الشيخ فتح الله السلوادي.. آخر شعراء فلسطين الأزهريين.. مسيرة وإنتاج
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
لطالما ذكرنا في هذه السلسلة، أن النهضة الشعرية الفلسطينية لم تبدأ في عشرينيات القرن العشرين، كما هو مشهور. وأن هذه البداية كانت ممهورة بالبُعد العلماني لها، حيث برز الشعراء الجدد من طلاب الجامعات الأجنبية أو الأمريكية البديلة عن العثمانية، بما حملوه من أفكار علمانية، مسحت كل شعرٍ سابقٍ لهم للشعراء الأزهريين المعمّمين، الذين كانوا أعمدة للنهضة الشعرية الأولى التي تبلورت في أواخر القرن التاسع عشر.
فقد كان الأزهر حتى الحرب العالمية الأولى هدفاً لطلبة العلم من الفلسطينيين الذين كانوا يجتمعون في الرواق الشامي هناك، واستناداً إلى دراسة مسحية شملت 240 عالماً من علماء فلسطين في المدة ما بين القرن العاشر الهجري حتى القرن الرابع عشر، تبيّن أن 96 عالماً من هؤلاء تلقّوا العلم في الأزهر، بينما تلقاه 42 منهم في إسطنبول، و24 في دمشق. (دراسة د. كامل العسلي).
ومع سقوط الدولة العثمانية، سقطت في المنطقة أهمية الآستانة علمياً وسياسياً، وعمل الانتداب على ابتداع جيل علماني من خلال عرقلة إجراءات التسجيل في الأزهر وتوعير مسالكها، مقابل تسهيل التسجيل في مدارس البعثات الأجنبية في الناصرة والقدس وبيروت ودمشق.
قلّ عدد المسجلين في الأزهر، وندر شعراؤهم، وتسلّط الضوء على شعراء المدارس والجامعات الأخرى.. وقد برز من فلسطين في الأزهر عدد قليل في فترة الانتداب، منهم الشيوخ محمد نمر الخطيب وتقي الدين النبهاني وعبد القديم زلوم.. ولم يشتهر منهم في الشعر إلا الشيخ فتح الله السلوادي.
من هو شاعرنا؟
ولد الشاعر فتح الله حسن محمد عواد السلوادي في مدينة حيفا عام 1923، كان والده فلاحاً من قرية سلواد، عرف برقة مشاعره وسرعة تأثره، ويعزف بالربابة واليرغول. وعُرفت أمه بارتجالها الزجل الشعبي وتغنّيها به في الأعراس. فورث هذا الطفلُ فتح الله وكتب الشعرَ بعمر أربعة عشر سنة.
في حيفا عمل والده بائعاً متجولاً، ثمَّ اشتغل في نقل الماء إلى الأحياء الحيفاوية، وعمل أيضاً عاملاً في البلدية. درس فتح الله في المدينة أربع سنوات في مدرسة السباعي ومدرسة الإرشاد الإسلامي. وكان يصلي في جامع الاستقلال، ويحضر فيه خطب الشيخ عز الدين القسّام، ودروس الشيخ صالح الحوراني، حيث زرعوا فيه حب الدين والوطن والعمل لأجلهما.
عاد إلى سلواد ودرسَ في المدرسة الأميرية فيها، حيث أنهى فيها الصف الرابع، وقد عرف عنه نبوغه في التحصيل الدراسي وولعه بالمطالعة وحفظ الشعر.
في أواسط الثورة العربية الكبرى في فلسطين، وتحديداً في عام 1937، انتقل إلى الأزهر وبقي فيه تسع سنوات (شملت سنوات الحرب العالمية الثانية)، نال فيه شهادة العالية من كلية اللغة العربية، ثم نال شهادة أخرى من قسم التربية.
الشيخ فتح الله السلوادي بين طلابه
عاد شاعرنا إلى فلسطين في عام 1945، والتحق بسلك التدريس في المدارس الثانوية، فدرَّس في مدارس الرملة الثانوية في مدينة الرملة، وفي المدرستَين، الرشيدية والعمرية في القدس (وتزوج من القدس)، وفي مدرسة رام الله الثانوية في مدينة رام الله، ومدرسة سلواد الثانوية، إلى أن تقاعد عام 1982. ولم يتردد أو يتوانَ في المدارس أن يبذل جهده في العمل للدين والوطن والهوية.
قدّم الشيخ بعض البرامج في إذاعة عمّان أواخر خمسينيات القرن الماضي، وعمل خطيباً في مساجد محافظة رام الله والبيرة بدءاً من عام 1967، ثم خطيباً في المسجد الأقصى في مطلع انتفاضة الحجارة عام 1988، كما شغل منصب الإفتاء في محافظة رام الله والبيرة منذ عام 1995 حتى وفاته في 4 حزيران (يونيو) 2000.
تنوَّع شعر الشيخ فتح الله السلوادي بين الوطنيات والحكمة والدين وخاصة في المناسبات الإسلامية. وقد اختلط بالمجتمع الأدبي والثقافي المصري منذ أن كان في الأزهر، ونشر أولى قصائده في المجلات المصرية كالأنصار ومنبر الشرق والأهرام وغيرهم. وبعد عودته إلى فلسطين، استمر في نشر قصائده في الصحف الفلسطينية كالجهاد والدفاع وفلسطين والفجر والقدس.
صدر للسلوادي مجموعتان شعريتان مطبوعتان، هما "الخواطر" عام 1990، و "خواطر في ظلال المسجد الأقصى" عام 1999. وصدر له كتاب "رجال لقيتهم" الذي حققه عام 2015 من المخطوط الباحثان عوني فارس وخليل حامد.
ولم يقتصر نشاط الشيخ فتح الله الإعلامي على الشعر فقط، بل نشر مقالاته أيضاً في الصحف الفلسطينية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى وفاته، وقد كان عضواً في هيئة التحرير في عدد من المجلات الفلسطينية، مثل "هدى الإسلام" و "الإسراء".
له العديد من المؤلفات المخطوطة (غير المنشورة) تجاوزت 60 مخطوطة، وهي في الفقه والتفسير والسيرة والرحلات والتراجم والشعر والقصة والمسرحية والخاطرة والمقالة.
وكان واسع المعرفة والثقافة، حافظاً للقرآن الكريم، ولعدة دواوين من الشعر، كالمتنبي وأبي فراس الحمداني وأبي القاسم الشابي. أسس مكتبته الخاصة على أكثر من 9525 كتاباً ما بين مجلد وغيره، وأكثر من 1000 عدد من المجلات الثقافية.
من شعره
في مصر، نشر الطالب الشيخ فتح الله قصيدته الأولى عام 1937، ولم يحتفظ بها، لكنه تذكّر منها ثلاثة أبيات منها:
يا خليليَّ، والبعاد مؤسّي .. زاد وجدي وزاد حزني وبؤسي
أين أمي؟ لم أحتمل بُعدَ أمي .. صوتها لم يزل يشيع بحسي
لم أعد أستطيع بعداً عن الأم .. فأمي إسعاد نفسي وأنسي
وفي ذكرى استشهاد عبد القادر الحسيني، كتب قصيدة مطلعها:
علمُ الجهاد الحر عبد القادرِ .. ذكراك بالإكبار تملأ خاطري
القسطلُ الحمراءُ تذكر همّةً .. شقَّتْ لِنَيل المجد حُجْبَ مخاطرِ
وحديثُ بأسكِ عزّةً وكرامةً .. رفعت لدى التذكار هامةَ فاخرِ
آثرتَ موتَ الأكرمينَ فلم تمُت .. أنت المخلّدُ، أنت صرحُ مآثر
لكنَ من يرضى الحياة ذليلةً .. مَيْتٌ وإن لم يثوِ بين مقابرِ
على موعد
رغمَ العدى، رغم الدجى الأسود .. (إنا مع الفجر على موعد)
يا صاحبي حُثَّ الخطى حازماً .. شمس المنى في روعة المولدِ
ما ضاع في المؤمن إيمانه .. بما سيجني من ثمار الغدِ
يا موكباً من شهداء الحمى .. دماؤكم صرح الغد الأمجدِ
أمّتكم على موعدٍ صادقٍ .. لتبني المجد بحُرِّ اليدِ
بصحوةٍ تيارها عارمٌ .. تنبع من قرآنها المخلّد
ما مات من يجعل إيمانه .. بربّهِ طريق مستشهدِ
يا يومنا الأخضر، هذي يدي .. أمدُّها لمجدنا الأتلدِ
يا عمر.. لما تزل بيننا .. وصوت تكبيرك لمّا يَخمدِ
إنا مع الفجر على موعد .. لنلتقي في ساحة المسجدِ
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الفلسطينية الشاعر فلسطين مسيرة شاعر هوية تغطيات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الأزهر رام الله على موعد
إقرأ أيضاً:
محافظة ذمار تشهد 45 مسيرة حاشدة نصرة للشعب الفلسطيني
يمانيون/ ذمار
شهدت محافظة ذمار اليوم الجمعة، 45 مسيرة جماهيرية حاشدة في عموم مديريات المحافظة، تحت شعار “مع غزة .. لمواجهة الإبادة والتجويع”.
وبارك المشاركون في المسيرات، ضربات القوات المسلحة ضد كيان العدو الصهيوني في عمق الأراضي المحتلة، وآخرها استهداف مطار اللد، واستمرار فرض الحظر على الملاحة البحرية الصهيونية.
وجددّوا التأكيد على ثبات موقف الشعب اليمني الإيماني الراسخ في مساندة الشعب الفلسطيني، ونصرة غزة بكل الوسائل الممكنة، داعين الشعوب الإسلامية والحرة إلى الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه ما يتعرض له الأشقاء في غزة من حرب إبادة جماعية وحصار وتجويع، وتفعيل المقاطعة الاقتصادية للأعداء.
وأشاروا إلى مواصلة النفير والتعبئة والتحشيد لمواجهة العدو الصهيوني، مجددّين التفويض الكامل لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والجهوزية العالية لتنفيذ كل الخيارات، وخوض “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
وأكد بيان صادر عن المسيرة المليونية، الاستمرار في الخروج الأسبوعي في مسيرات مليونية بلا كلل ولا ملل، نصرة ومساندة للشعب الفلسطيني المسلم المظلوم جهاداً في سبيل الله وابتغاء لمرضاته، واستمرارا في الموقف المحق والمشرف.
وخاطب الشعب الفلسطيني عامة وأهل غزة خاصة في ذكرى النكبة الكبرى بالقول “إنكم بجهادكم في سبيل الله، وصبركم، وثباتكم الذي لا مثيل له، واستمراركم في ذلك، فإنكم بكل ذلك تمنعون تكرار النكبة، وأنتم بهذه المواقف الخالدة تقفون حجر عثرة أمام العدو الصهيوني، وتحمون الأمة العربية والإسلامية من تكرار النكبات بحق بلدان أخرى، ونحن معكم وإلى جانبكم، وبتوكلنا على الله، وجهادنا في سبيله، لن تتكرر النكبة؛ بل سيتحقق وعد الله المحتوم بزوال الكيان الظالم، وظهور دين الله على الدين كله ولو كره الكافرون”.
وأضاف “نتشرف برد التحية والسلام وعهود الوفاء للإخوة في سرايا القدس ولكل المجاهدين الأعزاء الذين أهدوا لنا ولقائدنا التحية في عمليتهم الصاروخية الأخيرة ضد الكيان، وخصوا الحشود المليونية في ميدان السبعين وبقية الساحات، ونقول لكم: إن رسالتكم هذه أغلى ما يصلنا في هذه المعركة المقدسة، ولكم منا العهد والوعد بأننا سنبقى إلى جانبكم أوفياء لخط الجهاد والاستجابة لله، مهما كانت التحديات، متوكلين على الله ومعتمدين عليه وواثقين بنصره، والعاقبة للمتقين”.
وأشار البيان إلى أنه وفي الوقت الذي كان العدو الصهيوني يصعد من جرائمه في غزة قتلاً وحصاراً وتجويعاً، كان الكافر المجرم ترمب الشريك الأول للصهيوني في الجريمة يتجول بكل عنجهية، وغطرسة، وكبر، وخيلاء، في بعض العواصم الخليجية، ويجمع الكميات الهائلة جدا وغير المسبوقة في تاريخ البشرية، من أموال الشعوب العربية والمسلمة ليقدم منها الدعم المهول لمجرمي الحرب في كيان العدو ليبيدوا الشعب الفلسطيني ويقتلوا العرب والمسلمين؛ بل وقُدم له في بعض العواصم الفتيات العربيات للرقص بين يديه والتمايل بشكل مذل برؤوسهن المكشوفة في مشهد يعبر عن الانسلاخ الرهيب عن الإسلام، وتعاليم القرآن الكريم، ويدمي القلوب الحية، ويستثير النخوة العربية.
ولفت إلى أن ما يعطي الأمل ويبعث على الاعتزاز هي تلك الصواريخ التي ذهبت أثناء خطاب الكافر المجرم ترامب، ومّرت من فوق رأسه إلى عمق كيان العدو لتقدم شاهداً بأن الإسلام عزيز بعزة الله، وبأن ما يحدث لا يمثل الإسلام، ولا يقبله أهل الإيمان والحكمة، وأن العزة ثابتة لله ولرسوله وللمؤمنين.
وذكّر البيان شعوب الأمة العربية والإسلامية بالمسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية والأخوية التي لا يمكن أن تسقط بمرور الزمن، بل تكبر وتتعاظم تجاه المآسي والفظائع التي تحدث في غزة.. داعيا إياهم إلى التحرك الحقيقي وتفعيل كل الطاقات للدفاع عن إخوانهم، وعن مقدساتهم في فلسطين.
وأكد أن من أقل المسؤوليات جهداً، وأكثرها تأثيراً، المقاطعة الاقتصادية للأعداء، والتي لا يعفى منها أي مسلم، وكذا تنظيم المظاهرات والاحتجاجات.
ودعا العلماء وقادة الفكر والرأي والنخب العلمية والفكرية والسياسية للعمل على رفع حالة الوعي داخل الأمة بضرورة العودة العملية الصادقة إلى القرآن الكريم، والاهتداء والالتزام به، وبأهمية النهوض بالمسؤولية، والجهاد في سبيل الله، ضد أعداء الله وأعداء الإنسانية، وعدم موالاتهم، باعتبار ذلك هو الطريق الصحيح والوحيد لحماية الأمة، وعزتها، وكرامتها، وصون دينها، وكرامة أبنائها، وبلادها، وأن ما دونه هو الهوان والخذلان.