زوتوبيا 2.. مغامرة تكشف ما لا تقوله المدن الفاضلة
تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT
عام 2016 عُرض فيلم رسوم متحركة أحدث ثورة حقيقية في عالم أفلام التحريك، وهو "زوتوبيا" (Zootopia)، الذي استخدم شخصيات حيوانية تمثل البشر، وقدم قصة ممتعة وحبكة ذكية تتناول قضايا مهمة مثل التحيز والتمييز الاجتماعي. ولم يكن الفيلم موجها للأطفال فحسب، بل قدم نقدا اجتماعيا ذكيا، وحقق نجاحا نقديا وجماهيريا كبيرا، وفاز بأوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة.
وبعد نحو 9 سنوات يأتي الجزء الثاني "زوتوبيا 2" (Zootopia2) ليواصل النجاح نفسه، وربما يتفوق عليه أيضا، فالقصة لا تزال مسلية ومليئة بالمفاجآت، والشخصيات المحبوبة مثل الأرنبة جودي هوبس والثعلب نيك وايلد تعود من جديد. لكن ما يميز هذا الجزء هو أنه لا يقدم مغامرة جديدة فقط، بل يتناول كذلك قضايا اجتماعية واقتصادية واقعية تشبه كثيرا ما نعيشه اليوم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2فيلم "أحلام قطار".. صوت الصمت في مواجهة الزمنlist 2 of 2"زوتوبيا 2" يكتسح شباك التذاكر الأميركي بإيرادات قياسية في عطلة عيد الشكرend of listفيلم "زوتوبيا 2" من إنتاج أستوديو والت ديزني للرسوم المتحركة، ويشارك في إخراجه جاريد بوش وبايرون هوارد، والسيناريو من تأليف جاريد بوش. ويضم العمل مجموعة من أبرز الأصوات التي شاركت في الجزء الأول إلى جانب شخصيات جديدة، من بينهم جينيفر جودوين في دور جودي هوبس، وجيسون بيتمان في دور نيك وايلد، وكي هوي كوان الذي يقدم صوت شخصية جديدة في عالم زوتوبيا.
View this post on Instagram بين زوتوبيا المبهرة والواقعية القاسيةيبدأ "زوتوبيا 2" بعد فترة قصيرة من انتهاء أحداث الجزء الأول، حيث يصبح كل من الثعلب نيك وايلد والأرنبة جودي هوبس فريقا واحدا. وبينما تتحمس الأخيرة للمغامرات القادمة التي سيخوضانها معا، يقعان في فخ البيروقراطية الحكومية، ويطلب منهما رئيس الشرطة القيام بأعمال روتينية لا تحقق طموح جودي.
خلال مطاردة تقوم بها جودي ويتورط فيها نيك خلافا للأوامر، تكتشف وجود زاحف داخل زوتوبيا، وتحديدا ثعبان، وهو أمر ممنوع بموجب قوانين المدينة التي تأسست قبل مائة عام على يد عائلة لينكسلي المنتمية إلى حيوان الوشق. وقد جرى إقصاء كل الزواحف، وهو قرار بدا منطقيا في حينه، قبل أن تتبع جودي خيوط الحقيقة لتكشف معلومات تقلب موازين المدينة.
إعلانوفي حين استعرض الجزء الأول تفاصيل مدينة زوتوبيا التي تجمع كل أنواع الكائنات، فإن الجزء الثاني يأخذنا في رحلة زمنية وجغرافية مختلفة. فهو يعود إلى الماضي لاستكشاف جذور تأسيس المدينة وأسرارها، كما يفتح أبواب مناطق وأحياء جديدة -حتى بالنسبة لجودي- تلك التي تعيش فيها الطبقات الأدنى من التراتبية الاجتماعية لزوتوبيا.
تكتشف جودي أن زوتوبيا، وهي تحريف لكلمة "يوتوبيا"، مثل أي مدينة فاضلة أخرى عبر التاريخ، ليست إلا خيالا قائما على محو ضحايا لضمان السعادة لقلة مختارة تمتلك رأس المال والنفوذ والسلطة، وبالتالي تملك القدرة على تحريف الحقائق وإعادة كتابة سجل الوقائع.
هنا تدخل شخصية الثعبان غاري (كي هوي كوان)، الذي يعرّف جودي على العالم السفلي للمدينة، وعلى الفئات التي قرر النظام تهميشها ووضعها خارج حدود زوتوبيا، تلك الحدود التي تتآكل يوما بعد يوم لتتحول منازل سكانها المطرودين إلى أساس لمجمعات سكنية جديدة يسكنها الأغنياء.
لا يمكن فصل قصة الفيلم، التي قد تبدو خيالية، عن الواقع المعاش اليوم، الواقع الذي يفرض نفسه على الأعمال السينمائية حتى تلك الموجهة للأطفال.. واقع توحش فيه رأس المال بصورة أشد مما كان عليه قبل عقود قليلة، وفيه تفقد الحقيقة ملامحها وسط زحام الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، ويُهمش أصحاب الحقوق بين ضجيج صليل المال وسلطة الخطاب العام.
View this post on Instagram تسلية للكبار والصغارفي الجزء الأول قدم فيلم "زوتوبيا" مدينة مثالية نابضة بالحياة من الناحية البصرية، يوتوبيا تتحقق فيها المساواة والتنوع بين كل المخلوقات، وتتجاور فيها الأنواع المختلفة بلا صراع في الظاهر. غير أن الأحداث كشفت طبقات أخرى خلف السطح: الأرانب المحكومة بالبقاء في المزارع، والثعالب المنبوذة، وصراع التراتبية غير المرئي، وينتهي الفيلم الأول بتصالح جودي ونيك، ليعود بريق المدينة المثالية من جديد.
أما الجزء الثاني فيزيح الستار عن طبقات لم تُكشف من قبل، ويعرض واقعا أكثر قسوة وتعقيدا، فخلف الشوارع النظيفة هناك أحياء منسية تعيش فيها الفئات الأدنى التي لا تراها السلطة ولا يعترف بها سكان المركز، مما يسهل محوها من الواقع ومن ثم التاريخ، وإذا كان الجزء الأول قد احتفى بفكرة التنوع، فإن الجزء الثاني يذكر بأن هذا التنوع قد يخفي في داخله آليات إقصاء قديمة، وأن المدينة الفاضلة لا تكون كذلك إلا من منظور من يملكون السلطة لرواية قصتها.
يقدم الفيلم طبقات متعددة من الدلالات بذكاء يسمح لكل فئة عمرية بأن تستمتع بتجربة خاصة، فالطفل يرى في "زوتوبيا 2" مغامرة ممتعة مليئة بالشخصيات اللطيفة والمطاردات السريعة والدروس البسيطة عن الشجاعة والصداقة وقبول الآخر.
View this post on Instagramأما المشاهد البالغ فيقرأ ما وراء الحبكة، ويلتقط إشارات أعمق حول السلطة والخوف وتشكيل الخطاب العام، وكيف تُصنع الصور النمطية في المجتمعات الحديثة، وتُعاد صياغة الطبقية في المدن الكبرى اليوم، وهكذا ينجح الفيلم في أن يكون مرحا وسهل التلقي للصغار، وفي الوقت نفسه عملا ثريا يفتح أبوابا متعددة للتأويل لدى الكبار، دون أن يشعر أي طرف بأنه خارج معادلة صُناع العمل.
إعلانيعد "زوتوبيا 2" من أبرز المرشحين لجائزة أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة هذا العام، فهو يجمع بين الإبهار البصري والصياغة المحكمة، ويقدّم تسلية مضمونة لكل متفرج أيا كانت فئته العمرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الجزء الثانی الجزء الأول زوتوبیا 2
إقرأ أيضاً:
محللون: قرار ترامب ضد فنزويلا مغامرة كبيرة وهذه أهدافه الحقيقية
فجّر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إغلاق المجال الجوي الفنزويلي تساؤلات واسعة عن أهداف واشنطن الحقيقية، وما إذا كانت المنطقة تتجه نحو مواجهة عسكرية مفتوحة، في خضم أجواء التصعيد والتحشيد الأميركي.
وأعاد القرار، الذي تبعته تسريبات عن مداولات داخل البيت الأبيض بشأن ضربات عسكرية محتملة، إحياء الجدل في نفوذ الولايات المتحدة في "حديقتها الخلفية"، وكذلك مستقبل حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.
فمن وجهة نظره، يرى الكاتب والمحلل السياسي علي فرحات، أن نقاش شرعية قرار ترامب صار غير مجد، إذ تتصرف واشنطن "خارج أي محاسبة"، وماضية نحو خيار عسكري واضح.
ويضيف فرحات -خلال حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر"- أن إغلاق المجال الجوي يمثل "إشارة متقدمة" على أن الولايات المتحدة هي "قاب قوسين أو أدنى" من بدء عمليات قد تشمل ضربات جوية تستهدف مؤسسات ومراكز حكومية تربطها بملف المخدرات، وهي السردية التي تستخدمها واشنطن لتبرير تحركها.
وكان ترامب قال، إن على شركات الطيران وتجار المخدرات والمتاجرين بالبشر اعتبار المجال الجوي فوق فنزويلا مغلقا بالكامل، مطالبا الجميع بالالتزام بهذا التوجيه.
وأعقب تصريح ترامب تسريبات إعلامية نقلا عن مصادر سياسية وعسكرية أميركية كشفت عن تقديم وكالات استخبارية أميركية معلومات إلى الجيش الأميركي عن مواقع لأهداف في كل من فنزويلا وكولومبيا.
ووفق فرحات، فإن الهدف الإستراتيجي الأعمق يتمثل في تصفية حساب مع حكومة مادورو، وإيصال رسالة للدول اللاتينية مفادها، أن المنطقة ستبقى ضمن النفوذ الأميركي.
ويشير إلى أن قنوات التفاوض السابقة اصطدمت بـ3 مطالب أميركية اعتبرتها كراكاس "تعجيزية": وهي تقليص الوجود الروسي والصيني، وفتح الأسواق للشركات الأميركية، والقبول بمرحلة انتقالية يرحل فيها مادورو.
وفي ضوء هذه التطورات، أعرب فرحات عن قناعته بأن واشنطن اتخذت قرارها، وأن العملية العسكرية تهدف في نهاية المطاف إلى "إسقاط النظام الفنزويلي".
الخيار المفضل
في المقابل، يقول كبير الباحثين في المجلس الأميركي للسياسة الخارجية جيمس روبنز، إن قرار ترامب يستند إلى عدم اعتراف الولايات المتحدة بشرعية حكومة مادورو، وإن إغلاق الأجواء يأتي ضمن ما وصفه بـ"الدبلوماسية القسرية".
إعلانويهدف القرار أساسا إلى زيادة الضغط على حكومة مادورو، لدفعها -حسب روبنز- إلى الانخراط في محادثات أو تهيئة الظروف لتغيير الحكومة، إذ تتعامل واشنطن مع كراكاس "كسلطة غير شرعية".
ويعتبر أن مواجهة "كارتيل دي لوس سوليس" -وهي شبكة فنزويلية متهمة بتهريب المخدرات إلى أميركا- جزء من إطار أوسع يشمل مكافحة المخدرات والهجرة غير الشرعية وحماية مصادر الطاقة ووقف تمدد روسيا والصين وإيران في أميركا اللاتينية.
من جهتها، سارعت الحكومة الفنزويلية إلى إدانة قرار ترامب بشأن المجال الجوي الفنزويلي واعتبرته عدائيا وأحاديا وتعسفيا. كما تعهدت -في بيان- بمواصلة الدفاع عن أجوائها بكل الوسائل القانونية وبالرد بثبات على أي تهديد لسيادتها.
ووفق روبنز، فإن الخيار المفضل لواشنطن ليس الحرب، بل رحيل مادورو إلى المنفى، يعقبه عفو على المسؤولين وتنظيم انتخابات بإشراف حكومة مؤقتة.
لكن المتحدث الأميركي يؤكد في الوقت نفسه، أن الولايات المتحدة "جاهزة للضربات" إن تعذر الوصول إلى هذا السيناريو.
مغامرة كبيرة
أما أنخيل رافاييل تورتوليرو، الدبلوماسي السابق وعضو الجمعية الوطنية في كراكاس، فقد وصف قرار ترامب بأنه "اعتداء على السيادة الفنزويلية" ويجسد منظورا استعماريا تجاه المنطقة.
ويؤكد أنخيل رافاييل، أن الاتهامات الأميركية بشأن المخدرات "لا تستند لأي دليل"، وأن واشنطن تستخدمها ذريعة لاستكمال سياسة بدأت في ولاية ترامب الأولى لفرض الهيمنة على أميركا اللاتينية.
ويضيف أن الانتخابات الفنزويلية "شرعية ولم يعترض عليها الشعب"، مشيرا إلى وجود قنوات تواصل، وإن كانت غير مباشرة، بين حكومة مادورو وإدارة ترامب.
ورغم ذلك، فإن فنزويلا "لن تغير من موقفها إزاء الدفاع عن استقلالها"، مضيفا أن كراكاس وحلفاءها من الدول تتشارك رؤية "متعددة الأقطاب".
وحسب فرحات، فإن قرار ترامب بإغلاق المجال الجوي الفنزويلي يمثل مغامرة كبيرة، قد تجر المنطقة إلى مواجهة عسكرية واسعة تنعكس على كامل القارة اللاتينية.
ويعيد هذا السيناريو -في رأيه- إلى الذاكرة سجل الانقلابات والدعم الأميركي للأنظمة غير الديمقراطية في المنطقة، مما يهدد بإشعال موجة عدم استقرار تطال دول الكاريبي وأميركا الجنوبية بأسرها.