ـ أنارت صحراء العلم والمعرفة.. وصنعت تاريخًا بإرادتها

ـ خالد الطوخى يسير على خطى "الريادة" ويواصل بناء صرح العلم والمعرفة

ـ رائدة التعليم .. تربوية من طراز فريد يتعدى حدود المؤسسات التعليمية

ـ ستظل د.سعاد كفافى رمزًا للإرادة والعزيمة والثقافة العالية

فى الوقت الذى يكتظ فيه العالم بأسماء لامعة تمر عبر صفحات التاريخ كنجوم تتلألأ ثم تخبو، هناك شخصيات تبقى سيرتها حية، تنير الدروب للأجيال القادمة، وتستمر بإلهامها حتى بعد رحيلها عن عالمنا.

الأمر الذى يدعونى للقول بأن الدكتورة سعاد كفافى، التى ارتبط اسمها بلقب "قاهرة المستحيل"، هى واحدة من هؤلاء الذين تركوا بصمة لا تُمحى فى تاريخ مصر والتعليم الخاص بها ، فى ذكرى ميلادها التى حلت منذ عدة أيام " ٣ مارس" ، نتوقف أمام عطاء هذه الشخصية الاستثنائية التى عانقت العلم والموهبة والتفانى فى العمل.

تذكرنى الدكتورة سعاد بالحكمة التى تقول "يفنى الجسد ولكن تظل السيرة أطول من العمر". سيرتها التى تمتد عبر الزمان، تخبرنا بأن القيم والمبادئ والإنجازات هى التى تُخلد الإنسان، لا مجرد عدد السنين التى عاشها.

لقد نشأت الدكتورة سعاد فى عصر كانت فيه الصحراء القاحلة تستقبل أحلام العظماء. لم يكن إنشاء جامعة فى قلب الصحراء بمدينة السادس من أكتوبر سوى حلم ينبض فى قلبها، حلم يراه البعض شطحاً من شطحات الخيال. لكنها بذكائها الفطرى وإيمانها العميق بحلمها، قررت تحدى كل الصعاب لتحويل هذا الحلم إلى واقع.

كانت تلك الفكرة شجاعة، خصوصاً فى زمن كانت فيه فكرة الريادة فى التعليم الخاص تُعد غير واردة بالنسبة للكثيرين، وبالأخص إذا جاءت من امرأة ، لكن الدكتورة سعاد كفافى لم تكترث لتلك المفاهيم المتحجرة، بل آمنت بقدرتها على إحداث التغيير وكسر الحواجز ، وبعد سنوات من الجهد والتضحيات، أصبحت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا حقيقة تتجسد أمام أعين الجميع. تحولت الصحراء إلى معقل للعلم والمعرفة، وأصبحت الجامعة رمزًا للتميز والإبداع. ولم تتوقف عجلة التطور والتحديث حتى بعد رحيل الدكتورة سعاد، فتولى ابنها خالد الطوخى مسؤولية القيادة، مستلهمًا من والدته الرؤية والإصرار والإخلاص.

وكما يُقال إن الأبناء هم امتداد للآباء، فإن خالد الطوخى هو خير مثال على ذلك ، فهو لم يسر فقط على خطى والدته، بل عزز من مكانة الجامعة على الخارطة الأكاديمية والعلمية. لقد حرص على تقديم تعليم متميز ومتاح، متبعًا فى ذلك مبادئ والدته بأن التعليم حق للجميع وليس امتيازًا للقلة.

لم تكن المصروفات الدراسية مجرد أرقام فى ميزانية، بل كانت ثمرة فلسفة تربوية تحترم قدرات الأسر البسيطة وتقدر تطلعاتهم نحو مستقبل أفضل لأبنائهم ، وهذه السياسة لم تحد من جودة التعليم، بل على العكس، فقد شهدت الجامعة تطورًا ملحوظًا فى البرامج التعليمية والشراكات الدولية.

لم يكتفِ خالد الطوخى بالحفاظ على إرث والدته، بل أخذ على عاتقه توسيع نطاق الجامعة ليشمل مناطق جديدة مثل محافظة الأقصر، مما يتماشى مع خطط التنمية فى مصر ويساهم فى توزيع فرص التعليم العالى بشكل أكثر عدالة. وكانت القوافل الطبية التى ينظمها مستشفى سعاد كفافى الجامعى واحدة من الأمثلة البارزة على التزام الجامعة بمبادئ المسئولية الاجتماعية.

والحق يقال فإن الدكتورة سعاد كفافى لم تكن مجرد مؤسسة لجامعة، بل كانت رمزًا للإرادة والعزيمة والثقافة العالية ، فقد تميزت بدقة متناهية فى عملها الأكاديمى والإدارى، مما جعلها مثالًا يُحتذى به فى الدقة والإخلاص ، وقد ورثت عنها الجامعة هذا التميز والاهتمام بالجودة فى كل ما تقدمه.

على الرغم من وفاة الدكتورة سعاد كفافى عام 2004، فإن إرثها يعيش ويتجدد مع كل طالب يتخرج فى جامعتها، مع كل مشروع بحثى يُبتكر تحت سقفها، ومع كل خدمة مجتمعية تُقدم باسمها. ولدت فى عام 1928 ولكنها تركت وراءها تاريخًا حافلاً بالإنجازات الذى يفوق الزمن المحدود الذى قضته على الأرض.


وكانت "قاهرة المستحيل" تمتلك حلمًا عظيمًا، والأهم من ذلك، كانت تمتلك العزيمة القوية التى مكنتها من تحويل ذلك الحلم إلى واقع. أصبحت الجامعة الآن صرحًا تعليميًا ينافس الجامعات العالمية، ويشهد لها بالتقدم والابتكار والتميز،  وهذا لم يكن ليحدث إلا بفضل الفكر الراقى والرؤى المستقبلية التى آمنت بها وعملت بجد لتحقيقها.

التكريم والتقدير للدكتورة سعاد كفافى لم يتوقف عند حياتها فحسب، بل استمر بعد وفاتها ، لقد كانت ولا تزال مصدر إلهام للعديد من الناس، سواء فى مصر أو خارجها حيث تميزت بصفات مثل القوة والعزيمة والحكمة، وهذه الصفات جعلت منها رمزًا للسيدة المصرية القوية والمثابرة.

واللافت للنظر أن مسيرة الدكتورة سعاد كفافى هى دليل على أن الإنسان قادر على تحقيق الكثير، بغض النظر عن العوائق والتحديات التى تواجهه. قصتها هى درس فى الصبر والتصميم والتفانى فى العمل. إنها قصة امرأة لم تقبل بالواقع كما هو، بل عملت جاهدة لتغييره وتحسينه.

الأحلام التى حملتها الدكتورة سعاد كفافى معها، والتى زرعتها فى قلوب وعقول كل من عمل معها وتعلم منها، لا تزال حية وفعالة. إنها تذكير قوى بأن الأحلام لا تموت مع مرور الوقت، بل تنمو وتزدهر عندما يتم تغذيتها بالإيمان والعمل الجاد.

فى الختام أتذكر بكل حب وتقدير الدكتورة سعاد كفافى، التى لم تكن مجرد مربية ومعلمة، بل كانت رائدة وملهمة وقائدة تركت إرثًا عظيمًا يتجاوز حدود الزمان والمكان. وفى كل عام، عندما تهل ذكرى ميلادها، نتذكر أن الأحلام العظيمة تولد فى القلوب الشجاعة وتترعرع فى العقول الحكيمة وتنمو بين الأيدى التى لا تعرف الكلل أو اليأس ، ما يدفعنا للقول فى ذكراها: لقد علمتنا الدكتورة سعاد كفافى أن الإنسانية والعلم والعطاء بلا حدود هى ما تبقى منا بعد رحيلنا. هى ما تحفر فى الذاكرة والوجدان وتصنع التاريخ.

كلمات الحب والتقدير لا تكفى لتكريم هذه الشخصية الاستثنائية، لكنها تبقى شاهدة على أن الدكتورة سعاد كفافى ستظل دائمًا، وفى قلوبنا، قاهرة المستحيل التى علمتنا أن لا شيء يعلو على إرادة الإنسان وقدرته على تحقيق الأحلام مهما بدت مستحيلة.

فى ذكرى ميلادها، نجدّد العهد على استلهام قيمها ومبادئها فى تحقيق النجاحات والتميز فى مجال التعليم والعمل الإنسانى. ونؤكد أنها ستظل مثالًا يُحتذى به فى العطاء والتفانى والحب. وندعو الجيل الجديد لأخذ الدروس والعبر من حياتها والبناء عليها لمستقبل أكثر إشراقًا وتقدمًا.

نسأل الله أن يتغمد الدكتورة سعاد كفافى برحمته الواسعة وأن يجعل كل ما قدمته فى ميزان حسناتها ، كما أتمنى أن تستمر جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فى النمو والازدهار، كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، تعطى أطيب الثمر بإذن ربها، تحت إشراف خالد الطوخى وكل من يسير على نهجها من القادة الملهمين.

فى كل حرف كتبته الدكتورة سعاد كفافى، وفى كل رؤية حققتها، وفى كل حياة غيرتها، نجد الأمل والإيمان متجسدين ، ونحن بدورنا فى ذكرى ميلادها، نشعر بالامتنان  لقصتها، التى تعد بكل صدق قصة عطاء لا ينتهى وإرثا يدوم إلى الأبد.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: قاهرة المستحیل ذکرى میلادها التى ت

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: حرب الظل .. تُحرج الجامعة العربية

استيقظ السودان أمس على تصعيد غير مسبوق، حين تعرضت مدينة بورتسودان لهجوم بطائرات مسيّرة استهدفت قاعدة عثمان دقنة الجوية ومرافق مدنية، في هجوم وصفه مراقبون بأنه الأخطر منذ تحوُّل المدينة إلى العاصمة المؤقتة للدولة. وقد حمل البيان الرسمي الصادر عن الحكومة السودانية، عبر وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الإعيسر، لهجة غير مسبوقة من الوضوح والمواجهة، جاء فيه:

“تعرضت مدينة بورتسودان صباح اليوم لهجوم غادر شنّته ميليشيا الدعم السريع الإجرامية، بمساندة داعميها. وقد استُخدمت في الهجوم سبع طائرات مسيّرة انتحارية، شكّلت غطاءً لهجوم نفذته طائرة استراتيجية أخرى على قاعدة عثمان دقنة الجوية، مما أسفر عن أضرار مادية دون خسائر في الأرواح. إن هذا الاعتداء يؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذه الحرب ليست مجرد تمرد من ميليشيا الدعم السريع، بل هي عدوان مكتمل الأركان تُديره وتدعمه دولة الإمارات العربية المتحدة… تُدار من غرف تحكم في أبوظبي، بما يشكّل تهديدًا للأمن الوطني وخطرًا على الأمن الإقليمي والدولي”.

هذا التصريح، بما يحمله من دلالات سياسية وقانونية، يضع العلاقات السودانية–الإماراتية أمام مفترق طرق، ويؤكد بوضوح أن السودان لم يعُد يعتبر الصراع الداخلي شأنًا محصورًا في جغرافيا محلية، بل يراه امتدادًا لصراع إقليمي يستهدف سيادة الدولة وقرارها الوطني.

ما يعزز هذه الاتهامات تقارير موثوقة وُجِّهت إلى الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، حيث كشف تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في أبريل 2025 عن وصول قذائف هاون بلغارية إلى هذه القوات، رغم أن الشحنة كانت موجَّهة أصلاً إلى الإمارات “رويترز” . وفي أكتوبر 2024، قدّم السودان لمجلس الأمن أدلة على تزويد أبوظبي للميليشيا بمعدات عسكرية ودعم طبي “سودان تريبيون” . كما وثّقت صور أقمار صناعية تكرار هبوط طائرات شحن إماراتية في تشاد، في سياق يُشتبه بنقل أسلحة “رويترز” . وأكدت “هيومن رايتس ووتش” في 14 سبتمبر 2024 استخدام الدعم السريع ذخائر وصواريخ صربية مصدرها الإمارات، ودعت إلى حظر شامل على تصدير السلاح إلى السودان.

ورغم هذا التراكم في الأدلة والتصريحات، فإن السودان لم يُبادر حتى الآن إلى طلب جلسة طارئة لمجلس جامعة الدول العربية، وهي خطوة تبدو ملحّة في ظل وضوح طبيعة العدوان. ويبدو أن جزءً من التردُّد يعود إلى وجود تيارات داخل الدولة السودانية ما تزال تُراهن على الإبقاء على العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، وربما تحسُّبًا لردود أفعال من دول شقيقة، رغم ما تكشفه الوقائع الميدانية.

إقليميًا، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا أدانت فيه بشدة استهداف المرافق الحيوية في بورتسودان وكسلا. ورغم أن البيان لم يُسمِّ الفاعل، فقد شدد على ضرورة احترام سيادة السودان ووقف القتال فورًا، وأكد دعم المملكة لحل سياسي يحفظ وحدة الدولة. كما أصدرت وزارة الخارجية القطرية أيضًا بيان ، وصفت فيه الاستهداف بأنه منافٍ للقانون والأعراف الدولية ومُهدِّد لأمن المنطقة. كذلك وزارة الخارجية المصرية ودولة الكويت جمهورية إيران والاتحاد الافريقي، و مجلس التعاون الخليجي .

هذه المواقف يجب أن تستثمر لبناء موقف عربي موحَّد داعم للتحرك السوداني، خصوصًا في ظل تزايد القلق الإقليمي والدولي من تداعيات الحرب.

من الناحية الأمنية، فإن الهجوم على بورتسودان يفتح الباب واسعًا أمام الحاجة لإعادة هيكلة منظومة الدفاع الجوي، وتفكيك شبكات الخلايا النائمة، وتفعيل قوانين الطوارئ لتأمين الداخل، لا سيما أن بورتسودان تمثل حاليًا الرئة التي تتنفس منها الدولة السودانية مع العالم الخارجي. أما استمرار السياسات الأمنية الحالية، القائمة على ردّ الفعل، فهي تكرّس الضعف وتترك الأمر رهينًا بالتطورات.

لا بد من الاعتراف بأن الحرب تحوّلت من مجرد صراع داخلي إلى مواجهة إقليمية مفتوحة، تهدف إلى تفكيك الدولة وفرض واقع سياسي يخدم أجندات خارجية. هذا التصعيد يضعنا أمام ما يُعرف بـ”حرب الظل بالوكالة”، حيث تُستخدم أطراف إقليمية ميليشيا الدعم السريع لتنفيذ عمليات عسكرية نيابة عنها، مما يُعقّد المشهد العسكري ويُطيل أمد الحرب ، في محاولات لفرض تسوية سياسية تُنقذ الداعمين المحليين والإقليميين من المساءلة القانونية عن دورهم في تغذية الحرب والانتهاكات الواسعة المصاحبة لها. بجانب تمكين التدخل الدولي ، وكل تأخير في تسمية الأمور بمسمياتها، يمنح المعتدين وقتًا إضافيًا لإعادة التموضع وتعميق اختراقهم للسودان . كذلك على جامعة الدول العربية أن تتحرك فورًا حتى لا تُوصَف بالسلبية.

اللحظة الراهنة لا تسمح بالتردد. فقد تحوّلت الحرب إلى معركة شاملة على الدولة السودانية، ولم يعُد ممكنًا اختزالها في “تمرد داخلي”. يجب، تفعيل كل أدوات الرد السياسي والدبلوماسي، بما في ذلك مخاطبة المنظمات الإقليمية والدولية، وبناء تحالفات دفاع مشترك مع دول صديقة تملك الإرادة والقدرة على موازنة التدخل الإقليمي.

هذا، وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن السودان يواجه حربًا بالوكالة تُدار من عواصم بعيدة بأدوات محلية، تستهدف وحدة البلاد ومواردها ومستقبلها. وقد آن الأوان أن تتحرك الدولة بكل أدواتها للدفاع عن سيادتها، وألّا تترك مسارات الحرب والدبلوماسية في يد الصدفة أو المجاملة أو الحسابات الخاسرة.

دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الإثنين 5 مايو 2025

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة القاهرة يبحث مع وزيرة التعليم اليابانية تعزيز الشراكة في الذكاء الاصطناعي
  • جامعة قطر.. فوج جديد وإرث من التميز والإنجاز
  • محمد فؤاد ينتهى من تسجيل ألبومه الجديد استعدادا لطرحه قريبا
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: حرب الظل .. تُحرج الجامعة العربية
  • يعقوب بوشهري يحتفل بقدوم ابنه خالد في ذكرى ميلاد والده .. فيديو
  • في ذكرى ميلاد ماجدة الصباحي.. نجمة السينما التي صنعت مجدها وصورة الوطن على الشاشة
  • ذكرى ميلاد فردوس محمد.. قصة زواج وإنجاب أشهر أم فى السينما المصرية
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كوب من الراحة المثلجة)
  • د. أحمد ماهر أبورحيل يكتب: "ديكتاتورية الجغرافيا"
  • ذكرى ميلاد زينات صدقي.. قدمت 400 فيلم وكرمها السادات