف العدوان وإخراج كافة القوات العسكرية غير الحضرمية وإعادة ترتيب القوات العسكرية الحضرمية، بما يضمن سيطرتها على كافة جغرافيا حضرموت".
بدوره، يتوقع المحلل السياسي عبد السلام قائد استمرار مسار الصراع في حضرموت بشكل متصاعد.
واعتبر قائد أن المجلس الانتقالي يبدي إصرارا في السيطرة الكاملة على المحافظة، في حين يرفض حلف قبائل حضرموت هذا النفوذ بشكل قاطع ويصر على مسار مختلف تماما لإدارة شؤون المحافظة بالحكم الذاتي.
ويشير في حديث للجزيرة نت إلى أن حلف قبائل حضرموت يضم معظم الشخصيات البارزة الاجتماعية والقبلية، وينطلق من دافع تاريخي عميق، إذ يرون أن المحافظة رغم كونها من أغنى محافظات اليمن بالثروات النفطية فإنها تعرضت للتهميش والإقصاء المتكرر قبل وبعد تحقيق الوحدة اليمنية.
ونتيجة لذلك -يضيف قائد- أصبح الحلف مصمما على انتزاع إدارة شؤون المحافظة، متمسكا بمطلب الحكم الذاتي واستغلال ثرواتهم المحلية كحل وحيد، لافتا إلى أن المجلس الانتقالي يفتقر إلى حاضنة شعبية كبيرة في حضرموت، وهو ما يمثل نقطة ضعف جوهرية في إستراتيجيته للسيطرة.
وأوضح أن هذا النقص في الدعم الشعبي أجبر المجلس على الدفع بقوات عسكرية من خارج المحافظة لفرض نفوذه، مما استفز أبناء المحافظة بشكل كبير، وعزز موقفهم الرافض لما يعتقدون أنه هيمنة طرف خارجي، مما يغذي الاستقطاب الحالي ويجعل الصدام أمرا مرجحا.
دور الخارج
من جهته، وصف الصحفي اليمني المتابع لتطورات حضرموت فارس الحميري ما يجري في المحافظة الغنية بأنه فتنة بين الإخوة تغذيها أطراف من خارج جغرافيا المحافظة، وقد تجرها إلى وضع حرج للغاية.
وأشار الحميري في حديث للجزيرة نت إلى وجود تصاعد كبير في التوتر، وتحشيد عسكري واسع من جميع الأطراف، محذرا من أن ذلك ينذر بانفجار الأوضاع بشكل كبير.
كما حذر الحميري من تداعيات خطيرة لهذا الصراع على أبناء المحافظة، وعلى المقدرات الوطنية في مختلف مناحي الحياة العامة فيها، واعتبر أنه ستكون للصراع أيضا ارتدادات سلبية على المجلس الرئاسي والحكومة وبين الأطراف والمكونات المنضوية تحت مظلة "الشرعية".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن حضرموت حلف قبائل حضرموت مليشيا الانتقالي صراع المجلس الانتقالی حلف قبائل حضرموت عمرو بن حبریش فی حضرموت من خارج
إقرأ أيضاً:
حضرموت على صفيح ساخن.. ما الذي يحدث حول حقول النفط؟
تشهد محافظة حضرموت جنوب شرق اليمن توترا عسكريا بعد اشتباكات، أمس الأحد، بين قوات حلف قبائل حضرموت والمجلس الانتقالي، قرب منشأة نفطية إستراتيجية، وهو ما ينذر بتشظ جديد للبلاد ودخولها في طور آخر من الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد والمدفوعة بنزعات استقلالية وأجندة إقليمية.
ويتنازع المحافظة الغنية بالنفط 3 أطراف رئيسية، الأول الحكومة الشرعية في عدن المتمسكة بوحدة اليمن، والثاني المجلس الانتقالي، الساعي إلى الانفصال والذي يرى في حضرموت جزءا لا يتجزأ من مشروع دولة "الجنوب العربي". والثالث حلف قبائل حضرموت، الذي يدفع باتجاه حكم ذاتي وإدارة محلية بعيدة عن تدخلات الحكومة المركزية والمجلس الانتقالي الجنوبي على حد سواء.
ما الذي يحدثدفع المجلس الانتقالي في اليمن بألوية ووحدات عسكرية تحت مسمى قوات "الدعم الأمني"، بقيادة العميد صالح علي بن الشيخ أبو بكر المعروف باسم "أبو علي الحضرمي"، وذلك في "محاولة للسيطرة على المحافظة ومكامن النفط" كما يقول زعيم حلف قبائل حضرموت ووكيل أول محافظة حضرموت عمرو بن حبريش.
يأتي هذا التحرك العسكري بعد قيام قوات "حماية حضرموت" المدعومة من حلف القبائل، بتأمين منشآت حقول نفط المسيلة، استباقا لسيطرة قوات "الدعم الأمني" عليها.
ويقول تحالف قبائل حضرموت إن هناك مشروعا للسيطرة على نفط حضرموت يشمل حقول الإنتاج وخطوط النقل وموانئ التصدير، وإن السيطرة على ميناء الضبة ومحاولة الوصول إلى شركة بترومسيلة تعد جزءا من هذا المشروع.
وأكد حلف قبائل حضرموت في بيان عقب اجتماع موسع له أن أي تمركز لما سماها "قوات خارجية" على أرض حضرموت يُعدّ "احتلالا" وسيجري التعامل معه بالقوة، واتخاذ خطوات وصفها بأنها "حاسمة" لمواجهة ما قال إنها تحركات خطرة تقوم بها قوى وافدة من خارج المحافظة.
من جانبه، قال المركز الإعلامي للمنطقة العسكرية الثانية التابع للمجلس الانتقالي إنه دفع مساء الأحد بعدد من الألوية العسكرية لدعم وإسناد القوة المتواجدة في المنشآت النفطية بقطاع المسيلة.
إعلانلكنه اتهم القوات التابعة لعمرو بن حبريش "باقتحام المنشأة النفطية والاعتداء على القوات الحضرمية المكلّفة بحمايتها"، مؤكّدا أنه "لن يسمح بذلك وسيضرب بيد من حديد".
ما خلفية الصراعتحظى حضرموت بأهمية إستراتيجية بالغة، إذ تمثل 36% من مساحة البلاد، وتضم موانئ رئيسية كميناءي المكلا والشحر، إضافة إلى ميناء الضبة النفطي، وتنتج نحو 80% من نفط اليمن، فضلا عن امتلاكها أكبر احتياطي نفطي ما يجعلها بوابة اقتصادية وسياسية يتنافس الجميع للسيطرة عليها.
وفي مقابل تلك الأهمية يقول أبناء حضرموت إن ثروات المنطقة لا تنعكس على المحافظة وأهلها إذ يعانون من تردي الخدمات وغياب الحلول الحكومية، كما أنهم لا يحظون بتمثيل حقيقي في إدارة محافظتهم ومواردها النفطية.
ورغم أن حضرموت بقيت بعيدة عن المواجهات المباشرة بين الحكومة الشرعية والحوثيين خلال سنوات الحرب، فإنها عانت من تداعيات الصراع وبسط النفوذ المحلي والإقليمي.
فالحكومة الشرعية في عدن تتمسك بوحدة اليمن، في حين يسعى المجلس الانتقالي لبسط سيطرته على حضرموت في إطار مشروعه الانفصالي عن اليمن، أما الضلع الثالث في المثلث الذي يتنازع حكم حضرموت فهو حلف قبائل حضرموت، الذي يدفع باتجاه حكم ذاتي وإدارة محلية بعيدة عن تدخلات الحكومة المركزية والمجلس الانتقالي الجنوبي على حد سواء.
هذا المزيج من المطالب، الحكم الذاتي من جهة، والانفصال من جهة ثانية جعل حضرموت ساحة صراع نفوذ داخلي وإقليمي، بين قوى محلية (قبائل، نخب محلية) وقوى مدعومة من جهات خارجية.
ما هو حلف قبائل حضرموتحلف قبائل حضرموت هو تشكيل قبلي تعود جذوره إلى عام 2013 كإطار شعبي وقبلي يسعى إلى نيل الحقوق وتحقيق شراكة عادلة في السلطة والثروة، وعرف عنه مناهضته للمجلس الانتقالي الجنوبي.
يسعى الحلف إلى تطبيق الحكم الذاتي في المحافظة، وبات يملك قوة عسكرية في عدد من مديريات حضرموت مترامية الأطراف ولا تخضع لوزارة الدفاع اليمنية. ويتبنى الحلف خطابا يدعو لتمكين سكان حضرموت من إدارة شؤون محافظتهم بعيدا عن الوصاية المركزية.
ويقول مراقبون ومحللون سياسيون إن حضرموت، أكبر محافظات اليمن مساحة وأغناها بالنفط، تشهد تداخلا معقدا بين القوى العسكرية المحلية والإقليمية، وسط تنافس متصاعد على النفوذ وتطورات عسكرية على الأرض تنذر بإضافة المزيد من الانقسامات في البلاد التي تعاني من ويلات الحرب منذ أكثر من عقد.
وتخضع محافظة حضرموت لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا ويدعمها تحالف تقوده السعودية تدخّل في البلاد في مارس/آذار 2015 بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء.
ما موقف الحكومة الشرعيةلم يصدر أي تعليق وزاري من الحكومة اليمنية حتى الآن، كما لم تتخذ الحكومة الشرعية أي إجراء لتخفيف حدة الاحتقان في محافظة تنعم باستقرار نسبي، خاصة مع لهجة الخطاب الحادة والتهديدات والحشد العسكري من جميع الأطراف.
وحذر عضو مجلس القيادة الرئاسي باليمن فرج البحسني من أن حضرموت تمر بمرحلة وصفها بأنها "الأخطر منذ عقود"، داعيا إلى وقف التصعيد الذي قد يدفع المحافظة نحو صراع داخلي "لا رابح فيه".
وقال البحسني، وهو محافظ سابق لحضرموت، في بيان إن المحافظة تساق نحو "انقسامات لا تخدم إلا أعداءها"، محذرا من أي محاولات لاستعراض القوة وذلك بعد بيان أصدرته السلطة المحلية بقيادة المحافظ المعزول مبخوت بن ماضي وتضمن تحذيرات من خطوات قد تدفع نحو "الفوضى".
إعلانويرى تقرير صادر عن مركز سياسات اليمن أن غياب الدولة المركزية وسّع من مساحة النفوذ القبلي، وعزز الانقسامات المحلية، مما يهدد بتحول المحافظة إلى ساحة صراع جديدة، ما لم يتم احتواء التوترات المتصاعدة.