الشيخ محمد صباح السالم حفظك الله
يا صاحب السمو... هذا ما تحتاجه الكويت 23 ديسمبر 2023 مشعل الأول 19 ديسمبر 2023
تحيّة الأمل بغدٍ أفضل، ومن يعرفك يعرف أنك ما تسلّمت منصباً إلا وتركت فيه بصمة إيجابية، وأنك من القلائل الذين يتمتّعون بفكر ثاقب ورؤية صافية وأسلوب إدارة علمي، وأنك كنت من أوائل الذين حذّروا من سير الاقتصاد في البلاد على سِكّة واحدة وتخوّفت من تِكرار تجارب كثيرة عالميّة اعتمدت على «الهون أبرك ما يكون» من دون سعي حقيقي لتنمية مُستدامة أساسُها الاستفادة الأمثل من القدرات.
الشيخ محمد
أعانك الله على تحمّل المسؤولية وأنت أهلٌ لها. سليل بيت حكم تشرّبت الإدارة بالفطرة وتكسّبت الخبرة بالعلاقات اليومية مع رموز تاريخية نترحّم عليها وأخرى نتمنّى لها طول العمر. ابن المسيلة ودسمان، ترعرعت تحت جناح والد أمير وعم أمير وأربعة أخوال أمراء. زد على ذلك تجربتك الشخصيّة في المسار الدراسي الذي اخترته والطريق الأكاديمي الذي مشيته والمجال العملي الذي ارتضيته والخبرة الديبلوماسية والحكوميّة التي صَقلتك.
وارث أصول الحكم في الجينات، وحاصد الخبرة في التجربة الغنية. لكن العاملين المذكورين لا يكفيان لممارسة المسؤوليات الجسام أو لمواجهة التحدّيات التي تنتظرك. ونحن نعترف قبلك أنّ الظروف التي نعيشها ليست مثاليّة وأن أحداً لا يملك عصا سحرية لوقف التراجع وإعادة الكويت إلى الريادة التي كانت عليها... إنما الاجتهاد والإرادة والعزم لطالما كانت عناوين مسارك، وحسبك أنك فعلت ما تُمليه عليك طاعة الله وراحة الضمير.
ومرة أخرى، من يعرفك يدرك أن فلسفتك في العمل قائمة على الفريق النوعي، ولذلك صار واضحاً أنك لم تقبل هذه المسؤولية إلا لكونك تريد اختيار فريق عملٍ مُتناغمٍ يعمل وفق برنامج واضح. مُواصفات أعضاء الفريق النزاهة والاحترافية والخبرة بعيداً من المُحاصصة التقليديّة والمحسوبيّات. الوزير الناجح والمُستشار الكفّؤ والمدير المُتألّق هو ناجح وكفُؤ ومُتألّق لأنه يجمع هذه الصفات لا لأنّه رجل أو امرأة ولا لأنّه من هذه القبيلة أو تلك أو هذا المذهب أو ذاك أو هذه المنطقة أو تلك. اختيار الفريق مسؤوليّتك الأولى كي تتمكّن من العمل وفق بِرنامج تلتزم به الحكومة وتُحدّد له تواريخ مُحدّدة للإنجاز.
بعد ذلك، نتمنّى ألّا تقع في الخطأ الجسيم الذي وقع فيه أسلافك. أي أسلوب التعامل التقليدي مع مجلس الأمة، حيث الصوت العالي يحسم جزءاً كبيراً من العلاقة باتجاه الترهيب ثم التطويع. لا نريد للحكومة المُقبلة أن تكون أسيرة المجلس وهي الظاهرة المُمتدّة عبر سنوات. نعلم أن الإرث سيُثقل كاهلك وأنّك غير مسؤول عن مساره سابقاً إنما لا بدّ أن «يُعلّق» أحد الجرس، وينقل العلاقة بين السلطتين إلى تعاون حقيقي لخدمة التنمية لا على قاعدة مُعاملات «اللا مانع» أو الصفقات والتسويات أو القوانين الشعبويّة التي ترهق الخزينة.
وهناك ظاهرة تعاظمت في الفترة الأخيرة وتم تسويقها عند المسؤولين، قوامها أن من يسيطر على البرلمان هم مجموعة صغيرة من أصحاب الصوت العالي الذين يتبعهم نواب كُثر، وأن التسويات التي تتم من خلالهم كافية لإقناع الغالبية وهذا خطأ كبير، إذ إن المجلس زاخر بمجموعة من النواب الشبان الذين نتمنى أن تضع يدك في يدهم وهم أصحاب أفكار مميزة وتجربة تشريعية جيدة ويمكن الاستفادة منهم إلى أقصى حدّ بدل أن يكونوا ضحيّة أيّ اتفاق بين الحكومات ومجموعة مُحدّدة أقنعتها بأنها صاحبة القرار وحاملة مفاتيح التعاون.
وإذا كانت القاعدة الثابتة أن الشباب نصف الحاضر وكُلّ المُستقبل فأنت أكثر من طبّق هذه القاعدة في المناصب التي تسلّمتها لإيمانك بقدراتهم وطاقتهم الإيجابية وحيويّتهم وقُدرتهم على العمل والإنجاز، والنواب الشبان يستحقون التعاون المُثمر من قِبلكم لإقرار تشريعات فاعلة.
والمجال هنا لا يكفي لتعداد التمنيّات والآمال بإصلاح سياسي يبدأ من إصلاح النظام الانتخابي، وبإصلاح اقتصادي عِمادُه الثورة الإداريّة المطلوبة والـ«مُؤجّلة دائماً»، وبإصلاح قانوني يسمح بتحويل الكويت مركزاً مالياً ويُخفّف من القيود على التوسّع الاستثماري والمالي... ونحن أكثر الناس إيماناً بأنّ كُلّ هذه الإصلاحات تُشكّل هاجساً دائماً لكم سواء كُنتم خارج السلطة أو داخلها.
الشيخ الدكتور محمد صباح السالم.في عهد والدكم المغفور له بإذن الله الشيخ صباح السالم عاشت الكويت أزهى عصورها على كُلّ المُستويات، سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً ورياضيّاً وفنّياً وثقافيّاً... اليوم جُلّ ما نتمنّاه أن يُعاد ذلك التاريخ من خِلالك لنُردّد جميعاً: من شابه أباه فما ظلم.
المصدر: الراي
إقرأ أيضاً:
في ذكرى ميلاد الشيخ عبد الحليم محمود.. الأوقاف عالم رباني، وقائد وطني
تزامنًا مع ذكرى ميلاد الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الشريف الأسبق، تستحضر وزارة الأوقاف المصرية بكل إجلال وإكبار هذا النموذج الفريد للعالم العامل، الذي اجتمع فيه نور العلم، وصدق الإيمان، وصدق الولاء لله ثم للوطن، فكان أحد الرموز الكبرى التي سطرت مواقف خالدة في تاريخ مصر الحديث، وبخاصة في أيامها العظيمة: أيام نصر أكتوبر المجيد.
لقد كان الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود داعمًا بكل قوة لقواتنا المسلحة المصرية الباسلة حتى أحرزت النصر، كما كان مؤازرا للرئيس الراحل محمد أنور السادات في قرار الحرب، إيمانًا منه بأن معركة أكتوبر لم تكن فقط معركة سلاح، بل كانت معركة عقيدة، وإرادة، وكرامة.
وقد وقف الإمام الأكبر على منبر الأزهر الشريف، يعلنها صريحة:
«إن الجنود المصريين الذين يقاتلون لاسترداد الأرض المغتصبة هم في سبيل الله، ومن يُستشهد منهم فهو شهيد»، فكان لكلماته وقع بالغ في قلوب الضباط والجنود، وارتفعت الروح المعنوية في جبهات القتال، كما ارتفع الإيمان في قلوب المصريين جميعًا بعدالة قضيتهم ونُبل معركتهم.
ولم يكتفِ الإمام الأكبر بالدعم النظري، بل بادر إلى حشد طاقات الأزهر الشريف علمًا ودعوة ووعظًا، فأرسل القوافل الدعوية إلى الجبهة، وقام بتوجيه كل علماء الأزهر لرفع الروح المعنوية لجنودنا الأبطال، يخطبون فيهم، ويذكّرونهم بفضل الجهاد، ويغرسون في نفوسهم الأمل والثقة بوعد الله:
"وكان حقًّا علينا نصر المؤمنين".
ولعلّ من أبرز ما خلدته الذاكرة الوطنية أن الإمام الأكبر رأى رؤيا صالحة تبشّر بالنصر، فبادر بإبلاغها إلى الرئيس السادات، الذي ازداد يقينًا وطمأنينة في قراره، وسار بها واثقًا حتى تحقق النصر بإذن الله.
وفي هذه الذكرى الطيبة لمولد الإمام، تؤكد وزارة الأوقاف أن مسيرته ستبقى مشعلًا مضيئًا في مسيرة العلماء الربانيين الذين يحملون همّ الدين والوطن معًا، وتدعو أبناء مصر إلى استلهام هذه الروح الصافية التي جمعت بين الإيمان العميق، والفكر المستنير، والموقف الوطني المسئول.
رحم الله الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ عبد الحليم محمود، وجزاه عن الأزهر الشريف وعن أرض الكنانة مصر خير الجزاء، وحفظ الله مصر قيادةً وشعبًا وجيشًا..