القضاء الليبي يوعز بتشكيل لجنة للتقصي عن أسباب انهيار سدي درنة
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
اللجنة ستضم 26 عضوًا من النيابة العامة وستكون مهمتها الرئيسية التحقيق في أسباب انهيار السدين التحقيق سيشمل أيضًا استعراض الأموال التي تم صرفها لصيانة السدين
أعلن النائب العام في ليبيا، الصديق الصور، عن تشكيل لجنة تقصي للكشف عن أسباب انهيار السدين الرئيسيين في مدينة درنة.
اقرأ أيضاً : تعرف إلى "سد الموت" الذي تسبب بكارثة في درنة شرق ليبيا
ويأتي ذلك بعد مرور عدة أيام على الحادثة الكارثية التي وقعت في الشرق الليبي، إذ شهدت أجزاء كبيرة منها الدمار والطمر جراء الفيضانات والسيول التي نجمت عن الإعصار دانيال،
وأشار الصديق الصور إلى أن السدين كانا في حاجة ماسة لعمليات صيانة.
وفي مؤتمر صحافي عُقد في درنة مساء الجمعة، أعلن النائب العام عن تكوين اللجنة التي ستضم 26 عضوًا من النيابة العامة، وستكون مهمتها الرئيسية التحقيق في أسباب انهيار السدين والبحث عن الجثث وتحويلها للطب الشرعي.
استعراض الأموالوأكد الصديق الصور أن التحقيق سيشمل أيضًا استعراض الأموال التي تم صرفها لصيانة السدين ومعالجة تصدعهما، وأنه سيتم اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد المتورطين في هذه الحادثة الكارثية.
وكان البرلمان الليبي طالب بالكشف عن أسباب انهيار السدين والمسؤولين عن إهمال صيانتهما، وقد تم التلميح إلى وجود شبهات فساد في ملف صيانة السدود.
يجب الإشارة إلى أن انهيار السدين في درنة أسفر عن وفاة وفقدان الآلاف، وتدمير المدينة بشكل كبير، مما أسفر عن خسائر بشرية ومادية هائلة. تستمر الجهود لتقديم المساعدة للضحايا وإعادة بناء المدينة، وتعزيز إجراءات السلامة المائية لمنع وقوع حوادث مشابهة في المستقبل.
المصدر: رؤيا الأخباري
كلمات دلالية: ليبيا الفيضانات كوارث تحقيق
إقرأ أيضاً:
السوق السياسي الليبي أمام اختبار برلين: هل يغيّر اجتماع الجمعة قواعد اللعبة؟
حين يتحول المجال السياسي إلى حلبة صفقات لا مؤسسات، وعندما تُستبدل شرعية الانتخابات بشرعية السلاح، ويغدو العنف لغة التفاوض الوحيدة، يصبح من المشروع توصيف ما يجري في ليبيا اليوم بمفهوم "السوق السياسي"، لا كمجاز أدبي بل كتشخيص نظري لحالة مركّبة تتقاطع فيها المليشيات بالمال، وتتماهى فيها شرعية الدولة مع اقتصاد الفوضى، السوق الذي لا يعترف بالقانون أو المؤسسات، بل بالقوة والتمويل والتحالفات المتبدّلة. هذا المفهوم كما طوّره عدد من المفكرين من تشارلز تيللي إلى فوكو، يرصد المساحات التي تتحوّل فيها الدولة من حَكم إلى سلعة، ومن كيان سيادي إلى مجال مفتوح للاستثمار السياسي في العنف والفساد، تماما كما عبّر تيللي بقوله: "إن صناعة الدولة تشبه إلى حد بعيد الجريمة المنظمة"، وهي الجريمة التي تتخذ اليوم في ليبيا طابعا رسميا تديره شبكات زبائنية محلية وخارجية تحت لافتة السياسة.
في الحادي عشر من حزيران/ يونيو 2025 أعلنت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتة، عن إعادة تفعيل مسار برلين بعد لقائها برئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في العاصمة طرابلس، في خطوة حملت دلالات رمزية وسياسية عميقة على صعيد إعادة إحياء المسار الدولي الرامي إلى كسر حالة الجمود الليبي، واستعادة الزخم الدبلوماسي لمسارٍ لطالما اعتُبر الإطار الجامع للفاعلين الدوليين والإقليميين المهتمين بالشأن الليبي؛ إذ إن مسار برلين الذي انطلق لأول مرة في مطلع 2020 برعاية ألمانية وأممية، جمع تحت مظلته دولا وازنة كأمريكا وروسيا وتركيا وقطر ومصر وفرنسا وإيطاليا والإمارات والاتحاد الأفريقي، بهدف فرض وقف لإطلاق النار، وتثبيت حظر السلاح، والتمهيد لمسارات دستورية وانتخابية قادرة على إنتاج شرعية وطنية جامعة.
ووفق هذا الإطار تقرر عقد اجتماع للجنة المتابعة الدولية بشأن ليبيا في برلين في العشرين من حزيران/ يونيو، على مستوى السفراء، بتنظيم مشترك بين وزارة الخارجية الألمانية وبعثة الأمم المتحدة، على أن يكون هذا اللقاء الفني محطة تقييم للانسداد السياسي الراهن، وفرصة لمراجعة توصيات اللجنة الاستشارية الأممية المعنية بالإطار الدستوري وقانون الانتخابات، وبحث سبل ترجمتها إلى خطط عملية، تتضمن تحديد الآليات الكفيلة بتنظيم العملية الانتخابية وإنجاز القاعدة الدستورية، إلى جانب طرح قضية انسحاب كافة القوات الأجنبية والمرتزقة باعتبارها مفتاحا لأية تسوية سياسية مستدامة.
وقد أكدت حكومة الدبيبة مشاركتها الرسمية في اجتماع برلين، مشيرة إلى خطوات أمنية اتخذتها وزارة الداخلية لضبط الوضع في طرابلس، أبرزها إعادة الجماعات المسلحة إلى ثكناتها وتفعيل سلطة الدولة، كما أصدر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي القرار رقم 34 لسنة 2025 القاضي بإنشاء لجنة مؤقتة لترتيبات الأمن، في مسعى لإظهار جدية مؤسسات الدولة في التعاطي مع مقتضيات المرحلة المقبلة، والتأكيد على أولوية التوافق الوطني الداخلي، دون أن يعني ذلك رفض الانخراط في مسارات الرعاية الدولية.
غير أن الإعلان عن إحياء مسار برلين لم يخلُ من تداعيات دبلوماسية، لا سيما مع بروز مواقف روسية متحفظة، تعكس قلق موسكو من تغييب دورها أو تهميش مصالحها، وهو ما يسلط الضوء مجددا على طبيعة التحديات البنيوية التي تعترض مسار برلين، في ظل تباينات المواقف الدولية، وتنافس العواصم الكبرى على النفوذ داخل ليبيا.
وتبدو أهمية اجتماع العشرين من حزيران/ يونيو في كونه ينعقد في لحظة مفصلية، ليس فقط لتقييم الحصيلة الهشة للسنوات الماضية، بل لصياغة رؤية قابلة للتطبيق بشأن العملية السياسية، وتحديد الخطوات القادمة بشكل مشترك، عبر آلية لجنة المتابعة التي تضم فرق عمل متخصصة في المسارات الدستورية والانتخابية، والحقوقية، والاقتصادية، والأمنية، وتتفاعل بشكل دوري مع بعثة الأمم المتحدة واللجنة الدائمة المعنية بالشأن الليبي، ما يجعل الاجتماع المقبل اختبارا حقيقيا لمدى جدية المجتمع الدولي، واستعداد الأطراف الليبية للالتزام بما يتم الاتفاق عليه، خاصة وأن نجاح المسار يرتبط عضويا بمدى القدرة على بناء توافق داخلي صلب، يعكس الإرادة الشعبية، ويضع حدا لواقع الانقسام المؤسساتي، ويضمن بيئة آمنة ومحايدة تنظم فيها الانتخابات وفق أسس واضحة، بما في ذلك تفكيك المليشيات، وإنهاء الوجود الأجنبي، وعودة الدولة إلى موقع الفعل بدل الارتهان للمبادرات.
وإذا كان اجتماع برلين المرتقب يمثل لحظة اختبار سياسي دولي، فإن الأزمة الليبية ذاتها ما زالت تُدار بمنطق السوق، لا بمنطق الدولة، سوق تتحرك فيه الفاعلية السياسية وفق معادلات التمويل والسلاح والولاء الخارجي، لا وفق البرامج أو العقد الاجتماعي، ففي طرابلس كما في بنغازي، أصبحت المليشيات وسطاء السلطة الفعليين، بينما تحوّلت موارد الدولة إلى جوائز حرب تُوزّع حسب منطق الغلبة لا الكفاءة، فحفتر يسيطر على العائدات النفطية في الشرق لتعزيز سلطته، بينما تُدار عوائد الغرب الليبي وفق مصالح تحالفات إقليمية ودولية تتقاطع فيها مصالح أمراء الحرب، في حين تُختزل الدولة الليبية إلى هياكل إدارية تصادق على الأمر الواقع وتُغطيه، لا تملكه ولا تغيّره.
وما زاد الطين بلّة أن بعثة الأمم المتحدة ذاتها، بدل أن تكون طرفا فاعلا في بناء الدولة، أصبحت جزءا من شبكة إدارة الأزمة، تديرها بمنطق التوازن الهش، وتراكم المبادرات بدل تفكيك البنية التي أنتجت الأزمة، فكل إحاطة جديدة لا تضيف شيئا سوى رقم آخر في سجل الاجتماعات العقيمة، وكل لجنة استشارية تُنتج حلا جزئيا هشّا، لا يصمد أمام أول اختبار ميداني، وتزداد القناعة بأن ليبيا لا تُدار بل تُستهلك؛ تُستهلك كمساحة للفوضى المربحة، وكحالة وظيفية تخدم أطرافا لم يعد يعنيها الوصول إلى تسوية، بل إدارة الأزمة بما يطيل عمر نفوذها.
وبالنظر إلى تراكم الأزمات البنيوية العميقة التي تعصف بالعملية السياسية في ليبيا، وغياب الإرادة الحقيقية لدى معظم الأطراف المحلية والدولية لتجاوز منطق السوق السياسي القائم على المصالح الضيقة والهيمنة بالمال والسلاح، فإن سقف التوقعات من اجتماع برلين المقرر الجمعة (20 حزيران/ يونيو 2025) يظل منخفضا بشكل واضح. فالانقسامات المؤسسية، والهيمنة المليشياوية التي ترسخت عبر السنوات، وتعدد دوائر النفوذ الخارجي، تشكل مجتمعة عوائق جذرية تحول دون تحقيق أي اختراق جوهري يُحدث فارقا فعليا في مسار التسوية.
وتُضاعف من هذا الواقع الصعب حالةُ الانكفاء الدولي النسبي على وقع الانشغال المتزايد بالحرب الإسرائيلية-الإيرانية، وما سبقها من استنزاف استراتيجي في الحرب الروسية-الأوكرانية، ما أدى إلى تراجع موقع الأزمة الليبية على أجندات القوى الكبرى، دون أن يُسقط ذلك الحاجة الملحة، من وجهة نظر الفاعلين الإقليميين والدوليين المعنيين بالملف، إلى البحث عن تسوية تُنهي حالة التآكل المستمر وتحد من ارتدادات الفوضى الليبية على محيطها.
غير أن ما يُرجَّح أن ينتجه هذا الاجتماع لا يتجاوز حدود البيان السياسي وتكرار التوصيات المعروفة، دون معالجة للأسباب البنيوية التي كرّست منطق السوق السياسي، ما يؤكد أن الخروج من الأزمة لن يكون ممكنا ما لم يُعد التفكير في أدوات المقاربة ذاتها، من خلال إعادة تعريف الأهداف ووسائل الوصول إليها، في ضوء ما أثبته الواقع من أن تدوير الأدوات القديمة لا ينتج سوى إعادة إنتاج الفشل ذاته.
ويظل السؤال المُعلّق: هل يمكن لاجتماع مثل برلين أن يُنهي السوق ويفرض الدولة؟ أم أنه مجرد حلقة إضافية في مسلسل تدوير الانهيار؟