عدنان نصار تركت بغداد في العام 1984..لكني عدت اليها مشاركا بتسع مؤتمرات على مدار تسع سنوات كان آخرها مؤتمر القوى الشعبية العربية سنة 2001.. كانت بغداد تحت قصف الطغاة (اميركا) ومن تعلق في ذيلها، ولعق صديد سياستها الماجنة .. (1) ها آنذا ، اجلس على شرفة مقهى وسط عمان الفديمة، قهوتي وسط، لاني لا احتاج الى مرار إضافي، فيكفينا مرار تجرعناه على مدى 40 سنة شمسية.

. أنظر الى الشرق تماما ، فيلوح امام ناظري العراق العظيم ، في رحلة ثلاثية الابعاد تسكن في مخيلتنا، يوم كان العراق العظيم مصدر قوتنا وخبزنا، وعزنا وكرامتنا.. اتصفح الاوراق التي سقطت وعرت وفضحت ما تبقى من ستر لأمة عربية “رسمية” وكشفت عورتها بصورة تبعث على القيء من الحنجرة ..اغوص في قلب المشهد، واروح الى الأعظمية، والقي التحية على بيت “بلقيس”، ثم الوذ الى جذع نخلة تحميني لو قليلا من شمس حزيران.. أتراخى قليلا وانا حيران، واطرح اسئلة على “عيون المها بين الرصافة والجسر ..” وقبل ان يجيء الجواب ترميني عابرة طريق، بحبات من “الرطب ” في وقت كنت فيه اسأل: ما الذي جرى لبغداد يا “مريم”؟!. (2) في عام 1984 ،لم نكن نميز بين السنة والشيعة ، ولا احد يتجرأ ان يتحدث في هذا الأمر ، فالعراق يتسع للجميع ، وحبيبا للجميع ، والجميع يحب العراق العظيم ..،كنا شلة نتوق الى العلم والمعرفة (المرحوم د.ربيع من اربد ، وفرحان من ريف الرمثا ، وقيس من الدار البيضاء ، وصفوان من سوريا ، ورشيدة من تونس ، ولينا من بيروت..” كنا نعكس الوحدة العربية بشكل عفوي وفردي ، ونتحدث بلغة الحالمين عن قادم جميل ،يكفينا ويعفينا من حرج السؤال ..كانت بغداد على سعتها الأفقية وحافلاتها الطابقية الحمراء تعزز فينا روح التفكير الجماعي الباحث عن مستقبل مشرق ..وقتها ،لم نتردد في التطوع للدفاع عن العراق في حربها مع إيران ، لكن تم اعفاءنا وتكليفنا بمهمة “بعثية” الى الفلوجة..استرسل في توجيه البصر والذاكرة الى الشرق من وسط عمان القديمة ..،فيرفع الشيخ الجليل آذان العصر من المسجد الحسيني الكبير ..، يلكزني صابر المصري العامل في المقهى العتيق ويقول بلهجته المصرية المحكية:” ايه يا استاز ، رحت لحد فين ” ؟ ابتسمت واجبته بلهجة مصرية جميلة :”انا هنا ..بس رحت شويه لحي السيدة” وقتها كان الراحل المطرب الشعبي محمد عبد المطلب يغني :” انا ساكن بالسيدة وحبيبي بالحسين..وعشان انول الرضا اروحله مرتين” ..ثمة شبه بين وسط عمان القديمة وشارع “طلعت حرب” بالقاهرة وشارع ابو النواس في بغداد ..أي لغة أصف صبرك يا بغداد.؟! (3) صابر المصري ، يتسم بالكرم وطيبة ابن البلد ..وبناء عليه ، أحضر لي الشاي المعتق ، ووضعه على طاولة خشبية مستديرة.. بغداد نحو الشرق، اقابلها تماما في جلستي، أكاد ان أراها لولا جبال عمان الشرقية امامي..، أتحدث مع طيف بغداد وشوارعها ومطاعمها وفنادقها.. وسكن الاعظمية والبط العوام في الصبح الباكر على ضفاف الماء..، استحضر الشاعر الراحل نزار قباني حينما القى قصيدة “بلقيس” على مسرح جامعة بغداد سنة 1981 حين تم اغتيالها في بيروت ..”بلقيس يا وجع القصيدة”، واتحدث مع طيف بغداد من على شرفة مقهى وسط عمان.. يلوح في الأفق نادي الفروسية في بغداد، واستحضر الشهيد طارق عزيز وسعدون حمودي حين كانا يرتبا لنا أكلة “المسقوف”..، استحضر د. حسن طوالبة من المكتب الاعلامي في قصر الرئاسة “بالمناسبة د. الطوالبة معتكف سياسيا في منزله الريفي في بلدة سحم الكفارات شمال الاردن.. ويعيش بسلام وهدوء” بعيدا عن ضوضاء الدجل والنفاق . العراق حاضر، في ذاكرتنا وخبزنا وكرامتنا ومجد هويتنا العربية ..، العراق وان اصيب بسهام جارحة   في خاصرته سيعود معافى وبسلام .. لم يدر في خلدي، ان الجلسة على شرفة المقهى في عمان القديمة، سيفتح جروح بغداد.. ولم اتقصد للحظة ان اخرج عن دائرة الواقع الرديء، لادخل في مربع الماضي.. ابدا، كل ما في الأمر أن صابر المصري يسألني دائما: “ازي بغداد ” فهو الذي يصر على إسماعي مقطع من اغنية الراحل ناظم الغزالي: ” .. من ورى التنور تناوشني الرغيف يا رغيف الحلوه يكفيني سنه لون خمري لا سمار ولا بياض مثل بدر تام واشرف ع الرياض” ..فصابر هو من يتحمل مسؤولية نكأ جراحنا .!! كاتب وصحفي اردني

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

بغداد في سباق مع الزمن.. استعدادات القمة تُعيد رسم ملامح العاصمة

14 مايو، 2025

بغداد/المسلة: ارتفعت وتيرة الاستعدادات في بغداد مع اقتراب موعد انعقاد القمة العربية، حيث كثّفت الدوائر الخدمية وعلى رأسها أمانة بغداد جهودها لإتمام مشاريع التهيئة والتجميل، وحرصت على استكمال تطوير الطرق الرئيسية ومقتربات مطار بغداد الدولي والمنطقة الخضراء، وسط وعود بأن تكون العاصمة في أبهى حلة لاستقبال القادة العرب.

وتوضح جولة ميدانية، ما تم إنجازه في شارع المطار وصالة الشرف الكبرى ومداخل المنطقة الخضراء، حيث بغداد باتت مستعدة للحدث، وأن الجهود البلدية لن تتوقف بانتهاء القمة، بل ستُستثمر كجزء من حملة “بغداد أجمل” المستمرة منذ تسلُّم الحكومة الحالية مهامها في تشرين الأول 2022.

واستنفرت الوزارات والمؤسسات المعنية طاقاتها تأميناً لحدث يأمل العراقيون أن يعيد حضور العراق العربي والإقليمي إلى الواجهة، ويبدد مشاهد العزلة السابقة التي رافقت سنوات ما بعد الغزو الأميركي.

ووضعت السلطات الأمنية خططاً محكمة لحماية الوفود، بينما أكدت وزارة الخارجية مشاركة قادة وممثلي 22 دولة عربية في القمة المرتقبة التي تعد الأولى من نوعها في بغداد منذ قمة عام 1990، والتي سبقت الغزو العراقي للكويت بشهور.

واسترجع العراقيون على منصات التواصل ذكريات استضافة بغداد لمؤتمرات مشابهة، وكيف تحوّلت بغداد حينها إلى عاصمة القرار العربي.

وتكررت هذه المظاهر في 2012 حين استضاف العراق قمة عربية وسط إجراءات أمنية مشددة، بعد غياب دام أكثر من عقدين. حينها أنفقت الحكومة على أعمال البنية التحتية والتجميل، بينما بدت شوارع بغداد كأنها تستعد لحفل زفاف سياسي.

وتقاطعت آمال العراقيين حينها بين التفاؤل بعودة العراق إلى محيطه، وبين خيبة غياب التأثير السياسي الفعلي لما بعد القمة، ما يجعل قمة هذا العام أمام اختبارين: النجاح التنظيمي والجدوى السياسية، خصوصاً مع اشتداد الصراعات الإقليمية واستمرار الجمود في ملفات التعاون العربي.

وتكررت ظاهرة “التجميل” قبل مناسبات كبرى في العراق، كما حصل قبل زيارة البابا فرنسيس في آذار 2021، حيث شهدت النجف وبغداد وأربيل حملات تنظيف وتعبيد.

ويأمل المواطنون ألا تكون القمة مجرد تظاهرة ديبلوماسية موقتة، بل بوابة حقيقية لإعادة تفعيل الدبلوماسية العراقية وتعزيز الاستقرار، كما عبر مغردون كتب أحدهم: “نحن نرحب بضيوف القمة.. لكن نرجو ألا يُطوى ملف بغداد بعد مغادرتهم كما طُويت ملفات كثيرة من قبلهم.”

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • لقمةُ الشعبِ في قمّة الذلّ
  • السوداني:زيارة ترامب لدول الخليج أثرت على مؤتمر قمة بغداد والمشاريع الاقتصادية التي ينفذها العراق هي لخدمة إيران
  • السوداني وزيدان يؤكدان على التعاون الولائي
  • نيجيرفان بارزاني: قمة بغداد تعكس استعادة العراق لدوره المحوري
  • بغداد في سباق مع الزمن.. استعدادات القمة تُعيد رسم ملامح العاصمة
  • مغردون يرحبون بصواريخ الحوثي التي ضربت إسرائيل
  • السوداني يوجه لإنجاح قمة بغداد
  • رسالة حنين وصورة نادرة تتصدران جوجل: هالة صدقي تُبهر جمهورها في "عيد الأم الأمريكي"
  • قمة بغداد: العراق.. من العزلة إلى الريادة
  • [ كلما جاءت ثلة مجرمة حاكمة قلدت أختها التي سبقتها ]