«تشعل مواقع التواصل»
«كل الحوادث مبدؤها من النظر/ ومعظم النار من مستصغر الشرر/ كم نظرة فتكت في قلب صاحبها/ فتك السهام بلا قوس ولا وتر»؟
كيف لأخبار زواج أو طلاق مشاهير أو صورة نجمات الفن على الشاطئ أو انتقال لاعب عالمي من فريق لآخر، وهي أخبار «ناعمة» أن «تشعل» مواقع التواصل؟
إذا كانت نوادر وطرائف الماضي أصبحت أدباً حوته كتب قيمة، ففي كثير مما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي ما يدلل على صحة وصف زمننا الراهن بأنه «زمن التفاهة».
لم تجد وسائل الإعلام والصحافة مفردة أبلغ من «تشعل» لوصف ما تحدثه تلك الأخبار بمواقع التواصل الاجتماعي، المنافس الجدي الأخطر للإعلام التقليدي، وهذا مدهش فعلا.
* * *
جربوا أن تضعوا عبارة «تشعل مواقع التواصل» في خانة البحث، لتتوالى عليكم عشرات العناوين عن «أخبار» ليست هي الأهم في الأوطان ولا في العالم، فهي لا تحدد مصائر الأمم، ولا مسار التطورات الحاسمة، لكنها، رغم ذلك، «تشعل مواقع التواصل»، وتحقق ما بات يطلق عليه «ترند»، المفردة التي يدور سجال حول إيجاد مقابل لغوي عربي لها.
وباتت محطات التلفزة العربية تخصص برامج لاستعراض أخبار الـ«ترند»، وهي أخبار متنوعة، ففيها الطريف والمضحك، وفيها المحزن والمبكي، لكنها في المجمل أبعد ما تكون عن شؤون السياسة والاقتصاد وغيرها من الأمور المفصلية والجوهرية، بل إن بعضها قد يتسم بالتفاهة.
ومع ذلك لم تجد وسائل الإعلام والصحافة مفردة أبلغ من مفردة «تشعل» لوصف ما تحدثه تلك الأخبار من آثار في مواقع التواصل الاجتماعي، المنافس الجدي الأخطر للإعلام التقليدي، وهذا مدهش فعلاً.
فإذا ما استثنينا استخدامات قليلة للمفردة تحمل معنى إيجابياً، كالقول: «أشعل شمعة في الظلام»، أو «أشعل المصباح»، فإن غالبية استخدامات مفردة «أشعل» في لغتنا العربية، تثير الرعب والخوف في النفس، خاصة وأنها قرينة النار، ونعوذ بالله من النار، فيقال:
«أشعل حرباً، أي تسبّب في اندلاعها»، «أشعل النار في الحطب، أي أضرمها وألهبها»، «أشعل المتظاهرون النار»، «أشعل قذيفة، أي وضع النارَ في الفتيل، وأطلق النار»، «أشعل الفتنة، أي أثارها وتسبّب في حدوثها وانتشارها».
كيف لأخبار تتصل بحفل زواج أو طلاق لمشاهير، أو صورة لنجمة من نجوم الفن على ساحل البحر، أو انتقال لاعب كرة قدم عالمي من فريق إلى آخر، وهي، كما نرى، أخبار «ناعمة» أن «تشعل» مواقع التواصل؟
وألا يذكّرنا ذلك بالقول الشهير: «معظم النار من مستصغر الشرر»، المنسوب إلى ابن قيّم الجوزية، والوارد في قصيدة تقول بعض أبياتها: «كل الحوادث مبدؤها من النظر/ ومعظم النار من مستصغر الشرر/ كم نظرة فتكت في قلب صاحبها/ فتك السهام بلا قوس ولا وتر»؟
الحق أن أدبنا العربي عرف ما كان يطلق عليه النوادر والطرائف والمُلح، المتسمة بالطرافة والظُرف والفكاهة، والكثير منها ليس متخيلاً أو من بنات أفكار من كتبها أو دوّنها، فهي حدثت بالفعل.
ومع الأخذ بعين الاعتبار تغيّر الزمن وأوجه العيش، فإن هذا النوع من الطرائف، أو بعضه، قريب من الحكايات التي «تشعل» مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، لكن علينا الاستدراك بالقول إنه إذا كانت نوادر وطرائف الماضي أصبحت أدباً حوته كتب قيمة، فإن على الكثير مما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي ما يدلل على صحة وصف زمننا الراهن بأنه «زمن التفاهة».
*د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: ترند مواقع التواصل تشعل مواقع التواصل مواقع التواصل الاجتماعی تشعل مواقع التواصل
إقرأ أيضاً:
سيدة استولت على أموال الشباب بزعم العمالة فى الخارج والجهات المختصة تبدأ التحقيق
تباشر الجهات المختصة، التحقيقات مع متهمة بالنصب والاحتيال على المواطنين والاستيلاء على أموالهم بزعم توفير فرص عمل خارج البلاد، والترويج لنشاطها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتبين ممارسة مديرة شركة نشاطًا إجراميًا واسع النطاق فى مجال النصب والاحتيال على المواطنين راغبي السفر للخارج ، وقيام إحدى الشركات"غير مرخصة" لإلحاق العمالة بالخارج، بالنصب والإحتيال على المواطنين والإستيلاء على مبالغ مالية منهم بزعم إيهامهم بقدرتها على توفير فرص عمل خارج البلاد ، بالإضافة إلى الترويج لنشاطها عبر مواقع التواصل الإجتماعى.
وألقي القبض علي إحدى السيدات لإدارتها شركة تخصصت في النصب والاحتيال على المواطنين راغبي السفر للعمل بالخارج والاستيلاء على مبالغ مالية منهم بزعم توفير عقود عمل لهم بالخارج ، وقيامهم بالترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب عدد كبير من المواطنين.
وعُثر بداخل الشركة على (صور ضوئية لجوازات سفر من راغبى العمل بالخارج – صور إقامات وطلبات توظيف - عدد من الإعلانات الدعائية الخاصة بالشركة - جهاز "لاب توب" وبفحصه"، تبين إحتوائه على دلائل تؤكد نشاطها الإجرامى، وتم إتخاذ الإجراءات القانونية).
مشاركة