جناح الأزهر يقدم لزواره كتاب أثر القرآن في تحرير الفكر البشري
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
يقدِّم جناح الأزهر الشريف بمعرِض القاهرة الدوليّ للكتاب، في دورته الـ55 لزواره كتاب "أثر القرآن في تحرير الفكر البشري"، بقلم العلامة الشيخ عبد العزيز جاويش، وذلك بتسع لغات: (إنجليزى، فرنسي، ألماني، أسباني، عبري، يوناني، إندونيسي، بشتو، فارسي)، من إصدارات مركز الأزهر للترجمة.
إنصاف العقل الإنساني
استهلَّ المؤلف كتابه بجناح الأزهر بذكر نبذة تاريخية فيما كانت عليه الأمم الكبرى في طائفة من القرون التي سبقت ظهور الإسلام من التطورات، وما تعاقب على العقول فيها من المد والجزر، والتحرير والاستعباد؛ فإن في ذلك ما يُعين على إدراك مدى ما فعل القرآن في إنصاف العقل الإنساني وإحلاله المقام الذي خوَّله خالقه منذ فطره وأوجده.
ينقل المؤلف فى كتابه بجناح الأزهر إجماع المؤرخين على أن الحركة الفكرية والنهضة العلمية دخلتا أوربا فيما حول القرن الثاني عشر الميلادي من طريقين؛ أحدهما: الاحتكاك الذي ظل نحو قرنين مستمرًّا بين أمم أوربا والشرق الإسلامي خلال الحروب الصلبية، وثانيهما: طريق المعاهد العلمية التي أقامها العرب في الأندلس ونابولي وجزيرة صقلية، لافتًا إلى أن المحققين من المؤرخين يقررون أن مَن بدأ بهم تاريخ النهضة العلمية في أوربا –كروجر بيكون وأمثاله- كانوا من الواقفين على اللغة العربية واللاتينية التي كانت لا تنفك تنقل إليها علوم العرب ومباحثهم من كل فن، فمجاورة أهل أوربا لأهل القرآن الذي حرر العقول، وأقام صروح العلوم، وزين الدنيا بجميل الفنون هي التي فتقت بصائرهم، وكشفت عن حديد أبصارهم أغشية الجهالة التي حجبتهم عن أنوار الهداية أدهارًا طويلة.
وأكَّد "جاويش" أن القرآن لم يذر وسيلة موصلة إلى إنعاش العقل وتحرير الفكر إلا تذرع بها، فهو إذا تحاكم فإلى العقل، وإذا حاج فبحكم العقل، وإذا سخط فعلى معطلي العقل، وإذا رضي فعن أولي العقل، فقد جادل القرآن من جادل من أرباب الملل والنحل والماديين والدهريين فما قارعهم إلا بالبرهان، ولا دعاهم إلا إلى البحث والنظر.
ويشتمل كتاب "أثر القرآن بجناح الأزهر على المباحث التالية: الخلفية التاريخية والفكرية في تطورات الفكر البشري، القرآن كتاب دين الفطرة، موقف القرآن الكريم إزاء المعجزات، مقام القرآن الحكيم إزاء العلوم والمعارف الكونية، ذيل محاضرات "أثر القرآن في تحرير الفكر البشري"، كلمة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد العزيز البشري في هذه المحاضرات، كلمة لحضرة الأستاذ الفاضل أحمد يوسف نجاتي.
يشارك الأزهر الشريف للعام الثامن على التوالي بجناحٍ خاصٍّ في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 55، في الفترة من 24 يناير الجاري حتى 6 فبراير 2024، وذلك انطلاقًا من مسؤولية الأزهر التعليمية والدعوية في نشر الفكر الإسلامي الوسطي المستنير الذي تبناه طيلة أكثر من ألف عام.
ويقع جناح الأزهر بالمعرض في قاعة التراث رقم "4"، ويمتد على مساحة نحو ألف متر، تشمل عدة أركان، مثل قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جناح الأزهر معرض الكتاب أثر القرآن القرآن فی
إقرأ أيضاً:
السلطة والخطاب.. نايف بن نهار وإعادة إنتاج المعنى في العقل العربي (3)
"من يسيطر على الخطاب، يسيطر على العقل"ـ نايف بن نهارمن مغرب الوطن العربي، حيث للفكر صرامته، وللعقل منطقه، وللبراهين سلطانها، وحيث كانت مدرسة الجابري مثالًا على هذا التوجه الذي يشدّ التفكير إلى أرضية صلبة من التحليل والنقد، ننتقل اليوم إلى جهة أخرى من العالم العربي، لا تقل إشراقًا ولا عمقًا: إلى الجزيرة العربية، حيث أشرقت أول أنوار الهداية، ومنها انطلقت حضارة العرب والمسلمين، جامعةً بين العقل والوحي، بين الفكر والروح، بين الفلسفة والشريعة.
هناك، حيث تشكّلت أولى بذور المعنى في اللغة والوجود، تتفتح أمامنا مقاربة جديدة لمسألة النهضة، تتجاوز تحليل البنية العقلية (كما فعل الجابري)، وتنقلب من داخلها على فكرة التزكية (كما نادى بها طه عبد الرحمن)، لتضع إصبعها على الجرح الثالث: الخطاب بوصفه سلطة.
إنه انتقال لا في الجغرافيا فحسب، بل في المنهج والنظر. فبينما كان مغرب الفكر يمارس التحليل والنقد في مواجهة التراث أو الحداثة، فإن مشرقه اليوم ـ ممثلاً في تجربة المفكر القطري الدكتور نايف بن نهار ـ يضعنا أمام سؤال آخر أكثر دقة: من يملك حق إنتاج المعنى في المجال العربي؟ ومن يتحكم في طبيعة الخطاب الذي يصوغ وعينا الجماعي ويعيد تشكيلنا؟
في مشروع نايف، لا تكون أزمة العقل العربي أزمة مفاهيم مجردة، بل أزمة سلطة مقيمة في بنية الخطاب، في اللغة، في الإعلام، في الدين، بل حتى في الوعي اليومي الذي يتشكل تحت تأثير هذه المنظومات. إن السلطة في نظره لا تحكم فقط بقوة المؤسسات، بل بقوة المعنى الذي تصوغه، وتفرضه، وتحتكره.
في المجتمعات العربية، تحولت أدوات السلطة التقليدية إلى أدوات هيمنة معرفية، حيث يُحتكر الخطاب الديني والسياسي والاجتماعي من قبل مجموعات وأفراد يتحكمون في وسائل التعبير، ويعيدون إنتاج سرديات تثبت سلطتهم.وهكذا، تتسلسل أمامنا ثلاث لحظات فكرية متكاملة: من الجابري الذي فكّك العقل العربي في علاقته بالتراث، إلى طه عبد الرحمن الذي دعا إلى تزكية العقل بالأخلاق، إلى نايف بن نهار الذي يُعيدنا إلى نقطة الانطلاق: من يُحدد شروط التفكير أصلًا؟ ومن يُرخص للعقل أن يطرح الأسئلة؟
في هذا المقال، نواصل هذه الرحلة، بعيون مفتوحة على مشرق التجربة، ومن خلال قراءة جريئة لعلاقة الدين بالسلطة، والخطاب بالهيمنة، والمعرفة بالتحرر. فهل آن أوان تحرير العقل من احتكار الخطاب، لا فقط من أسر التراث أو ضيق الحداثة؟ وهل نملك أدوات إنتاج خطاب بديل، يُعيد للمعنى إنسانيته، وللعقل حريته، وللنهضة أفقها الأخلاقي والسياسي؟
هنا، تبدأ مغامرة نايف بن نهار. وهنا نتابع رحلتنا.
الخطاب كأداة للسلطة
يرى نايف أن الأزمة لا تكمن فقط في الفضاء الفكري المجرد، بل في صراعات سياسية وثقافية تتحكم في من يصنع المعنى ومن يوجهه، أي في من يمتلك سلطة الخطاب.
يُعرف الخطاب بأنه منظومة من الأفكار والممارسات التي تنتج الواقع الاجتماعي والسياسي. بالنسبة لنايف بن نهار، لا يتشكل العقل العربي بمعزل عن السلطة التي تُنتج هذا الخطاب وتفرضه.
في المجتمعات العربية، تحولت أدوات السلطة التقليدية إلى أدوات هيمنة معرفية، حيث يُحتكر الخطاب الديني والسياسي والاجتماعي من قبل مجموعات وأفراد يتحكمون في وسائل التعبير، ويعيدون إنتاج سرديات تثبت سلطتهم.
هذه السيطرة على الخطاب تخلق ما يسميه “المجال المغلق”، الذي لا يسمح بتداول حر للأفكار أو نقد دقيق، مما يؤدي إلى استمرار حالة الجمود والتكرار.
العلاقة بين الدين والسلطة
يناقش نايف بن نهار العلاقة المعقدة بين الدين والسلطة، ويعتبر أن الفهم التقليدي للدين غالبًا ما يستخدم كأداة للهيمنة السياسية، حيث يُوظف الدين لتبرير مواقف السلطة وتعزيز شرعيتها.
لكن في المقابل، يرى أن الخطاب الديني يمكن أن يكون مجالًا للتحرر إذا أُعيد إنتاجه من خلال عقل نقدي يحترم التعددية والاختلاف.
لهذا يدعو إلى تجديد الخطاب الديني بإعادة النظر في النصوص ومقاصد الشريعة، وتحويل الدين من أداة سلطة إلى أداة توعية وتحرر.
النقد والاقتراح
نايف بن نهار لا يكتفي بالنقد، بل يقدم مقترحات عملية لإحداث تحول في المشهد المعرفي:
ـ تحرير المجال العام من هيمنة النخب التي تسيطر على الخطاب.
يرى نايف أن التمسك المفرط بالتراث كمصدر هوية غالبًا ما يكون رد فعل مقاومًا لتجاذبات السلطة ومحاولات الهيمنة. وبذلك يصبح التراث سلطة مضادة، لا أقل قسرية من السلطة الرسمية.ـ دعم وسائل الإعلام المستقلة والمنصات الفكرية المفتوحة.
ـ تشجيع الحوار والتعددية داخل المجتمع.
ـ تعزيز البحث العلمي والمنهجي الذي يتجاوز التأويلات السطحية للنصوص.
كل هذا يصب في بناء عقل عربي جديد، عقل لا يخضع لسلطة واحدة أو خطاب مغلق، بل يتسم بالمرونة والانفتاح.
السلطة والهوية.. بين المحافظة والتجديد
في فهمه للهوية العربية، يرى نايف أن التمسك المفرط بالتراث كمصدر هوية غالبًا ما يكون رد فعل مقاومًا لتجاذبات السلطة ومحاولات الهيمنة. وبذلك يصبح التراث سلطة مضادة، لا أقل قسرية من السلطة الرسمية.
لذلك يدعو إلى "تفكيك" هذه السلطات جميعها، سواء أكانت رسمية أو موروثة، عبر مشروع فكري واعٍ يسمح بإنتاج هوية ديناميكية تتفاعل مع متطلبات العصر.
نايف بن نهار يضعنا أمام حقيقة هامة: العقل لا يتشكل بمعزل عن من يمتلك أدوات التحكم في إنتاج المعنى. ولذلك، فإن مشروع النهضة لا يمكن أن ينجح دون تحرير السلطة التي تحكم الخطاب، وتفكيك آليات الهيمنة المعرفية.
في مقاربته، ينفتح الأمل في إمكانية إعادة بناء عقل عربي حر، قادر على النقد، الحوار، والتجديد. عقل لا يُقصى ولا يُحتكر، بل عقل يتنفس في فضاء حرّ ومفتوح.
وهكذا، تتكامل رؤى الجابري، طه عبد الرحمن، ونايف بن نهار في صورة مركبة لأزمة العقل العربي، ورحلة البحث عن مشروع نهضوي شامل.
المراجع:
ـ نايف بن نهار، الخطاب الديني والسياسي
ـ نايف بن نهار، إشكالية السلطة في العالم العربي
ـ دراسات ومقالات تحليلية حول الفكر المعاصر
ـ حوارات ومقابلات منشورة