هل تصطدم أميركا مع الصين في الشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 20th, July 2023 GMT
في الأول من يونيو/حزيران الماضي رفض وزير الدفاع الصيني "لي شانغ فو" عقد لقاء ثنائي مع نظيره الأميركي "لويد أوستن" وذلك على هامش منتدى "حوار شانغريلا" الذي عُقد في سنغافورة. لم تكن تلك هي المرة الأولى التي ترفض فيها الصين عقد محادثات بين وزير دفاعها ونظيره الأميركي، فقد رفضت في أوائل فبراير/شباط الماضي طلبا لذلك بعد أن قامت الولايات المتحدة بإسقاط منطاد صيني فوق المياه الإقليمية الأميركية.
قالت واشنطن إنه كان "منطادا للتجسس" عليها. ووصلت العلاقات بين الطرفين إلى مستوى غير مسبوق من التوتر حين قامت طائرة مقاتلة صينية باعتراض طائرة استطلاع أميركية في المجال الجوي الدولي فوق بحر جنوب الصين أواخر مايو/أيار الماضي، وهو ما اعتبرته أميركا عملا عدوانيا. علما بأن "لي شانغ فو" مدرج على قائمة العقوبات الأميركية منذ عام 2018 وذلك بموجب قانون "مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات"، المعروف اختصارا بقانون "كاتسا" (CAATSA)، وذلك لشرائه أسلحة روسية متطورة.
في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة منشغلة بالحرب الروسية في أوكرانيا، وبالصراع مع الصين في بحر جنوب الصين، فإن بكين تتمدد في الفناء الخلفي للولايات المتحدة وفي واحدة من أهم مناطق نفوذها على مدار نصف القرن الماضي
هكذا تبدو العلاقات بين أكبر دولتين اقتصاديا وعسكريا، إحداهما هيمنت على النظام العالمي على مدار العقود الثلاثة الماضية دون منافسة حقيقية وهي الولايات المتحدة، والثانية قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية صاعدة تسعى لكسر هذه الهيمنة ومزاحمة أميركا، وربما أخذ مكانها في المستقبل كقطب عالمي جديد. وإذا كانت ساحة المعركة الحامية بين الدولتين تتركز في منطقة بحر جنوب الصين، خاصة في المساحة التي تقع من اليابان شمالا وحتى كوريا الجنوبية مرورا بالبقعة الساخنة وهي تايوان، فإن هناك ساحات أخرى للمواجهة بين الطرفين لا تقل سخونة وأهمية، لكن المواجهة فيها تأخذ أشكالا مختلفة.
يبدو الشرق الأوسط وخاصة العالم العربي منطقة نفوذ وتنافس جديدة بين القطبين الكبيرين، حيث يسعى كل منهما لتعزيز حضوره بها وجذبها لصالحه. صحيح أن الولايات المتحدة هي الأكثر حضورا وتأثيرا في المنطقة، سواء من خلال علاقاتها الأمنية والإستراتيجية مع بلدان المنطقة، أو من خلال الحضور العسكري الكثيف في تلك المنطقة الذي يصل لآلاف الجنود المرابطين في أكثر من دولة عربية، إلا أن الحضور الاقتصادي والاستثماري والتكنولوجي الصيني قد تجاوز في بعض الأحيان نظيره الأميركي.
على سبيل المثال، أصبحت الصين خلال السنوات الماضية هي الشريك التجاري الأكبر لدول الخليج العربي. كذلك نجحت بكين في بناء شراكات اقتصادية وتكنولوجية ودفاعية مع عدد من البلدان العربية كالسعودية التي وقعت مع الصين عددا من الاتفاقات الاقتصادية العام الماضي، وصلت قيمتها إلى حوالي 50 مليار دولار.
كذلك أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للإمارات بأكثر من 60 مليار دولار، وهناك توقعات أن يصل حجم التجارة الثنائية بين البلدين إلى حوالي 200 مليار دولار بحلول عام 2030. في حين تمثل الصين شريكا اقتصاديا وتجاريا مهما لمصر، كما أن حجم الديون المصرية للصين تبلغ حوالي 8 مليارات دولار.
بكلمات أخرى، في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة منشغلة بالحرب الروسية في أوكرانيا، وبالصراع مع الصين في بحر جنوب الصين، فإن بكين تتمدد في الفناء الخلفي للولايات المتحدة وفي واحدة من أهم مناطق نفوذها على مدار نصف القرن الماضي.
لذلك فإن السؤال المهم الآن هو: هل نحن على أعتاب وقوع صدام بين أميركا والصين في الشرق الأوسط؟ فالصين لم تتمدد فقط اقتصاديا وتجاريا كما أوضحنا آنفا، ولكن أيضا سياسيا وإستراتيجيا وعسكريا. فقبل 4 أشهر رعت الصين اتفاقا لتطبيع واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وذلك في واحدة من أهم المفاجآت السياسية التي حدثت في المنطقة خلال الفترة الماضية. كذلك حاولت الصين بناء قاعدة عسكرية سرية لها في الإمارات قبل عامين، وهو ما شكل صدمة كبيرة في واشنطن نتيجة للتحالف الإستراتيجي بينها وبين أبو ظبي.
كذلك تحتفظ الصين بقاعدة عسكرية في جيبوتي منذ أكثر من 6 أعوام ولديها علاقات قوية مع بلدان القرن الأفريقي، وهي المنطقة نفسها التي تنتشر فيها القوات الأميركية أيضا. حيث تعتبر الصين أن جيبوتي تلعب دورا مهما في تسهيل وتحقيق أهداف مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقتها الصين قبل 10 أعوام. بل يشير بعض المسؤولين الأميركيين إلى أن القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي هي بداية لسلسلة قواعد عسكرية صينية في أفريقيا، وهو ما لا ينبغي استبعاده، فطرق التجارة دوما بحاجة للحماية الأمنية والعسكرية من قبل القوى الاقتصادية والعسكرية الكبرى.
لا توجد خيارات كثيرة أمام أميركا فيما يخص كيفية التعاطي مع زيادة الحضور والنفوذ الصيني في الشرق الأوسط، فهي إما أن تقبله باعتباره أمرا واقعا لا محالة، وبالتالي يكون هدفها الأساسي هو كيفية التقليل من آثاره السلبية على وجودها ومصالحها في المنطقة، أو أن تحاول إيقافه بشكل واضح وصريح، وهو ما قد يعني الدخول في مواجهة صريحة مع بكين قد لا تُحمد عقباها.
يخبرنا التاريخ أنه لم توجد قوتان كبيرتان قد تجاورتا وتعايشتا في منطقة نفوذ واحدة دون أن يقع بينهما صدام تنتصر فيه إحداهما على الأخرى. لذا فإن السؤال ليس: هل سيقع صدام بين واشنطن وبكين في المنطقة؟ بل متى؟ أما السؤال الأهم فهو كيف سيكون رد فعل دول المنطقة حين يقع هذا الصدام؟
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الشرق الأوسط فی المنطقة مع الصین الصین فی وهو ما
إقرأ أيضاً:
دراسة تكشف مشروع الشرق الأوسط الجديد في رؤية ترامب ونتنياهو
بعد مرور عقدين على فشل مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي روجت له إدارة جورج بوش الابن إبان غزو العراق وحرب لبنان عام 2006، تعود الرؤية ذاتها ولكن بثوب جديد – هذه المرة عبر تحالف وثيق بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واللذَان يسعيان لتشكيل "شرق أوسط جديد" تكون فيه إسرائيل القوة المهيمنة بدعم أمريكي مطلق، بينما يتم تحييد إيران ومحور المقاومة عبر سلسلة من الحروب والاستنزاف العسكري، بحسب الدراسة التي نشرها مركز الأبحاث المجلس الأطلسي.
منذ حرب 7 أكتوبر 2023، شنت إسرائيل سلسلة من الهجمات التي طالت غزة ولبنان وسوريا واليمن، وصولاً إلى قلب إيران في يونيو 2025. هذه الحروب، التي وفرت لها واشنطن غطاءً سياسيًا ودعمًا عسكريًا، لم تحقق أهدافها الاستراتيجية حتى الآن، حيث ما زالت قوى المقاومة – رغم الخسائر الكبيرة – صامدة ميدانيًا وسياسيًا.
غزة: دمار هائل دون نصر حاسمبعد عشرين شهرًا من العدوان على غزة، تخطى عدد الشهداء الفلسطينيين 57 ألفًا، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ الصراع. وعلى الرغم من تدمير البنية التحتية وتهجير السكان، لم تنجح إسرائيل في القضاء على حركة حماس، التي لا تزال قادرة على شن هجمات نوعية تُربك الجيش الإسرائيلي.
إيران: الضربة الاستراتيجية التي لم تنجز المهمةفي يونيو 2025، شنت إسرائيل والولايات المتحدة حملة جوية مكثفة على منشآت إيران النووية، مع وعود ترامب بـ"تحطيم المشروع النووي الإيراني بالكامل". لكن التقييمات العسكرية تشير إلى أن الضرر كان كبيرًا، لكنه غير كافٍ لتفكيك القدرات النووية الإيرانية. بل وقد تؤدي هذه الهجمات إلى تسريع طهران لمساعيها نحو امتلاك سلاح نووي ردًا على التهديدات الوجودية.
لبنان: حزب الله يتراجع تكتيكيًا... دون هزيمةفي لبنان، ورغم الخسائر الفادحة الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية، لا يزال حزب الله قوة قائمة، ولم يسلم سلاحه كما تطالب إسرائيل والولايات المتحدة.
ورغم التراجع إلى شمال الليطاني، فإن أمينه العام بالوكالة، نعيم قاسم، يتوعد برد قاسٍ حال اجتياح إسرائيل للجنوب اللبناني. أما الحكومة اللبنانية الجديدة، بقيادة الرئيس جوزيف عون، فتواجه مأزقًا سياسيًا بين الضغوط الخارجية والاحتمالات الكارثية لأي صدام داخلي مع حزب الله.
اليمن: صمود الحوثيين رغم القصفعلى الرغم من القصف الأمريكي والإسرائيلي على مواقع الحوثيين في صنعاء وصعدة وموانئ الحديدة، فإن جماعة أنصار الله (الحوثيين) ما تزال تمتلك قدرات هجومية، وتحتفظ بترسانات استراتيجية قد تستخدم في حال عودة الحرب ضد إيران.
اتفاق الهدنة المؤقت مع واشنطن في مايو 2025 عزز من موقف الحوثيين داخليًا وأضعف خصومهم في المجلس الرئاسي.
المشروع الحالي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط يعتمد، كما في اتفاقيات "أبراهام" التي وقعت في عهد ترامب عام 2020، على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية دون أي اعتبار للحقوق الفلسطينية. وتفترض الخطة أن الرخاء الاقتصادي كفيل بتجاوز عدالة القضية الفلسطينية – وهي فرضية أثبتت المعطيات الأخيرة فشلها، بل وساهمت في تأجيج الصراع.
وتشير الدراسة إلى أن هناك طريقين لا ثالث لهما في المرحلة المقبلة: إما دبلوماسية خلاقة تنقذ ما تبقى من فرص السلام، أو استمرار لحرب مفتوحة ومتعددة الجبهات. غير أن تمسك كافة الأطراف بمواقفها القصوى يرشح السيناريو الثاني كالأقرب، ما يعني أن "الشرق الأوسط الجديد" وفق رؤية ترامب ونتنياهو قد يتحقق شكليًا عبر تطبيع اقتصادي جزئي، لكنه سيكون محفوفًا بمزيد من الحروب، الانهيارات، والتشظي السياسي.
التحالف الأمريكي-الإسرائيلي يسير نحو فرض واقع جديد بالقوة، لكن التصدعات الإقليمية، وصمود الخصوم، وغياب أي تسوية سياسية متوازنة، كلها عوامل تضعف الرؤية الترامبية-النتنياهوية لـ"شرق أوسط جديد". ما يتم رسمه حتى الآن ليس مستقبلًا مستقرًا، بل خريطة من الدمار والتوتر الدائم، تراكم الغضب أكثر من السلام، وتبني واقعًا لا يدوم.