خليج عدن: توسّع حرب السفن إلى أهم الموانئ اليمنية
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
كثف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر خلال الفترة القليلة الماضية، وقد تركزت في خليج عدن واستهدفت سفن شحن تجارية أميركية بدرجة رئيسية، في ظل تصاعد التوترات في الممرات المائية وتفاقم أزمة الشحن التجاري العالمي، وسط توقعات بتوسع دائرة حرب السفن وانعكاسها على ناقلات النفط التي تعبر خليج عدن وارتفاع مضاعف في تكاليف النقل والتأمين.
ونفذ الحوثيون منذ 15 يناير/ كانون الثاني أكثر من 5 عمليات استهدفت عدداً من سفن الشحن في خليج عدن بصواريخ بحرية شملت سفن "أوسين جاز، "زاغروفا"، "كيم رينجر" و"جينكو بيكاردي".
يعتبر ميناء وخليج عدن من أهم المنافذ البحرية المتحكمة في البحر الأحمر من جهة الجنوب والمنفذ الرئيسي لليمن على بحر العرب والمحيط الهندي، وهو بذلك يطل على خطوط التجارة والملاحة في العالم.
الخبير الملاحي ياسر المروعي، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن أهمية خليج عدن تنبع من كونه نافذة اليمن على المحيط الهندي ومن موقعه الاستراتيجي الذي يربط البحر الأحمر عبر باب المندب بالبحر العربي، إضافة إلى كون خليج عدن ممراً رئيسياً للسفن التجارية المحملة بالوقود بشكل خاص،.
لذا يلاحظ استخدامه بشكل كبير من قبل السفن الأميركية والبريطانية بحكم أن الأخيرة كانت تستعمر جنوب اليمن سابقاً ولديها معرفة واسعة بأهمية استخدام هذه الممرات التي تصل خليج عدن بالمحيط الهندي.
ويكتسب موقع هذا الممر اليمني المائي أهمية استراتيجية بالنظر إلى قربه من الخط الملاحي الدولي الذي يربط الشرق بالغرب والذي لا يبعد سوى 4 أميال بحرية من نقطة صعود المرشد، حيث تتمكن السفن المنتظمة من الوفاء بسهولة بمواعيد زيارتها للموانئ الأخرى من دون عناء.
إمكانية نقل المعركة
الباحث الاقتصادي رشيد الحداد، يفسر في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تركز استهداف السفن في خليج عدن يؤكد أن صنعاء قادرة على نقل المعركة إلى خارج مسرح عملياتها وفرض قواعد اشتباك خارج سيطرة سلطتها، إضافة إلى أن تصاعد العمليات يأتي في ظل احتدام الصراع في البحر الأحمر وتمكن قوات صنعاء من منع السفن المتجهة نحو موانئ الاحتلال الإسرائيلي من العبور.
يلفت الحداد إلى أن فرض معادلة عسكرية في خليج عدن يؤكد أن صنعاء تمتلك قدرات عسكرية كفيلة بنقل المعركة إلى المحيط الهندي، حيث من الملاحظ أن معظم العمليات العسكرية التي استهدفت سفناً تجارية وعسكرية في خليج عدن طاولت سفناً أميركية، وهذا تحول جديد في مسار العمليات، موضحاً أن تركز الهجمات في خليج عدن يبدد الادعاءات الأميركية بتصاعد المخاطر على الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وفق تقارير صحافية، فقد تسببت الهجمات التي شنها الحوثيون في البحر الأحمر ضد السفن المتعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي، في أكبر تحويل لمسارات التجارة الدولية منذ عقود، وهو ما أدى إلى ارتفاع التكاليف وطول أمد الرحلات بالنسبة لشركات الشحن في الأماكن البعيدة مثل آسيا وأميركا الشمالية، وهدد بحدوث تداعيات اقتصادية على سلاسل التوريد العالمية.
وفي الوقت الذي تجد فيه أكثر من 500 سفينة حاويات صعوبة بالغة في الإبحار عبر البحر الأحمر من قناة السويس وإليها، واستخدام ممرات أخرى مكلفة للغاية، لم تنجح الضربات الانتقامية المتكررة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، فضلاً عن العملية البحرية المتعددة الجنسيات للقيام بدوريات في المياه، في إيقاف هجمات الحوثيين التي تقول الجماعة إنها تنفذها رداً على عمليات الإبادة الجماعية في غزة.
ركيزة اقتصاد اليمن
وتمثل الممرات المائية والنقل البحري، بحسب خبراء اقتصاد ومختصين في الملاحة البحرية، ركيزة أساسية لاقتصاد اليمن نظراً لطول الساحل اليمني الممتد لأكثر من 2000 كيلومتر، إضافة لامتلاك البلاد نحو سبعة موانئ (عدن، المكلا، نشطون، الحديدة، المخا، رأس عيسى، والصليف)، منها ثلاثة موانئ رئيسية، هي: عدن، المكلا، الحديدة. إلى جانب إطلال اليمن على مضيق باب المندب، وهو الممر الرئيسي للسفن العملاقة الناقلة للنفط، ما يجعل حجم نشاط الملاحة البحرية في اليمن كبيراً جداً.
الباحث الاقتصادي عصام مقبل، يقول لـ"العربي الجديد"، إن هناك تصاعداً لأسعار النفط العالمية منذ الأسبوع الماضي، ومرشحة للصعود والاضطراب خلال الفترة القادمة مع توسع التوترات لتشمل ممراً مائياً مهماً آخر في اليمن يتصل بباب المندب ويربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي والبحر العربي.
وشدد على أن اليمن سيكون في مرمى تبعات هذه الأزمة التي تأتي في ظل تغافل وعدم اهتمام أو استعداد لها من قبل السلطات الرسمية في البلاد التي لا تزال تعاني من صعوبات بالغة لم تستطع تجاوزها في النقل البحري مع تردي وضعية الموانئ وتسببها في تفاقم أزمة التوريد إلى اليمن.
تبعات على النقل البحري
وتسود مخاوف واسعة من تبعات قد تطاول النقل البحري في اليمن جراء الأحداث المتصاعدة في الممرات المائية، كما هو الحال في البحر الأحمر وباب المندب والبحر العربي وخليج عدن، حيث تواصل جماعة الحوثي التي تحكم أجزاء واسعة من اليمن هجماتها التي تؤكد أنها تستهدف السفن الإسرائيلية والمتعاونة معها، في حين أصبح الاستهداف يشمل السفن الأميركية التي تشن بمشاركة بريطانيا هجمات بالصواريخ والطائرات الحربية على ما تقول إنها مواقع عسكرية تابعة للحوثيين.
يمتلك اليمن العديد من الموانئ التي كانت حتى نهاية العام 2014 تعمل بصورة مقبولة لاستقبال البضائع والسفن وتقديم خدمات الشحن والتفريغ والتخزين، إلا أن ظروف الصراع والحرب وما نجم من تدمير جزء كبير من البنى التحتية والتجهيزات في تلك الموانئ، إلى جانب الإجراءات الدولية المتعلقة بإمكانية الدخول والخروج من تلك الموانئ وإليها، قد ساهمت في الحد من القدرة التشغيلية للموانئ اليمنية.
ونتيجة لعمليات الإغلاق لبعض الموانئ بصورة جزئية أو كلية، إلى جانب إجراءات الحصار البحري الذي فرضه التحالف العربي منذ بداية الحرب في اليمن، وضرورة حصول السفن الواصلة إلى الموانئ اليمنية أو التي تغادرها على تصاريح خاصة من قبل البعثة الأممية ذات العلاقة، فقد شهدت حركة النقل البحري في اليمن تراجعاً كبيراً سواء في أعداد السفن أو كميات البضائع المتناولة في تلك الموانئ.
الخبير في الملاحة البحرية المروعي يقول في هذا الخصوص إن تبعات توسع الاستهداف للسفن ليشمل ممرات مائية أخرى في البحر العربي وخليج عدن قد لا تطاول التجارة العالمية فقط بل أيضاً تهدد بتبعات جسيمة على اليمن جراء تداعيات هذه الأحداث في ممراتها المائية.
ويشير إلى أنها قد تفاقم أزمة النقل وتشديد الاختناقات التي لا يزال يعاني منها قطاع النقل البحري في اليمن جراء ما تعرض له من تدمير للأصول والبنى التحتية للعديد من الموانئ التي كانت قد بدأت تتخلص بشكل تدريجي من القيود المفروضة عليها، مثل موانئ البحر الأحمر والتي أدت خلال السنوات الماضية إلى تقليص خطوط النقل البحري العاملة من اليمن وإليه وتراجعها بصورة كبيرة من 16 خطاً بحرياً قبل العام 2015 إلى 5 أو 6 خطوط فقط في الوقت الراهن.
ويعاني اليمن من تردي وضعية البنية التحتية والأصول التشغيلية للموانئ وقطاع النقل البحري، وذلك قبل انطلاقة حرب السفن التي أطلقها الحوثيون رداً على تجويع أهالي غزة وارتكاب إبادة جماعية من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
إذ تعرضت موانئ البحر الأحمر التي تشمل "الحديدة والصليف والمخا" لأضرار جسيمة جراء الاستهداف المتواصل لها منذ العام 2015، حيث تتجاوز نسبة الأضرار 45.5 في المائة من إجمالي الأصول للموانئ اليمنية، الأمر الذي أثر وبصورة كبيرة على القدرة التشغيلية للموانئ اليمنية بشكل عام لتصل الطاقة التشغيلية الحالية لميناء الحديدة، والذي يعد أكبر الموانئ في البلاد إلى أقل من 40 في المائة من طاقته التشغيلية الفعلية قبل العام 2015.
ووفق تقرير صادر عن مركز الدراسات والأبحاث العربي "عربيا برن ترست"، تقدر خسائر اليمن بسبب الصراع ما بين 170 إلى 200 مليار دولار من ناتجه المحلي الإجمالي بين الأعوام 2015 و2022.
وقال الباحث الاقتصادي منير القواس، لـ"العربي الجديد"، إن "التجار في اليمن واقعون تحت نار تهدد بقاء نسبة كبيرة منهم بالنظر إلى ما يجري من صراع يفاقم الأزمات التجارية والاقتصادية والمعيشية".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن خليج عدن الملاحة الدولية الحوثي أمريكا فی البحر الأحمر العربی الجدید النقل البحری البحر العربی فی خلیج عدن فی الیمن من قبل
إقرأ أيضاً:
القبيلة اليمنية… عمق اجتماعي يسند غزة ويجدد الموقف العربي الأصيل
يمانيون / تقرير
رغم الظروف المعيشية الصعبة نتيجة الحرب والحصار المفروض على اليمن, تواصل القبائل اليمنية نفيرها العام نصرة ودعما للشعب الفلسطيني سيما في قطاع غزة بلا كلل ولا ملل منذ انطلاقة معركة طوفان الأقصى, وتجود بكل ما تملك, في مشهد يعكس قيم الإسلام ومبادئه تجاه استثغاثات الثكالى وأنات الأيتام وصرخات الأطفال, وتترجمه عمليا بمواقفها المتميزة المتمثلة بالمشاركة الأسبوعة المليونية المساندة لغزة بصنعاء ومختلف المحافظات, وحملات التبرعات والإنفاق, استشعاراً منها بالواجب الديني والعربي والإنساني, مجسدة بذلك عمق التضامن العربي والإسلامي الأصيل امام قضية كانت ولا تزال قضيتها المركزية.
اليمن يحرج أمة المليارين مسلم..
عام ونصف من العدوان الصهيوني الأمريكي المتواصل على سكان غزة راح ضحيته قرابة 180 ألف بين شهيد وجريح في غزة جلهم نساء وأطفال على مرأى ومسمع أمة تقول أنها (عربية مسلمة) لديها القدرات والإمكانيات والجيوش والسلاح, وتحوط جغرافيا بالقطاع المحاصر’ تشارك من تحت الطاولة وفوقها في هذا الإجرام, إذ لم تكتف بالتفرج وإشغال شعوبها بالرقص وحفلات الكلاب والترفيه والمجنون, بل كشفت وسائل الإعلام ضلوعها في هذا العدوان, وأمام هذا الافتضاح المهين والمخزي, برزت إلى الساحة المحلية والعربية والإقليمية والدولية موقف القبائل اليمنية .
لا مساومة تجاه فلسطين
الزخم الشعبي لقبائل اليمن في موقفها المتقدم لنصرة فلسطين, لم يكن فزاعة, أو مجرد عاطفة, بل موقف يعبر عن قيم وأخلاق ومبادئ الشعب اليمني تجاه هذه القضية , وإيمانه الحق بها , وارتباطه التاريخي بالمقدسات الإسلامية على رأسها المسجد الاقصى وما يتعرض له من محاولات تهويد من قبل الصهاينة المغتصبين, لتحمل لواء رفع المظلومية عن فلسطين وسكان غزة, وتخط بدمائها وأموالها ومواقفها انصع المواقف, لتعكس حجم الارتباط بالقضية الفلسطينية ومحوريتها في وجدان كل فرد من أبناء اليمن وتعلن ان لا مساومة على هذه القضية مهما كان الثمن, لتضع أمة الملياري مسلم في موقف لا يحسد عليه.
هذا الارتباط العميق جعل من دعم الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، جزءًا من مسؤولية قبائل اليمن الدينية والأخلاقية, واستمدت شرعيتها من توجيهات الله في كتابه الكريم وما ورد في الأثر عن رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله, وما يترجمه أعلام الهدى حيث مثل السيد القائد والثقافة القرآنية أحد أهم عناصر هذا التحرك الشعبي الفاعل, رغم حملات الاستهداف الكبيرة التي شنت على الشعب اليمني في مختلف المجالات سيما الثقافية والفكرية لمحاولة صرف أنظار قبائل اليمن عن حمل قضايا الأمة , وضرب هويتها وإدخالها في دوامة الفوضى والاقتتال الداخلي, وتغذية الثارات وهو ما عملت عليه أمريكا في اليمن لسنوات خاصة مع ما يسمى بالمبادرة الخليجية التي تسلمت زمام الأوضاع في اليمن وفرض ما تريده على الأنظمة الحاكمة العملية والتحكم بكل شؤونه حتى ثورة 21 سبتمبر2014م .
الدعم الرمزي والمادي كأدوات نضال شعبي
منذ بداية العدوان على غزة في أكتوبر 2024، توالت الفعاليات القبلية في مختلف المحافظات اليمنية، خاصة في صنعاء، ومأرب، وصعدة، والبيضاء، والجوف. وشهدت هذه الفعاليات حضورًا لافتًا لمشايخ القبائل والوجهاء، حيث أكدوا في بيانات رسمية وشعبية أن “القضية الفلسطينية هي قضية الأمة المركزية، وأن دعم المقاومة الفلسطينية واجب ديني وأخلاقي”.
وأدانوا المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة، مؤكدين استعداد القبائل اليمنية للمشاركة في مواجهة الكيان الصهيوني حتى تحرير أرض فلسطين والمقدسات الإسلامية. كمسؤولية دينية وواجبًا أخلاقيًا.
الدور الإعلامي والتربوي للقبيلة
ساهمت القبيلة اليمنية في نقل الوعي بقضية فلسطين إلى الأجيال الجديدة من خلال المجالس القبلية والأنشطة المحلية التي تتناول القضايا الكبرى للأمة. فالتاريخ الشفهي والموروث الثقافي يرسّخان قيمة النخوة والنصرة، ما يجعل من قضية فلسطين موضوعًا حاضرا في الوجدان العام.
في المدارس والمراكز الاجتماعية الواقعة تحت تأثير القبائل، تتصدر فلسطين المواضيع التربوية، وتُخصص برامج لعرض انتهاكات الاحتلال، وأخرى لتعريف الناشئة بتاريخ المسجد الأقصى. هذا الدور الثقافي يسهم في نقل الوعي من جيل إلى جيل، في ظل غياب الكثير من الأدوات الإعلامية الحكومية.
أبعاد قومية وأخلاقية للموقف القبلي
إن تضامن القبيلة اليمنية مع غزة يُفهم أيضًا ضمن سياق أشمل؛ إذ يعكس رفضًا عامًا للهيمنة الغربية، ووقوفًا مبدئيًا ضد السياسات التطبيعية لبعض الأنظمة العربية. فالقبيلة، بكونها كيانًا غير مؤطر سياسيًا، تعبر عن نبض الشارع العربي الأصيل الذي لا يزال يرى في فلسطين جوهر الصراع الإقليمي والدولي.
في مايو 2023، أعلن رئيس مجلس التلاحم القبلي في اليمن، ضيف الله رسام، أن 92 قبيلة أعلنت مساهمتها بـ 5 آلاف مقاتل للدفاع عن فلسطين، مطالبًا محور المقاومة بالجاهزية. وأكد رسام أن قضية فلسطين هي قضية اليمن الأولى والمركزية، مشددًا على تضامن قبائل اليمن مع المقاومة الفلسطينية في مواجهتها وثأرها من كيان الاحتلال.
في السابع من الشهر نفسه أطلقت حملة تغريدات كبرى لإبراز دور القبيلة اليمنية في الدفاع عن اليمن ونصرة غزة على الوسم #القبيلة_تتحدى_الصهاينة ، ومثلت هذه الحملة تعزيزاً لدور القبيلة وتأكيداً على استثنائية موقفها .