مراكش – "لا فرق عندي بين الكاتب ولاعب الشطرنج، كلاهما يخوض معركة عقلية عنيفة ضد غريمه، وعلى رقعة تتسع مساحتها الصغيرة المخادعة لتشمل العالم بأسره.

ولأن حسابات الربح والخسارة في لعبتَي الشطرنج والكتابة نسبية ولا تخضع لأي منطق، فقد وجدتني مجبرا على رفع الراية البيضاء عوض مواصلة القتال في معركة اجتمعت كل الظروف لتقودني إلى خسارتها، وإن احتميت لبعض الوقت بعبارة مضحكة يلجأ إليها كل المهزومين: الانسحاب التكتيكي.

لكنني لست رجل سياسة يكذب على جماهيره لإخفاء الحقيقة، أنا كاتب يكذب ليكشف لقرائه الحقيقة!".

هكذا يبدأ الروائي المغربي الشاب عبد المجيد سباطة روايته "الملف 42"، التي تظهر نوعا جديدا من الكتابة في الرواية المغربية مقارنة مع جيل الرواد.

غلافا روايتي "الملف 42″ و" ساعة الصفر" لعبد المجيد سباطة (الجزيرة)

إنها كتابة بدون عقدة نقص، تخلصت من سطوة السير الذاتي أو الكتابة وفق دفتر مواقف نقدية خنقت الإبداع الروائي، مع بعض الاستثناءات، وأفلحت كما يبرز الناقد المغربي شكير نصر الدين للجزيرة نت، في ضخ هواء جديد في المتون الروائية المغربية من خلال الكتابة ضمن تنويعات عدة من المحكي البوليسي، إلى تخييل التاريخ، والفانتازيا والعجائبي، والرواية العرفانية، على يد ثلة من الكتاب الذين أصبحت أسماؤهم متداولة محليا وعربيا.

تجاوز أم استمرار؟

ويشير الروائي المغربي الشاب طارق بكاري في حديث للجزيرة نت إلى أن كل كتابة جديدة، لا تتخذُ من تجاوز الإرث الأدبي والتفوق عليه رهانا لها، لا يعول عليها، مبرزا أن شرط استمرار الإبداع والمبدع، لا يقفُ عند إعادة إنتاج ما قدّمه سلفه، وإلا فتلك دائرة مفرغة، ولن يتحقق للأدب التقدم الذي ننشده.

لكن الناقد المغربي نور الدين صدوق يقول للجزيرة نت إن مصطلح الرواية الجديدة هو مصطلح وافد قد يكون الذين ادعوه في مرحلة قد تنكروا له، ما دام لم يؤسس لامتداد مُتَوقَّع.

ويضيف أن ما يُكتب حاليا هو استمرار لما تحقق سابقا، مبرزا أن الامتداد يفضي في أحيان إلى التنويع، أو إلى تجريب غايته الرئيسة والأساس، ألا وهي التفرد، وأن جيل التأسيس للرواية المغربية أو الأدب المغربي الحديث، ما زال يواصل إغناء التراكم.

في حين يعود الناقد نصر الدين ليقول إن الأدب الروائي المغربي برمته أدب فتي لا يتعدى في أكبر تقدير 9 عقود وهي مدة لا تساوي شيئا في التاريخ الأدبي المتصل بالإبداع الروائي كونيا، ناهيك أن التاريخ الأدبي لا يقبل في حقيقة الأمر التمييز بمفهوم الجيل، بين رواد وشباب، فهذه حسبة زمنية لا تعني شيئا في ميزان القيمة الفنية والجمالية.

الروائي المغربي شكير نصر الدين (الجزيرة) بحث عن هوية

وتبحث الرواية المغربية عن "هوية أدبية" باستعمالها فضاء متعدد الروافد الثقافية والدينية والعرقية، وعن هذا يقول الروائي عبد الحميد شوقي للجزيرة نت، إنه انفتاح على روائح وطقوس وأهازيج وأساطير كان يُنظر إليها كـ"هوامش وحشية"، مبرزا أن هذه الهوية تنطلق مما هو محلي إلى ما هو وطني وقومي ثم عالمي.

في حين يؤكد الروائي سباطة للجزيرة نت أن الرواية المغربية التي تنهل من معين تاريخ وثقافة وواقع مغربي ثري ومتنوع، استطاعت خلق أسلوب خاص ومتفرد، يتمسك بالواقعية، لكنه لا يجد حرجا في الاستعانة بعوالم عجائبية، يكتب بلغة عربية، يغنيها بخصوصية مغربية أصيلة وأصلية، ما يجعل الفضاء المتداول قادرا على السير في درب خلق الهوية السردية المنشودة.

ويضيف، لن تكون الكتابة عن فاس بتاريخها العلمي والحضاري، مماثلة للكتابة عن جبال الريف الوعرة، التي حطمت غرور المستعمر الإسباني، لكن البصمة المغربية الجامعة قادرة على توحيد الفضاءات المتنوعة، وتقديم أعمال أدبية خالدة، للقارئ محليا وعربيا وعالميا.

ويرى الناقد المغربي نور الدين صدوق أن التجربة الروائية العالمية لم تترك صيغة إلا وطرقتها، إذ بقدر التعدد، يتحقق الإنجاز، موضحا أن كل مبدع يسهم في التجريب وفي الإضافة حسب المادة التي يريد التعبير عنها، علما أن المضامين والقضايا المتطرق إليها وعلى مستوى العالم العربي تتسم بالتشابه اجتماعيا وسياسيا وثقافيا.

سعي إلى العالمية

كل كاتب يريد أن تتسع رقعة قرائه في سعي إلى العالمية، لكن هذا الأمر قد لا يكون مسألة تهم الروائي المغربي الذي -ويجب الاعتراف بذلك- ما زال في طور البحث عن ذاته الإبداعية، والمطالبة بـ"الاعتراف العربي" أولا، ذلك أن العالمية لا تعني سوى شعورك بأنك جزء من العالم من خلال نبضك الخاص. كما يبرز الروائي عبد الحميد شوقي.

في حين يعتقد الروائي طارق بكاري أن الاحتفاء بالإنسان والإنساني بعيدا عن الحسابات الهوياتية والثقافية الضيقة، إلى جانب رد الاعتبار للمنسي والمهمش، والانخراط الجاد والمسؤول في مقاومة كافة أشكال الهيمنة بالكتابة، كلها أمور قد تهيئ لأي مشروع روائي أسباب العالمية.

الروائي المغربي طارق بكاري (الجزيرة)

وكل خطوة تساهم في إيصال أعماله الروائية إلى شريحة أكبر من القراء، تسعد الروائي سباطة الذي يكشف عن صدور الترجمة الإنجليزية لـ"الملف 42″، كما أن هناك محادثات مبدئية بشأن إمكانية نقلها إلى الشاشة.

ويدرك الكاتب بشكل عميق أن الزمن هو الفيصل والقاضي النزيه الحقيقي بشأن جودة كتاباته، ويقول "لذلك أبذل كل ما في وسعي لتطوير قدراتي وتجويد أسلوبي ومواصلة العمل الدؤوب والاحتفاظ بجذوة حماس الكتابة، مع كل مشروع جديد أخوض مغامرة خلق عوالمه وشخوصه وأحداثه".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

مؤنس البرية للجزيرة نت: أتمنى نهائي العرب بين فلسطين والجزائر

عبّر الشاب الفلسطيني مؤنس البرية، القادم من مدينة أم الفحم والمطلع على شؤون كرة القدم الفلسطينية باعتباره وكيلا لعدد من لاعبي منتخب الفدائي، عن حجم التأثير السلبي للحرب الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين وعلى ممارسة الرياضة، خصوصا كرة القدم.

عادل خلو: بداية، نرحّب بك.. هل تعرّفنا بنفسك؟

مؤنس البرية: أنا مؤنس من فلسطين الداخل، وكيل لاعبين. أهلا بكم في قطر. الفوز ليس هو الأهم، بل أملنا الدائم مع الفدائي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2قصة عائلة غزية..من أوجاع الحرب إلى أفراح كأس العربlist 2 of 2شاهد.. حفل افتتاح مبهر واستثنائي لكأس العرب 2025end of listكيف عشتَ تأهل المنتخب على حساب ليبيا للمباراة الافتتاحية؟

مؤنس: كنا متوقعين التأهل بصراحة. كأس العرب من دون فلسطين "ما تزبط". وشرف كبير لنا أن نكون في المباراة الافتتاحية، وإن شاء الله يحالفنا الحظ.

هل واجهت صعوبات في الوصول إلى قطر؟

مؤنس: كالعادة، التفتيشات التي أصبحت جزءا من حياتنا. لكن بمجرد وصولنا إلى قطر سارت الأمور بسهولة.

بصفتك وكيل لاعبين، هل لديك لاعبون في قائمة المنتخب الحالية؟

مؤنس: نعم، أمثل اللاعبين: عميد محاجني، أحمد طه، وكذلك علاء الدين حسن الذي يعاني من إصابة حاليا. وأنا من رافقهم من فلسطين إلى قطر.

هل لا يزال بإمكان اللاعبين ممارسة كرة القدم في ظل الظروف الحالية؟ وهل توجد أكاديميات لاكتشاف المواهب؟

مؤنس: للأسف، كرة القدم شبه معدومة في فلسطين الآن. الدوري متوقف، ومعظم لاعبي المنتخب يلعبون خارج البلاد. أما المواهب الصغيرة فليس لديها أي فرصة، فلا توجد أكاديميات ولا حتى كرة قدم في الشوارع في ظل الظروف الحالية.

ما رسالتك للاعبين لو كنت مدربا للمنتخب؟

مؤنس: إن شاء الله نفوز بكأس العرب، وإن شاء الله يحصل اللاعب الفلسطيني على فرصته في العالم. كثير من الرياضيين استشهدوا في الحرب، رحمهم الله.

ولو كنت مدربا لقلت للاعبين:
“العبوا وأظهروا للعالم قوتكم، وأثبتوا ما تستطيع فلسطين أن تقدّمه. فلسطين ليست فقط معاناة؛ لديها مستوى عالٍ وقدرات كبيرة".

إن افترضنا وصول فلسطين إلى النهائي، من تتمنى أن يكون الطرف الآخر؟

مؤنس (ضاحكا): خلّونا أولًا نتأهل للنهائي.. ثم نحلم. وإن تحقق ذلك، أتمنى أن تكون الجزائر الطرف الثاني.

كلمة أخيرة لموقع الجزيرة نت

مؤنس البرية: شكرا لدولة قطر، وشكرا لموقع الجزيرة نت على هذه الاستضافة. الشعب القطري راقٍ وبلده جميل، والفوز عربي في كل الأحوال. شكرا لكم.

 

مقالات مشابهة

  • خاص - الأهلي يتواصل مع الرجاء المغربي لضم يوسف بلعمري
  • مؤنس البرية للجزيرة نت: أتمنى نهائي العرب بين فلسطين والجزائر
  • الدفاع المدني في غزة للجزيرة نت: ملف المفقودين هو الأكثر إيلاما
  • الروائي علي المقري: تحركات الانتقالي في حضرموت ستهيِّئ الطريق للحوثيين لاجتياح ما تبقّى من المحافظات
  • تقرير للجزيرة عن سوق خفيّة لتأجير الشهادات الطبية في الأردن / تفاصيل مثيرة
  • لا تجاهل للانذارات الاسرائيلية وسعي لتجنيب لبنان الاحتمالات الأسوأ
  • آلاف المغاربة يتظاهرون تضامنا مع فلسطين ويدعون لوقف إبادة غزة
  • بعد أحداث مباراة الأهلي.. أول رد فعل من نادي الجيش الملكي المغربي
  • أمين الفتوى: حديث "لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة" موضوعٌ ولا يصح عن النبي
  • ريم المغربي: شهادة أم تبحث عن زوجها وأبنائها منذ 2023