DW: لماذا تشتري دول الخليج الساحل المصري؟
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
نشر موقع "دويتشه فيله" الألماني تقريرا تحدث فيه عن استحواذ دول الخليج على الساحل المصري وتساؤلات بشأن الدوافع والآثار المحتملة.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن مصر تواجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، حيث تعاني البلاد من ديون هائلة ونقص في العملات الأجنبية، مما أدى إلى تضخم مدمر وارتفاع الأسعار الذي يجد العديد من المصريين العاديين صعوبة في التعامل معه.
ولكن في الأسبوع الماضي، أعلنت مصر أن دولة الإمارات العربية المتحدة سوف تستثمر 35 مليار دولار (32 مليار يورو) بشكل مباشر في الاقتصاد المصري، وأغلبها من خلال مشروع بناء في رأس الحكمة، وهي شبه جزيرة البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مدينة الإسكندرية، ويُعتقد أنه أكبر استثمار من نوعه في تاريخ مصر.
لقد تم بالفعل إيداع الدفعة الأولى من المال، وجاء معظم هذا المبلغ من الأموال النقدية التي كانت الإمارات تحتفظ بها بالفعل في البنك المركزي المصري. ومن المتوقع أن يصل الباقي خلال شهرين، بحسب مسؤولين مصريين.
وكان لتأثير الصفقة والإفراج عن القسط الأول من الأموال من البنك المركزي تأثير فوري تقريبًا، مما أدى إلى تحسين الوضع المالي لمصر بطرق مختلفة.
وبحسب الموقع؛ ستسهل الصفقة على مصر الوفاء بالشروط التي حددها صندوق النقد الدولي. لقد وصلت مصر وصندوق النقد الدولي إلى المراحل النهائية من التفاوض على خطة إنقاذ أخرى بمليارات الدولارات، ومن المرجح أن تبلغ قيمتها أكثر من 10 مليارات دولار (9.2 مليار يورو)، لتحقيق استقرار الاقتصاد المصري.
وتتضمن شروط صندوق النقد الدولي للصفقة تخفيض قيمة الجنيه المصري لجعله يتماشى مع سعر الصرف الحقيقي، على عكس السعر الذي حددته الحكومة، ومواصلة خصخصة أصول الدولة، وهذا يعني في الأساس انتزاعها من الجيش المصري القوي وبيعها لمستثمرين من القطاع الخاص.
وهناك شائعات عن صفقة أخرى مماثلة قريبًا؛ فستستثمر السعودية 15 مليار دولار إضافية في الوجهة السياحية على البحر الأحمر، رأس جميلة.
الاقتصاد المصري يحتاج إلى أكثر من مجرد "منتجع شاطئي فاخر"
وحسب الموقع، لم يكن الجميع متحمسين لهذه الصفقة. وقال حسام الحملاوي، الباحث والناشط المصري الذي يعيش حاليًا في ألمانيا ويكتب نشرة إخبارية منتظمة عن السياسة المصرية، إن هذا المشروع الاستثماري هو مجرد جزء من نمط.
وقال الحملاوي إن "السيسي يعمل منذ سنوات على مشاريع عملاقة ترضي قراراته الاقتصادية غير العقلانية. وهو يعول دائمًا على حقيقة أنه سيتم إنقاذه من قبل القوى الإقليمية أو الدولية بسبب المقولة سيئة السمعة: "مصر أكبر من أن تفشل".
وذكر الموقع نقلًا عن تيموثي قلداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن، أن الحكومة المصرية "بددت ضخها المالي السابق بسرعة غير عادية. إن ضخ الأموال النقدية يشتري ثقة مؤقتة للمستثمرين في مصر. لكن الأمر الأساسي للثقة على المدى الطويل هو الإصلاحات الجادة والإشارة الواضحة من قادة البلاد إلى أنهم يستغلون هذه الفرصة لتغيير المسار. سوف يستغرق الأمر أكثر من مجرد مكاسب غير متوقعة ومنتجع شاطئي جديد فاخر لإعادة بناء ذلك".
وأشار الحملاوي وآخرون أيضًا إلى احتجاجات سكان رأس الحكمة المهددين بالتهجير بمجرد بدء البناء. وسيكون أحد صناديق الاستثمار السيادية في دولة الإمارات، مسؤولاً عن هذا المشروع، وقال إن العمل سيبدأ في أوائل سنة 2025. كما تشكل المعايير البيئية مصدر قلق في هذه المنطقة الساحلية، وفقا لمنتقدي الخطة.
وأفاد الموقع أنه في الوقت الحالي، أصبحت فكرة أن مصر "أكبر من أن تفشل" مقنعة بشكل خاص. إذ تتعرض البلاد لضغوط سياسية واقتصادية بسبب الصراع الدائر في غزة، ويعني القتال هناك خنق مصادر الدخل المهمة لمصر، مثل السياحة والشحن عبر قناة السويس.
وذكر الموقع أنه لا أحد يريد أن يرى اضطرابات عامة في مصر بسبب الانهيار الاقتصادي في الوقت الحالي. وقد كتب المعلق السياسي ماجد مندور إنه "في ظل الحرب المستمرة في غزة والحرب الأهلية في السودان، أصبح استقرار نظام السيسي مصدر قلق بالغ لحلفائه، حتى لو كان ذلك يعني السماح له بتجنب الإصلاحات الاقتصادية التي تشتد الحاجة إليها".
دول الخليج تنخرط في "دبلوماسية الإنقاذ"
وتساءل الموقع: كيف ترتبط مليارات الإمارات الواردة بالصراع في غزة والاتفاق المحتمل مع صندوق النقد الدولي؟
ونقل الموقع ـ لإجابة هذا السؤال ـ ما قاله حسن الحسن، الخبير في سياسة الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، من أن هذه المصادفة "مذهلة إلى حد ما"، ومن المعروف أن الولايات المتحدة، أحد الداعمين الرئيسيين لصندوق النقد الدولي، تستخدم الوكالة المالية لمعاقبة أو مكافأة الحلفاء الأجانب. ومع ذلك، أشار حسن الحسن، المقيم في البحرين، إلى أن رؤساء صندوق النقد الدولي وكبار المسؤولين المصريين والإماراتيين قالوا جميعًا إن الصفقة البالغة قيمتها 35 مليار دولار لا علاقة لها بأي من ذلك.
لكن الأمر يتعلق بتقليد دام عقودًا من الزمن لانخراط دول الخليج الغنية في ما يسميه الحسن وآخرون "دبلوماسية الإنقاذ".
وكتب الحسن وكاميل لونس، زميلة زائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في ورقة بحثية سنة 2023 حول هذا الموضوع، وقالا إنه يمكن تعريف ذلك "بأنه ممارسة توزيع حزم كبيرة من المساعدات المالية أو العينية لإنقاذ الدول التي تواجه أزمات مالية أو اقتصادية والتي كانت تمثل أداة رئيسية للسياسة الخارجية الخليجية منذ أوائل السبعينات".
وقالت لونس لموقع "دويتشه فيله" إن "هذه الصفقات الأخيرة تعكس اتجاهًا أوسع في دبلوماسية الإنقاذ في الخليج. فلقد قامت دول الخليج بإنقاذ الاقتصاد المصري منذ الستينات، وهي الدولة التي حصلت على أكبر حصة من الدعم المباشر للميزانية، بما لا يقل عن 108 مليارات دولار".
وفي الآونة الأخيرة، اتفقت هي والحسن على أن هذه الممارسة قد تغيرت إلى حد ما.
وأوضح الحسن قائلًا: "لقد رصدنا رغبة أكبر من جانب دول الخليج للاستفادة من النفوذ الذي اكتسبته من خلال دبلوماسية الإنقاذ لتأمين الوصول التفضيلي إلى الأصول المملوكة للدولة التي يتم خصخصتها".
الصفقات غير الشفافة
وأكد الموقع أن دول الخليج تمتلك الآن شركات مصرية تدير الموانئ، وتعمل في مجال البتروكيماويات وفي قطاعي المال والتجزئة، فضلاً عن سلسلة من الفنادق التاريخية. وقالت لونس إن الصفقات المعلن عنها حديثًا تمثل جانبًا آخر من هذا الأمر.
وقال الحسن إن أحدث صفقة مع الإمارات، وكذلك الصفقة السعودية التي ترددت شائعات عنها، من المحتمل أن تمثل استثمارًا جيدًا لأن دول الخليج تدرك أنها قد لا تستعيد قروضها من مصر أبدًا، وهم يعلمون أن مصر أكبر من أن تفشل، وهم يدركون أن الصراع في غزة يفرض المزيد من الضغوط عليهم.
لكن هناك بعض الاختلافات المهمة مع هذا الاستثمار الإماراتي الأخير، كما قال الحسن لموقع "دويتشه فيله". وأوضح أن "هناك المزيد من الأموال على المحك والتوقيت أكثر واقعية"، وهو أمر لم يحدث في كثير من الأحيان.
واختتم الموقع التقرير بقول الحسن: "يبدو أن التوقيت مؤشر على أن هذا قد يحدث. لكن مرة أخرى، يمكن أن تسوء الأمور، ويمكن أن تتغير أسعار النفط وقد ترى تغيرًا في الرغبة في الاستثمار في الخليج. إنه بالتأكيد إعلان مهم، ولكن طالما أننا لم نر كل تفاصيل الصفقة، علينا أن نكون حذرين بشأن مدى احتمالية التوصل إلى الاتفاق الكامل".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية المصري اقتصادية الإمارات مصر اقتصاد الإمارات راس الحكمة صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صندوق النقد الدولی الاقتصاد المصری دول الخلیج أکبر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
من اليمن إلى مصر.. كيف تحمي الصين مصالحها في البحر الأحمر؟
سلط موقع "إنسايد أوفر" الضوء على الاستراتيجية الصينية المحكمة في تأمين نفوذها في البحر الأحمر، إذ عملت على تحصين ممراتها التجارية من اليمن وصولا إلى مصر، مستخدمة الدبلوماسية والتكنولوجيا والتحالفات مع قوى إقليمية.
وقال الموقع في التقرير الذي ترجمته "عربي21" إن المناورات العسكرية مع مصر، وزيادة الاستثمارات في المغرب، والتعاون التكنولوجي مع السعودية والإمارات، إلى جانب تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران، والدعم الدبلوماسي المتزايد لليمن، كلها مؤشرات تعكس تنامي الحضور الصيني في منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف الموقع أن الصين عززت منذ وقت طويل من وجودها في هذه المنطقة، إلا أن جهود بكين في الأشهر الأخيرة تبدو مركزة بشكل خاص على منطقة البحر الأحمر.
ويمرّ في البحر الأحمر طريق تجاري مهم للغاية لمصالح الصين، إذ يعبر مضيق باب المندب، وهو ممر مائي حيوي يربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر، وصولا إلى قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، ويمثل حوالي 120 مليار دولار من الواردات الصينية و160 مليار دولار من الصادرات سنويا.
يشكل ذلك 10 بالمئة من إجمالي التجارة البحرية للصين، وبالتالي يمكن فهم أسباب تركيز بكين على حماية مصالحها في هذه المنطقة، خصوصا في الفترة الراهنة التي تشهد زيادة الأنشطة العسكرية للحوثيين في البحر الأحمر ضد السفن المرتبطة بالاحتلال.
وتتعرض السفن الغربية التي تمر من هذه المنطقة لهجوم بواسطة طائرات مسيّرة وصواريخ حوثية، أما السفن الصينية فإنها تمر بشكل آمن نسبيا.
دبلوماسية الصين في البحر الأحمر
أوضح الموقع أنه تزامنا مع الصراع بين الولايات المتحدة والحوثيين عبر العقوبات تشير التقارير إلى أن بكين اتفقت مع الحركة على ضمان عدم تحول سفنها إلى أهداف، وقد تم تقنين هذا الاتفاق بعد محادثات دبلوماسية معمّقة بين الطرفين جرت في سلطنة عُمان، وتوّجت بتقديم ضمانات لعبور آمن للسفن الصينية عبر البحر الأحمر.
وأضاف الموقع أنه ليس من قبيل الصدفة أن تصف وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" الأزمة بين الولايات المتحدة والحوثيين بأنها تُظهر "عجز الولايات المتحدة" في مواجهة "خصوم غير تقليديين مثل الحوثيين"، مؤكدة أن التدخل العسكري الأمريكي في اليمن "لن يؤدي إلا إلى المزيد من المقاومة"، ويُظهر "تراجع النفوذ الاقتصادي الأمريكي والتفكك التدريجي لنظام تحالفاتها".
ويحذر مركز الأبحاث الأمريكي "المجلس الأطلسي" من أن نية بيكن الحقيقية وراء هذا الخطاب هي الحفاظ على مصالحها في هذا الممر البحري الحيوي.
ووفقا للموقع، يبدو أن دبلوماسية الصين قد أثمرت بالفعل، إذ تشير المعطيات إلى انخفاض حركة المرور عبر البحر الأحمر بنسبة 70 بالمئة منذ بدء هجمات الحوثيين، بالتزامن مع ازدياد نسبة الشحنات المرتبطة بالصين.
سياسة براغماتية
كما أشار "المجلس الأطلسي" إلى أن حركة الحوثيين تعمل بـ"تكنولوجيا الأقمار الصناعية الصينية" وتشن هجماتها "باستخدام أنظمة توجيه مصنوعة بمكوّنات إلكترونية صينية"، وأضاف: "واشنطن يمكنها أن تفرض عقوبات على شركات بعينها، لكن ما لم تتعامل مع العلاقة الثلاثية بين الصين وإيران و الوكلاء الإقليميين، ستجد نفسها دائما مضطرة لملاحقة السفن الصينية التي تواصل الإبحار في مياه متنازع عليها بأمان نسبي".
ويرى الموقع أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الصين "تدعم" الحوثيين رغم أن تعامل الحركة مع السفن الغربية يصبّ في مصلحة السفن الصينية، حيث تقوم الإستراتيجية الصينية في المنطقة على البراغماتية، لا سيما في المناطق المجاورة للبحر الأحمر.
ففي عام 2013، صرّح الرئيس اليمني الأسبق عبد ربه منصور هادي عند عودته من رحلة إلى الصين، بأن بكين ستقوم ببناء محطات كهرباء في اليمن بقدرة إنتاج إجمالية تبلغ 5000 ميغاواط، وأنها ستوسّع الموانئ الرئيسية للحاويات في البلاد.
وقبل أيام قليلة، أعادت "مايند برس" نشر تسريبات تفيد بأن الصين تعهّدت بمساعدة اليمن في إعادة بناء مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، وكلاهما تضرر من الغارات الإسرائيلية الأخيرة، ويُعدّ ذلك خطوة دبلوماسية إضافية أخرى لتحصين البحر الأحمر بشكل أكبر.
أما بالنسبة لإيران، فقد وقّعت بكين وطهران في 2021 اتفاقا استراتيجيا لمدة 25 عاما، يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.