قال الدكتور شوقي علَّام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنَّ من بين أنواع الأمانات أمانة الكلمة؛ فالكلمة أمانة سواء لفظية أو مكتوبة، ومثلها الإشارة؛ فمنها الطيب ومنها الخبيث، فالكلمة الطيبة يكسب بها المسلم أجرًا من الله تعالى، إذا كانت صادقة نافعة مفيدة للأمة، وكذا الكلمة الخبيثة التي تدعو إلى الباطل، وتؤدي إلى الشر والفساد يعاقب عليها المرء؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ [إبراهيم: 24].

جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "اسأل المفتي" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، مضيفًا أن مسؤولية الكلمة مشتركة، داعيًا المتعاملين مع مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني بعدم تناقل الشائعات، أو نشر المعلومات والأخبار، دون التأكُّد منها والتحرِّي عنها ومعرفة مدى أثرها على الناس والمجتمع، وأن يشعروا بمسئولية ما يكتبونه أو ما يعيدون نشره.

وشدَّد على ضرورة ألا نكون أبواقًا لكل ما نسمعه؛ فعندما نسمع أو نقرأ شيئًا لا بد أن نتحرَّى عنه ونستوثق منه، وندرك مآلاته؛ فنحن مأمورون شرعًا بالتثبت والتأكد من كل ما نسمعه.

وردًّا على سؤال عن حكم صيام وصلاة غير المحجبة أو التي لا تصلي قال فضيلته: إن الواجبات الشرعية المختلفة لا ينوب بعضها عن بعض في الأداء؛ وكل عبادة لها استقلالية عن الأخرى، فمن صلَّى مثلًا فإن ذلك ليس مسوِّغًا له أن يترك الصوم، ومن صَلَّتْ وصَامَتْ فإن ذلك لا يبرِّر لها ترك ارتداء الزي الشرعي، والمسلمة التي تصلي وتصوم ولا تلتزم بالزِّيِّ الذي أمرها الله تعالى به شرعًا هي محسنةٌ بصلاتها وصيامها، ولكنها مُسيئةٌ بتركها لحجابها الواجب عليها، ومسألة القبول هذه أمرها إلى الله تعالى، غير أن المسلم مكلَّفٌ أن يُحسِنَ الظن بربه سبحانه حتى ولو قارف ذنبًا أو معصية، وعليه أن يعلم أنَّ من رحمة ربِّه سبحانه به أنْ جعل الحسنات يُذهِبْنَ السيئات، وليس العكس، وأن يفتح مع ربه صفحة بيضاء يتوب فيها من ذنوبه، ويجعل شهر رمضان منطَلَقًا للأعمال الصالحات التي تسلك به الطريق إلى الله تعالى، وتجعله في محل رضاه.

وعن حكم أخذ الحبوب لتأخير الدورة الشهرية لصيام شهر رمضان كاملًا قال: لا مانع شرعًا من استعمال العقاقير الطبية أو الأدوية التي تمنع نزول الحيض بشرط استشارة الطبيب حتى لا يترتب عليها ضرر بصحة المرأة، ومع ذلك فإن ترك الأمر يجري على ما قدَّره من حيضٍ ورخصة الإفطار بسببه أثوبُ للمرأة وأعظمُ أجرًا.

وردًّا على سؤال عن حكم الخصام وقطيعة الرحم من أجل الخلافات قال فضيلة المفتي إننا نحتاج إلى وقفة صادقة في شهر رمضان لنعيد حساباتنا في مسألة الخصام والخلافات، ونحتاج إلى وقفة شجاعة لترتيب الأوراق لإنهاء الخصام والقطيعة، وعلينا الاستفادة من نفحات هذا الشهر الكريم لنعالج أي جفاء أو قطيعة موجودة وكذلك ينبغي تقليل التخاصم في المحاكم.

واختتم فضيلته بالرد على سؤال عن حكم استخدام شبكات الواي فاي للجار دون إذنه قائلًا: لا يجوز شرعًا الدخول على شبكات النت اللاسلكية المشفرة بدون إذن صاحبها؛ فإن صاحبها بقيامه بهذا التشفير لا يبيح لغيره الدخول عليها إلا بإذنه، ويُعدُّ الدخول عليها بغير إذنه تعدِّيًا على ماله، وهو محرمٌ شرعًا، أما الشبكات المفتوحة غير المشفرة فلا مانع شرعًا من الدخول عليها إذا كانت في أماكن عامة؛ لأنها معدَّة للاستخدام على هذا الوجه. أما إذا كانت خاصةً بصاحبها: فالأصل فيها منعُ استعمالها إلا بإذنٍ صريحٍ أو عرفي بإباحة الاستخدام.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مفتى الجمهورية الإفتاء شهر رمضان الله تعالى عن حکم

إقرأ أيضاً:

تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 217 من سورة البقرة: “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا”.
في هذه الآية الكريمة يقرر الله تعالى حقيقة ماثلة ودائمة، لم تنتهي بانتصار الدعوة على القوة المعادية وهي مشركي قريش، وإنما ستبقى دائمة متواصلة بدلالة (وَلَا يَزَالُونَ).
هؤلاء المعادون المحاربون لمنهج الله هم من سماهم الله تعالى بالكافرين، وهم من حددهم بوضوح في سورة البينة، والتي ابتدأت بكشف عنصري الكفر الذي يتألف منه معادو الرسالة المحمدية، وهما أهل الكتاب والمشركين: “لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ”، وتشكل هذا التحالف فور أن أنزل الله البينة، التي تعني الأمر الواضح الجلي، وهي ان الدين عند الله هو الاسلام، وأنه أستكمل نهائيا بهذه الرسالة، لذلك فهذا هو منهج الله الذي يجب ان يتبعه من يعتبر نفسه مؤمنا بما أنزل الله من رسالات سابقة (أهل الكتاب)، أو لم يكن مؤمنا وظل يتبع آلهة غير الله.
هذه البينة حددها تعالى بنص صريح بانها رسوله والقرآن الذي أنزله عليه ليتلوه على الناس ويبين لهم آياته: “رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَة”ً، ثم يبين أن هذه الرسالة لا تخالف ما أمر به أهل الكتاب على لسان أنبيائهم، وهو المرتكزات الأساسية للدين، التي هي المبدأ العقدي للإيمان (التوحيد)، والمبدأ العبادي التطبيقي الذي يؤكده وهو العبادات المفروضة وهي الصلاة والزكاة، ونلاحظ أنه تعالى لم يذكر المرتكز التالث للدين وهو التشريعات، وذلك لأن لكل رسالة تشريعات خاصة بها كان يعدلها في كل رسالة تالية، وبالطبع فكل تعديل هو بديل يلغي ما قبله، لذلك كانت تشريعات الرسالة المحمدية مغنية على كل ماسبقها، والكتاب الأخير (القرآن) مهيمن عل جميع الكتب السابقة، لأنه يحتوي على المبدأين الأساسيين ويحدّث كثيرا من الأحكام بما استوجبه التطور البشري.
المعاندة وخوف فقدان االمكاسب، والكبر والميل الى اتباع المنظومة الفكرية للسلف، هي العائق الأكبر أمام اتّباع الرسالة المحمدية، لكن رفض أهل الكتاب اتباعها، كان أكثر تشددا لوجود عامل آخر هو الحسد لمن أنزلت عليهم الرسالة، فقد اعتادوا أن تكون النبوة في نسل الفرع الاسحاقي من بني ابراهيم، وانتقالها الى الفرع الاسماعيلي حرق قلوبهم حسدا، خاصة وأنهم يعلمون أنها آخر الرسالات وأهمها.
هذا هو تفسير سبب عداء أهل الكتاب الشديد للإسلام، مع أنه يفترض أن يكون الأقرب لهم من منهج الكفر، إلا أننا نشهد تحالفا والتقاء بين جميع الأطراف المتبعة للمناهج الزائعة على تعددها وتناقض مصالحها، وشهدنا هذا الاصطفاف يلتئم على محاربة متبعي منهج الله على مر العصور، وفي كل الحالات:
ففي فجر الدعوة تحالف أهل الكتاب مع المشركين في المعركة المصيرية (الخندق)، مع أن عقيدة المسلمين أقرب لهم، فكان الأحرى أن يحالفوا من يعبدون الله وليس عبدة الأصنام.
ورأينا الروم يحالفون أعداءهم التاريخيين الفرس على محاربة المسلمين في معركة الفراض.
كما انخرط الأوروبيون المتصارعون طوال تاريخهم، على مختلف قومياتهم في الحلف الصليبي لمحاربة المسلمين، وغزوهم في عقر دارهم، مع أن الدولة الاسلامية في فتوحاتها تجنبت أوروبا ولم تهدد بغزوها، وانخرط الطرفان المتعاديان: الأوروبي الغربي الكاثوليكي مع الشرقي الارثوذوكي، في كل الحملات الصليبية ضد المسلمين.
وفي الحرب العالمية الأولى، لم يشفع للدولة العثمانية انضمامها لتحالف المحور الذي قادته ألمانيا ضد دول أوروبا الغربية، فبقي عداؤها للمسلمين الأتراك قائما الى اليوم، فظلت الأشد عداء لتركيا التي ناصرتها، والأكثر ممانعة لانضمامها للاتحاد الإوروبي، وتعلن وبشكل صريح أن ذلك بسبب أن عقيدة الأتراك إسلامية، بالمقابل فهي تبدي ودا وتلتقي مع المتعصبين الأوروبيين ضدها، وتنضوي تحت تحالفاتهم في محاربة المسلمين (مثل دعم الكيان اللقيط وفي حروب امريكا على الارهاب وعلى أفغانستان والعراق وعلى القطاع وعلى ايران)، وتتناسى إذلالات الأوروبيين وأمريكا لها على مر العصور، وما أذاقوها من ويلات ودمار غير مسبوق في الحربين العالميتين.
هكذا يبين كتاب الله ان الحروب العدوانية التي تتعرض لها أمتنا طوال تاريخها، ليست صراعات قوميات ولا أطماع بالموارد الطبيعية، بل هي بهدف صدها عن الدين.
لذلك نرى الأنظمة الاسلامية: بقدر ابتعادها عن الدين تكون مقربة عندهم، وبمدى معاداته يساعدونها بالمنح والقروض.

مقالات ذات صلة كاريكاتير عماد عواد 2025/06/19

مقالات مشابهة

  • ما هي علامات الحسد والعين في الرزق؟.. الإفتاء: اتقوه بـ3 سور
  • مفتي الجمهورية يصل الجزائر للمشاركة في مؤتمر المجلس الإسلامي الأعلى
  • لا تكن من اللاهين.. خطيب المسجد الحرام: وقفة التوديع مهيجة للأحزان
  • من كل بستان زهرة – 102-
  • تأملات قرآنية
  • تعرف عليها.. صواريخ إيران التي لم تستخدمها حتى الآن
  • الشعراوي يكشف اسم القرية التي نزل عليها مطر السوء.. ماهي؟
  • مفتي الجمهورية: الإفتاء فنٌّ ومسؤوليةٌ تتطلب إعدادًا وتأهيلًا شاملًا
  • اليوم الثالث من تصحيح أوراق “البيام” ..هذه هي النقاط التي تحصل عليها التلاميذ
  • وقفة تستحق التأمل..”وصية أم”