مدينة "منف" أو "إنبو حج" و"حت كا بتاح" بالمصرية القديمة، و"ممفيس" باليونانية، ولطالما أثارت هذه الاسماء المختلفة للمدينة المصرية خيال المؤرخين وفضول الباحثين ونهم المستكشفين، فمنف ليست مجرد مدينة خالدة في صفحات التاريخ، إنما مدينة بدأ من عندها التاريخ.

"منف" أولى عواصم مصر الموحدة ، وأكثر المدن التي لعبت دورًا كبيرا على امتداد تاريخ مصر القديمة، كانت عاصمة الإقليم الأول من أقاليم مصر السفلى، والتى يشغل موقعها الحالي قرية "ميت رهينة" الواقعة على مسافة 24 كم إلى الجنوب من القاهرة، ولعل عظمة "منف" التاريخية تتجلى بوضوح في أن أحد اسماءها أو اسم معبدها الكبير "حت كا بتاح" (معبد روح بتاح) قد أشتق منه المسمى اليوناني لمصر "أجيبتوس"، والذي اشتق منه مسمى مصر "ايجيبت" في سائر لغات العالم المختلفة.

 

أول عاصمة لمصر

تعود الجذور التاريخية لمدينة "منف" إلى عصر الأسرات المبكر، ويوضح باحث المصريات الدكتور محمد رأفت عباس أن منف تأسست نحو عام 3100 قبل الميلاد لتكون علامة تاريخية فاصلة في أعقاب توحيد شطري مصر العليا والسُفّلى، وأصبحت أول عاصمة لمصر الموحدة ورمزا حقيقيًا لأول حكومة مركزية في تاريخ مصر والعالم القديم. تم ذلك الأمر على يد أول ملوك الأسرة الأولى، وهو الملك "نعرمر" أو "مينا" الأسطوري، وذلك فيما يرى الغالبية العظمى من المؤرخين.

ذكر المؤرخون أن الملك "مينا" قام بإحاطة منف بأسوار بيضاء من الطوب اللبن، والتي أعطت المدينة مسماها المصري القديم "إنبو حج" أي الجدار الأبيض أو القلعة البيضاء، أما عن المسمى منف "ممفيس باليونانية"، فقد رأى المؤرخون أنه قد اشتق من الكلمة المصرية القديمة "من نفر" وهو اسم هرم الملك "ببى الأول" من الأسرة السادسة، والذي يقع قريبا من المدينة في جنوب سقارة بمحافظة الجيزة.

الموقع الجغرافي

احتلت منف موقعا جغرافيًا متميزًا جعلها تتحكم في شطري البلاد، فقد أتاح لها موقعها التحكم في أقاليم الدلتا المختلقة، ووفر لها سهولة الاتصال بطرق التجارة الممتدة عبر الصحراء، من بلاد الشام والبحر الأحمر إلى ما وراء الصحراء، وبلغت المدينة أوج مجدها السياسي والحضاري خلال عصر الأسرات المبكر "3100 – 2686 ق.م"، وعصر الدولة القديمة "2686 – 2181 ق.م"، حيث ظلت العاصمة السياسية والإدارية لمصر طوال تلك الفترة.

الآلهة في منف

اعتبرت منف أحد المراكز الدينية العظمى في مصر القديمة عبر تاريخها، حيث كان "بتاح" إله الفنون والحرف والفنانين والصناع، وهو معبود منف الرئيسي، وكان يجسد بهيئة بشرية، وارتبطت به إحدى نظريات خلق الكون في الفكر الديني المصري والتى سُمّيت بنظرية "منف"، وقد شكل مع زوجته المعبودة "سخمت" وولده المعبود "نفرتوم" ثالوث منف الشهير.

جبانة منف

امتدت جبانة "منف" الضخمة  لتشمل مناطق مهمة كـ"أبو رواش" والجيزة وزاوية العريان وأبوصير وسقارة ودهشور، وهي التي أُطلق عليها من قبل الآثاريين وعلماء المصريات "الجبانة المنفية"، حيث دُفِن ملوك مصر ورجال الحكم والأمراء وكبار الموظفين في أهرامات ومقابر هذه الجبانة التي أخرجت لنا كنوز الحضارة المصرية القديمة وإبداعاتها في العمارة والفنون طوال تلك الحقبة، وأُضيفت إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 1979م.

منف عبر العصور

يُلقي الدكتور محمد رأفت عباس الضوء على تاريخ مدينة منف عبر العصور ففي عصر الانتقال الأول "2181 – 2055 ق.م" فقدت منف مكانتها كعاصمة سياسية لمصر، وتسببت الظروف السياسية في نقل المقر الملكي إلى إهناسيا "هيراكليوبوليس" خلال عصر الأسرتين التاسعة والعاشرة "العصر الإهناسي"، كما ظهرت الكثير من المراكز الحضارية والثقافية والدينية المنافسة لمنف مثل "الأشمونين"، و"هرموبوليس"، في مصر الوسطى، و"طيبة" وهي الأقصر حاليا، في مصر العليا.

يبدو أن منف قد استعادت الكثير من أهميتها ومكانتها مع بداية عصر الدولة الوسطى "2055 – 1650 ق.م" بعد انتقال المقر الملكي إلى "اللشت" القريبة من جبانة منف على يد الملك "أمنمحات" الأول مؤسس الأسرة الثانية عشرة، وخلال عصر الدولة الحديثة "1550 – 1069 ق.م".

العاصمة العسكرية

كانت "منف" العاصمة العسكرية لمصر التي توسعت إمبراطوريتها في سوريا وفلسطين وبلاد النوبة "كوش"، كما كانت المركز الرئيسي للحملات الحربية المصرية في تلك الحقبة، حيث كان موقعها يسمح لها بمراقبة وادي النيل والممرات المتجهة إلى بلاد "كوش"، وكذلك الحدود الشرقية، مما كان يسمح للحاميات العسكرية المصرية أن تنتقل على جناح السرعة عند اللزوم حين تستدعيها الحاجة، وكانت أهم الحملات الحربية على آسيا تنطلق في عصر الملكين "تحتمس الثالث" و"أمنحتب الثاني" من منف.  كانت منف مركزا لصناعة السلاح ولتدريب المركبات الحربية، وقد أنشئت بها قاعدة بحرية مهمة وهي "بـرو – نفـر" في عصر الأسرة الثامنة عشرة على الفرع البيلوزي لنهر النيل.

العاصمة الإدارية

على الرغم من صعود مكانة "طيبة" كمقر ملكي وكعاصمة سياسية ودينية للبلاد خلال غالبية عهد الأسرة الـ18، إلا أن الكثير من المؤرخين والباحثين قد رأوا أن "منف" كانت العاصمة الإدارية لمصر، حيث تُشير الأدلة الأثرية والنصية إلى أن منف قد أصبحت بمثابة المقر الملكي والعاصمة الإدارية لمصر خلال النصف الثاني من عصر الرعامسة، كما تدل الآثار التي عُثِر عليها من تلك الحقبة على سمو مكانتها واتساعها وعظمة منشآتها بشكل يثير الدهشة والإعجاب.

ومع بزوغ العصر المتأخر "1069 – 332 ق.م" الذي مالت فيه شمس الحضارة المصرية القديمة إلى المغيب، عادت "منف" مرة أخرى لتكون مقرًا ملكيًا وعاصمة للبلاد، ولكنها تعرضت للكثير من الغزوات التي عانت منها المدينة الشامخة، حيث غزاها الكوشيون والأشوريون والفرس على مدار تلك الحقبة.

حجر رشيد

تُشير النصوص، خلال العصر البطلمي، إلى أن الملوك البطالمة كانوا يحرصون على التتويج في "منف" تبجيلا لها، وقد تضمنت أسماء التتويج الملكية الخاصة بأغلب الملوك البطالمة اسم المعبود "بتاح" إله مدينة منف، وأصبحت المدينة بمثابة المنافس الأكبر والقرين المصري الأقوى للعاصمة الإسكندرية التي أسسها الإسكندر الأكبر والغزاة المقدونيون والتي كانت أعظم مدن مصر والعالم طوال العصر البطلمي.

لعل من أكبر المفاخر التاريخية لمنف خلال تلك الحقبة أن على أرضها وخلال عهد الملك "بطليموس الخامس" كُتِبَ المرسوم الشهير المُسجّل على حجر رشيد من قبل كهنتها، باللغتين المصرية واليونانية، بالخطوط الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية، والذي كان له الفضل في الكشف عن معاني اللغة المصرية القديمة من قبل عالم المصريات الفرنسي "جان فرانسوا شامبوليون" عام 1822م، ومن ثم نشأة علم المصريات والكشف عن أسرار وعظمة الحضارة المصرية القديمة في كافة جوانبها بعد أن كانت لغزًا غامضًا أمام العلماء والباحثين.

دخول الإسلام

تُشير النصوص الأثرية إلى تواجد الكثير من القصور والمنشآت العظيمة بـ"منف" خلال العصر الروماني، ولكن يبدو أن شمس "منف" في التاريخ قد باتت على وشك المغيب، فمع دخول الإسلام مصر عام 641 م، وتأسيس مدينة الفسطاط من قبل الفاتحين العرب المسلمين بالقرب من موقع منف، فقدت منف الكثير من أهميتها.

وطوال العصور الإسلامية أصبحت منشآت منف بمثابة محجرا يستخدم في بناء الكثير من المنشآت العظيمة في القاهرة والتي كان أبرزها على سبيل المثال قلعة صلاح الدين الأيوبي، حيث لم يقتصر هذا الأمر على منف فحسب، بل وعلى جباناتها الضخمة، وكذلك في دهشور وسقارة وأبوصير والجيزة.

آثار خالدة

آثار مدينة منف المكتشفة منحت الباحثين معلومات قيمة عن تاريخ مصر وحضارتها طوال عصور الأسرات المصرية والعصر "الهلنستي"، وللأسف أن غالبية آثار المدينة قد اندثرت، والعديد منها لازال مطمورا أسفل الأراضي الزراعية، ويعتقد الآثاريون أن المدينة القديمة تقع حاليا أسفل الرواسب العميقة لطمي النيل إلى الغرب من النهر.

يشتمل موقع منف، (منطقة ميت رهينة حاليا)، على العديد من التلال والأكوام الأثرية الممتدة لمسافات متباعدة، كما تضمنت بعض برك المياه الواسعة التي تحتوى على مواقع أثرية مهمة أسفلها.
واقتصر الموقع الأثري لمنف في الوقت الحالي على بعض المواقع حول قرية ميت رهينة قرب الضفة الغربية لنهر النيل، والتي تضمنت أهم ما تبقى من معالم منف الأثرية، حيث يتمثل أبرزها في متحف صغير ومتحف آخر مفتوح تُعرض فيه بعض التماثيل المكتشفة بالموقع، ويعود تاريخ أغلب القطع المعروضة إلى عصر الدولة الحديثة.

رمسيس الثاني

من أروع آثار منف التمثال العملاق للملك رمسيس الثاني والمستلقي على ظهره في بناية متحفه في ميت رهينة، والتمثال مصنوع من الحجر الجيري، وهو توأم ذلك التمثال العملاق الشهير للملك "رمسيس الثاني" والذي خرج من منف وكان يتوسط ميدان رمسيس (باب الحديد سابقا) في قلب القاهرة، والموجود حاليا بالمتحف المصري الكبير.

أبو الهول

من أهم الآثار المكتشفة في منف التمثال الضخم للملك رمسيس الثاني في هيئة أبو الهول من الجرانيت الأحمر، والذي يتواجد حاليا في متحف الآثار والانثروبولوجيا ببنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ويلاحظ من خلال النقوش المسجلة عليه أنه تضمن خمسة أسماء للملك رمسيس الثاني مُسجلة على الصدر والقاعدة، كما وضع الملك مرنبتاح ابن وخليفة الملك رمسيس الثاني خراطيشه على كتفي التمثال بعد وفاة والده، ويعد هذا التمثال ثالث أضخم تماثيل أبو الهول في العالم بعد تمثالي هضبة الجيزة الشهير والتمثال الموجود في ميت رهينة في المتحف المفتوح والمصنوع من الألبستر.

المتحف المفتوح

يحتوي المتحف المفتوح بميت رهينة "منف" على عدد من التماثيل الأخرى الرائعة للملك "رمسيس الثاني"، من أبرزهم ذلك التمثال الواقف المصنوع من الجرانيت الأحمر، والذي أوضحت الدراسات الحديثة أنه كان ينتمى في الأصل للملك سنوسرت الأول من الأسرة الثانية عشرة، وتمثال أبو الهول الضخم المصنوع من الألبستر، والذي يعود تاريخه إلى عصر الدولة الحديثة، ويعد هذا التمثال ثاني أضخم تماثيل أبو الهول لدينا بعد تمثال هضبة الجيزة الشهير.

كما تتواجد بعض موائد التحنيط التي كانت متواجدة في بيت عجول "أبيس"، حيث كانت هذه الحيوانات الرمز المقدس للمعبود "بتاح"، والتي كان يتم تحنيطها بعد الوفاة في حفل ديني مهيب لتوضع في السيرابيوم بسقارة تحت إشراف الكاهن الأعلى للمعبود "بتاح".
ومن المعالم الأثرية المهمة بمنف بقايا السور الذي كان محيطًا بمعبد بتاح الكبير، وكان على مساحة ضخمة، تغطى الأراضي الزراعية حاليا أغلبها، ويؤرخ غالبية ما تبقى من معبد "بتاح" بعهد الملك رمسيس الثاني، وقد كان هذا المعبد واحدًا من أعظم وأضخم معابد مصر على الإطلاق، وكل ما تبقى منه اليوم هو أجزاء من صالة الأعمدة.

يوجد بالمتحف المصري بالقاهرة العديد من القطع الأثرية الرائعة التي خرجت من منف "ميت رهينة" أبرزها القطعة الشهيرة من الحجر الجيري، والتي صور عليها الملك "رمسيس الثاني"، وهو يقوم بتأديب وقمع ثلاثة من الأسرى مثلوا أعداء مصر التقليديين من النوبيين والليبيين والأسيويين وقد أرتدى الفرعون تاج الحرب وأمسك بفأس القتال.
علاوة على ما سبق، ضمّت حديقة المتحف المصري بالتحرير في وقت سابق، أحد التماثيل الضخمة المتميزة، والتي جسدت الملك رمسيس الثاني بين معبودي مدينة "منف" الكبار "بتاح" وزوجه "سخمت" والتي تم نقلها مؤخرا لتُعرض في المتحف المصري الكبير.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: عاصمة منف عاصمة مصر مصر المصریة القدیمة المتحف المصری رمسیس الثانی عصر الدولة الکثیر من أبو الهول من قبل

إقرأ أيضاً:

في حوار خاص لـ "الفجر".. هاني المهدي يكشف أسرار القوة الناعمة لمصر عبر اللغة العربية

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، وتنامي الحاجة إلى التفاهم الثقافي والحضاري بين الشعوب، تبرز اللغة العربية كأحد أهم جسور التواصل الإنساني والمعرفي، لا سيّما لما تحمله من ثراء لغوي وتاريخي وحضاري عميق. ومع تزايد الاهتمام العالمي بتعلم اللغة العربية لأغراض دينية، أكاديمية، اقتصادية، وسياسية، تتعاظم مسؤولية الدول العربية – وفي مقدمتها مصر – في تطوير هذا المجال الحيوي واستثماره كأداة فاعلة لتعزيز مكانتها الثقافية والدبلوماسية على الساحة الدولية.

ومن هذا المنطلق، يتناول موقع الفجر  هذا الحوار مع الدكتور هانئ محمد المهدي، عضو هيئة التدريس بجامعة الزقازيق والخبير في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، أبعاد هذا الملف المحوري الذي لا يقتصر تأثيره على التعليم فقط، بل يمتد إلى مجالات الاقتصاد، والسياحة، والدبلوماسية الثقافية. يسلّط الحوار الضوء على واقع تعليم العربية للوافدين في مصر، ومستوى الإقبال العالمي عليها، والتحديات التي تواجه إعداد المعلم الكفء، إضافة إلى دور تقنيات الذكاء الاصطناعي في تجويد العملية التعليمية. كما يطرح الدكتور المهدي رؤى مستقبلية جديرة بالتأمل لدعم هذا القطاع الواعد، من أجل أن تبقى مصر منارةً للغة الضاد وقِبلةً للراغبين في تعلمها من مختلف أنحاء العالم.

نرحب بالدكتور هانئ محمد المهدي، عضو هيئة التدريس بجامعة الزقازيق، وخبير ومستشار في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. بدايةً، دكتور هانئ، نود أن نتعرف من حضرتكم على أهمية هذا المجال، وموقع مصر فيه.

أشكركم على الاستضافة. تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وإعداد معلميها، يمثل مجالًا بالغ الأهمية، ليس فقط من الناحية التربوية، بل أيضًا كرافد من روافد الاقتصاد الوطني، وأداة فعالة لدعم القوة الناعمة المصرية في الخارج. لقد كانت مصر، ولا تزال، منارةً للعلم، ومركزًا رئيسًا لإعداد الكفاءات في هذا المجال الحيوي، الذي بات يلقى اهتمامًا عالميًا متزايدًا.

 هل ترون أن هناك إقبالًا ملحوظًا على تعلم اللغة العربية من غير الناطقين بها داخل مصر؟

 نعم، الإقبال في تزايد مستمر من مختلف الجنسيات. وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 15 مليون شخص حول العالم يرغبون في تعلم اللغة العربية، من بينهم أكثر من خمسة ملايين لديهم رغبة ملحة لذلك. وعند البحث عبر الإنترنت باستخدام مصطلحات مثل "Learning Arabic"، تظهر مصر في مقدمة الخيارات، وتحديدًا مدينة نصر التي تحتضن أكبر سوق دولي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وهو ما يعكس حجم الاهتمام العالمي ودور مصر المحوري.

 من وجهة نظركم، ما مدى الدعم المؤسسي لهذا القطاع في مصر؟

هناك جهود مؤسسية مشكورة، أبرزها ما تقوم به الجامعات المصرية التي أنشأت أقسامًا متخصصة، مثل قسم تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بكلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة. 

هذا القسم يقدم برامج أكاديمية متكاملة، تبدأ بدبلومات تمهيدية وتمتد إلى درجات الماجستير والدكتوراه. واليوم أصبح بالإمكان الحصول على ترقيات أكاديمية متخصصة في هذا المجال، بعد أن كان ذلك حلمًا بعيد المنال في الماضي.

وماذا نحتاج لتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال؟

 نحتاج إلى دعم أكبر، سواء من المؤسسات الحكومية أو منظمات المجتمع المدني، لدفع هذا المجال نحو آفاق أوسع. الدعم لا يعني بالضرورة التمويل فقط، بل يشمل أيضًا الاعتراف القانوني والمؤسسي بجهود العاملين فيه، وتهيئة بيئة حاضنة تضمن لهم التأهيل العلمي والتربوي والمهني المستمر. هذا المجال يعكس صورة مصر الحضارية، ويستحق أن يحظى بالعناية والاهتمام.

 شاركتم مؤخرًا في ندوة ناقشت دور الذكاء الاصطناعي في تعليم العربية. كيف ترون هذا التكامل؟

 الندوة جاءت تحت عنوان "تمكين المعلم من استخدام الذكاء الاصطناعي في تعليم اللغة العربية"، وهو موضوع بالغ الأهمية. الذكاء الاصطناعي يتيح إمكانيات واسعة في إعداد المحتوى، وتصميم الدروس، وقياس الأداء اللغوي. وقد استعرض مركز "لسان العرب" تجربته الرائدة في هذا المجال، من خلال توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقديم دروس تفاعلية، وتطوير وسائل التقييم، وتعزيز المهارات اللغوية الأربع: الاستماع، والكلام، والقراءة، والكتابة، عبر أدوات متعددة مثل الفيديوهات التفاعلية وتقنيات التعلم التكيفي.

وماذا عن أبرز التحديات التي تواجه إعداد معلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها؟

 هناك عدة تحديات، أهمها:

التمكن العلمي: كثير من الخريجين يفتقرون للأساس المتين في علوم اللغة العربية، مما يؤثر سلبًا على قدرتهم في التعليم.

النموذج اللغوي: المعلم يجب أن يكون ناطقًا بالعربية الفصحى بطلاقة، لأنه يُعد قدوة لغوية للمتعلمين.

شخصية المعلم: لا يكفي أن يمتلك المعرفة، بل يجب أن يتحلى بثقة الحضور، والقدرة على التواصل، وفهم احتياجات الطلاب من خلفيات ثقافية متنوعة.

المهارات المهنية: لا بد من تنمية المهارات التربوية والتقنية، خصوصًا في ظل التحول نحو التعليم الرقمي والتفاعلي.

بإجمال، التحديات تتوزع بين المعرفة، والكفاءة، والشخصية، والمهارات، وكلها ضرورية لصناعة معلم مؤهل لتعليم لغة القرآن الكريم بفاعلية واقتدار.

 وفي نهاية هذا الحوار، ما النصائح التي تود تقديمها لمعلمي اللغة العربية، لا سيما في هذا التخصص؟

 أوصي المعلمين بأمرين أساسيين:

أولًا، أن يلتزموا باستخدام اللغة العربية الفصحى في كل جوانب تواصلهم المهني، فالمعلم قدوة لغوية.

ثانيًا، أن يحرصوا على القراءة الجهرية المستمرة لمصادر الأدب العربي الرفيع، مثل مؤلفات طه حسين، والعقاد، والمنفلوطي، والرافعي، لما فيها من أساليب فصيحة وبناء لغوي سليم. كما أنصحهم بقراءة القرآن الكريم يوميًا، فهو المصدر الأول للفصاحة والبيان.

 شكرًا جزيلًا لكم، دكتور هانئ، على هذا اللقاء الشيق والمفيد.

 الشكر موصول لكم على اهتمامكم بهذا الموضوع الحيوي، وعلى إتاحة الفرصة لتسليط الضوء عليه.

مقالات مشابهة

  • حمدان بن محمد: الشراكات مع عمالقة التكنولوجيا ترسخ مكانة دبي عاصمة عالمية للاقتصاد الرقمي
  • في حوار خاص لـ "الفجر".. هاني المهدي يكشف أسرار القوة الناعمة لمصر عبر اللغة العربية
  • بعد شروعها في بناء مطار بنغازي.. شركة تيرمينالز الإماراتية تتولى إدارة وتطوير مطار عاصمة كازاخستان
  • تراث بورصة من الحرير والمأكولات: استكشاف التقاليد العثمانية في عاصمة الإمبراطورية السابقة لتركيا
  • بماذا طالب مُلام العقارات القديمة خلال جلسة الاستماع بمجلس النواب؟
  • ائتلاف ملاك الإيجارات القديمة: نطالب برفع قيمة التجاري لـ 5 آلاف جنيه وتحديد مدة للعقد
  • وزيرا الاستثمار والمالية يجتمعان مع بعثة صندوق النقد الدولي لمصر
  • تعرف إلى العقوبات التي استحدثها قانون الأحوال الشخصية الجديد في الإمارات
  • أحمد موسى: روسيا دولة صديقة لمصر.. وعلاقاتنا استراتيجية
  • تصعيد دامٍ في دارفور وكردفان: الجيش السوداني يكثّف غاراته الجوية والدعم السريع يردّ بمسيّرات