السودان .. الحرب تطلق رصاصة الرحمة على قطاع النفط
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
أطلقت الحرب التي تدور رحاها منذ أبريل العام الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة رصاصة الرحمة على قطاع النفط في السودان.
القطاع الذي يعاني في الأصل من عدة مصاعب ومشكلات منذ ولوج السودان إلى قائمة الدول المنتجة للنفط في تسعينات القرن الماضي ، أبرزها ضعف الاستثمارات والتحديات الأمنية التي تحيط بمواقع الإنتاج.
غير أنه ومع الصراع الدائر في السودان منذ عشرة أشهر كانت مواقع إنتاج النفط في ولايات غرب وجنوب كردفان والمنشآت النفطية أحد أبرز الأهداف التي استهدفها المتمردون بالاحتلال والتخريب والحرق.
والأحد الماضي تعرضت مصفاة الخرطوم لحريق جديد مما ساهم في تدمير كل اجزاء الوحدة الداخلية للمصفاة.
ويتهم الجيش متمردي الدعم السريع بشأن التدمير الممنهج لمصفاة الخرطوم الواقعة بمنطقة الجيلي شمال الخرطوم بينما يدعي المتمردون أن الجيش ضالع في ذلك في الوقت الذي نفى العميد نبيل عبد الله، المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني، ما وصفه بادعاءات قوات الدعم السريع “الباطلة والكاذبة” بشأن استهداف قوات الجيش مصفاة الجيلي في شمال مدينة بحري بولاية الخرطوم مما تسبب بتدميرها بشكل كامل.
وحمّل المتحدث باسم الجيش قوات الدعم السريع مسؤولية أية أضرار تلحق بالمصفاة.
مصفاة الخرطوم لم تكن أولى المنشآت التي تعرضت للتخريب منذ بداية الحرب فقد سبقها حقل بليلة الواقع بولاية غرب كردفان والذي هاجمه متمردو الدعم السريع في أكتوبر العام الماضي مما أدى إلى توقف الإنتاج بالحقل.
بيد أن الإنتاج تم استئنافه في شهر نوفمبر العام الماضي بحسب بيانات صحفية صادرة عن وزارة النفط والطاقة السودانية.
ويعد حقل بليلة النفطي شراكة بين السودان والصين، وتُقدَّر احتياطياته بنحو 1.3 مليون برميل، وينتج خام النفط الثقيل لتغذية مصفاة الخرطوم التي كانت توفر معظم احتياجات البلاد من المشتقات النفطية، وكان إنتاجه النفطي يبلغ 14 ألف برميل يومياً قبل اندلاع الحرب الحالية في السودان.
ويعتبر حقل بليلة النفطي أكثر مناطق الإنتاج التي تعرضت لهجمات متوالية وتعطيل العمل بها، إذ شهدت المنطقة هشاشة أمنية كبيرة خلال أوقات متعددة جراء احتجاجات مجموعات شبابية من سكان مناطق حقول النفط.
“ لن يعود قطاع النفط إلى سابق عهده” هكذا يلخص الصحفي السوداني المتخصص في شؤون النفط، عبد الوهاب جمعة، رؤيته بشأن مستقبل القطاع بعد الحرب.
وقال إن” قطاع النفط سينهار ليس بسبب الحرب فقط ولكن للاشكاليات التي يعاني منها الاقتصاد السوداني في الأصل“.
ونوه في حديثه لـ(المحقق) أنه من الصعوبة بمكان ضخ أي استثمارات في قطاع النفط في الوقت الراهن.
وكشف عن خروج الشركتين الهندية والماليزية اللتين كانتا تستثمران في قطاع النفط لافتاً إلى أن عودتهم إلى الاستثمار بالبلاد تعد أقرب إلى المستحيل.
ونبه إلى أنه حتى وإن توقفت الحرب فان الاستثمار في القطاع النفطي مرهون بعدد من القضايا الأخرى بما يصعب من أمر عودة الشركات الأجنبية إلى السودان على المدى القصير.
واكد جمعة على أن الحرب قضت على خطط تطوير قطاع النفط في السودان وقال “ بدلاً من أن يتطور القطاع إلى الأمام حدثت له انتكاسة كبيرة جداً”
وأوضح تعرض المنشآت النفطية داخل ولاية الخرطوم إلى أكبر استهداف لا سيما مصفاة الخرطوم التي تعد أكبر منشأة نفطية داخل العاصمة ولكونها المصفاة الوحيدة التي كانت تعمل بكامل كفاءتها والتي كانت تزود كافة القطاعات الاقتصادية المعتمدة في تشغيلها على النفط.
وكشف ان المنشآت النفطية التي تم تدميرها تقدر خسائرها مابين 10-15 مليار دولار .
على ذات الصعيد أكد أحد العاملين بمصفاة الخرطوم” فضل حجب هويته “ على التدمير الكامل الذي أصاب المصفاة، وقال لـ(المحقق) “ المصفاة الآن معطلة بشكل شبه كامل ولا يوجد أي من المستودعات التخزينية لأي من الشركات بعد أن تم تدميرها بشكل كامل.
وأشار إلى أن القطاع الوحيد الذي يعمل الآن هو خطوط النقل التي تنقل خام دولةًحنوب السودان وحقل هجليج.
وأشار إلى إخلاء المصفاة من معظم العاملين بينما تم الاحتفاظ ببعضهم من قبل قوات الدعم السريع للاحتماء بهم داخل المصفاة.
ونبه إلى أن تعطيل المصفاة ساهم في توقف انتاج حقل بليلة الذي كان إنتاجه يذهب إلى المصفاة بشكل مباشر.
وتراجع إنتاج السودان من النفط، بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، من 450 ألف برميل يومياً إلى 60 ألف برميل يومياً، ما دفع البلد إلى استيراد أكثر من 60 بالمئة من احتياجاته النفطية.
المحقق: نازك شمام
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع مصفاة الخرطوم فی السودان قطاع النفط حقل بلیلة النفط فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
كيف أنقذ الإيمان ضابطًا سودانيًا من معتقلات الدعم السريع؟
وبدأت القصة عندما طوقت قوات الدعم السريع منزل عائلة يوسف في منطقة الجيلي شمال الخرطوم بحري، وجاؤوا بسيارات كثيرة وقوة مسلحة، وبدؤوا بإطلاق النار بكثافة، وكانوا يبحثون عن والده، الضابط العسكري الكبير، وعندما لم يجدوه، اعتقلوا يوسف وحراس العائلة، حسبما روى يوسف لحلقة 2025/5/15 من برنامج "بودكاست حكايات أفريقية".
"قلت لأبي أن يهرب عبر النهر، وعندما سألني ماذا سأفعل أنا، أجبته: أنا سأتصرف معهم، وأردت أن ينجو هو"، يروي يوسف، الذي تم تقييده وتعصيب عينيه فورًا ونقله إلى معسكر عسكري تسيطر عليه قوات الدعم السريع.
وفي مركز الاستجواب، الذي كان في مصفاة الجيلي للبترول، شاهد يوسف كيف قام ضابط من الدعم السريع يدعى عباس بإعدام معتقل مدني أمامه، وذلك بعد أن أصر على أنه "مدني" ولا علاقة له بالجيش.
وكانت جلسات التعذيب روتينية، وشملت:
إجبارهم على حفر قبورهم الخاصة ودفنهم حتى الرقبة. إجبارهم على الوقوف لساعات على حجارة ساخنة. سحبهم وهم مربوطون بالسيارات. حقنهم بمواد مجهولة قالوا لهم إنها سم أو مخدرات لإجبارهم على الاعتراف.
ظروف قاسية
وكانت ظروف الاعتقال قاسية للغاية، حيث كان الطعام يتكون بشكل أساسي من الإسباغيتي بدون أي إضافات، يُقدم في أماكن مليئة بالذباب، وكان الماء الصالح للشرب شبه معدوم، يقول يوسف.
إعلانبعد محاولة فاشلة للفرار من قبل بعض المعتقلين، ساءت الظروف وتم حبس جميع المعتقلين في زنزانتين، ولم تكن هناك مساحة كافية للنوم، مما أجبر المعتقلين على النوم قعودًا.
واستخدمت قوات الدعم السريع الابتزاز والمساومة حيث كانوا يرسلون مقاطع فيديو من يوسف وهو يتعرض للتعذيب لوالده، مطالبين بمبالغ ضخمة من المال، بلغت في مجموعها 50 مليارا من الجنيهات السودانية.
كان لهذا الابتزاز والتأثير العاطفي لرؤية ابنه يتعرض للتعذيب عواقب وخيمة على صحة والد يوسف، الذي لم يكن يعاني من مشاكل صحية، لكن بعد تلقي تلك الفيديوهات، أصيب بجلطة ومضاعفات، أدت إلى وفاته، بينما كان يوسف لا يزال في الأسر.
وكان السجناء يُجبرون بانتظام على القيام بأعمال شاقة، بما في ذلك المهمة "المروعة" المتمثلة في دفن الموتى بعد المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
خطة الهروب
وأوضح الضابط أن عساكر الدعم السريع كانوا يخرجونهم ليلًا لدفن موتاهم، وفي بعض الأحيان كان عليهم جمع أجزاء الجثث المتناثرة، حيث يجدون ساقًا هنا، وذراعًا هناك، وحتى الرأس في مكان آخر، وكانوا أحيانًا يدفنون 15 أو 20 قتيلا من الدعم السريع في قبر واحد.
وبعد معرفته بوفاة والده ورؤية الظروف المتردية في المعسكر، قرر يوسف و18 معتقلًا آخر المخاطرة بحياتهم للهروب، وخلال عدة ليالٍ، حفروا نفقًا في جدار المعتقل.
واختاروا ليلة ذات طقس بارد عندما كان الحراس سكارى، وخرجوا تحت جنح الظلام الدامس من الفتحة وركضوا وكان عليهم عبور نهر النيل سباحةً للوصول إلى الضفة الغربية التي يسيطر عليها الجيش.
لم يكن الجميع يعرفون السباحة، لكنهم فضلوا الموت غرقًا على البقاء في الأسر، وبطريقة معجزة، نجا من حاولوا عبور النهر ووصلوا إلى بر الأمان، ما عدا واحدا منهم غرق أثناء السباحة في النهر.
ورغم تمكن يوسف من الاجتماع بعائلته، فإنه ما زال يعاني ندوبا نفسية ناتجة عن التجربة، وأصبح يعاني من كوابيس أثناء النوم تعيده إلى لحظات التعذيب.
إعلانويقدم يوسف نصيحة لمن قد يواجهون مواقف مماثلة: "أول شيء هو الصبر والحفاظ على إيمان قوي، حتى في أحلك اللحظات، حافظ على ثقتك بالله".
"وكان أبي يقول لي دائمًا: خليك مع ربنا في الرخاء عشان تلقاه في الشدة، وهذا التعليم أبقاني على قيد الحياة".
الصادق البديري17/5/2025