أجراس فجاج الأرض – عاصم البلال الطيب – «دبلوك» الموت بين الحرب والحزن
تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT
فرادى ومدادى
أبديت لمحمد ابن شقيقى ياسر شوقا للمة بيت عزائنا عز الحرب التى لا اجد وصفا بها يليق ذما،لم يطل إستغراب محمد على صغره لشوقى والوحشة تستبد بكلينا مع محاصرين ببحرى لا حول لنا ولا قوة وموت احدهم طبيعيا لاتسمع بخبره لا من نائحة ولا صائحة ولا بخيمة فردة تنصب إشعارا بالرحيل وإيذانا بتقبل العزاء، هذا شائع قبل الحرب واعتيادى، وبعدها وفى خضمها المتصاعد لا يحتاج ذوى الميت تجشم عبء الإعلان عن انتهاء العزاء بمراسم الدفن من المقابر،والإعلان أسبابه تتعدد بين استمساك باعتقاد ومفهوم شرعى واستجابة لوصية المتوَفى وغالبا لظروف إقتصادية ضاغطة هى نواة الإنفجار للإندلاع الاكبر والصراع المتخذ اخطر الأبعاد،والإعلان اليوم ضرب من البطر والترف بل والمستحيل والحرب تضيّق أرض الله بما رحبت وستر الميت يحتاج لمعجزة فى مدفنة على بعد امتار والتوافر بالكاد من قبل على النصاب المطلوب للغسل الشرعى ولحمل الآلة الحدباء لأى مقبرة وليس من سعة للإختيار ومساحة تنفيذا لوصية الميت او الحرص على الدفن فى مقطوعية مقابر العائلة، العائلة الآن متفرقة أيدى سبأ،تتناقص هذه المزايا التفضيلية فى الموت سودانيا ولاعزاء للراحلين لا بانتهاء الدفن ولا بنصب خيمة فرادى او حدادى مدادى تعبيرا عن وضعية الراحل واهميته فى حياته الدنيا و إستحقاق ذوى المتوفى على المجتمع والعزاء فيه مبذول بأدب وكما تدين تدان،نسيبنا عثمان يوسف عبدالرحمن توفى قبل أسابيع ببانت غرب التى لم يفارقها حبا رغم شدة الحرب وصرعتها إثر علة وضعف رعاية طبية فدفن فى الميدان قرب السوق بين المركز الصحى وفرن حجوج التاريخى ومقبرته رُقمت بالتاسعة والستين والترقيم مستمر،والميدان محاط بالمنازل وسنوات ساحة تدافرنا فيها مع عماليق الموردة حسن حامد وبريش وتآنسنا مع الحبيب نادر خضر،الموت قبل الحرب فى مسارح المواجهات المتسعة ككل اهل السودان متوفاهم يعز من إعلان الوفاة حتى الدفن بالمئات والآلاف فالعزاء الذى تماثل صيوناته ولماته بيوت افراحنا من غنى لها حمد الريح ولود عبدالحى شوق لاهلى والصحبة وشوق لكل جميل فى الحى وشوق للشينة ولو صعبة.
تاتشر ملعون
وليد عبداللطيف عثمان دبلوك أبصر دنيا وجودنا الزائل بتقدير من عند الله بجميلة الكردافة الأبيض وناس القيافةفى عام ١٩٧٠م، درس فيها من المرحلة الابتدائية حتى المرحله الثانويه ومن ثم غادر للإسكندرية دارسا للحقوق فى جامعه بيروت العربيه وتبوأ المرتبة الأولى متقدما دفعته لدى التخرج وتدرج فى حياته بافقه الواسع ويعتز بمرحلة اشتغاله في مصنع التقطير الحديث لصاحبه و عمه محمود دبلوك، تزوج من السيدة شهيرة عمر عبدالله عمر فى العام 2008 ورزق بأميرات اربع 4 ريم. علويه. نور. ريان و ابن واحد عبداللطيف،جدو، وبينه واسرته ما يستحق أن تدونه السيدة شهيرة سفرا فى ادب العشرة وحلوها،سيرة مقتضبة لرحلة عمرية قصيرة زمانيا و عميقة عقليا،تفاعل بحب مع شباب وشبيبة الثورة تواقا عجولا لوصول السودانيين لبرارر آمنة،تشهد الاسافير ومن بعد نحن فى اخبار اليوم وطائفة من وسائل الصحافة والإعلام على نبوغه وقراءاته بعيدة المدى وتعينه ثقافته العالية وإطلاعيته الواسعة،يقرأ كل ما يواقع عينيه ولايبخس إن نقد ويصدق إن مدح،ادبٌ وليد يمشى على قدمين وذوق يحلق ويرف بجناحين،يفهم فى السياسة والإقتصاد ويهرع لكل زول ليقول حُسنا.وموت أمى من قبل يوجعنى ويحذرنى صديقى العزيز والإعلامى الصدوق على الصقير من الإقتراب والتصوير من مواضع الحسن والجمال لتقاصر كل الاوصاف امام جمال وبهاء الامهات،وسمعت النصح إلا قليلا واجتهدت لمرتين بمقالتين نالت إحداهما إستحسان وليد دبلوك فكاتبنى فى الخاص معجبا ومتتبعا لأحرفى عن بعد وقروبات تواصل مشتركة تجمعنا بمن نعرف ونجهل ودوما تسعدنى بالتعرف على الغض عصمة من الغث،فعرفتنى على وليد من قرأت تعليقه وتقريظه عشرات المرات على مقالة امى فاستشففت بره بوالديه وسائر اهله وزوجه وولده وبنته وصحبه.وامسكت فيه بقوة صديقا وفيا ومحبا تفرحنى رسائله و اتصالاته وتغبطنى توجيهاته الحيية وبعد كل تواصل نتواعد للقاء على رشفة قهوة بمنزله وتحول كورونا والمواكب وإغلاق الشوارع والكبارى.وافتقده لو غاب عن التواصل ليومين،وذات نهار حزين هاتفنى منزعجا وتاتشر ملعون منطلقا ايام المسيرات يصطدم قرب بيتهم بشقيقه عثمان ساحر الكمان وملك الدندنات بشارع المؤسسة المصلوب بينما هو يهم لمساعدة مجموعة طلاب صغار لعبور الطريق ووقع الإصطدام لما قفل راجعا بعد إنجاز المهمة النبيلة والاخيرة فى حياته.رافقه شقيقه وليد بمركز فضيل على امل والإصابات جسيمة افقدت عثمان كل فرص النجاة وتعمقت الجراحات وتعملقت فى نفس الشقيق الوليد الشفيف لما بارحت الروح جسد عثمان وإنى اشهد على إيمانه العالى ووقع كلماته ترن فى اذنى تلميذا فى الصبر يستمع لأستاذ،ولتخليد سيرته انشأ وليد قروبا فى الواتساب اطلق عليه اسحار الجمال وجمع فيه أحباب عثمان المحبين لموسيقاه وابداعيته الشاملة واثراه بمنتوج بصمة خاصة وفتح شهية المشاركة بطريقته الآثرة التى افتقد مباشرتها منذ صباح بئيس بالحرب والخبر الحربة الطاعنة وأصحاب أسحار الجمال يتبارون ولا يتسابقون محتارين فى تعديد اوجه الجميل وظننت من حب أنه إحياء لذكرى عثمان ولكن هو الوليد من رحل وجلسة المراشفة بيننا لم تتم وعلها مرجوة شربة هنية فى الصحبة والمعية الكريمة التى لا ظمأ بعدها،سبحان الله اندلعت الحرب بكل قبحها فى ايامها الاولى قرب منازل آل دبلوك وخشية على الاسر شدوا الرحال للأبيض مسقط حبهم،والوليد الذى نعرف لا تحتمل روحه تتالى الأحزان واشتدادها بالحرب وهو الممنى النفس بغد للسودانيين واعد بالخيرات والحكم الرشيد،ولأسرته الكبيرة نزجي الشكر ونسدي لإهدائها وليد نسمة خفيفة الطلة وجمالها ابدا ماكث،ولاسرته الصغيرة وشهيرته ام بناته وولده شهادة يتقلدونها مر الأزمان،فبحب وإعجاب يحدثنى عن سيدته شهيرة وما بينهما من شراكة ومقاسمة فى حب الابناء وخدمتهم والمرأة فى ادبيات دبلوك عابرة. وكم اشتقت عز حصارى للمة عزاء لمحبيه نتبادل فيها قصصا غير مكتملة بالفاتحة على روحه الطاهرة.
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: أجراس الأرض عاصم فجاج
إقرأ أيضاً:
د. نزار قبيلات يكتب: أبو الطيب المتنبي وعيون العجائب
«عيون العجائب في ما أورده أبو الطيب من اختراعات وغرائب».. إذا وقع هذا الكتاب بين يديك، فإنك حتماً ستكون في مواجهة من نوعٍ مختلف مع عجيب أبو الطيب المتنبي الذي ما انفك يدهش ويثير زوابع التساؤل، فصاحب الكتاب الدكتور علي بن تميم ناقد ثرّ مازال وفياً لصداقته للمتنبي فيتمثله حسّاً وحدساً، ويحيي لحظات ذروته الشعرية متى سنحت الفرصة، إذ لم يقتصر الأمر عند حدود الكتابة النقدية وحسب، فقد مخرَ ابن تميم وعلى الدوام مسافاتِ الشعرية التي ابتدعها المتنبي في قصائده، وكشف إذ ذاك عن أنساق جديدة مضمرة في شعر صاحبه المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس، ففي هذا الكتاب تناول مغاير كان قد سبر غور عباب بحر المتنبي المُرصّع بالحكمة والفلسفة والقيم والإباء والنُبل، فقد أراد الدكتور علي أن يقدم في هذا الكتاب المجوّد تحسّساتٍ مختلفة في شعرية المتنبي وفي حدود صراعيته اللامنتهية، فقد جعل المتنبي نفسه في كفّة والآخر، كل الآخر، في كفة أخرى، ولذا وفي المقدمة النقدية التي ساقها المؤلف أبان عن مفهوم نقدي جديد من خلال إماطة اللّثام عن مستوى المعنى الرفيع الذي بلغ اختراعاً غير تقليدي أسست له مدرسة المتنبي الشعرية، وهذا المفهوم وإن كانت له هناك جذور عند بعض النقاد القدماء والمحدثين، ألا وهو مفهوم الاختراع الشعري، إلا أن المتنبي يبقى ذلك الشاعر الذي لا يؤطره المجاز، ولا يحبسه الغموض المصنّع، فهو شاعرٌ مخترع ومبتكر، وهو ما برهنه ابن تميم مستدلاً عليه بوصف أبو العلاء المعري شارح ديوان المتنبي.
لقد قامت فلسفة بناء هذا الكتاب على اتخاذ مسارٍ مختلف في التعاطي مع النّص العربي، وعلى غير العادة انتخب مؤلف الكتاب درراً من عجائب المتنبي لتبرهن على العبقرية والاختراع في شعره، فالتقاط العجيب لا يتأتى إلا لحصيف يمايز بين الغريب والعجيب والمُدرك، حيث طريقة إخراج الكتاب مازجت بين اللفظي والمرئي حين وُشِّح بالرسومات التي تحمل دلالاتٍ سيميائية بصرية تُعين على تخيل المشاهد السينمائية التي جاءت بها القصائد المنتخبة، ففي كل بيت ثمة رصيدٌ إنساني عظيم يتخطى حدود المدح والافتخار بالذات والهجاء، فكل ما قيل عن ذاتية المتنبي يحبسه هذا الكتاب لصالح إطلاق مدى التلقي نحو غريب وعجيب لم يتأتَ لأحد قبلاً، ما جعل المتنبي ذواتاً في ذاتٍ غير منعزلة، فالكشف بالبيان الشعري لديه لم يخدم الوصف المجازي وإبانة العوالق الإنسانية، بقدر ما قدم مطارحة جديدة لعبقرية اللّغة ذاتها وللاختراع المعنوي الذي شيّده المتنبي قصراً من العجائب والغرائب لم يتحقق بعد مثله.
أنَا السّابِقُ الهادي إلى ما أقُولُهُ.. إذِ القَوْلُ قَبْلَ القائِلِينَ مَقُولُ.
أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية