الخليج الجديد:
2025-05-20@02:29:55 GMT

الضرر الإيطالي الذي يستحيل إصلاحُه

تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT

الضرر الإيطالي الذي يستحيل إصلاحُه

الضرر الإيطالي الذي يستحيل إصلاحُه

اليوم تقف في طابور "الشحوب الديمغرافي" قائمة تضم معظم دول أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وغيرها.

صنعت الفردانية الجامحة إنساناً لا يكاد يعبأ إلا بـ"الإشباع الفوري"، وبالتالي، لا يريد تحمّل أعباء إنجاب أطفال وتربيتهم.

ما يكتب نهاية هذه الحضارة هو "نمط الحياة الغربي" نفسه.

وما حدث أن نمط الحياة الغربية تحوّل من انحياز للفردية، إلى "فردانية" متألهة.

الضرر يمكن إصلاحه فقط عندما تتغيّر القيم وتتغير معها النظرة إلى الذات والعالم. والدين في قلب ما تتأسّس عليه هذه القيم وهذه النظرة الشاملة.

عندما فرض الحزب الشيوعي الصيني "سياسة الطفل الواحد" عدة عقود حدث تَغيُّر ثقافي عميق لم يفلح تغيير القانون في حلّ مشكلته وبقي الصينيون مُحجمين عن إنجاب مزيد من الأطفال.

* * *

الغرب "أول حضارة مُلحدة في تاريخ البشرية"، على حد قول رئيس تشيكيا السابق فاتسلاف هافيل، والعقود التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي هي حقبة التأزّم الليبرالي الكبير.

وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قرعت "الأزمة المالية العالمية" جرس إنذار لمستقبل الرأسمالية (أو على الأقل مستقبل النيولبيرالية)، وأكد الصعود المتزامن للقوى الشعبوية على جانبي الأطلسي أن الديمقراطية هي الأخرى تنحدر سريعاً على مسار زلق.

ولم تكن هذه الوجوه المتعدّدة لأزمة الحضارة الغربية سوى قمة جبل الجليد التي كان تَزامُنُها (أو حتى تلاحُقُها) دليلًا على أن تحت مياه الأطلسي جبل جليد يوشك أن يصطدم بهذه الحضارة ذات العضلات (الاقتصادية، والعسكرية، والتكنولوجية) الأسطورية، والرأس الصغير.

وجبل الجليد الذي يرجّح أن يكتب نهاية هذه الحضارة هو "نمط الحياة الغربي" نفسه. وما حدث أن نمط الحياة الغربية تحوّل من انحياز للفردية، إلى "فردانية" متألهة.

والفرد المنقطع عن أصله الإلهي وعن الإيمان بغايةٍ يتوجّه إليها مسار الوجود، ليصل إلى مصيره، انقطع، في الوقت نفسه، على "الأسرة الممتدّة" وكل أشكال الجماعية، وتنكَّر لرساليته ثم تنكَّر لإنسانيّته، وصولاً إلى صيحة الملحد الشهير ستيفن هوكينغ، العدمية الصادمة: "الإنسان وسخ كيميائي".

من قلب هذا الجحيم اللاديني ظهر إلى الوجود إنسان جسماني يرى نفسه "الإنسان الأخير" (على طريقة ستيفن هوكينغ لا على طريقة فرانسيس فوكوياما). وعندما تشرّبت شريحة واسعة من الجيل الحالي من الغربيين هذه الفكرة، لم يعد ثمّة مكانٌ لشيءٍ يتجاوز المتعة الفردية وتحقيق الذات الفردي.

بل ظهر في بلدٍ، مثل فيتنام، كان حتى وقتٍ قريبٍ جماعياً بامتياز، جيل يرى، ذكوراً وإناثاً، أن الحصول على وظيفة جيدة أهم من الزواج والعائلة، وهو صدى لانتشار نمط الحياة الفردانية الغربي.

وبالإضافة إلى ما قرّره فاتسلاف هافيل، استعاد بعضهم ما تنبّأ به عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي إيمانيل تود في كتابه "السقوط الأخير" (1976)، وفيه اعتبر البروتستانتية الأميركية سبباً في وصول العالم إلى مرحلة يطلق عليها تود اسم "الصفر الديني"، حيث العدمية تجتاح الحياة الغربية.

وفي إيطاليا، تسبّبت هذه الحقبة من التاريخ الغربي في دخول عددٍ من مجتمعاته نفق "شحوب ديمغرافي"، انتقل من تهديد التوازن السكاني، متمثّلاً في قلة الإنجاب، وفي الوقت نفسه، زيادة نسبة المسنّين في المجتمع. ومنذ أشهر، يكرّر الملياردير الأميركي إيلون ماسك إطلاق صيحات تحذير من أن إيطاليا في طريق الاختفاء بسبب "الشحوب الديمغرافي". وأخيراً، أطلقت "لوفيغارو" الفرنسية إنذارها المعنون: "إيطاليا تواجه شبح الانهيار الديمغرافي".

والأرقام التي أوردتها الصحيفة الفرنسية تبعث على القلق في قارّة مسنّة من الواضح أن إيطاليا أصبحت في طليعتها، فبيمنا شهدت مليون ولادة في عام 1964، لم تسجل سوى 393 ألف ولادة في 2022، مقابل نحو 700 ألف حالة وفاة. وهذه المخاوف الناجمة دفعت رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني إلى أن تجعل القضية الديمغرافية موضوعاً مركزياً، وتضع الأسرة في قلب عملها. يربط علماء الديمغرافيا الإيطاليون الظاهرة باتجاهٍ "بدأ في أوائل السبعينيات، عندما بدأت الإيطاليات في تأجيل إنجاب طفلهن الأول لإعطاء الأولوية لاندماجهن المهني"، فانخفض معدل الخصوبة إلى أدنى مما يكفي ليحقق المجتمع حالة الثبات السكاني. وفي المحصلة، يُتَوقَّع تقلص عدد سكان إيطاليا من 59 مليون نسمة إلى أقل من 46 مليوناً عام 2080.

وتثير الظاهرة تساؤلاتٍ بشأن ما يُطلَق عليه اسم "الضرر الذي لا يمكن إصلاحه"، ويتعلّق بنتائج استخدام حقّ الاختيار الفردي على نحوٍ يهدّد استمرار بعض المجتمعات، وقد صنعت الفردانية الجامحة إنساناً لا يكاد يعبأ إلا بـ"الإشباع الفوري"، وبالتالي، لا يريد تحمّل أعباء إنجاب أطفال وتربيتهم.

وحتى في التحربة الصينية، عندما فرض الحزب الشيوعي الصيني قسراً "سياسة الطفل الواحد" عدة عقود حدث تَغيُّر ثقافي عميق لم يفلح تغيير القانون في حلّ مشكلته، وبقي الصينيون مُحجمين عن إنجاب مزيد من الأطفال.

واليوم تقف في طابور "الشحوب الديمغرافي" قائمة دولٍ تضم، إلى جانب معظم دول أوروبا، اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام.. وغيرها. والضرر يمكن إصلاحه فقط عندما تتغيّر القيم وتتغير معها النظرة إلى الذات والعالم. والدين في قلب ما تتأسّس عليه هذه القيم وهذه النظرة الشاملة.

*ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الصين إيطاليا إنجاب الرأسمالية الشعبوية جورجيا ميلوني الاتحاد السوفيتي سياسة الطفل الواحد العدمية الصفر الديني

إقرأ أيضاً:

متخصصون دوليون: مصر تمتلك إرثا ثقافيا وحضاريا فريدا ومواقع أثرية عالمية

أكد خبراء ومتخصصون دوليون أن مصر تمتلك إرثا ثقافيا وحضاريا فريدا ومواقع أثرية مميزة عالميا، مضيفين أن المواقع الأثرية في مصر شاهدة على مدى تميز وتفرد وثراء الحضارة المصرية التي تعود إلى آلاف السنين.

جاء ذلك خلال انطلاق فعاليات منتدى دور المتاحف في تمكين المجتمعات سريعة التغير لتحقيق التنمية المستدامة، الذي نظمه المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، بحضور نخبة من المتخصصين.

وأكدت مدير عام المتحف الدكتورة ولاء مصطفى، أهمية الاحتفال الذي يقام للاحتفاء باليوم العالمي للمتاحف، وتشارك فيه نخبة من المتخصصين والخبراء الدوليين في مجال الآثار والتراث.

وأوضحت مكانة المتحف كصرح عالمي فريد، يضم قطعا أثرية فريدة تؤكد ريادة وثراء مصر في مجال الآثار والتراث، فيعد مركزا تاريخيا وحضاريا يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.

من جانبه، أكد منسق برنامج علوم التراث بالجامعة المصرية اليابانية الدكتور جمعة عبد المقصود، أهمية المنتدي الذي يمثل ملتقى علميا وفكريا مميزا، يقام تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، وأنه يجمع الخبراء وأساتذة علم الآثار والتراث.

وثمن مكانة المتحف اليوناني الروماني الذي يذخر بالقطع الأثرية الفريدة ويعد صرحا أثريا فريدا في مصر ومنطقة حوض المتوسط.

كما تحدث مسئول برنامج علوم التراث بالجامعة الدكتور تاكاو كيكوتشي عن البرنامج الذي تقدمه الجامعة المصرية اليابانية ومدي وتميزه، حيث يقدم مجموعة من المحاضرات التي تتقاطع من علوم التراث والفكر والتنمية.

وفي سياق متصل، قال الدكتور محمد عادل الدسوقي من قسم التصميم الهندسي والبيئي بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، إن التراث المصري فريد ويمكن توظيفه لجذب المزيد من الاستثمارات وتحقيق الفرص التنموية، مضيفا أن التراث يمثل ذاكرة الأمة وتاريخ يجب حفظه وحق للأجيال القادمة ويحفظ الهوية في المستقبل.

وشددت الدكتورة هبه مجدي أستاذ بكلية السياحة والفنادق جامعة الإسكندرية، على أن الحضارة المصرية تمتلك سحرا خاصا يجذب العالم كله، وأن التراث اللامادي الذي توراثناه، ويعد جزءا كبيرا من الهوية، يجب أن نحافظ عليه من خلال الآليات والحرق الفعالة.

كما أكدت أهمية توظيف الآليات والطرق الفعالة لجذب الأجيال الجديدة إلى حب التراث والآثار لنشر الوعي المجتمعي خاصة لدي النشء بعظمة التاريخ والحضارة المصرية.

اقرأ أيضاًأهانت الحضارة المصرية.. بلاغ للنائب العام ضد المخرجة فدوى مواهب

المنيا تستعيد بريقها السياحي.. أفواج أجنبية تتوافد على كنوز الحضارة المصرية القديمة

جيهان زكي: الحضارة المصرية نور يسطع على وجه البشرية دائمًا وأبدًا

مقالات مشابهة

  • السيد القائد: أهم شيء بالنسبة للأمريكي الذي يورط نفسه أكثر فأكثر فيما لا فائدة له فيه وإنما يقدمه خدمة للصهيونية أهم شيء بالنسبة له أن يورط الآخرين معه
  • مستشار ترامب: المتحف المصري الكبير صرح ثقافي عالمي يجسد عراقة الحضارة المصرية
  • متخصصون دوليون: مصر تمتلك إرثا ثقافيا وحضاريا فريدا ومواقع أثرية عالمية
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • سالي عبد المنعم: المتحف القومي للحضارة يعكس ثروتنا الحقيقية في الإنسان والتاريخ
  • القومي للحضارة المصرية: المتحف يعكس ثروتنا الحقيقية في الإنسان والتاريخ
  • الـFBI: تفجير عيادة إنجاب في كاليفورنيا "هجوم إرهابي متعمد"
  • حماد يكرم فريق الأطباء الإيطالي الذي أجرى عمليات الشفة الأرنبية
  • المريخ الذي لا يشبه نفسه.. أمطار وثلوج تكشف ماضيا مختلفا
  • إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم سيارتين ملاكي عند مطلع كوبري الحضارة