سودانايل:
2025-12-07@08:00:03 GMT

مقدمة في نقد المركزية الديمقراطية

تاريخ النشر: 1st, October 2023 GMT

فتح الرد المختصر الذي اجبت فيه على سؤال الأستاذ زين العابدين صالح حول نشاط الزملاء في النقابات مقارنة بنشاطهم الحزبي الباب لنقاش مثمر. عقدت في الرد مقاربة بين الإطار المؤسسي للعمل النقابي ومنظمات المجتمع المدني من جهة والمركزية الديمقراطية التي تنظم العمل الحزبي من جانب آخر. وخلصت لان الإطار التنظيمي يمكنه ان يقيد مساهمة نفس الشخص في موقعين مختلفين.

تلخصت المساهمات في التأييد من البعض، والرفض المطلق من البعض الآخر. وفي نفس الوقت طالبت مجموعة بشرح أكثر لان المسألة هامة ولا يمكن معالجتها بمثل هذا الاختصار. نزولا على هذه الرغبة أعيد نشر مقال سابق كتبته قبل سنوات حول المركزية الديمقراطية. أتمنى ان يكون مفيدا للمهتمين بالموضوع.

التجربة السوفيتية:
وبعد انتصار ثورتي فبراير واكتوبر 1917 تحول البلاشفة لحزب علني جماهيري. وفى أجواء الحريات تلك واصلوا مناقشة اراء كافة التيارات والمجموعات بحرية في المؤتمر العام. ولكن ومن داخل المؤتمر العاشر للحزب البلشفي الذي انعقد في 1921، وتحت ضغط ظروف الحصار والاقتصاد والحرب الاهلية، اقترح لينين مشروع قرار يمنع منعا باتا وجود أي تيارات داخل الحزب ووافق المؤتمر على ذلك.
ولم يقتصر تطبيق المركزية الديمقراطية على الحزب السوفيتي والأحزاب الشيوعية الأخرى بل تبنى الاتحاد السوفيتي مبدأ المركزية الديمقراطية على أساس انه قاعدة التنظيم الإداري في كافة هياكل الدولة ومؤسساتها (المادة الثالثة من الدستور السوفيتي). وانطلاقا من هذا المبدأ شكلت جميع أجهزة الدولة واداراتها وسياساتها لتتماشي معه. وكمثال صارت الخطة العامة الشاملة والتفصيلية تقرر في المركز وتتنزل الي المستويات الاقل في شكل برامج وسياسات محددة، ثم تقوم هذه الهياكل الوسيطة بنفس الدور مع الهيئات الأدنى، وتستمر الدورة حتى تصل الي أصغر وحدة إنتاجية في شكل واجبات محددة وجدول زمني معلن وما عليها سوي الانصياع والتنفيذ.
وبتطبيق هذا القرار وفى ظل دولة الحزب الواحد تقلصت فرص ممارسة الديمقراطية والحوار وأصبحت القرارات تأتى من القيادة. وهكذا وجد ستالين الأرض ممهدة لينفذ كل سياساته تجاه المخالفين له داخل وخارج الحزب وكذلك سياساته الاقتصادية والاجتماعية. ومضى ستالين الى نهاية شوط المركزية الديمقراطية بفرض رؤية واحدة لا تقبل النقاش وتأتى من القيادة. واستخدم من اجل إتيان ذلك أفظع أساليب القمع.
وهنا يجدر بنا ان نقف لحظة حول تجربة ستالين مع المركزية الديمقراطية. السبب في ذلك ان اراء كثيرة تحاول تحميل ستالين كل الجرائم والقمع والدمار الذي حدث. ونقول نعم مارس ستالين جرائم بشعة لا تغفر. ولكن ستالين نفسه هو التعبير المتطرف لممارسة المركزية الديمقراطية او بمعنى اخر انه مضي لأخر الشوط في تطبيقها وبأسلوبه المتميز. والسبب في ذلك وجود الاليات والهياكل واللوائح التي تسمح له بتنفيذ ما يريد وكذلك للسلطة التي يملكها السكرتير العام في ظل المركزية الديمقراطية.
وقرر الكومنتيرن (الأممية الشيوعية) ان مبدأ المركزية الديمقراطية هو شرط أساسي لقبول أي حزب في الكومنتيرن، بل ومضي أكثر من ذلك ليحدد بنود مختارة من دستور الحزب الشيوعي السوفيتي ليتم تضمينها في دساتير كل الأحزاب الأعضاء في الكومنتيرن او التي تود دخوله. وحتى الكومنتيرن في هيكلته وعمله طبق الديمقراطية المركزية عمليا حيث صار الحزب السوفيتي هو المركز المسيطر الذي تطبق كافة الأحزاب رؤاه وسياساته بل وتمشي في اقتفاء تجربته حذو الحافر بالحافر.
وحدد المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي السوفيتي، الذي انعقد في عام 1934، المركزية الديمقراطية في أربعة بنود/قواعد هي: انتخاب كل قيادات الحزب، القيادات المنتخبة عرضة للمحاسبة امام منتخبيها دوريا، نظام حزبي حديدي وصارم حيث تخضع الأقلية للأغلبية وقرارات الهيئات العليا ملزمة اطلاقا على الهيئات الدنيا ومجمل عضوية الحزب. وأدت هذه القواعد في ظل حملات التطهير والاعدامات والسجون الي تحول المركزية الديمقراطية الى ما سمى بالمركزية البيروقراطية. وهي تعنى السيطرة الكاملة للجهاز الحزبي على كل شيء واستمر ذلك الشكل لإدارة الحزب، مع تغييرات طفيفة، ختي انهيار النظام تماما وحل الحزب نفسه.
طرح البعض ان ترو تسكي كان من معارضي المركزية الديمقراطية وان ذلك هو سبب خلافه مع ستالين. وهذا غير صحيح بتاتا، لان الخلاف آنذاك كان حول بناء الاشتراكية في بلد واحد وحول الثورة الدائمة والصراع حول قيادة الحزب. وتميز تروتسكي بتشدد موقفه من انضباط وظهر ذلك جليا عند قيادته للجيش الأحمر. ويمكن ان اشير الي موقفه من المركزية الديمقراطية كما ورد في موقفه (أكتوبر 1939) من الدعوة في أمريكا لاستخدام الاستفتاء في المسائل الحزبية ودفاعه الحار عن كافة مبادئ المركزية الديمقراطية كما ورد في كتابه " دفاعا عن الماركسية".
حاول خروتشوف وفي إطار حملة تصفية الستالينية وعبادة الفرد لإجراء تغييرات ديمقراطية في الحزب وجهاز الدولة. وتم اختيار قيادة جماعية وقسمت المناصب الرسمية بينها ولكن بمرور الزمن تركزت السلطات مرة اخري في يد السكرتير العام (خروتشوف). كما حاول خروتشوف اجراء تعديلات ديمقراطية في عمل الحزب ومنها القيام بتحديد عدد الدورات التي يشغلها، رغم ان ذلك الاجتهاد لتحقيق توجه ديمقراطي لم يحدد انه سيشمل القيادة المركزية للحزب. ونجح الجهاز الحزبي الضخم في افشال ذلك التوجه بل، وفى النهاية، نجح في عزل خروتشوف نفسه عن قيادة الحزب والدولة.
ومن الملاحظ ان المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي والذي اجري عدة تغييرات هامة ومنها ما اسماه بدولة كل الشعب، والطريق السلمي للاشتراكية، وتعدد اشكال الوصول للاشتراكية والتعايش السلمي ولكنه لم يقترب من المركزية الديمقراطية وتركها كما هي كمبدأ لينيني مقدس لا يصح الاقتراب منه.
واستمر الحال، التمسك الصارم بالمبدئ التنظيمية اللينينية، كما هو خلال السنوات التي أعقبت ذلك. وتولت خلالها قيادة الحزب والدولة قيادات هرمة تشبه الموميات المحنطة. وتحس بذلك من الوجه المتكلسة التي تعرض، امام الجماهير، في الاحتفالات الرسمية الدورية التي تتركز علي العروض العسكرية واستعراض أحدث الأسلحة الحربية. وازدادت، خلال تلك الفترة، وتيرة التدهور الاقتصادي وانتشرت مظاهر الفساد واتسعت روح البأس والسلبية واللامبالاة وتفشي ادمان الكحول. ولم تهتم تلك القيادات بأجراء أي تغييرات في تنظيم الحزب او إشاعة الديمقراطية داخله او تفعيل نشاطه وسط الجماهير باعتباره، بنص الدستور، الحزب القائد للمجتمع والدولة.
ظهرت وخلال التحضير للمؤتمر الثامن والعشرين، الذي انعقد في عام 1990، التيارات داخل الحزب ولأول مرة منذ العشرينات وصارت تستخدم جرائد الحزب الرسمية في طرح رؤاها. بل وتصدى التيار الديمقراطي بالنقد للمركزية الديمقراطية علنا ووصفها كمعوق لنقد القرارات وحرمان الأقليات من مناقشة تلك السياسات. ولكن المؤتمر قرر تبديل اسم المركزية الديمقراطية بالديمقراطية المركزية وان أي قرار يصدر من الأغلبية ملزم للجميع مع حق الأقلية في الدفاع عن رأيها في المكاتب القيادية للحزب ومؤتمراته، ولكنه لم يسمح بتشكيل تيارات. وهكذا لم تغير التغييرات التي أدخلت من جوهر المركزية الديمقراطية، رغم تبديل طرفيها بتقديم الديمقراطية على المركزية،
حتى حل الحزب الشيوعي السوفيتي نفسه، والذي تم بقرار فوقي، لم يتحرك ذلك الجهاز الحزبي الضخم وملايين الأعضاء لمقاومته وللدفاع عن الحزب الذي كان الكل في الكل، وفي لمحة عين صار بلا وجيع.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: المرکزیة الدیمقراطیة

إقرأ أيضاً:

رئيس مصلحة التأهيل يتفقد أوضاع الإصلاحية المركزية والإحتياطية في عمران

الثورة نت/ معين حنش
تفقد رئيس مصلحة التأهيل والإصلاح بوزارة العدل وحقوق الإنسان اللواء إسماعيل عبدالملك المؤيد، اليوم، والوفد المرافق له أوضاع السجناء بالإصلاحية المركزية والسجن الاحتياطي بمحافظة عمران.
واطلع رئيس مصلحة التأهيل والإصلاح خلال زيارته والذي كان باستقباله مدير عام شرطة الامن بالمحافظة العميد نايف أبو خرفشة ومدير الاصلاحية المركزية في المحافظة المقدم حنين الحوري ومدير السجن الاحتياطي المقدم بسام الحوري، أوضاع الاصلاحية والسجن الاحتياطي والمرافق والأقسام والعنابر الخاصة بايواء النزلاء.
ووجه المؤيد بحل مشكلة المياه بالاصلاحية المركزية كما وجه بتوفير الاحتياجات الضرورية والملحة في السجن الاحتياطي .. مطلعا على منظومة الرقابة المرئية التي قامت بتنفيذها المصلحة بالتعاون مع محافظ عمران في الإصلاحية المركزية بالمحافظة.
كما أطلع رئيس المصلحة والوفد المرافق له أوضاع النزلاء واستمعوا لهم ولقضاياهم في الإصلاحية والسجن الاحتياطي وتفقدوا أماكن الإيواء والمطابخ ومستوى الجودة والتخزين والاحتياج الغذائي والصحي والرعاية المقدمة لهما في كافة الخدمات المقدمة لهم.
وأشاد اللواء المؤيد بمستوى الاداء والعمل في جميع الخدمات المقدمة للسجناء وما وصلت إليه من تحولات على أرض الواقع، مثمنا جهود مدير  الإصلاحية المركزية والإحتياطية والعاملين الجبارة التي احدثت نقلة نوعية على مستوى الاداء.
من جانبهما ثمنا مديري الإصلاحية المركزية في محافظة عمران المقدم حنين الحوري والاحتياطي المقدم بسام الحوري زيارة رئيس المصلحة وتفقده لأوضاع الإصلاحية ونزلائها، شاكرين اهتمام رئيس المصلحة وتوجيهاته الحثيثة لحفر بئر ارتوازي وتقديم الرعاية والتأهيل للنزلاء في كافة النواحي.
رافق رئيس المصلحة مستشار رئيس المصلحة حمود الهادي ومدير عام الشؤون المالية أحمد ساري ومدير عام المشاريع العميد محمد عطف الله.

مقالات مشابهة

  • تيمور جنبلاط: معنيون بالقيم والأسس التي أراد كمال جنبلاط للبنان أن يقوم عليها
  • إليانا تقدم المزيج «العربي اللاتيني» على مسرح «جائزة أبوظبي»
  • الكيوي الذهبي في مقدمة النتائج… كيف يؤثر الغذاء الغني بـفيتامين سي على نضارة البشرة؟
  • رئيس مصلحة التأهيل يتفقد أوضاع الإصلاحية المركزية والإحتياطية في عمران
  • المستشار “عقيلة صالح” يزور جمهورية اليونان بناءً على دعوة مقدمة من السلطات اليونانية
  • تمدين لجنة الميكانيزم مقدمة لحلّ شامل أم تجميد لحرب محتملة؟
  • بوتين: تصريحات الغرب عن إحياء الاتحاد السوفيتي تهدف لتخويف الشعوب
  • حزب المؤتمر يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين
  • الغرفة المركزية لحزب الجبهة الوطنية تواصل متابعة انتخابات النواب لليوم الثاني
  • رئيس أركان حرب القوات المسلحة يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية (فيديو)