مثلما خلّد التاريخ يوم النصر المصري العظيم (6 أكتوبر 1973م)، سيخلد أيضًا يوم (7 أكتوبر 2023م).. يوم ملحمة "طوفان الأقصى" حين مرمغت المقاومة الفلسطينية أنف العدو الصهيوني في التراب، فتحول "الجيش الذي لا يُقهر" إلى "بيت للعنكبوت".
وفي ظني أن عملية "طوفان الأقصى" قد أفضت إلى مجموعة من الدروس المهمة التي يجب التوقف أمامها حتى لا تنسينا "اللحظة الآنية" رؤية المستقبل، وأول تلك الدروس هي عبقرية الحدث، الذي جمع بين المفاجأة، والمبادأة، وذلك من زاويتين: الأولى.
أما الزاوية الثانية لـ"عبقرية الحدث"، فتتمثل في أن العملية تتفرد بأنها الأولى من نوعها- خلال (75) عامًا من الصراع- التي تتم في "العمق الإسرائيلي"، بعد أن درج الصهاينة في كل حروبهم مع العرب أن يقاتلوا خارج عمقهم، سواءً في سيناء، أو الجولان، أو لبنان.
وهذا يقودنا إلى الدرس الثاني، وأقصد به حالة الارتباك التي أصابت الجيش الصهيوني، وأفقدته توازنه، ولم يحرك ساكنًا خلال الساعات الأولى من عمر عملية "طوفان الأقصى"، ثم بدأت حالة من الهيستيريا تمثلت في أقوال رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" بضرورة دك غزة، والرد الذي سيكون غير مسبوق، وسيغير خريطة الشرق الأوسط بشكل كامل؟!، وصاحب ذلك طلعات للطيران تعدت الـ(500) طلعة في الأيام الأولى بقصف مجنون للبنية التحتية بقطاع غزة، وهدم للبيوت على رؤوس الأبرياء، ووقوع مئات الضحايا، وآلاف المصابين، وقد بلغت "حالة الهيستيريا" مبلغها حين صرح وزير الدفاع "يوآف غالانت" بأنهم يحاربون "حيوانات بشرية" في عنصرية بغيضة ليست بمستغربة عن الصهاينة!!. وهنا أشير إلى أن مسارعة أمريكا لدعم حبيبة القلب (إسرائيل) بحاملة الطائرات "جيرالد فورد" يعكس في جوهره "ضعف إسرائيل" رغم آلتها العسكرية الجبارة!!
أما الدرس الثالث والأخير، فهو يتعلق بتأكيد "حتمية تاريخية" تقول بأن "كل احتلال إلى زوال"، طال الزمن أم قصر بهذا الاحتلال، ولنا في ثورات الشعوب طلبًا للحرية ومواجهة المحتل خير برهان، كما حدث في ثورات العالم الثالث، وإفريقيا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وطالما هناك شعب حي لا يخشى المحتل سيأتي النصر لا محالة، وهنا أتذكر مقولة الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر: "الخائفون لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يخلقون الكرامة".
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
دروس موجعة من مفاوضات حماس وإسرائيل
وافقت حماس في وقت سابق على هدنة بوساطة ثلاثية (قطرية- مصرية- أمريكية)، تضمنت وقفا متدرجا لإطلاق النار، وتبادلا للأسرى، وتمهيدا لمفاوضات طويلة الأمد قد تُفضي إلى تهدئة دائمة. لكن هذه الهدنة، التي اعتُبرت إنجازا إنسانيا وسياسيا في لحظتها، سرعان ما انهارت بانتهاء المرحلة الأولى منها، عندما قرر نتنياهو استئناف الحرب، وتوسيع نطاق العدوان، ضاربا بالاتفاق والضامنين عرض الحائط.
والنتيجة كانت أزمة ثقة شاملة، بين جميع الأطراف والضامنين الدوليين. وهنا تُطرح أسئلة لا يمكن القفز فوقها:
• ما جدوى التفاوض إن لم يكن مشفوعا بضمانات تنفيذية فعلية؟
• ما قيمة الوساطات إذا عجزت عن إلزام الطرف الأقوى سياسيا وعسكريا؟
• كيف يمكن إعادة بناء مسار سياسي في ظل تكرار تجربة التراجع والانقلاب على التفاهمات؟
لا بد أن تتحوّل صيغة الهدنة المستقبلية إلى اتفاق ملزم ترعاه جهات دولية متعددة بآليات مراقبة وتنفيذ واضحة، وينبغي أن يكون الاتفاق مرتبطا بتسلسل زمني مشروط لا يُمكن لإسرائيل تجاوزه أو الانسحاب منه دون كلفة دبلوماسية وحقوقية حقيقية
لا تفاوض بلا أدوات ضغط موازية
التجربة تثبت أن التفاوض دون توازن قوة ولو نسبي، لا يحمي الحقوق، بل يجمّده مؤقتا قبل التفريط بها. لذا، يجب على أي طرف فلسطيني ينخرط في مسار تفاوضي أن يُراكم أدوات قوة موازية:
• إسناد شعبي صلب يحصّنه داخليا.
• شبكة دعم دولية حقيقية تضغط على الوسيط لا تكتفي بالتغطية.
• وضوح في خطوطه الحمراء وحدود التنازل.
اتفاق برعاية متعددة الأطراف وتوقيت مشروط
لا بد أن تتحوّل صيغة الهدنة المستقبلية إلى اتفاق ملزم ترعاه جهات دولية متعددة بآليات مراقبة وتنفيذ واضحة، وينبغي أن يكون الاتفاق مرتبطا بتسلسل زمني مشروط لا يُمكن لإسرائيل تجاوزه أو الانسحاب منه دون كلفة دبلوماسية وحقوقية حقيقية.
ففي مفاوضات غير متكافئة، لا يكفي التوقيع، بل يجب بناء مناخ لا يسمح بالتلاعب بنتائج التفاوض، ولا بتكرار الخديعة باسم الوساطة.
الرهان على واشنطن.. بين الإدارة والخذلان
قال ويتكوف للوسطاء: "الولايات المتحدة لا تخطط لإجبار إسرائيل على إنهاء الحرب".. جملة واحدة أسقطت كل وهم "الاختراق الأمريكي"، وكل حديث عن "مبادرة منقذة". كانت الحقيقة معروفة، لكن الاعتراف بها ظل مؤجلا.
وصفقة عيدان ألكسندر، رغم رمزيتها، أثبتت أنه لا يمكن التعامل معها كإنجاز مكتمل، بل هي اختبار لما سيليها: وقف إطلاق نار؟ تبادل شامل؟ ترتيبات سياسية؟ وإن لم تُربط الصفقة بمسار متكامل، فإنها تتحول إلى تنازل مبكر عن ورقة ثمينة.
الحرص هنا ليس تشاؤما، بل حماية للإنجاز من أن يُستهلك بلا مردود. فالقيمة ليست في تحرير أسير فقط، بل فيما تُثمره هذه الخطوة من نتائج سياسية دائمة لشعب يحاصر بالنار.
ما الذي تملكه حماس من خيارات؟
1- الاستمرار في القتال
• الرمزية: تعزيز صورة "المقاومة المستمرة".
• الكلفة: كارثية إنسانيا وسياسيا، خاصة مع تمدد العدوان.
• النتيجة: استنزاف طويل قد يفضي إلى تدخلات تفرض شروطا أقسى لاحقا.
2- القبول بهدنة مؤقتة (مع حذر)
• الربح: وقف نزيف الدم، ترتيب الصفوف، تخفيف الكارثة الإنسانية.
• الخطر: تكرار خديعة التفاهمات السابقة، واستغلال الهدنة لإعادة تموضع الجيش الإسرائيلي.
القوة اليوم ليست فقط في القتال، بل في إعادة تعريف شروط الهدنة، وتثبيت الثمن السياسي
• المعادلة: قبول مشروط ومطالب بضمانات دولية غير قابلة للعبث.
3- المناورة بالوسطاء
• الوسائل: الضغط عبر مصر وقطر والوسطاء الدوليين لتثبيت أي اتفاق.
• الغرض: جعل التراجع عن أي تفاهم مكلفا للطرف الآخر دبلوماسيا.
• الحدود: مرهونة بوزن الحلفاء وثقلهم على الأرض.
4- نقل المعركة إلى المحافل الدولية والرأي العام
• الفرصة: حالة التعاطف العالمي، وتصاعد الأصوات في أوروبا وأمريكا.
• القيمة: تعزيز العزلة السياسية لإسرائيل، وتأخير أو تخفيف الضغوط العسكرية.
• المحدودية: لا توقف عدوانا وحدها، لكنها تُصعّب استمراره.
خلاصة
حماس لا تملك خيارات حرة لكنها تملك مسارات اضطرارية يمكن إدارتها بحكمة وموازنة بين صمود الوجود وحماية المجتمع. القوة اليوم ليست فقط في القتال، بل في إعادة تعريف شروط الهدنة، وتثبيت الثمن السياسي.
ولذلك، فإن إعادة تعريف قواعد التفاوض، ورسم خطوط حمراء فلسطينية موحدة، لم تعد خيارا تنظيميا، بل ضرورة وجودية.