قمة المنامة والتحديات الحقيقية
تاريخ النشر: 2nd, December 2025 GMT
تنطلق اليوم في المنامة عاصمة مملكة البحرين الشقيقة القمة الخليجية السادسة والأربعون للمجلس الأعلى بحضور قيادات وممثلي الدول الأعضاء الست، حيث تعقد القمة الخليجية في ظل متغيرات وظروف جيوسياسية في غاية التعقيد والصعوبة على صعيد الإقليم والعالم، وفي ظل حروب وصراعات مشتعلة في أكثر من منطقة جغرافية؛ كالعدوان الصهيوني على قطاع غزة وعموم فلسطين، والحرب في السودان، والانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها مليشيات الدعم السريع المتمردة.
وهناك الموضوع الأهم في تصوري، وهو وضع مجلس التعاون الخليجي نفسه بعد ٤٦ عامًا من التأسيس في مايو ١٩٨١، والقمة الأولى التي عقدت في أبوظبي بحضور الآباء المؤسسين لهذه المنظومة الخليجية.
مجلس التعاون الخليجي كمنظومة هبت عليه عواصف سياسية واقتصادية كبيرة بداية من الحروب والصراعات في المنطقة، ومرورًا بالأزمات الاقتصادية والصحية وانتهاء بأكبر التحديات التي واجهها مجلس التعاون الخليجي وهو اندلاع الأزمة الخليجية عام ٢٠١٧ بين عدد من دول المجلس، وهي أزمة سياسية كبيرة كادت أن تعصف بمنظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل أن تنهي قمة العلا السعودية عام ٢٠٢٣ الأزمة التي سببت مشكلات كبيرة على كل الأصعدة.
منظومة مجلس التعاون الخليجي هي منظومة مهمة وحيوية، وتشكل في مجموعها دولا متماثلة في أنظمة الحكم الوراثية، وسط رقعة جغرافية متقاربة وروابط اجتماعية وأسرية كبيرة، علاوة على التاريخ المشترك والمصير الواحد ورابطة الإسلام الحنيف.
وكانت كل العوامل الموضوعية لانطلاق مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتحقيق آمال وتطلعات شعوب المنطقة هو الهدف الأسمى الذي تطلع إليه الآباء المؤسسون ـ رحمهم الله ـ من خلال التعاون وهو المرحلة الأولى إلى التكامل الاقتصادي والاجتماعي والتي تعد المرحلة الأهم نحو إيجاد شراكة اقتصادية حقيقية يشعر بها المواطنون في الدول الست، وهو الأمر الذي تحقق في منظومة الاتحاد الأوروبي ومنظمة آسيان لدول جنوب شرق آسيا.
ومن خلال الوضع الحالي لمجلس التعاون الخليجي لا بد من طرح السؤال الأهم مع انطلاق القمة الخليجية: هل هناك إرادة سياسية نحو الوصول بالتعاون الخليجي إلى التكامل الخليجي على كل المستويات في ظل التحديات الراهنة، أم أن مجلس التعاون الخليجي سيظل في وضعه الحالي الذي جعله يفقد بريقه السياسي في ظل تراجع الاهتمام الشعبي؛ نظرا لعدم تحقيق الحد الأدنى من الطموحات التي تغنى بها الجميع وسط تطلعات الخليج الواحد، في حين تنطلق منظمات إقليمية مثل آسيان بشكل فعال من خلال استراتيجية واضحة جعلت من دول جنوب شرق آسيا نموذجًا للتعاون الاقتصادي. وعلى ضوء ذلك، فإن السؤال الأهم يظل موجودًا حول توالي القمم الخليجية كل عام، كما أن المشاريع الاستراتيجية الفردية لكل دولة موجودة خاصة على صعيد الرؤى والطموحات الوطنية؛ حيث إن لكل دولة رؤيتها الخاصة مع وجود التكامل الأكبر بين الدول الست.
وأمام تلك الرغبة من الشعوب الخليجية لتحقيق آمال مجلس التعاون الخليجي، هناك بعض الإنجازات التي تحققت خاصة على صعيد ربط منظومتي الماء والكهرباء، وفي مجال الاستثمار المشترك، وفي مجال البيئة، وعدد من المجالات التعليمية والرياضية.
٤٦ عامًا من انطلاق منظومة مجلس التعاون الخليجي، هي فترة زمنية كافية لحدوث أثر إيجابي كبير في ظل استقرار الدول الست، والحداثة الاقتصادية، والتنمية الشاملة التي تحققت لدول المجلس، قياسًا بدول جنوب شرق آسيا التي عانت من حروب قاسية في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، كما في الحالتين الفيتنامية والكمبودية علاوة على شح الموارد الطبيعية لدول جنوب شرق آسيا، ومع ذلك، أصبحت تلك الدول يشار لها بالبنان على الصعيدين الصناعي والتقني.
وهناك نماذج مثل: كوريا الجنوبية وسنغافورة واليابان وماليزيا علاوة على عملاق آسيا الصين تؤكد الدراسات ـ من بينها الأمريكية ـ على أنها سوف تتصدر المشهد الاقتصادي العالمي خلال عقود قليلة.
نحن هنا لا نعقد مقارنات بين دول مجلس التعاون الخليجي والآخرين؛ ولكن نتحدث عن الإرادة السياسية للمنظومة الخليجية من خلال مسار واضح للتكامل الاقتصادي والشراكات الحقيقية لخلق كيان خليجي ينافس عالميًا كأحد التكتلات الدولية المهمة، وكسوق ومواقع استراتيجية، وممرات بحرية للتجارة بين الشرق والغرب.
أما إذا تواصلت وتيرة التعاون الحالية فإن مجلس التعاون الخليجي سوف يظل منظمة تقليدية تقترب من أداء الجامعة العربية التي يتلاشى دورها القومي؛ بسبب المواقف السياسية المتناقضة للدول الأعضاء، وأيضا بقاء ميثاقها دون تغيير يذكر منذ عقود. الجميع يتطلع إلى قمة المنامة لإيجاد مفهوم مختلف للعمل الخليجي المشترك، وإنهاء نمطية العمل التقليدية التي أفقدت مجلس التعاون الخليجي الكثير من بريقه.
والآمال والتطلعات المعقودة على القمة الخليجية كبيرة في ظل التحديات التي تواجه المنطقة بشكل عام، وعدوانية الكيان الصهيوني والمخططات التوسعية لحكومة نتنياهو المتطرفة. كما أن الحروب والصراعات في عدد من الدول العربية خاصة ليبيا والسودان وتواصل العدوان الإسرائيلي على لبنان وسوريا تجعل الأوضاع أقل استقرارا.
كما أن حالة اللاحرب واللاسِلم في اليمن تجعل من الملف اليمني من الملفات المعقدة، وتبذل الدبلوماسية العمانية -ولا تزال- جهودًا كبيرة لتحقيق السلام والاستقرار في اليمن وعودة الحياة الطبيعية إلى هذا البلد الشقيق الذي عانى الأمرّين من الحرب الكارثية التي تواصلت على مدى عشر سنوات.
الكل يتطلع إلى قمة المنامة لإيجاد آليات مختلفة للعمل الخليجي المشترك؛ بل إن المطلوب من القيادات الخليجية هو الإسراع في عملية التكامل الاقتصادي والاجتماعي وتوحيد التشريعات والقوانين بين الدول الست، وإيجاد شراكة اقتصادية حقيقية؛ بحيث تنطلق منظومة مجلس التعاون الخليجي نحو آفاق أكبر في ظل وجود المقومات والعوامل الموضوعية التي تجعل من دول مجلس التعاون الخليجي كتلة اقتصادية مهمة على الصعيد الدولي ينعكس أثرها على حياة الشعوب الخليجية، وهنا تتحقق الأهداف والغايات والطموحات من إنشاء مجلس التعاون.
هذا التكامل الاقتصادي مع الشراكة الحقيقية ممكنان في ظل العوامل الموضوعية التي تمت الإشارة إليها؛ حيث وحدة الجغرافيا والتاريخ المشترك والمصير الواحد ورابطة الإسلام الحنيف والروابط الاجتماعية والأسرية والعادات والتقاليد الأصيلة الواحدة، وهو أمر يحتم فكرًا مختلفًا في العمل الخليجي المشترك، وعدم الركون إلى التقليدية والبطء في الحركة، في حين تنطلق التكتلات الأخرى بكل عزم وإرادة سياسية وفكر متقدم.
فهل تشهد قمة المنامة اختراقًا حقيقيًا لمنظومة العمل الخليجي المشترك؟
الجميع يتطلع إلى ذلك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجلس التعاون الخلیجی منظومة مجلس التعاون دول جنوب شرق آسیا الخلیجی المشترک القمة الخلیجیة قمة المنامة الدول الست من خلال
إقرأ أيضاً:
"قمة المنامة" والمسؤولية التاريخية
محمد بن رامس الرواس
تشهد مسيرة مجلس التعاون الخليجي منعطفًا تاريخيًا بالغ الأهمية في قمة البحرين؛ مما يستدعي تواجد جميع القادة الحكماء؛ لأنَّ المرحلة تستدعي حكمة القادة وقدرتهم على قراءة اللحظة، وفهم ما وراء كواليس السياسة ومآلات التحولات الإقليمية والدولية، وفي هذا السياق تبرز أهمية حضور حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- في أعمال القمة الخليجية المرتقبة في المنامة.
ويأتي حضور جلالته- حفظه الله- من منطلق إدراكه العميق بأن مجلس التعاون ليس مجرد إطار سياسي أو اقتصادي؛ بل هو قدر جغرافي ومسؤولية تاريخية تربط شعوب وأنظمة ومصالح ومصير مشترك، وقد كان جلالته، كعادته مبادرًا في اللحظة التي تحتاج إلى من يقف مع أشقائه قادة مجلس التعاون الخليجي لكي يشدوا على أيدي بعضهم البعض لأجل استمرارية المجلس كونه ضرورة استراتيجية تفرض نفسها على الدول الخليجية الست.
كان ولا يزال جلالته حريصًا على أن يؤكد بأنَّ المرحلة المهمة جدًا تتطلب حضورًا مباشرًا وفعّالًا فمسيرة مجلس التعاون الخليجي تحتاج اليوم إلى صوت واضح، وإلى مشاركة صادقة تعيد توحيد الرؤية الخليجية وتُعيد برمجة صياغة رؤاها وتكاتفها وتعاونها.
إن المسيرة الخليجية مرّت بمحطات صعبة وتحديات عديدة، لكن جذور التعاون أعمق من العوائق والتحديات، واليوم يؤكد جلالة السُّلطان المُعظم- حفظه الله- بحضوره أن القوة الحقيقية للمجلس تكمن في قدرته على تجاوز العقبات وصناعة حلول تحفظ المصالح العليا لدولة المجلس؛ حيث إن المستقبل يجب أن يُصنع بإرادة وإيمان القادة لا بمتغيرات الظروف، هذا بجانب إيمان جلالته بأنَّ المجلس قادر على الانتقال إلى مرحلة أفضل لتصبح مرحلة أكثر انسجامًا، وأكثر إدراكًا لمتطلبات الأمن والتنمية والتآزر المشترك.
لذلك جاءت مشاركة السلطان هيثم في هذه المحطة الهامة لمسيرة المجلس كوقفة تاريخية تعكس دورًا فاعلًا لسلطنة عُمان في تثبيت البيت الخليجي، وحرصًا أصيلًا على أن تبقى مسيرة مجلس التعاون راسخة، قابلة للنمو والتجديد، وقادرة على حماية شعوبها في عالم يموج بالتحولات والمتغيرات والتحديات الكبرى.
رابط مختصر