الثورة نت:
2025-12-04@01:30:49 GMT

هل بدأت أمريكا رحلة الهبوط؟

تاريخ النشر: 3rd, December 2025 GMT

هل بدأت أمريكا رحلة الهبوط؟

 

 

بينما تتباهى واشنطن بالكفاءة والنظام والريادة، تكشف الأحداث الأخيرة في الداخل الأمريكي حقيقة مغايرة. فقد أعلنت إدارة الطيران الفيدرالية توقف الخدمات الأرضية جزئيًا في مطار جون كينيدي الدولي في نيويورك بسبب نقص الموظفين، فيما واجه مطار رونالد ريغان الوطني في العاصمة واشنطن تعطّلًا مماثلًا، نتيجة النقص في عدد مراقبي الحركة الجوية.

هذه المؤشرات البسيطة على سطح الواقع تعكس أزمة أعمق في إدارة الدولة الأمريكية، دولة كانت طوال عقود نموذجًا للكفاءة والتنظيم، لكنها اليوم تواجه فشلًا إداريًا يطال أساسيات حياتها اليومية.
الإغلاق الحكومي الأخير الذي أدى إلى تأجيل آلاف الرحلات ليس مجرد حدث فني، بل هو إشارة قوية إلى هشاشة المؤسسات الأمريكية. فالخلل في إدارة المطارات — أحد أكثر القطاعات حساسية وصرامة في العالم — يظهر أن الانقسام السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لم يعد مجرد صراع على السياسات، بل أصبح أداة تهدد سير الدولة نفسها. الخدمات الأساسية التي كانت مفترضة أن تعمل بلا توقف باتت رهينة لمساومات سياسية، ما يعكس هشاشة النظام الإداري ومحدودية قدرة الدولة على الحفاظ على استمرارية الأداء.
ما يزيد القلق أن الأزمة ليست اقتصادية بحتة، رغم أن لها أبعادًا اقتصادية واضحة. الولايات المتحدة تواجه ديونًا عامة تتجاوز 35 تريليون دولار، وعجزًا متناميًا في الميزانية، وتراجعًا في ثقة المستثمرين. الإغلاق الحكومي المتكرر لا يوقف الموظفين فحسب، بل يُجمد سلاسل التوريد، ويعطل النقل والتجارة والسياحة، ويترك أثرًا مباشرًا على الاقتصاد العالمي. وفي الوقت ذاته، تستمر الولايات المتحدة في إنفاق مئات المليارات على الحروب الخارجية وبرامج التسليح، بينما مطاراتها الكبرى تتوقف عن العمل بسبب نقص موظفين، ما يكشف عن فجوة ضخمة بين المظهر الخارجي للقوة والواقع الداخلي الذي بدأ ينهار بصمت.
إن ما يحدث اليوم في أمريكا ليس مجرد عجز إداري، بل رمز لتآكل المؤسسات. فقد أصبحت الدولة التي كانت تُدار بعقل الدولة نفسها تُدار بعقل الحملات الانتخابية، حيث تتحول مؤسسات الخدمة العامة إلى أداة ضغط وحسابات حزبية. الإدارة التي كانت مرجعًا للعالم في التنظيم والكفاءة، أصبحت عاجزة عن أداء أبسط وظائفها الأساسية، وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة على قدرة هذه الدولة على الاستمرار في قيادة المشهد العالمي.
التاريخ يعلمنا أن سقوط الإمبراطوريات لا يبدأ بمعركة خارجية، بل حين تنهار المؤسسات وتغيب روح الانضباط الداخلي. من روما إلى بريطانيا، لم تنهض الإمبراطورية إلا حين استعادت مؤسساتها القدرة على العمل بانسجام. أمريكا اليوم تمشي على الطريق ذاته، فبين الانقسام السياسي العميق، ومؤسسات عاجزة، وقيادة منشغلة بتصدير قوتها للخارج، تترسخ فكرة أن الأزمة أكبر من مطارات متوقفة؛ إنها أزمة ثقة ومصداقية وهيبة مؤسسية.
قد تمتلك واشنطن المال والتقنية والإعلام، لكنها بدأت تفقد الثقة بالمؤسسات، والإيمان بالنظام، والقدرة على الإصلاح الذاتي. هذه الركائز الثلاث هي ما يضمن استمرارية أي قوة عظمى. ومتى اهتزت هذه الأعمدة، تبدأ رحلة الهبوط، حتى لو استمر الطيران فعليًا والشعارات معلقة في السماء.
الرمزية هنا لا تقل أهمية عن الواقع المادي: مطارات متوقفة، رحلات معلقة، موظفون غائبون، كلها صور بسيطة لكنها مؤثرة تعكس حجم التحدي الداخلي الذي يواجه الدولة الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد والسياسة العالمية. في الوقت ذاته، تُظهر هذه المشاهد أن الولايات المتحدة تعيش حالة من الهشاشة المزدوجة: هشاشة سياسية وادارية، وهشاشة اقتصادية متنامية، مما يجعل السؤال عن مصيرها أكثر إلحاحًا.
السؤال اليوم لم يعد مجرد: هل تتراجع أمريكا؟ بل أصبح: إلى أي مدى تستطيع أن تخفي هذا التراجع بينما تتعطل مطاراتها في قلب واشنطن، وتنهار مؤسساتها الأساسية أمام أعين العالم؟ الواقع يفرض أن نعيد النظر في الصورة المثالية التي لطالما عرضتها أمريكا عن نفسها، ويجعلنا ندرك أن القوة الكبرى تبدأ بفقدانها حين تهمل الداخل، مهما حاولت أن تظهره مهيمنًا في الخارج.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد حادث عرضي، بل إشارة مبكرة لتحولات كبيرة محتملة، وقد يكون مطار جون كينيدي ورونالد ريغان أولى علامات رحلة هبوط طويلة للأمة التي طالما اعتُبرت نموذجًا عالميًا للقوة والإدارة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

هند الضاوي: أمريكا تتعامل مع إسرائيل كأنها "سوبر ماركت" لا كدولة

أكدت الإعلامية هند الضاوي، مقدمة برنامج "حديث القاهرة"، أن الولايات المتحدة تتعامل مع إسرائيل بمنطق «السوبر ماركت» وليس كدولة صديقة أو حليف استراتيجي كما يعتقد البعض، مشيرة إلى أن المشهد السياسي داخل إسرائيل يعيش حالة شديدة من التأزّم، مضيفة أن يائير لابيد نفسه أكد أن استمرار بنيامين نتنياهو في منصبه يشكل "خطرًا كبيرًا على إسرائيل".

 

وأوضحت "الضاوي"، خلال تقديم برنامج “حديث القاهرة”، المُذاع عبر شاشة “القاهرة والناس”، أن واشنطن تتعامل مع إسرائيل بطريقة "تنتقص من كونها دولة أو حتى قاعدة عسكرية"، وأن الإدارة الأمريكية ترى في نتنياهو الأداة الأكثر قدرة على خدمة مصالحها، خاصة بعدما تسبب في إضعاف وإقصاء الكوادر السياسية الإسرائيلية التي كانت قد تشكل منافسًا قويًا له.

 

وأشارت إلى أن شخصيات إسرائيلية مثل لابيد أو ليبرمان أو جانتس فشلت في الحصول على الثقة الأمريكية الكاملة، وهو ما يجعل واشنطن "مضطرة للإبقاء على نتنياهو" طالما لا توجد بدائل جاهزة تحقق لها مصالحها في المنطقة، لكنها في الوقت ذاته قد تتخلى عنه إذا واجه أزمات كبيرة تهدد استقرار إسرائيل أو نفوذها.

 

وأضافت أن الولايات المتحدة تراهن على بقاء نتنياهو في السلطة، خصوصًا في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بينما ترى المعارضة الإسرائيلية أن خروج نتنياهو من المشهد السياسي هو "الأمل الأخير" قبل أن "ترحل أمريكا وتترك نتنياهو لمصير مجهول".

 

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض: المحادثات بين واشنطن وروسيا بشأن السلام في أوكرانيا "كانت مثمرة"
  • واشنطن تعتزم تشكيل اللجنة التي ستدير غزة قريباً
  • جائزة أبوظبي.. «رحلة العُمر» التي يُلاحقها «عُشّاق الفورمولا-1»
  • مندوب فلسطين في الأمم المتحدة: غزة كانت ولا تزال جزءًا من الدولة الفلسطينية
  • هند الضاوي: أمريكا تتعامل مع إسرائيل كأنها "سوبر ماركت" لا كدولة
  • ابن سندر|عقار التحدي والصراع.. الدولة تتحدي جبروت المخالفين
  • أمريكا توافق على صفقة مبيعات عسكرية للسعودية
  • أمريكا تطور قنبلة جديدة خارقة للتحصينات.. ما السر وراء السلاح القادم؟
  • أمريكا تلغي رسومها الجمركية على الأدوية البريطانية