هل النظر في المصحف يحفظ البصر؟
تاريخ النشر: 7th, December 2025 GMT
قراءة القرآن لها فضل عظيم، فهو نور يضيء دروبنا بالإيمان، ونرفع به درجاتنا، فإن لقارئ القرآن الأجر العظيم من عند الرحمن، وكما ورد في حديث روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف».
ورد في فضل النظر في المصحف عدد من الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يصح منها شيء، بل منها الموضوع، ومنها الضعيف ضعفاً شديداً.
ومثل هذه الأحاديث لا يستند إليها ولا يعول عليها في إثبات الأحكام الشرعية، لكن صح موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أديموا النظر في المصحف. رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في شعب الإيمان، والطبراني في المعجم الكبير، وقال عنه ابن حجر في فتح الباري: إسناده صحيح.
والنظر المذكور في هذا الحديث الموقوف وفي غيره من كلام العلماء يقصد به: القراءة لا مجرد النظر، كما بين ذلك العلماء.
قال المناوي في فيض القدير: النظر في المصحف. أي: القراءة فيه نظراً. ا.هـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: وقد صرح كثير من العلماء بأن القراءة من المصحف نظراً، أفضل من القراءة عن ظهر قلب. ا.هـ.
وقد قال العلماء بأفضلية القراءة من المصحف، لما في ذلك من الإعانة على القراءة الصحيحة، وتجنب اللحن والخطأ.
وقال المناوي في فيض القدير: فإن القارئ في المصحف يستعمل لسانه وعينه فهو في عبادتين، والقارئ من حفظه يقتصر على اللسان. ا.هـ.
هذا إذا كان الناظر في المصحف يقرأ ما ينظر إليه، أما إذا كان الناظر يقرأ غير ما ينظر إليه، أو كان يُقلب الصفحات دون نظر فيها وهو يقرأ -كما هو حال السائل- فلا نرى مانعاً من ذلك، ما لم يصل إلى درجة العبث أو اللهو بأوراق المصحف، لأن الأصل إباحة مس المصحف للمسلم المتطهر.
هل قراءة القرآن من المصحف تحفظ النظر؟قال العلماء بأفضلية القراءة من المصحف، فقد ورد ما يدل على فضيلة القراءة عن ظهر قلب، كما رواه الدارمي في سننه موقوفاً على أبي أمامة أنه قال: "اقرؤوا القرآن، ولا يغرنكم هذه المصاحف المعلقة، فإن الله لن يعذب قلباً وعى القرآن". وعزاه ابن حجر لابن أبي داود وقال: بإسناد صحيح.
وهذا يدل على أن الأفضلية بالنسبة لكل من القراءتين نسبية، ولذلك قال ابن حجر في الفتح: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. ا.هـ.
يعني: أن الحافظ المُجيد لو قرأ عن ظهر قلب لكان أفضل، والذي لا يحفظ جيداً فالأفضل في حقه أن يقرأ من المصحف، وهكذا.
فقد رويت آثار عن بعض السلف فيها الحث على النظر في المصحف، فقد روى ابن أبي شيبة بسنده عن ابن مسعود قال: أديموا النظر في المصحف.
وكثير من أهل العلم يفضل القراءة من المصحف على القراءة عن ظهر قلب.
قال النووي -رحمه الله- في شرح المهذب: القراءة في المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب، لأنها تجمع القراءة والنظر في المصحف وهو عبادة أخرى. كذا قاله القاضي حسين وغيره من أصحابنا، ونص عليه جماعات من السلف، ولم أر فيه خلافاً. ولعلهم أرادوا بذلك في حق من يستوي خشوعه وحضور قلبه في الحالين، فأما من يزيد خشوعه وحضور قلبه وتدبره في القراءة عن ظهر قلب فهي أفضل في حقه انتهى كلامه رحمه الله.
وقال صاحب كتاب مطالب أولي النهى الحنبلي: وتسن القراءة بمصحف لاشتغال حاسة البصر بالعبادة.
وكان أبو عبد الله -أي الإمام أحمد رحمه الله- لا يكاد يترك القراءة فيه انتهى كلامه.
والذي يظهر من كلام أهل العلم أن النظر في المصحف إنما يكون عبادة إذا كان مقصوداً، وصاحبه التعظيم ونوع التدبر.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: قراءة القرآن لها فضل عظيم قراءة القرآن القراءة من المصحف النظر فی المصحف قراءة القرآن ابن حجر
إقرأ أيضاً:
بيان فضل التذكير بذكر الله وقراءة القرآن الكريم
تضافرت نصوص الشرع الحنيف على بيان فضل ذكر الله سبحانه وتعالى وقراءة القرآن الكريم، فقال تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب 41- 42]، وقال عزَّ وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور﴾ [فاطر: 29].
فضل التذكير بذكر الله وقراءة القرآن الكريموقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ» رواه مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، إلى غير ذلك من النصوص الواردة في فضل ذكر الله تعالى ودعائه.
وتذكير الآخرين بهذا -أي بذكر الله تعالى وقراءة القرآن الكريم والدعوة إليه، والترغيب فيه ممَّن هو أهله، يعد من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها الإنسان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» أخرجه مسلم.
قال العلامة الشيرازي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 263، ط. دار النوادر): [(الهدى): الصراط المستقيم، يعني: من دل جماعة على خير أو عمل صالح، فعمل أولئك الجمع على ذلك الخير، أو عملوا بذلك العمل الصالح، يحصل للذي دلَّهم على الخير من الأجر والثواب مثل ما حصل لكل واحد منهم؛ لأنه كان سبب حصول ذلك الخير منهم، ولولا هو لم يحصل ذلك الخير منهم. (ولا ينقص من أجرهم شيء) بسبب أن حصل له مثل أجورهم جميعًا؛ لأنه لا يؤخذ من أجورهم ما حصل له، بل أعطاهم الله تعالى وإياه من خزانةِ كَرَمه] اهـ.
القرآن الكريم
وقال العلامة ابن الملك الكرماني في "شرح المصابيح" (1/ 165، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [قوله: "مَن دعا إلى هدى"؛ أي: ما يُهتدَى به من الأعمال الصالحة. "كان له"، أي: لذلك الداعي. "مِن الأجر مثلُ أجور مَن تبعَه"؛ وذلك لأنَّ الدعاءَ إلى الهُدى خصلةٌ من خِصال الأنبياء] اهـ.