بوابة الوفد:
2025-05-21@02:28:44 GMT

الدنيــا والآخــرة

تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT

الدنيا فانية لا محالة, غير أننا نعيش فيها ونحن مأمورون بإعمارها وإعمار الكون, والسير فى مناكب الأرض بحثًا عن الرزق, وبناءً للحضارة, وطلبًا للعظة والاعتبار بحال من مضى فى القرون الأولى.    

والآخرة باقية, ونحن مأمورون بالسعى لها, والإقبال عليها, والعمل لأجلها, عملا لا يخالطه رياء ولا نفاق, وذلك حيث يقول سبحانه: «وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا» (الإسراء: 19).

 

على أن سعى الدنيا المذموم هو ذلك السعى الذى يكون على حساب الآخرة, وفيمن يضحى بآخرته لأجل دنياه, ولا يعنيه سوى الدنيا ولو باع نفسه أو دينه أو وطنه فى سبيلها، وذلك النوع هو الذى ينطبق عليه قوله تعالى: « مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا « (الإسراء: 18)، وقوله تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (هود: 15، 16)، وقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ الله غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ الله فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ»(سنن الترمذي). 

أما سعى العمل والإنتاج وتحقيق الاستغناء عن ذل السؤال أو الحاجة إلى الناس، فهو ذلكم السعى الذى يدعو إليه الإسلام، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه سلم): « مَنْ أَمْسَى كالًّا مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ أَمْسَى مَغْفُورًا لَهُ» (رواه الطبرانى فى الأوسط), ويقول (صلى الله عليه وسلم): «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ الله دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» (صحيح البخاري)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» (مسند أحمد)، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ» (صحيح البخاري) . 

إن الذى نفتقده، والذى نسعى إليه هو ذلكم التوازن، وتلكم الوسطية القائمة على الاعتدال كما فى قوله تعالى: «وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ»(القصص:77)، وقوله تعالى: «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا» (الإسراء: 29)، وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا»(الفرقان: 67)، وقوله (صلى الله عليه وسلم): «نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ»(شعب الإيمان)، وقوله (صلى الله عليه وسلم): «إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لله فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِى مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِى مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لله فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ الله مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِى مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ» (سنن الترمذي).

فلا حرج فى طلب الحسنى فى الدنيا والآخرة، بل هل مطلوب مشروع وممدوح، وذلك حيث يقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا واللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» (البقرة: 201 -202).

وزير الأوقاف

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الدنيا والأخرة أ د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الرزق صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

لو ناسي إجابة في الامتحان .. ردّد 6 كلمات يذكّرك الله بكل شيء

النسيان وقلة التذكير مشكلة يعاني منها كثيرون، مما يؤثر على قدراتهم في أداء أعمالهم بشكل جيد، وقد يحاول البعض تناول الأدوية لعلاج تلك المشكلة لكن دون فائدة تذكر، إلا أن الله لم ينزل داء إلا وله دواء، فقد تجد شخصاً أثناء كلامه ينسي شيئاً كان يريد أن يقوله فيقول له أحد “صلي على النبي”، أيضًا يعاني بعض الطلبة وقت الامتحان من نسيان الإجابة فيصلي على النبي كثيرًا، فبفضل الصلاة على النبي يتذكر ما نسيه، وتجد شخصاً آخر يبحث عن شيء ضائع منه فيردد “اللهم صلي عليك يا نبي”.

فى هذا الصدد قالت دار الإفتاء المصرية، إن الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مندوبة مطلوبة عند نسيان شيءٍ، وكذا في كلِّ الأحيان وفي جميع الأزمان وهذا ما نص عليه العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ فَنَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلَاتَهُ عَلَيَّ خَلَفًا مِنْ حَدِيثِهِ، وَعَسَى أَنْ يَذْكُرَهُ».

فيتضح من ذلك أن من لزم الصلاة على النبي وجد ما تمنى وكفى همه وغفر ذنبه، ( اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد).

نصَّ العلماء على أنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتأكَّد استحبابها في بعض المواطن منها: عند نسيان شيءٍ.

دعاء النجاح في الامتحانات.. ردده يوفقك الله وييسر أموركدعاء للأبناء بالهداية والتوفيق.. ردده الآن وغير حياتهم للأفضل

قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 518، ط. دار الفكر) في مطلب نص العلماء على استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع: [(قوله ومستحبة في كل أوقات الإمكان) أي: حيث لا مانع. ونصَّ العلماء على استحبابها في مواضع.. وزيد يوم السبت والأحد والخميس.. وعند نسيان الشيء] اهـ.

وقال الإمام ابن حجر في "فتح الباري" (11/ 169، ط. دار المعرفة) عند عدِّه المواطن التي يتأكَّد الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها: [ومما يتأكد ووردت فيه أخبار خاصة أكثرها بأسانيد جيدة عقب إجابة المؤذن وأول الدعاء.. وعند نسيان الشيء] اهـ.

وقال العلامة القسطلاني في "المواهب اللدنية" (2/ 668-672، ط. المكتبة التوفيقية): [المواطن التي تشرع فيها الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.. ومنها: عند نسيان الشيء] اهـ.

وقال ابن القيم في "جلاء الأفهام" (1/ 429، ط. دار العروبة): [فصل: الموطن الثاني والثلاثون من مواطن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم: إذا نسي الشيء، أو أراد ذكره] اهـ.

وقال الحسين اللاعي المغربي في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (10/ 394-409، ط. دار هجر): [تشرع الصَّلاة عليه صَلَّى الله عليه وسلم في أمور مخصوصة، وهي ستة وأربعون.. -ومنها:- عند تذكر منسيٍّ أو خوف نسيان] اهـ.

وممَّا يدلُّ على ذلك: ما روي عن عثمان بن أبي حرب الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَدِيثٍ فَنَسِيَهُ، فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلَاتَهُ عَلَيَّ خَلَفًا مِنْ حَدِيثِهِ، وَعَسَى أَنْ يَذْكُرَهُ» أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة".

كما يستدل على ذلك بعموم حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ» قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» أخرجه الإمام الترمذي في "جامعه".

فالحديث يدل على أنَّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب كفاية الهم، فيدخل فيه كفاية كل أسبابه، من نحو النسيان؛ قال المُلَّا عَلِي القَارِي في "مرقاة المفاتيح" (2/ 746، ط. دار الفكر): [والهمُّ ما يقصده الإنسان من أمر الدنيا والآخرة، يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ كفيت ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، أي: أعطيت مرام الدنيا والآخرة، فاشتغال الرجل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكفي في قضاء حوائجه ومهماته] اهـ.

طباعة شارك النسيان قلة التذكير الامتحانات

مقالات مشابهة

  • فضل الحج وثوابه.. 14 فائدة لمن يحج في الدنيا والآخرة |الأزهر يوضحها
  • صلاة الشكر .. حكمها ودعائها وشروط صحتها
  • فضل صلاة الضحى.. فوائد عظيمة اغتنمها ولا تتكاسل عن أدائها
  • لماذا نحر الأضحية في العيد الكبير .. 7 أسباب لا يعرفها كثيرون
  • ما حكم الوقوف بعرفة للحائض والجنب؟.. الإفتاء تجيب
  • رباب ممتاز: أحمد العوضي ملقحش على ياسمين عبدالعزيز وفهد البطل كسر الدنيا – فيديو
  • أعمال العشر من ذي الحجة.. ماذا تفعل في هذه الأيام؟
  • هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر؟.. دار الإفتاء تجيب
  • حرم المرحوم شفيق عبنده في ذمة الله تعالى
  • لو ناسي إجابة في الامتحان .. ردّد 6 كلمات يذكّرك الله بكل شيء