أوهام متطرفي إسرائيل المتجاوزة للمنطق وللوقائع
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
على الرغم من عدم توفر مؤشرات أو معطيات على إمكانية تحقيق إسرائيل نصرا حاسما في غزة، إلا أن نتنياهو، الذي يقود جوقة متطرفين صهاينة، يصر على رفع سقف مطالبه إلى حد غير قابل للتحقّق إلا في حالة سحق شعب غزة بأكمله، وليس مجرد القضاء على حركة حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، الذي لا يبدو أنه في طريقه للتحقّق.
لقد بدا واضحا منذ بداية الحرب أن نخبة المتطرفين الإسرائيليين تملك ذهنية أيديولوجية منحطة، ومنفصلة تماما عن وقائع هذا العصر والمتغيرات الهائلة الجارية على سطح العالم، وهي تحلم بتحقيق رؤى وتطلعات الآباء المؤسسين للصهيونية، والذين -وللمفارقة- عقلنت الوقائع وإدراك محدودية القدرة جزءا منهم وجعلتهم أكثر واقعية وقابلية، بالمقارنة مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية الذين يبدون وكأنهم خرجوا من مغاور الأيديولوجيا العتيقة بعد أن تلقوا دروسا على نمط من التطرف المتشدد والمنحرف.
بدا واضحا منذ بداية الحرب أن نخبة المتطرفين الإسرائيليين تملك ذهنية أيديولوجية منحطة، ومنفصلة تماما عن وقائع هذا العصر والمتغيرات الهائلة الجارية على سطح العالم، وهي تحلم بتحقيق رؤى وتطلعات الآباء المؤسسين للصهيونية، والذين -وللمفارقة- عقلنت الوقائع وإدراك محدودية القدرة جزءا منهم وجعلتهم أكثر واقعية وقابلية
من إيغال آلون وغولدا مائير ومناحيم بيغن إلى إسحاق شامير واسحاق رابين وشيمون بيريز وأرئيل شارون وإيهود باراك (هؤلاء حكموا إسرائيل بعد احتلال غزة عام 1967).. كان كل هؤلاء صهاينة ويحصلون على دعم أمريكي وغربي لا يكلّ، وأسلحة متطورة وجوار عربي ضعيف لا يحمي مقاومة فلسطينية ولا يستطيع تقديم أدنى أنواع الدعم الدبلوماسي لها، وبالتالي كانت أمام نخب إسرائيل فرص تدمير غزة وقتل آلاف الفلسطينيين، وكانت تتمنى لو أن تصحو صباحا وتجد أن البحر ابتلع غزة وأغرق ناسها كلهم، لكنها في المقابل كانت تدرك، نتيجة خبراتها العسكرية والسياسية، أن هذا النمط من التعاطي لن يحل المشكلة، وبالتالي لجأت للمناورة السياسية حينا وللخداع أحيانا، بالطبع دون أن تنسى الحصار والتضييق والاعتقالات وشن عمليات عسكرية بين الفينة والأخرى.
أما أن تصل مطالب النخبة الحاكمة الآن إلى حد مطالبة الغزيين بالبحث عن أوطان بديلة، أو فرض أنماط من الاتفاقيات التي تضع إسرائيل في موقع المتحكم بما يتعلمه الأولاد في مدارسهم، وربما كم عدد الأطفال الذين يحق للأسرة إنجابهم، ونمط التدين الذي يجب أن يتبعوه، وحتى نمط الإعمار في غزة حين تبدأ عملية إعادة الإعمار؛ فذلك ما هو مناف ليس للمنطق والعقل، بل حتى لمجريات الأحداث والوقائع.
ليس سرا أن نخبة الصهاينة المتطرفة تعتمد على معطيين متحركين وليسا دائمين وثابتين: حجم الألم الذي أوقعته الحرب الشرسة بالغزيين، نتيجة استخدام إسرائيل أسلحة أقل ما يقال فيها إنها مخصصة للحروب ضد جيوش كبيرة وحديثة وربما في تضاريس معقدة، من جبال وهضاب وأودية، وتحصينات ضخمة، وليس ضد مدن مكتظّة يشكل الأطفال أكثر من نصف عدد سكانها، والمعطى الثاني: المجاعة التي تضرب غزة في ظل سياسة منع إسرائيل وصول المساعدات، أو حتى التجارة مع العالم الخارجي، ونفاد أي احتياط إستراتيجي من الأغذية والوقود. لكن هذين المعطيين لا يمكن المراهنة عليهما لإجبار الفلسطينيين في غزة على الرضوخ بشكل كلي لشروط ومطالب المتطرفين الإسرائيليين؛ صحيح أن الناس يمرون بظروف تفوق قدرة البشر على الاحتمال، لكن أيضا ما يطالب به المتطرفون يفوق قدرة الغزيين على التعايش معه والقبول به.
يمكن لإسرائيل فرض شروطها على الغزيين في حالة واحدة؛ احتلال غزة بالكامل، بما يعنيه ذلك من تخصيص أكثر من ثلث جيش إسرائيل مع الاحتياطي، وإعادة عسكرة المجتمع الإسرائيلي، وتحمل إمكانية هجرة عشرات الآلاف من اليهود واختيارهم لأوطان بديلة، لأن غالبية اليهود لم تعد لديهم القدرة على التعايش مع هذه الأوضاع، في ظل دولة تعيش حالة استنفار دائم وتراجع اقتصادي حتمي، بالإضافة الى تراجع في مستوى الحريات والحقوق كناتج طبيعي عن عسكرة الدولة.
من المؤكد أن الغزيين عاشوا أهوالا فظيعة، ربما لم يشاهدوا مثلها في الفترات السابقة، لكن المؤكد أيضا أنهم يحسبون هذا العذاب في سياق تحررهم واستقلالهم، وليس توطئة لاستعبادهم وإذلالهم، وهذا ما لم يفهمه متطرفو إسرائيل
وحتى في هذه الحالة، لا توجد ضمانات لاستمرار سيطرة الاحتلال، فقد أثبتت الحروب الحديثة أن زمن الاحتلالات وإقامة الجيوش في أرض غريبة صار وصفة لاستنزاف دولها وهزيمتها؛ لأسباب عديدة، أهمها تغير البيئة الاستراتيجية نتيجة سهولة الوصول للتكنولوجيا وتوفر الكوادر القادرة على استخدامها في مختلف المجتمعات وتوظيفها تاليا في استنزاف الخصم، والسبب الآخر، عدم وجود بيئة موالية في غزة للاحتلال الإسرائيلي، بل على العكس يسعى الغزيون بكل أطيافهم وفئاتهم للثأر من إسرائيل بعد حرب الانتقام التي شنتها عليهم واستخدمت فيها أقذر أنماط سياسات المواجهة، وحتى على افتراض ضعف المقاومة وتدمير هياكلها، وهو ما لم يحصل أبدا، فإن المجتمع الغزي الذي يملك خبرة كبيرة في النضال، يستطيع تأطير مقاومة تحت أي ظروف واستنزاف جيش إسرائيل وهزيمته.
من المؤكد أن الغزيين عاشوا أهوالا فظيعة، ربما لم يشاهدوا مثلها في الفترات السابقة، لكن المؤكد أيضا أنهم يحسبون هذا العذاب في سياق تحررهم واستقلالهم، وليس توطئة لاستعبادهم وإذلالهم، وهذا ما لم يفهمه متطرفو إسرائيل الذين تُجمع مؤشرات كثيرة على أنهم سيرحلون ويعود أهل غزة لإعمار مدنها.
twitter.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة المقاومة الاحتلال إسرائيل غزة الاحتلال المقاومة اليمين المتطرف مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة
إقرأ أيضاً:
البرهان من إسبانيا: نطالب بدعم مستدام وليس تعاطفاً أو مساعدات مؤقتة
عبد الفتاح البرهان أكد أن السودان خطى خطوات مهمة في مسيرته نحو الاستقرار المدني عبر تعيين رئيس مدني لمجلس الوزراء.
إشبيلية: التغيير
قال رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، إن السودان لا يطلب تعاطفاً أو مساعدات مؤقتة، وإنما دعم مستدام قائم على إنصاف حقيقي ونظام دولي عادل، يُمكّنه من النهوض والوفاء بالتزاماته التنموية.
وخاطب البرهان اليوم الاثنين بمدينة إشبيلية الإسبانية فعاليات المؤتمر الرابع لتمويل التنمية، مؤكداً أن السودان خطى خطوات مهمة في مسيرته نحو الاستقرار المدني عبر تعيين رئيس مدني لمجلس الوزراء في الحكومة المدنية الانتقالية.
وأضاف أن هذا التعيين يعكس إرادة السودان الثابتة في استكمال مؤسسات الدولة وتعزيز الانتقال المدني الديمقراطي تمهيداً لبناء مستقبل أفضل للشعب.
وأشار البرهان إلى أن السودان يمر بظرف استثنائي، إذ يعاني من تداعيات حرب عدوانية مدمرة اندلعت في أبريل 2023، إثر ما أسماه “تمرّد مليشيا خارجة عن القانون وعلى مؤسسات الدولة”، مما أدى إلى تدمير واسع للبنية التحتية الأساسية وأزمة إنسانية حادة.
وقال إنه رغم هذه المحن الجسيمة “فإن شعب السودان لا يزال متمسكاً بالأمل، وراغباً في الانخراط البناء مع المجتمع الدولي لإعادة بناء وطنه المنكوب وتحقيق تطلعات التنمية والسلام وهزيمة كل مخططات التآمر والاستهداف”.
وأضاف أن أزمة السودان “برهنت بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام المالي العالمي الراهن يحتاج إلى إصلاح جذري بما يحقق العدالة والتوزان والتمثيل العادل للدول النامية في مراكز صنع القرار”.
وتابع: “نحن بحاجة إلى نظام مالي دولي أكثر عدلاً وشمولاً يعكس تطلعات ومصالح الدول النامية، ويمنحها صوتاً فاعلاً في رسم السياسات الدولية”.
ودعا البرهان إلى إلى إصلاح المؤسسات المالية العالمية لجعلها أكثر مرونة وقدرة على الاستجابة السريعة للأزمات ومتطلبات التنمية المستدامة.
وأكد أن شعب السودان- رغم جراحه العميقة- يتطلع إلى بناء شراكة دولية جديدة قائمة على الاحترام المتبادل، واحترام السيادة الوطنية والمصلحة المشتركة.
الوسومإسبانيا إشبيلية الجيش السوداني الحكومة الانتقالية السودان المؤتمر الرابع لتمويل التنمية رئيس الوزراء عبد الفتاح البرهان مجلس السيادة