مرّ زمن طويل على هذا المشهد الذي حدث في منطقة نائية من مناطق اليونان القديمة. يومها، كانت السماء تمطر بغزارة. ومع ذلك، وجد عدد كبير من الغرباء، الجرأة لقطع مسافة طويلة، سيرًا على الأقدام؛ كلّ ذلك لكي يحظوا بمقابلة «الفيلسوف». كانوا يأملون في لقاء عظيم، كما في مواجهة مخيفة؛ وكيف لا؟ فالسمعة التي كان يتمتع بها هيراقليطس، على أنه الرجل «الحكيم» ولا أحد سواه، تغطي جميع أنحاء العالم اليوناني.
يمكن أن تجعلك هذه السمعة التي اكتسبتها الفلسفة تبتسم، عند قراءة هذه الحكاية التي وصلت إلينا من أعماق العصور القديمة. لكن معناها لم يفقد أهميته وراهنيته. في واقع الأمر، في مواجهة خيبة أمل ضيوفه، الذين أتوا من بعيد، أخبرهم هيراقليطس، لتهدئتهم، أن « الآلهة موجودة هنا أيضًا»، أي حتى في هذا المكان التافه المخصص لاحتياجات الجسم (الطعام والدفء)، الذي لا يليق بالفيلسوف.
لم يكن ما قاله هيراقليطس مجرد تنازل بسيط، أو استراحة، في نشاط الفيلسوف، بل هي لحظة تملك حقًا بُعدًا فلسفيا كاملا. لننتبه إلى كلمة «أيضًا» التي تفوه بها: الآلهة ليست في المطبخ فقط، بالطبع، ولكنها موجودة هناك أيضًا. في مفرداتنا المعاصرة، يمكننا من دون صعوبة كبيرة تبديل كلمة «آلهة» بعبارة «مجال يستحق الاهتمام بالفلسفة».
بمعنى ما، منذ الأُسس الأولى لهذه الممارسة التي نسميها الفلسفة، كان العادي موجودًا وحاضرا. يجب على الفيلسوف أن يكون متيقظا إلى ما يحيط به، وما يحيط به يشكل حياته اليومية. نحن بعيدون كل البعد عن صورة الرجل الحكيم الذي لا يحلم إلا بأنقى المفاهيم، بالثابت في سماء طاهرة. بل على العكس من ذلك، لا شيء يبدو أكثر انسجاما مع مهمة الفلسفة من الاهتمام بالعالم الحقيقي، الذي في متناول اليد، والذي يشكل طريقتنا في الوجود في العالم كما في وجودنا مع الآخرين. وفي هذا الصدد، يمكننا أن نزعم أن ظهور الهواتف المحمولة، التي أصبحت، من خلال الرقائق وشكل «سمارت فون» المصغر – أي الهواتف الذكية – تشكل شيئا شائعا إلى حدّ رهيب، لذلك هو، بهذا المعنى، يستحق الاهتمام الفلسفي.
فكما لاحظ هيغل -ولم يكن مخطئا في ذلك- «إن الفلسفة هي ابنة عصرها»، لذا علينا أن نعترف أن الفلسفة اتخذت المنعطف الرقمي بشكل مثالي، عندما نلاحظ تطور بوابات المعرفة، والمجلات عبر الإنترنت، والأرشيفات الإلكترونية، وحتى تطبيقات الهواتف الذكية، بما أن الغالبية منكم – ثمة يقين في ذلك – تقرأون هذه السطور، في هذه اللحظة بالذات، عبر موقع الصحيفة على الشبكة.
بهذا المعنى، يمكننا ملاحظة التقارب بين الدعم وموضوع الدراسة. فمن ناحية، لا يمكن لفلسفة المألوف أن تتجاهل استخدامًا أصبح يوميًا مثل الهاتف الخلوي. ومن ناحية أخرى، نجد أن الفلسفة (والثقافة بشكل عام) استثمرت هذا الدعم. يوضح لنا هذا التطور كيف ستبقى الفلسفة ممارسة ترافقنا يوميًا.
إنه استخدام عادي بالتأكيد، ولكنه ليس تافهًا، مثلما يصور؛ لأن الهاتف الذكي مليء بمعنى الفلسفة. لا يعني ذلك أننا نريد أن نتهمها بكل الشرور، لكن من الواضح أنها من خلال مكانتها المركزية في حياتنا، تعمل كوسيط بيننا وبين المعلومات. ومن المفارقات أنه كلما أصبح الكائن المادي أرق، أصبح الكائن الرمزي أكثر كثافة، ليصبح الناقل المفضل للمعلومات؛ لأنه خفيف، جوال، قابل للتخصيص، يرافقنا في كل لحظة. من الصباح مع وظيفة المنبه، إلى المساء. إنه المفكرة أيضا، والموسيقى، والمعلومات، ورسائل البريد الإلكتروني، والعلاقات الاجتماعية... الوظائف التي تؤديها هواتفنا متعددة، وتتدخل في إيقاعاتنا واتصالاتنا وتجاربنا العاطفية.
وبالتالي، فإن هذه الأشياء التي من المفترض أن تجعل حياتنا أسهل يمكن أن تسبب لنا العُصاب أيضا، كما يتضح من التأملات حول مفهوم الــ«نو موبايل فوبيا» (no mobile phobia، لا يوجد رهاب المحمول) الذي يميل إلى الانتشار. في الواقع، يبدو أن إمكانية الوصول إليك باستمرار، والتواصل معك، وتلقي التنبيهات ورسائل البريد الإلكتروني والإشعارات تخلق الاعتماد من خلال إفراز مادة الدوبامين (كما يجد العديد من العلماء). وبهذه الطريقة، ثمة إدمان حقيقي جدًا للهواتف الذكية التي ليس لديها ما تحسد عليه من أشكال الإدمان الأخرى.
يبدو مثيرا للاهتمام أن نلاحظ هذه العلاقة المميزة التي لدينا مع هذا الشيء. لقد أصبح تقريبا امتدادا لنا. فقط تقادم التقنيات، يجعل اندماجها المباشر في جسم الإنسان أمرًا غير محتمل، الأمر الذي من شأنه أن يجعلنا «سايبورج» حقيقيين: الحلم القديم الذي يعتز به ما بعد الإنسانين.
إذا أثبتت ممارسة الفلسفة أهميتها في فهم استخدامنا العادي، فذلك أيضًا لأن العادي ليس نقطة بداية في حدّ ذاته. إنه واضح دائمًا، لأن العادي، بحكم التعريف، هو ما هو بديهي. وبالتالي فإن مهمة الفلسفة هي تفسير هذه البنية، وطريقة عملها، خارج حجاب الأدلة.
لذا فإن الأمر يتعلق بألا نترك الهاتف الذكي يعمي أنفسنا، مع المخاطرة باتباع مثال يوناني آخر، طاليس، الذي سقط في بئر بينما كان مستغرقًا في أفكاره الأكثر تجريدًا. إن الإحراج والجهل بالعالم أصبحا أسطوريين من خلال ضحك الخادم التراقي، والذي أصبح منذ ذلك الحين تجسيدًا للفطرة السليمة الواقعية التي افتتحت الفصل الأول بين الحكمة الفلسفية والفطرة السليمة العادية. لقد كافحت الفلسفة طويلا، وتراجعت إلى كرامتها الفكرية لتحمي نفسها من هذا الضحك الخبيث الذي يستمر في الجريان كلما تحدثنا عن الفلسفة، ليوصم طابع الفلسفة الاكتفائي فيما يتعلق بالعالم.
لنحذر من أن نصبح مثل طاليس، من خلال استشارة الفلسفة على هواتفنا الذكية، بينما نحن نستمر في المشي، قد نتعرض لخطر الاصطدام بالمارة والأعمدة، فيما نكون مستغرقين بشيء ما.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
ما الذي اشترته نتفليكس؟ 100عام من التاريخ المرئي لـوارنر براذرز
(CNN)-- أعلنت نتفليكس، الجمعة، أنها وافقت على الاستحواذ على استوديو الأفلام التابع لشركة وارنر براذرز ديسكفري وأصول HBO، ومنها خدمة البث، مقابل 82.7 مليار دولار، بما في ذلك الديون.
وتفوقت نتفليكس على شركتي "باراماونت" و"كومكاست" الإعلاميتين في حرب مزايدة، والتي بدأت بعد إعلان وارنر براذرز ديسكفري في يونيو/حزيران عن انقسامها إلى شركتين في منتصف عام 2026.
ووارنر براذرز ديسكفري هي الشركة الأم لشبكة CNN.
وتتوقع نتفليكس إتمام عملية الاستحواذ خلال 12-18 شهرا.
و"وارنر براذرز بيكتشرز" هي واحدة من أكبر 5 استوديوهات في هوليوود، والتي تضم باراماونت بيكتشرز، وسوني بيكتشرز، ويونيفرسال بيكتشرز، واستوديوهات والت ديزني.
وتأسست شركة وارنر براذرز بيكتشرز عام 1923 على يد الإخوة هاري، وألبرت، وصامويل، وجاك وارنر. وتعمل الشركة في الوقت الحالي على قطعة أرض مساحتها 110 أفدنة في بوربانك بولاية كاليفورنيا.
فيما يلي نظرة موجزة عن تاريخ شركة وارنر براذرز الممتد على مدار 102 عام.
عشرينيات القرن العشرين
كان أول إصدار رسمي للاستوديو هو الدراما الصامتة "Main Street" عام 1923.
استثمر الإخوة في وقت لاحق في الصوت باستخدام جهاز التسجيل الصوتي "فيتافون"، بدءا من فيلم "Don Juan" (1926) الذي يتميز بالموسيقى التصويرية المتزامنة، وصولا إلى فيلم "The Jazz Singer" (1927)، أول فيلم بحوار متزامن.
كان الفيلم الموسيقي "On With the Show" عام 1929 أول فيلم ملون ناطق بالكامل، وثاني فيلم ملون تصدره وارنر براذرز.
ثلاثينيات القرن العشرين
أنتجت شركة "وارنر براذرز" حوالي 100 فيلم سينمائي سنويا بحلول ثلاثينيات القرن العشرين، واستحوذت على 360 دار عرض سينمائية في الولايات المتحدة.
وفي عام 1930، تم إنتاج أفلام الرسوم المتحركة القصيرة "Looney Tunes" لمنافسة والت ديزني. اشتهرت شركة وارنر براذرز بإصدار أفلام العصابات، بما في ذلك فيلميThe Public Enemy” و"Little Caesar" في عام 1931.
تمتلك وارنر براذرز أيضا حقوق أفلام إم جي إم الكلاسيكية، مثل فيلمي "ساحر أوز" و"ذهب مع الريح" عام 1939.
أفلام وارنر الكلاسيكية
شكلت الحرب العالمية الثانية خلفية للعديد من الأفلام خلال أربعينيات القرن الماضي، بما في ذلك فيلم الدراما الحربية الرومانسي الشهير "كازابلانكا". وانطلق عرضه على نطاق واسع في يناير/كانون الثاني عام 1943، وكان من أكثر الأفلام تحقيقًا للإيرادات في ذلك العام.
واصلت وارنر براذرز إصدار أفلام ناجحة، مثل A Streetcar فيNamed Desire” ،(1951) “East of Eden” ،(1955) “Rebel Without a Cause” ،(1955) في “My Fair Lady” (1964) وWho’s Afraid of Virgina Woolf في 1966.
وفي عام 1955، توسّعت شركة وارنر براذرز في مجال التلفزيون بمسلسلاتٍ متتابعة، بما في ذلك أفلام الغرب الأمريكي "شايان" (1955-1962) و"مافريك" (1957-1962)، ومسلسل الدراما البوليسية "77 صن ست ستريب" (1958-1964).
أعمال مُقتبسة من أفلام الجريمة والرعب والدراما
وفي عام 1967، استحوذ إليوت وكين هيمان على الشركة، لتصبح شركة وارنر براذرز-سيفن آرتس. وفي العام نفسه، أصدرت فيلم العصابات الكلاسيكي "بوني وكلايد".
وأصدر الاستوديو لاحقا أفلام “Exorcist” ،(1973) “Blade Runner”في (1982)، و “The Color Purple” (1985).
كما أطلقت وارنر براذرز سلسلة أفلام متنوعة، مثل "Dirt Harry" (1971)، والذي اختُتم عام 1988 بفيلمها الخامس " The Dead Pool".
امتلاك عالم DC
اشترت شركة "كيني ناشيونال" شركة "وارنر برذرز-سيفن آرتس" عام 1969، وأُعيدت تسميتها إلى "وارنر كوميونيكيشنز". كما امتلكت كيني دار النشر الوطنية الدورية، المعروفة الآن باسم "DC Comics".
وأصدرت وارنر برذرز فيلم "سوبرمان" عام 1978، ثم فيلم "باتمان" بعد 11 عاما. وتلتها أجزاء تالية، وكذلك إصدارات جديدة بعد عقود.
ويتولى المخرج جيمس غان إعادة إطلاق DC Universe، وكان آخرها إعادة إنتاج فيلم "سوبرمان" في يوليو/تموز. ومن المتوقع إصدار جزء ثان من فيلم "باتمان" (2022) في عام 2027.
بداية الألفية الثانية
في عام 1980، أصدرت وارنر برذرز فيلم الرعب النفسي The Shining، وفي 1981، أصدرت الدراما الرياضية الأولمبية “Chariots of Fire”.
وتضمنت قائمة Warner Bros المتنوعة في الثمانينيات “National Lampoon's Vacation” (1983)، “Once Upon a Time in America” (1984)، “Pee-Wee’s Big Adventure (1985) ، و"The Lost Boys" (1987).
واندمجت استوديوهات "وارنر براذرز للسينما والتلفزيون" مع شركة "تايم إنك" عام 1989 ليشكلا شركة "تايم وارنر". وشملت بعض الشبكات التلفزيونية التابعة للشركة: HBO، وCNN، وTBS، وTNT، وكرتون نتورك، وتيرنر كلاسيك موفيز. وفي عام 2000، اندمجت "أمريكا أونلاين" مع "تايم وارنر" في صفقة بقيمة 350 مليار دولار، وهي أكبر عملية اندماج في تاريخ الأعمال الأمريكية، والتي ثبت فشلها في نهاية المطاف.
في عام 1999، أصدرت الاستوديهات فيلم “The Matrix”، والذي أعقبه ثلاثة أجزاء متتالية، وفيلم “Pokemon: The First Movie”، والذي تضمن جزأين تاليين من إنتاج شركة Warner Bros.
وفي الوقت نفسه، دخلت شركة نتفليكس الناشئة إلى الساحة في عام 1997 كخدمة لتأجير أقراص DVD. وفي عام 2007، طورت Netflix خدمة البث المباشر وفي عام 2012 أطلقت أول مسلسل أصلي لها "Lilyhammer".
في عام 2001، أصدرت وارنر براذرز فيلم "Harry Potterthe Sorcerer’s Stone"، وهو الفيلم الأكثر تحقيقا للربح في ذلك العام، وأصدرت 7 أفلام أخرى من سلسلة "هاري بوتر"، واختتمت السلسلة عام 2011 بفيلم Harry Potter and the Deathly Hollows: Part 2.
كانت مسلسلات "Sex and the City" (1998-2004)، وSopranos (1999-2007)، و"Game of Thrones" (2011-2019)، و"Succession" (2018-2023) مجرد أمثلة على نجاح برامج HBO.
وفي عام 2018، أكملت AT&T صفقة استحواذ على Time Warner بقيمة 85 مليار دولار، وبعد 4 سنوات، تم تشكيل Warner Bros Discovery من خلال اندماج وحدة WarnerMedia التابعة لـAT&T وDiscovery.
وإلى جانب مكتبة الأفلام التي تمتد لأكثر من 100 عام، من المتوقع أن تستفيد Netflix أيضًا من بعض أفلام Warner Bros التي تم إصدارها هذا العام، بما في ذلك فيلم ”A Minecraft Movie“، وهو الفيلم المحلي الأكثر تحقيقا للأرباح لهذا العام، والفيلم الذي حقق نجاحا مفائجا "Sin".