كان المطلوب من الدول الغربية والعربية أن تعمل لوقف الحرب الدائرة في غزة، والمرجّحة أن تنتقل إلى لبنان، بدلًا من دعوة رعاياها إلى مغادرة الأراضي اللبنانية. فهذا الإجراء أقلق اللبنانيين أكثر من قلقهم على المصير في حال اندلاع الحرب وأكثر من خوفهم من هذه الحرب بحدّ ذاتها، لأن ما يعيشه هؤلاء هو أسوأ ممّا يمكن أن تحدثه أي حرب، من أي نوع كانت، خصوصًا أنهم خاضوا في سنواتهم الماضية أبشع أنواع الحروب، التي لم تنجح في زعزعة إيمانهم بوطنهم، الذي ترخص أمام عزّته ومناعته وسيادته ووحدته كل أنواع التضحيات.

     أمّا أن تلجأ هذه الدول إلى دعوة رعاياها لمغادرة لبنان فهذا يعني أنها قد تخّلت عمّا يرمز إليه هذا البلد الصغير، الذي لم يرَ فيه القديس البابا الراحل يوحنا بولس الثاني سوى رسالة حضارية إلى العالم أجمع. وهذا يعني أيضًا أن لبنان سيُترك يواجه مصيره لوحده، من دون أن يجد من يقف إلى جانبه ويناصره على أعدائه، وهم كثر على ما يبدو.   فالولايات المتحدة الأميركية المنحازة أساسًا إلى إسرائيل قد أعطتها الضوء الأخضر، كما يُقال، لاقتحام غزّة برًّا، الأمر الذي سيحرّك حتمًا جبهة الجنوب اللبناني، إذ أن "حزب الله"، لن يقف مكتوف الأيدي، وهو سيتدّخل حتمًا في حرب يعرف الجميع أن تداعياتها ستكون كارثية على الجميع. وهذا ما يعرفه الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أعطى إسرائيل بزيارته لها جرعة دعم غير مسبوقة. وهذا الدعم الأميركي سيقابله حتمًا دعم غير محدود من قِبل إيران لـ "حزب الله" ولحركة "حماس".   وهكذا تُدار الحرب الدائرة في فلسطين والمتوقعة في لبنان من واشنطن وطهران، بعد أن تكون كل الخطوط الحمراء قد سقطت، الواحد تلو الآخر، وبعد أن تكون "قواعد الاشتباك"، التي لا تزال هي الحدث في الجنوب اللبناني وفي الشمال الإسرائيلي، على رغم أن أعداد الشهداء من جانب "حزب الله"، والقتلى من الجانب الإسرائيلي، إلى تزايد يومي، الأمر الذي يقود الجميع إلى منطق الانخراط الاجباري في حرب غير تلك الاستنزافية، خصوصًا أن أبواب المواجهة على الجبهة الجنوبية مفتوحة على كل الاحتمالات، خصوصًا أن المسؤولين الكبار في "حزب الله" يعدون بمفاجآت قد لا تخطر على بال العدو، الذي يبدو أنه متهيّب من مغامرة فتح أبواب جحيم المعركة الجنوبية على نفسه، في الوقت الذي يتعاظم فيه الدعم الشعبي لفلسطينيي غزة.   ولأن "حزب الله" لا يزال يتبع أسلوب إبقاء العدو على أعصابه، فإن ما يُسأل عنه يبقى في إطار الأسئلة الطبيعية التي يجب أن تُسأل، وهو إلى متى سيبقى هذا النهج المتبع ساري المفعول إلى أجل غير مسمّى، وهل ينتظر أسوأ مما يحصل في غزة بعد مجزرة مستشفى المعمداني؟   ففتح جبهة جديدة بموازاة ما يحصل في غزة ليست "مزحة"، لأن نتائجها ستكون كارثية على كل من لبنان وإسرائيل. فالجانبان يعلمان علم اليقين ثمن أي مغامرة من هذا النوع. وإذا كان الأمر مربوطًا بالغزو البرّي لغزة، الذي يتوعد به العدو أهلها، فإن إسرائيل لم تعد في حاجة إليه بعدما حوّلت قذائفها المدمّرة أغلب منازلها ومدارسها ومستشفياتها أنقاضًا، مع استمرار الحصار المفروض عليها، الأمر الذي يستحيل العيش في هذا القطاع بعد كل هذا الدمار، وهو يُعتبر من بين المساحات الأصغر في العالم، الذي فيه اكتظاظ سكاني يفوق المعدّل العام المسموح به لعيش كريم بعشرات المرّات.   فإلى متى سيستمرّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ملتزمًا الصمت، وهل هذا من بين المفاجآت، التي يخفيها، والتي تُعتبر جزءًا لا يُجزّأ من سرّ قوة "حزب الله"، وهو ليس في وارد إعطاء العدو ذريعة لتنفيذ ما يُخطّط له.
 
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله

إقرأ أيضاً:

كريم وزيري يكتب: العدو الجديد يرتدي كودًا برمجيًا

هل نحن في سلام؟ أم أن الحرب تغيرت فقط شكلًا، وتسللت إلينا في صورة إشعار على الهاتف، أو عطل مفاجئ في محطات الكهرباء، أو إشاعة تشعل الرأي العام؟ ذلك السؤال لم يعد تنظيرًا فكريًا، بل صار واقعًا يوميًا نعيشه دون أن نشعر أننا نعيش تحت نيران نوع جديد من الحروب.

لم تعد الجيوش وحدها من تخوض المعارك، أنت أيضًا على الجبهة، سواء كنت طالبًا أو موظفًا أو حتى طفلًا يتصفح يوتيوب.. فأهلًا بك في عالم الحروب الجديدة… حيث لا طلقات، لكن الجثث حقيقية.

في الحروب القديمة، كان العدو يرتدي زيًا عسكريًا وتحمله دبابة، واليوم، العدو قد يكون هاكر يجلس في قبو مظلم على بُعد آلاف الكيلومترات، يدخل إلى شبكة الكهرباء، ويغلق مدينة كاملة في دقائق، أو ربما هو "بوت" مزروع على مواقع التواصل، يصنع انقسامات مجتمعية ويدفع الناس إلى صدامات أهلية دون أن يُطلق رصاصة.

مايكروسوفت نفسها أعلنت أنها تتعرض لـ 1000 محاولة اختراق يوميًا، فما بالك بدول كبرى؟ أو حتى اقتصادات ناشئة بلا حماية إلكترونية كافية؟ وحين اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية، انضمت وحدات إلكترونية عالمية إلى المعركة، من بينها مجموعات متطوعة مثل "أنونيموس". لم يكونوا جنودًا على الأرض، بل جنودًا خلف شاشات، يهاجمون مواقع حكومية، ويبثون رسائل دعائية، ويخترقون بث التلفزيون الروسي.

هذا النوع من الحرب يثبت أننا مقبلون على عصر يكون فيه الهكر أقوى من الجنرال… والمعلومة أخطر من القذيفة.

وتخيل أن دولة تُهاجِم دولة أخرى بالكامل باستخدام طائرات دون طيار، لا طيار، لا شهود، لا بصمة بشرية وهذا ما حدث في أذربيجان وأرمينيا، حين استخدمت باكو أسطولًا من درونز تركية وإسرائيلية الصنع، وحققت نصرًا خاطفًا في إقليم ناغورني كاراباخ.

الدرونز الآن تطير، ترصد، تقصف، وتعود… دون أن تُرصد، وأسوأ ما في الأمر؟ أنها رخيصة الثمن… متاحة حتى للجماعات المسلحة، لا فقط للدول.

وفي الحرب الحديثة، لا تكسب المعركة على الأرض فقط، بل في عقول الناس من يملك القصة… يملك الانتصار ولهذا، فإن السوشيال ميديا لم تعد وسيلة ترفيه، بل ساحة حرب نفسية.

الإشاعة الآن قادرة على إسقاط وزير، أو إشعال فتنة طائفية، أو حتى الضغط على دولة لتغيير سياستها الخارجية وكل ذلك يتم عبر حسابات وهمية، و"تريندات" مصنوعة، ومقاطع فيديو مُفبركة بدقة الذكاء الاصطناعي.

أمريكا، الصين، روسيا، الهند… كلهم يتنافسون على تسليح الفضاء والأقمار الصناعية أصبحت أعين الجيوش وآذانها. ومن يتحكم في السماء، يستطيع أن يرى كل شيء، ويضرب في أي لحظة، والصراع الآن لم يعد فقط من سيملك الأرض، بل من سيحكم المدار.

حتى أن أمريكا أنشأت رسميًا فرعًا جديدًا في جيشها باسم "قوة الفضاء"، ليس فقط للاستكشاف، بل للدفاع والهجوم الفضائي.

مياه، غذاء، طاقة… ثلاثي بدأ يُشعل صراعات من نوع جديد، سد النهضة في إفريقيا، أزمة الغاز في شرق المتوسط، جفاف الأراضي الزراعية في جنوب آسيا… كل ذلك مؤشرات على أن الحروب المستقبلية ستكون على الموارد، لا على الأيديولوجيا والمقلق أن التغير المناخي يزيد من حدة هذه الأزمات، ويجعل الصدام مسألة وقت، لا احتمال.

وسابقا كان السلاح النووي رادعًا لأنه يؤدي إلى "نهاية العالم" واليوم، يتم تطوير رؤوس نووية صغيرة Tactical Nukes، يمكن استخدامها في ساحة المعركة دون تدمير شامل، لكن بأثر نفسي هائل، والمخيف؟ أن بعض الدول تدرس استخدامها كسيناريو واقعي… لا خيالي.

وبالتالب المعركة القادمة لن تطلب منك حمل السلاح، لكن قد تطلب منك كلمة سر قوية لحسابك البنكي لن تستدعيك للخدمة، لكنها قد تسحب منك الكهرباء، الإنترنت، أو الحقيقة.

في زمن الحرب الجديدة، أنت الجندي حتى لو لم تكن تدري ولذلك، فالمعادلة الآن تغيرت، الدفاع لا يعني فقط حدود محمية، بل عقول محصنة، ووعي يقظ، وذاكرة لا تُخدع.

 

 

مقالات مشابهة

  • «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ».. حكم قول «بلى» داخل الصلاة أو خارجها | دار الإفتاء تجيب
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين .. نتنياهو هو “ملاك الموت” الذي يقبض أرواح الأسرى
  • الرئيس عون من روما: لبنان سيبقى مؤمناً أكثر من أي وقت مضى برسالته التاريخية في الحرية والتعددية
  • أهم حدث في الساحة حاليا هو العدوان الذي يتعرض له السودان من تحالف دولي يدمر في بنيته التحتية
  • جرافات العدو الصهيوني تبدأ بهدم المنزل الذي استشهد فيه 4 فلسطينيين في طمون
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب
  • السيد القائد: العدوان الهمجي الوحشي الإجرامي الذي يقوم به العدو الإسرائيلي على قطاع غزة يعتمد على الدعم الأمريكي والغربي (إنفوجرافيك)
  • كريم وزيري يكتب: العدو الجديد يرتدي كودًا برمجيًا
  • جعجع: المشهد الذي انطلق من السعودية هو الطريق الصحيح لحل مشكلات المنطقة
  • أذكار الصباح اليوم الخميس 15 مايو 2025.. «بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيء»