صدر الكتاب فى نوفمبر من عام 1990 ضمن سلسلة «كتاب اليوم»، التى تصدر عن «مؤسسة أخبار اليوم» للكاتب والصحفى «محمد العزب موسى» (1935 - 1992)، الذى شغل منصب نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار المصرية، وله ما يقرُب من ثلاثين كتاباً مؤلفاً ومُترجماً ما بين الرواية والأدب والتاريخ. قامت د. نعمات أحمد فؤاد (1924- 2016) بتقديم الكتاب، فقالت: (قرأت الكتاب لأكتب مقدمة له فسرقنى من نفسى وكدت أفرغ منه، ولم أكتب بعد سطراً واحداً.

وأعدت قراءته فوجدت جديداً على القارئ العام أو السواد الأعظم على الأقل. بل وجدت جديداً على أصحاب التخصصات الأخرى... ).

أخبار متعلقة

د. مينا بديع عبدالملك يكتب: عن كتاب فلسفة الرياضة للدكتور محمد ثابت الفندى

د. مينا بديع عبدالملك يكتب: قصة أروع اكتشاف أثرى تُروى للمرة الأولى

مينا بديع عبد الملك يكتب : كتاب «متحف الخط العربى» التوثيق وحماية الهوية العربية

محمد العزب موسى

يقول الأستاذ محمد العزب موسى فى كلامه عن فكرة العدالة فى مصر القديمة: (لا أتصور أن هناك حضارة من الحضارات تعرضت لحملة من الافتراءات والأكاذيب والتشويه مثلما تعرضت لها الحضارة المصرية القديمة.. هذه الحملة الظالمة التى استهدفت مصر بدأها «بنو إسرائيل» بعد خروجهم الشهير، وشارك فيها «اليونانيون» الذين استوطنوا مصر فى أواخر عصورها الذهبية، ثم «الإغريق» الذين جاءوها فى زمن البطالمة، فـ«الرومان» الذين جعلوها أهراء قمح لروما وحرموا أبناءها دون سائر شعوب الإمبراطورية حق المواطنة الرومانية!!..)، ثم يضيف قائلاً: (ومن أشد ما يحز فى القلب أن بعضاً منا نحن «المصريين المحدثين»، ولنقل بل والكثيرين، لم تصل إليهم هذه الدهشة بعد، جهلاً أو تغريراً، فمازالوا يأنفون من ذكر مصر القديمة، ويرونها مجرد أمة بائدة من الوثنيين، ويفصمون بين حاضرهم وماضيهم المجيد بشتى الدعاوى الخاطئة). لقد عرفت مصر القديمة فكرة العدالة، وكانت هناك معايير دقيقة لتطبيقها، وأدبيات كثيرة تشيد بها.

غلاف الكتاب

كانت هناك آلهة للعدالة المُطلقة تُسمى «ماعت» هى ربة العدل والحق والصدق. تصورها النقوش فى هيئة سيدة واقفة أو جالسة مرتكزة على عقبيها، وتحمل فوق رأسها ريشة «طاووس». إن «ماعت» كانت تعنى الصدق والشجاعة والعدالة والحق والفضيلة. كانت بمثابة دستور أخلاقى غير مكتوب يهتدى به الناس فى معاملاتهم، كأنها تقول للإنسان: قُل الصدق.. افعل الخير.. التزم جادة الصواب... إلخ. وكما ورد فى أحد النصوص القديمة وهى من التعاليم الموجهة إلى «مريكارع»: (فضيلة «ماعت» الرجل المستقيم خير عند الإله من ثور يقدمه صانع الآثام).

وعندما تحدث عن «حكماء وادى النيل» قال: (كانت مصر القديمة أرض الحكمة والحُكماء، مثلما هى أرض العلم والعلماء. وقد صارت الحكمة المصرية مضرباً للأمثال منذ قديم الزمان، وحفظ لنا التاريخ أسماء الكثيرين من حكماء وادى النيل الذين عاشوا فى مختلف العصور الفرعونية وتركوا تعاليم ونصائح كانت نبراساً يهتدى به المصريون فى حياتهم.. ولكن هناك حكماء آخرين لم تصل إلينا سوى أسمائهم مع أنهم لا يقلون شهرة، بل قد يزيدون، ومنهم «أيمحُتب» العظيم وزير الملك «زوسر» مؤسس الأسرة الثالثة، وكان حكيماً وطبيباً ومهندساً وفلكياً وكاتباً وكبيراً للكهنة المرتلين ورُفع فى أواخر العصور الفرعونية إلى مرتبة «إله الطب»، و«حرددف» ابن الفرعون «خوفو» بانى الهرم الأكبر، وكان أميراً عاقلاً طيب المعشر مطلعاً على تاريخ الأجداد، وقد هجر فيما يبدو السياسة فى ذلك العصر الملىء بالصراع وتفرغ للحكمة ومصاحبة العلماء، ومنهم أيضاً «أمنحُتب بن حابو» وزير الفرعون «أمنحُتب» الثالث الذى وصلت فى عهده الإمبراطورية المصرية إلى قمة الثراء، ويُنسب إليه أنه بانى تمثالى ممنون الشهيرين، وكان وزيراً وطبيباً ومهندساً. وبالرغم من أنه كان فرداً عادياً ينتمى إلى أسرة متواضعة من «بنهاو»، إلا أنه رُفع إلى مصاف الآلهة- مثل «أيمحُتب»- وأقيم له معبد فى جبانة طيبة الغربية).

لكن الزمن أبقى لنا الكثيرين من الحكماء الذين عاشوا فى وادى النيل، لعل من أشهرهم الحكيم «ايبور» الذى شهد الثورة الاجتماعية الدامية التى أعقبت سقوط الدولة القديمة، ووصفها وصفاً بليغاً، وزميله «نفرروهو» صاحب النبوات عن تحسُن الأحوال وسيادة النظام والعدل، وأنشودة «عازف القيثار» التى تدعو الناس إلى التمتع بمباهج الحياة قبل أن يحين الأجل المحتوم. ولدينا من عصر الدولة القديمة الحكيم «كاجيمنى»، وقد وصل إلينا جزء صغير من تعاليمه محفوظ فى «بردية باريس» وفيها يحث على التواضع والاستقامة والحذر من الكلام غير المسؤول، كما يتحدث عن آداب المائدة وما يجب أن يتحلى به الإنسان من التعفف وضبط النفس وهو يؤاكل الآخرين. ولدينا من الدولة الوسطى وصايا «أمنمحات الأول» لابنه «سنوسرت»، وهى وصايا سياسية فى المحل الأول تصلح كدستور يجب أن يتحلى به الحاكم العادل قوى الشكيمة، وتعاليم «خيتى» لابنه «بيبى» التى تحضه على التعليم والثقافة وتبين فضل قراءة الكتب. أما الدولة الحديثة فلدينا منها نصائح «آنى» لابنه وهى تحض على عظيم الفضائل والخلال، ولا تكاد تجد مجالاً إلا وطرقته، سواء فى العلاقات الأسرية أو العبادة أو دخول المنازل أو الابتعاد عن مواطن الشُبهات أو البر بالوالدين أو عدم الاغترار بالقوة والمال أو معاملة الزوجة والرؤساء.

من أقوالهم الحكيمة يقول «بتاح حُتب»: (كن مجتهداً فى كل وقت، افعل أكثر مما هو مطلوب منك، لا تضع وقتاً هباءً إذا فى إمكانك أن تعمل، مكروه ذلك الذى يسىء استخدام وقته، إن العمل يأتى بالثروة، والثروة لا تدوم إذا هُجر العمل)، ويقول الحكيم «آنى»: (إن قلب الإنسان يشبه مخزناً للغلال مليئاً بالإجابات من كل نوع، اختر الردود الطيبة منها وتحدث بها على لسانك، واحتفظ بالردود السيئة فى داخلك).

وعندما تعرض الأستاذ محمد العزب موسى لموضوع العبادة فى مصر القديمة تحت عنوان «لم يكونوا مجرد عبدة أوثان، قال: (لعل من أكبر المطاعن التى توجه إلى مصر القديمة أنها لم تعرف الإله الحق، وإنما عبدت خليطاً من الآلهة والربات من ذوى الأصول الكونية أو الحيوانية أو البشرية. وإن المصريين القدماء كانوا يعبدون الأصنام، أو كما أعرب أحد المثقفين الذين دخلت معهم فى معركة فكرية منذ ربع قرن عن عجبه واستنكاره لدفاعى عن الحضارة المصرية والتاريخ الفرعونى بدعوى أن «المصريين القدماء كانوا أمة بائدة من الوثنيين ولا يستحقون بالتالى شرف التقدير أو مئونة الاهتمام بهم إلا بمقدار ما تستحق ذلك قبائل الكفرة من عرب الجاهلية قبل الإسلام!» والحق أن شبهة الوثنية والكفر من أشد ما ألحق جهلاً بالمصريين القدماء، وهى شبهة محقت فى أعين الكثيرين كل الأمجاد التى حققها المصريون الأوائل فى السياسة والفكر والصناعة والحرب وكل ألوان الحضارة. ولكن هذه الشبهة غير صحيحة على إطلاقها، ولا يصح أن يوصف المصريون القدماء بالكفر. فقد تصور الإنسان القديم أن الإله مرتبط بالإقليم الذى يُعبد فيه ويجب أن يُرجع إليه باعتباره الحامى لهذا الإقليم. وهذا وضع طبيعى فى سلم التطور، فالناس لم يصلوا إلى نظرة كونية عالمية بعد، وإنما كل عالمهم إقليمهم الذين يعيشون فيه.. مشاعر العبادة لديهم صادقة ولكنها محدودة، فلا ينبغى أن يُطلب من إنسان محدود أن يفكر فى اللامحدود، وإنما من المفهوم أن يكون تفكيره محدوداً بظروفه. ومع ذلك، ورغم كل الصعوبات والمخاطر، عرف تاريخ الفكر الدينى المصرى ذلك الإنسان الشجاع الذى يعنى حقيقة الوحدانية بصراحة وقوة غير آبه بما يجره عليه ذلك من مشاكل وتعقيدات. ذلك الإنسان هو «إخناتون» الذى وصفه كثير من المؤرخين بإمام الموحدين وأول من دعا إلى وحدانية الخالق. ولم يكن «إخناتون» رجلاً عادياً، وإنما كان فرعوناً يجلس على عرش آبائه وأجداده فراعنة الأسرة الثامنة عشرة. غير أن الفكر الدينى المصرى، بغض النظر عن فشل التجربة الوحدانية الأولى، استشرق أهم المبادئ التى قامت عليها الديانات السماوية فيما بعد، وهى مبدأ خلود الروح والحساب فى العالم الآخر والجزاء على الأعمال الدنيوية بالنعيم أو الجحيم.

ما أشد احتياجنا إلى الوعى السليم بتاريخ وتعاليم حضارتنا المصرية العريقة، وأن يتم تدريسها بكل الفخر لأولادنا فى مدارسنا ومعاهدنا، وأن تكون لمتاحفنا المتعددة رسالة واضحة فى إيضاح روعة الحضارة المصرية وعظمتها.

ثقافة مؤسسة أخبار اليوم كتاب حكماء وادى النيل

المصدر: المصري اليوم

كلمات دلالية: شكاوى المواطنين ثقافة

إقرأ أيضاً:

مجلس حكماء المسلمين ينظِّم مائدة عن التراث الديني بكازاخستان

نظَّم مجلس حكماء المسلمين فرع آسيا الوسطى، بالتعاون مع المركز الدولي للحوار بين الأديان والحضارات والجامعة المصرية للثقافة الإسلامية "نور مبارك"، مائدة دولية مستديرة تحت عنوان "الدبلوماسيَّة الروحيَّة والحفاظ على التراث المقدس للأديان العالمية والتقليدية" وذلك على مدى يومي 25 و 26 يونيو الجاري، في مدينة ألماتي بكازاخستان.

مجلس حكماء المسلمين يهنِّئ الأمة العربية والإسلامية بمناسبة العام الهجري الجديدمجلس حكماء المسلمين يُدين التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة بدمشق

وشهد هذا التجمع الرفيع حضورًا متميزًا لنخبة من كبار العلماء والشخصيات الدينية والخبراء والمثقفين، بهدف استكشاف الدور الحيوي للمخطوطات القديمة والتراث الديني الثقافي في عصرنا الحديث؛ حيث ركزت النقاشات على تطوير إستراتيجيات فعالة لترميم هذه المخطوطات النادرة، وتعزيز الدبلوماسية الروحية كجسر للتفاهم بين الأديان؛ حيث كان من أبرز محاور هذا الحوار مبادرة طموحة لترميم مخطوطة نادرة من القرآن الكريم تعود للقرن الثاني عشر.

وضمت قائمة المشاركين في هذه المائدة الدولية المستديرة كلًّا من، الدكتور دارخان كديرالي، المنسق العام لمكتب مجلس حكماء المسلمين في منطقة آسيا الوسطى، باويرجان باكيروف، نائب رئيس المركز الدولي للحوار بين الأديان والحضارات، الدكتور أحمد حسين ، رئيس جامعة نور مبارك، الدكتور إليونور سيلارد، باحثة مشاركة في INALCO بفرنسا، الدكتور عشير بيك مؤمنوف، مستشار آسيا الوسطى لمركز أبحاث التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا)، الدكتور رستم جابوروف، المستشار العلمي للجمعية العالمية لدراسة وحفظ وتعزيز التراث الثقافي لأوزبكستان (WOSCU).

وركَّزت فعاليات اليوم الأول على عروض تقديمية تحت عنوان "الدبلوماسية الروحية ودور الأديان في بناء الثقة المتبادلة"، أدارها الدكتور يختيار بالطور، مدير قسم العلوم والابتكار في جامعة نور مبارك. بالتوازي، عقد خبراء الترميم ورش عمل وندوات متخصصة، فيما قدم أحد الباحثين من جامعة الأزهر جولة إرشادية قيمة لمجموعة المخطوطات الإسلامية، تضمنت عرضًا خاصًّا للمصحف النادر من القرن الثاني عشر.

وخصصت فعاليات اليوم الثاني لمناقشة آليات صيانة المخطوطات الإسلامية النادرة وأحدث الأساليب الأكاديمية في دراسة التراث الإسلامي؛ حيث تُوجت المائدة الدولية المستديرة باعتماد إعلان مشترك يؤكد التزام المؤسسات المشاركة الراسخ بحماية التراث المقدس وتعزيز الدبلوماسية الروحية كركيزة للتفاهم والتعايش بين الثقافات والأديان.

يأتي ذلك في إطار جهود مجلس حكماء المسلمين الهادفة إلى تعزيز الدبلوماسية الروحية في ترسيخ الحوار والتسامح والتعايش بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة بما يسهم في نشر قيم السلام والتفاهم والاستقرار.

طباعة شارك حكماء المسلمين مجلس حكماء المسلمين مائدة مستديرة كازاخستان التراث

مقالات مشابهة

  • نائب والي نهر النيل يشهد الإحتفال باليوم العالمي لمكافحة المخدرات
  • مجلس حكماء المسلمين ينظِّم مائدة عن التراث الديني بكازاخستان
  • نهضة مصر" تحتفل بتوقيع كتاب "ضربة البداية" لـ محمد أبو النجا ومحمد محرم
  • إنفوغراف: قتلى وجرحى الاحتلال الذين سقطوا في غزة خلال يونيو
  • محمد عبد الجواد يكتب: فسيكفيكهم الله
  • النائب مصطفى بكرى يصل الغرفة التجارية بالدقهلية على هامش المشاركة فى احتفالية ذكرى ٣٠ يونيو
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: الذين سوف يُقتلون قريباً من هم؟
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأمنيات
  • د.محمد عسكر يكتب: ماذا يعني تسريب 16 مليار كلمة مرور حول العالم؟
  • محمد مندور يكتب: الشتاء النووي .. ماذا لو اندلعت الحرب الكبرى؟