محمد القرقاوي: منطقتنا تمر بمرحلة تاريخية ولابد أن تلعب دوراً في إدارة أزماتها ومعالجة خلافاتها وبناء الجسور بين دولها
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
حدد معالي محمد بن عبد الله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء رئيس المنتدى الاستراتيجي العربي 3 تحولات يمكن أن تشكل ملامح المنطقة والعالم في المرحلة المقبلة. وقال معاليه، في الكلمة الافتتاحية للمنتدى الاستراتيجي العربي الذي انطلقت أعمال دورته الجديدة في دبي اليوم، إن المنتدى يقدم محاولة لفهم حالة العالم العربي اقتصادياً وسياسياً بهدف تعظيم قدراتنا على مواجهة التحديات والاستفادة من فرصه لما فيه من خير واستقرار وازدهار للمنطقة.
- ملفات محورية.
وأشار معالي محمد القرقاوي إلى أن المنتدى سيناقش مجموعة من الملفات المحورية والساخنة على الساحة العربية والدولية، حيث ستتناول الجلسات حالة العالم العربي سياسياً واقتصادياً، وستجيب على تساؤلات "ماذا يريد العالم العربي من العالم؟"، و"ماذا يريد العالم من العالم العربي؟"، وستتطرق إلى واقع المنطقة بعد عشرين عاماً على غزو العراق. وقال معاليه: "نجتمع اليوم لنحاول تشكيل فهم معمق حول الاتجاهات العالمية السياسية والاقتصادية وموقعنا منها.. موقع المنطقة ودورها.. ماذا نريد من العالم.. وماذا يريد العالم منا؟".
وأضاف معاليه: "نجتمع اليوم وقد تغيرت الكثير من القناعات، وتزايدت التساؤلات حول عجز النظام الدولي عن احتواء الأزمات.. في مرحلة تاريخية تؤكد أن منطقتنا لابد أن تلعب دوراً في إدارة أزماتها ومعالجة خلافاتها وبناء الجسور بين دولها لبناء مستقبل أفضل لأبنائها".
وتابع معاليه: "قبل عشرين عاماً، وأمام هذا المنتدى، تحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عن ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على أسس الشرعية الدولية.. وحل عاجل للعراق في إطار يحافظ على وحدته.. وبعد 20 عاماً.. لا يزال العراق يعاني من تبعات الغزو.. ولم يعد العراق هو العراق.. ولم تعد المنطقة هي المنطقة.. وبعد 20 عاماً من كلمة سموه.. لا تزال القضية الفلسطينية هي القضية الأكثر سخونة في المنطقة والعالم.. ولا تزال تأثيراتها على الشعب الفلسطيني وعلى المنطقة وعلى العالم في تصاعد مستمر".
وأضاف معالي محمد القرقاوي: "بعد 20 عاماً أيضاً من الحديث حول التأثيرات الإيجابية للعولمة، واجتماع المنظومة الدولية على قيم ثقافية وأخلاقية واقتصادية مشتركة، أصبحنا في مرحلة باتت فيها قيم إنسانية أساسية كحماية الإنسان وحماية الأطفال وحقهم في العيش بأمن وأمان، محط اختلاف وانقسام وتشكيك، وأصبحت قيم الإنسانية تناسب شعوباً أكثر من غيرها، وتنطبق معاييرها على بشرٍ دون غيرهم وبحسب الأجندات الدولية".
-تحالفات جديدة.
وأكد معالي محمد القرقاوي أن هذه الدورة تأتي بعد أكثر من عقدين على انطلاق المنتدى الاستراتيجي العربي في 2001، والتي شهدت خلالها الساحة الدولية تغيرات جيوسياسية واقتصادية متسارعة، وبروز تحالفات جديدة، وتصاعد في الاستقطاب الدولي الذي يهدد مكتسبات "العولمة"، وتداعيات طالت المناخ وأمننا الغذائي والمائي".
وأضاف معاليه: "نجتمع اليوم لمحاولة رصد الاتجاهات الجديدة، وما يخبئه لنا العقد القادم في عالم يعيش ثورة دائمة في التكنولوجيا، أصبحت محط تساؤل حول مخاطرها المستقبلية، عالم يعيش تحالفات اقتصادية جديدة، وصراعات تجارية لا تنتهي، ومفارقات تبدو أحياناً غريبة". وقال معاليه: "ليست كل التطورات سلبية، بل العكس أغلب تطوراتنا العالمية إيجابية لو نظرنا لها من ناحية القيمة الاقتصادية التي تم خلقها، والدول التي تقدمت تنموياً وانتشلت الملايين من الفقر، وتأثيرات الذكاء الاصطناعي في مضاعفة الإنتاجية، والتطورات الطبية، والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تنعم به الكثير من دول العالم". وقال معاليه: "نحن نرى الخير أكثر من الشر، والسلم أطول من الحرب، والأمل أبقى وأدوم من اليأس، ولكننا نطرح أسئلة في هذا المنتدى، والهدف هو فهم أوضح لسير الأحداث من حولنا.. لبناء عالم أفضل لنا ولأجيالنا القادمة".
-تطورات القضية الفلسطينية.
وعن التحولات الثلاثة التي يمكن أن تشكل ملامح المنطقة والعالم في المرحلة المقبلة، قال معالي محمد القرقاوي، إن التحول الأول والأبرز في منطقتنا هو تطورات القضية الفلسطينية والحرب في غزّة، والتي راح ضحيتها إلى الآن أكثر من 22 ألفاً، وأصيب فيها أكثر من 57 ألف جريح، وتم تدمير 60% من البنية التحتية في غزة وتهجير 90% من السكان.
وأكد معاليه أنها "كارثة بشرية وإنسانية غير مسبوقة منذ عقود، ورغم بشاعة هذه الحرب، وسعي أغلب دول العالم لإيقافها إلا أن المشهد يستدعي الكثير من التأمل، حيث إن هذه الحرب لم تكن حرباً بين الفلسطينيين وإسرائيل فقط، بل شهدنا حرباً دبلوماسية عالمية، واستقطاباً دولياً حول الحرب، وشهدنا حرباً إعلامية عالمية أيضاً حول القضية، ومن يملك القصة الأقوى لأن الحروب لا تكسب في الميدان، وإنما أصبح ميدانها الجديد هو ساحات الإعلام، وشهدنا استقطاباً بين الأجيال المختلفة حول نفس القضية، وشهدنا صراعاً فكرياً حول المبادئ الإنسانية والمعايير المزدوجة في تطبيقها". وتساءل معاليه: "هل ستكون حرب غزة هي الدافع والسبب الرئيسي لسلام دائم في المنطقة وإقامة دولة فلسطينية، أم ستكون بداية حرب ممتدة في جبهات جديدة مختلفة في المنطقة؟ هل ستكون الحرب الأخيرة أم بداية لحروب جديدة؟".
- دور خليجي مؤثر.
وأشار معالي محمد القرقاوي إلى أن التحول الثاني هو بروز دول الخليج كقوة اقتصادية كبرى وشريك مؤثر في القضايا العالمية يمارس دوره في الوساطة لإيجاد الحلول في المسائل السياسية والاقتصادية والمناخية والإنسانية، حيث أكدت أخيراً الاستضافة الناجحة لدولة الإمارات لمؤتمر الأطراف "كوب 28" على الدور المحوري لدول الخليج في صياغة الأجندة البيئية للعالم، كما أكدت استضافة قطر لكأس العالم 2022، والمملكة العربية السعودية لكأس العالم 2034 على دور دول الخليج في صياغة الأجندة الرياضة للعالم، ودورها عبر استضافة إكسبو 2020 دبي، وإكسبو الرياض 2030 في صياغة أجندته الثقافية.
وأضاف معاليه: "أصبحت دول الخليج تساهم في تشكيل الخارطة السياسية والاقتصادية وصناعة التوازنات عبر انضمامها للتكتلات الاقتصادية الكبرى، وباستخدام مبدأ جديد في العلاقات الدولية قائم على الانفتاح على الجميع، وتوسيع دائرة العلاقات الاستثمارية والبناء الناجح للشراكات القائمة على استفادة جميع أطرافها".
وتابع معاليه: "تشكل اليوم دول الخليج قوة استثمارية ضخمة على مستوى العالم، حيث بلغ إجمالي حجم الصناديق السيادية الخليجية 3.8 تريليون دولار.. الأكبر عالمياً، وهي تمثل 34% من حجم الصناديق العالمية، وشهدنا في 2023 انضمام كل من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية لمجموعة البريكس إلى جانب ومصر، وإثيوبيا، وإيران، وبانضمام هذه الدول يبلغ حجم اقتصادات بريكس نحو 28 تريليون دولار". وأشار معاليه إلى أن دول الخليج أصبحت مركز جذب ديمغرافياً واستثمارياً واقتصادياً وبوصلة للعقول والمواهب بفضل الرؤى التنموية التي جعلت تحقيق الاستقرار الاقتصادي ورفاه مواطنيها الأولوية الأولى على رأس أجنداتها وخطط عملها.
واستشهد معاليه بما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "إذا كانت العربة هي السياسة والحصان هو الاقتصاد.. فيجب وضع الحصان أمام العربة".. وهذا بالتحديد ما تفعله دول الخليج، حيث جعلت أولوياتها الوطنية الكبرى هي أولويات اقتصادية، مما انعكس على ثقلها الدولي وأدائها السياسي ودورها في خلق توازنات عالمية جديدة.
وطرح معاليه تساؤلاً حول كيف سيتطور الدور الدولي الذي تلعبه دول الخليج خلال الفترات القادمة؟ وما هي الفرص والتحديات التي ستواجه هذا الدور؟ وكيف يمكن تعزيز الثقل الاقتصادي والسياسي العالمي لدول الخليج دون دفع كلفة عالية أو الدخول في مواجهات واستقطابات مع أي منظومة دولية أخرى؟، وكيف يمكن تقليل الفجوة التنموية والاقتصادية بين دول الخليج ومحيطها بما يضمن مستقبلاً مستقراً للمنطقة ككل؟.
- تصاعد وتيرة الاستقطاب
وأكد معالي محمد القرقاوي أن "التحول الثالث هو تصاعد وتيرة الاستقطاب ليس فقط دولياً، ولكن أيضاً داخل المجتمعات.. استقطابات فكرية ودينية وسياسية وأيضاً اجتماعية". وقال معاليه: "نشهد انقساماً بين الشرق والغرب.. انقساماً في القيم والتوجهات السياسية.. وانقساماً حول القضايا الدولية، وانحساراً للعولمة الاقتصادية لصالح الشعبوية والحمائية، نشهد انفجاراً معلوماتياً، وفوضى إعلامية وبالأخص في الإعلام ترسخ هذه الانقسامات، ورأينا كيف صعد أقصى اليمين في دول مثل الأرجنتين وبولندا إلى سدة الحكم، ونعلم أنه في العام الحالي سيتجه أكثر من 4 مليارات شخص إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في أكثر من 75 دولة حول العالم". وتساءل معاليه هل سيكون العام 2024 عاماً تتزايد فيه انقسامات المجتمعات وتباعد الدول والثقافات.. أم سيكون عاماً تقترب فيه المسافات وتُبنى فيه جسور جديدة من العلاقات؟.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: محمد القرقاوي العالم العربی دول الخلیج أکثر من محمد بن
إقرأ أيضاً:
هل يمكن لسياسة الخليج تجاه إيران أن تصمد في وجه الحرب؟
تناول مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" للمستشارة الأولى ومديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، منى يعقوبيان، الأحداث في الشرق الأوسط مع تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل.
وتحدثت الكاتبة عن اختلاف الرؤى بين الاحتلال والدول الخليجية حول دور إيران في المنطقة مبينة أن على واشنطن أن تختار إحداها.
وهذا نص المقال:
لدى إسرائيل والخليج رؤى متضاربة لدور إيران في المنطقة، والآن على واشنطن أن تختار إحداها، وفي الوقت الذي تناقش فيه واشنطن دورها في الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران، سيُجبر صانعو السياسات الأمريكيون على الاختيار بين رؤيتين متنافستين للشرق الأوسط.
في السنوات الأخيرة، سعت الدول العربية بشكل متزايد إلى دمج إيران في المنطقة بدلا من مواجهتها.
في المقابل، تعتقد إسرائيل أنها لا تستطيع قبول إيران متكاملة إقليميا. مع وضع هذه الأهداف المتنافسة في الاعتبار، يأمل حلفاء أمريكا في الخليج أن تساعد واشنطن في تهدئة الصراع، بينما تأمل إسرائيل أن تنضم واشنطن إلى حربها ضد النظام الإسلامي.
قبل وقت طويل من هجوم إسرائيل غير المسبوق على إيران في 13 حزيران/ يونيو، كان السعي نحو التكامل الإقليمي جاريا بالفعل. من الصعب تحديد تاريخ دقيق لبدء هذه الرحلة. ومع ذلك، يبرز حدث بالغ الأهمية: هجوم 14 أيلول/ سبتمبر 2019 على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص.
وقد أدى الهجوم، الذي أعلنت ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران مسؤوليتها عنه، إلى تعطيل حوالي 50% من إنتاج النفط السعودي.
والأهم من ذلك، أن عدم رد الولايات المتحدة على الضربة كان بمثابة لحظة فاصلة للخليج. فقد اعتقد الكثيرون أنهم كانوا في مرمى نيران صراع أمريكي إيراني متصاعد، لكنهم لم يستطيعوا الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتهم في حالة وقوع هجوم إيراني كبير.
وقد دفع هذا الاعتقاد عملية أدت إلى إعادة العلاقات بين السعودية وإيران في 10 آذار/ مارس 2023. وتقدمت العلاقات الدافئة ببطء، لكنها استمرت حتى بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وعلى الرغم من المخاوف بشأن دعم إيران لوكلائها الإقليميين.
في الواقع، بدا أن التقارب الخليجي مع إيران قد تسارع مع تفاقم التوترات بين إسرائيل وإيران.
بعد شهر واحد فقط من أول مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل، حضر وزير الخارجية السعودي - إلى جانب أمير قطر ووزير الخارجية الإماراتي وغيرهما من كبار الشخصيات العربية - جنازة الرئيس الإيراني الذي توفي في حادث تحطم مروحية.
ثم زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي السعودية في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، في أعقاب الهجوم الإيراني المباشر الثاني على إسرائيل في وقت سابق من ذلك الشهر. وفي تشرن الأول/ أكتوبر أيضا، أجرت السعودية وإيران أول مناورات بحرية مشتركة بينهما على الإطلاق.
حتى البحرين - على الرغم من توتراتها الطويلة الأمد مع إيران - تحركت لاستعادة العلاقات. ومؤخرا، زار وزير الدفاع السعودي طهران في نيسان/ أبريل. تشير المناقشات التي جرت الشهر الماضي مع استراتيجيين خليجيين إلى أن المحادثات ركزت على عزل المحادثات النووية الأمريكية الإيرانية الجارية عن الجهود المتوقعة من جانب إسرائيل لعرقلة المفاوضات.
وعلى نطاق أوسع، أعطى سعي الخليج نحو نظام جديد في المنطقة الأولوية لخفض التصعيد والنمو والتنويع في الداخل مع بناء علاقات اقتصادية أعمق في جميع أنحاء المنطقة والعالم. إن إخماد الصراع المحتمل مع إيران وتعميق المشاركة الإيرانية - إن لم يكن التكامل - هما جوهر هذه الرؤية الخليجية. ومع وضع هذه الأهداف في الاعتبار، رأى قادة الخليج أن ثلاث سنوات من التقارب مع إيران أثمرت فوائد أكبر من 30 عاما من العزلة.
وكان تجديد الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران عنصرا حاسما في هذا النهج. قبل هجمات الأسبوع الماضي، ركز المتحاورون الخليجيون على ضمان نجاح المفاوضات. في عُمان الشهر الماضي، أشار محللون إلى أن إيران قد تقترح أجندة طموحة كجزء من صفقة ناجحة تتضمن اتفاقيات اقتصادية رئيسية وفرص استثمارية للولايات المتحدة. وعززت زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى المنطقة التفاؤل بإمكانية التوصل إلى صفقة تبشر بعهد جديد للمنطقة.
كانت هذه الآمال والحسابات وراء انتقادات الخليج اللاذعة لإسرائيل في أعقاب هجمات 13 حزيران/ يونيو. والجدير بالذكر أن السعودية أصدرت إدانة لاذعة بشكل خاص، مشيرة إلى هجوم إسرائيل "الشنيع" على "جمهورية إيران الإسلامية الشقيقة".
كما أدانت قطر والإمارات وعُمان، من بين دول أخرى، تصرفات إسرائيل. وتتناقض هذه التنديدات بشكل صارخ مع المواجهة السابقة مع إيران، عندما كانت دول الخليج من بين الأكثر صراحة في حث الولايات المتحدة على "قطع رأس الأفعى" وتدمير المنشآت النووية الإيرانية.
في الوقت نفسه، تخشى دول الخليج من الوقوع في مرمى نيران صراع متسع بين إسرائيل وإيران. وتتزايد المخاوف من أن تُسفر الهجمات على البنية التحتية للطاقة الإيرانية عن عواقب وخيمة على المنطقة، بل قد تُهدد مياه الخليج في حال تسببت في تسربات نفطية.
كما يُخشى من انخراط الولايات المتحدة في الصراع، مما قد يدفع إيران إلى ضرب أهداف أمريكية في الخليج. في الوقت الحالي، تتجنب إيران استهداف أهداف في الخليج حفاظا على علاقاتها المتنامية مع المنطقة، لكن هذا الوضع قد يتغير.
ونتيجة لذلك، يُطالب الخليج بإلحاح بحل دبلوماسي. وانطلاقا من ضرورات نموها الاقتصادي، ستسعى الجهات المعنية في الخليج إلى منع امتداد الصراع، وستبحث عن سبل للمضي قدما في نظامها المُفضل. وفي المستقبل، سيسعى الوسطاء التقليديون، مثل عُمان - وربما السعودية الآن - إلى تطوير سُبل مُبتكرة للخروج من الصراع، مع استغلال علاقات الإمارات الهادئة مع إسرائيل كقناة خلفية. وستتكثف هذه الجهود مع تفاقم حدة الصراع.
لقد أدت الحرب الحالية إلى تفاقم التوتر بين رؤية الخليج للمنطقة ورؤية إسرائيل. من وجهة نظر إسرائيل، يُعزز الجيش الإسرائيلي نجاحاته في سحق حزب الله، وتسهيل انهيار نظام الأسد في سوريا، وفتح الطريق أمام عهد جديد في كل من لبنان وسوريا.
من هذا المنظور، يُعد هجوم إسرائيل على إيران الخطوة التالية في هذا التطور، الهادف إلى ضمان عدم وجود مكان للجمهورية الإسلامية في هذا الشرق الأوسط. في الواقع، أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتمال تغيير النظام في إيران نتيجة للعمل العسكري الإسرائيلي.
يرى آخرون في العالم العربي أن استخدام إسرائيل للقوة يُقوّض سيادة القانون، واعتمادها على القوة العسكرية لا يترك مجالا يُذكر لمنطقة أكثر تكاملا اقتصاديا تعتمد على الاستقرار. وهكذا، أصبحت إسرائيل، وليس إيران، "المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة".
من هذا المنظور، تُعدّ التدخلات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران أمثلة على موقفها العدواني والمزعزع للاستقرار. علاوة على ذلك، سعت إسرائيل، باغتيالها علي شمخاني، أحد كبار مساعدي المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، والذي كان له دور محوري في تقارب إيران مع السعودية، إلى عرقلة اندماج إيران في المنطقة.
في نهاية المطاف، يعتمد مستقبل النظام في الشرق الأوسط على ما إذا كان القتال الدائر اليوم سيتعمق أم سينحسر. فهل سنرى إسرائيل منتصرة تهزم إيران وتُعيد التوازن الإقليمي؟ أم ستصمد الجمهورية الإسلامية بينما يواصل الخليج سعيه نحو التكامل؟
لكل مسار فوائد ومخاطر واضحة تستلزم مستويات مختلفة من التدخل الأمريكي. من المؤكد أن حرمان إيران من طموحاتها النووية سيحقق هدفا طويل الأمد للأمن القومي الأمريكي. ومع ذلك، فإن التفكيك الكامل للقدرات النووية الإيرانية سيتطلب تدخلا أمريكيا كبيرا فيما قد يصبح حربا جديدة لا تنتهي.
كما أن تغيير النظام في إيران سيتطلب تدخلا كبيرا بنهاية غير مؤكدة. إن اختيار مسار دبلوماسي من شأنه أن يجنّب الولايات المتحدة التورط العسكري ويخفف من حدة صراع يزعزع استقرار المنطقة. قد يُبشّر ذلك بعهد جديد من الاستقرار والازدهار، لكنه يتطلب قبول اندماج إيران في المنطقة. حتى مع نجاح المفاوضات، قد تبقى مسألة طموحات إيران النووية دون حل، مما يزيد من مخاطر هذا الاندماج.
حتى الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، استطاعت واشنطن تجنب الاختيار النهائي بين أهداف حلفائها المتضاربة. الآن، سيتعين عليها اتخاذ القرار.