عربي21:
2025-12-07@01:50:18 GMT

نفاق الإدارة الأمريكية والصفاقة الإسرائيلية

تاريخ النشر: 27th, March 2024 GMT

إنه لمن العجيب حقاً أن تمتنع واشنطن لدى التصويت على القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين الماضي. فهو قرار يتناسب مع الموقف الأمريكي الرافض للدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار، حيث لا يدعو سوى إلى «وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان» مضيفاً من باب الأمنية الطيبة أن ذلك سوف «يؤدي إلى وقف طويل الأمد وقابل للاستدامة» (لم يستخدم القرار بالإنكليزية تعبير «دائم» أي permanent، بل lasting الذي يشير إلى طول البقاء وليس إلى ديمومة نهائية).

لا بل بذلت الأطراف التي صاغت مشروع القرار جهداً خاصاً لاستخدام تعابير ومفاهيم من شأنها أن ترضي واشنطن بحيث يوفّق النص بين الموقف الأمريكي والموقف العربي. فشجب مشروع القرار «كافة أعمال العنف والاعتداءات على المدنيين، وكافة أعمال الإرهاب» مذكّراً بأن «احتجاز الرهائن محرّم في القانون الدولي».

فجاء القرار هذه المرة بحيث استطاعت بريطانيا ذاتها أن تؤيده، بعد أن بقيت حتى الآن متذيلة للموقف الأمريكي لا تتجرأ على مخالفته سوى بالامتناع مرة واحدة بدل ممارسة النقض مع واشنطن. أما ذريعة الإدارة الأمريكية في تبرير امتناعها يوم الإثنين بالإشارة إلى أن القرار لم يسمّ «حماس» فهي ذريعة واهية تماماً لا يمكن أن تنطلي على أحد حيث إن القرار لم يسمّ إسرائيل كذلك، حتى لدى الحديث عن ضرورة فسح المجال أمام دخول المعونات الدولية! ذلك أن تجنّب التسميتين شكّل إحدى المساومات التي قام عليها القرار. والحقيقة أن امتناع واشنطن جاء ليحاول تخفيف امتعاض الجانب الإسرائيلي بحيث لا تظهر واشنطن وكأنها مشاركة في إجماع مجلس الأمن الدولي على قرار ترفضه إسرائيل. والحال أن وزير الخارجية الصهيوني الليكودي، إسرائيل كاتز، كان قد اتهم الأمم المتحدة يوم السبت الماضي بأنها غدت تحت قيادة أمينها العام الحالي، أنطونيو غوتيريش، «هيئة معادية للسامية ولإسرائيل تحمي الإرهاب وتشجّعه»! وبذلك تكون سياسة إسرائيل المعهودة في وصف أي نقد لسياساتها بأنه معادٍ لليهود، قد وصلت إلى درك جديد من الانحطاط والابتذال.
الحكومة الصهيونية الفاشية تنوي استكمال النكبة الثانية باقتلاع الفلسطينيين من أرض فلسطين مرة أخرى، هذه المرة من أرض غزة
أما إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فقد بلغت من جانبها دركاً جديداً في نفاقها. إنها مستمرة في مدّ إسرائيل بالسلاح والعتاد كما بدأت تفعل على الفور منذ بدء حرب الإبادة الجماعية الصهيونية الراهنة على غزة، بحيث غدت متواطئة تواطؤاً كاملاً في الحرب الجارية التي هي في الواقع أول حرب مشتركة بصورة كاملة بين الولايات المتحدة والدولة الصهيونية. وإذ ألغى بنيامين نتنياهو زيارة لواشنطن كان مزمعاً أن يقوم بها وفد برئاسة أحد مستشاريه في الشؤون الاستراتيجية، كان وزير «الدفاع» في حكومته، يوآف غالانت، وهو بالطبع عضو في حكومة الحرب المصغرة التي جرى تشكيلها عند بداية العدوان الراهن، قد وصل واشنطن يوم الإثنين، وزيارته أهم بكثير من تلك التي ألغاها نتنياهو. هذا وقد صرّح غالانت فور وصوله إلى العاصمة الأمريكية أن جيشه سوف يجتاح رفح لا محال. وقد جاء للتشاور مع إدارة بايدن على كيفية تغليف اجتياح رفح بحيث يستطيعون الادعاء أنهم راعوا الاعتبارات الإنسانية التي باتت بالغة الحساسية لدى الإدارة الأمريكية.

طبعاً، لا تنبع الحساسية المذكورة من وفاء للاعتبارات الإنسانية ذاتها، وكيف بها تنبع منها بعدما شاركت واشنطن بصورة كاملة في قتل ما يناهز أربعين ألف إنسان وجرح عشرات الآلاف الأخرى بينهم نسبة عالية من المصابين بجروح خطيرة، وفي تدمير قطاع غزة تدميراً لم يشهد التاريخ مثله بهذا الاتساع في مثل هذه المدة الزمنية، وفي تهجير الغالبية العظمى من سكان القطاع إلى منطقة رفح. وإذ تلقي واشنطن بعض صناديق المعونة الغذائية من الجو، فهي حركات أبعد ما تكون عن تحقيق رفع العتب الذي قصدته، إذ أكد جميع المسؤولين عن الإسعافات الإنسانية أنها طريقة مكلفة وعاجزة عن القضاء على المجاعة القاتلة التي أخذت تنتشر في صفوف الغزاويين، مشيرين إلى آلاف الشاحنات المصطفة على الجانب المصري من الحدود والتي تمنع إسرائيل دخولها بينما يكفي لواشنطن أن تمارس ضغطاً فعلياً على الدولة الصهيونية من خلال تهديدها جدّياً بوقف دعمها العسكري كي تفرض عليها فتح الأبواب أمام المعونة عبر البرّ، وهي الطريقة الوحيدة القادرة فعلاً على الحدّ من الأزمة الإنسانية والحؤول دون استشراء المجاعة وتفاقمها.

أما الميناء الذي يقومون بتشييده على ساحل غزة، فهو أيضاً ليس قادراً على حل الأزمة، بل من حقنا تماماً أن نشكك في النية الحقيقية الكامنة خلفه إذ قد يُستخدم لحثّ الغزاويين على الهجرة لو بقيت أبواب سيناء مغلقة في وجههم. والحال أن الحكومة الصهيونية الفاشية تنوي استكمال النكبة الثانية باقتلاع الفلسطينيين من أرض فلسطين مرة أخرى، هذه المرة من أرض غزة. وكانت نيتهم الأولى تهجيرهم إلى سيناء، لكن رفض نظام عبد الفتّاح السيسي للأمر (لاعتبارات أمنية وليست إنسانية) جعلهم يبحثون في تهجيرهم إلى شتى أنحاء العالم وقد قاموا باتصالات مع دول عديدة لهذا الغرض، حسب شهادة نتنياهو نفسه.

هذا وقد ارتفعت مؤخراً في إسرائيل أصوات تقترح حشد الغزاويين في زاوية من صحراء النقب على الحدود المصرية بحيث تتمكن الدولة الصهيونية من ضم قطاع غزة بوصفه عقاراً أكثر قيمة بكثير، لا سيما بسبب شاطئه. كل ذلك أقلق واشنطن وهو ما حداها على استدعاء بيني غانتس، عضو الحكومة الحربية المعارض لنتنياهو ولحكم الليكود، كي تتفاوض معه، كما استقبلت غالانت المعارض لنتنياهو هو أيضاً لكن من داخل الليكود. والإدارة الأمريكية قلقة من مشروع التهجير الذي يتناقض مع موقفها الداعي إلى الحفاظ على إطار أوسلو وجعل «السلطة الفلسطينية» تشرف على قطاع غزة من جديد تحت وصاية إسرائيلية بالدرجة الأولى، قد تترافق بنشر قوات إقليمية أو دولية.
(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة نتنياهو غزة نتنياهو طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من أرض

إقرأ أيضاً:

واشنطن تغيّر مسارها.. أبرز ملامح إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة

واشنطن - الوكالات

نشرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الجمعة، إستراتيجية جديدة للأمن القومي تمثل انعطافة حادة عن نهج إدارة 2022، وتعيد تثبيت عقيدة "أميركا أولا" في صدارة السياسة الخارجية. وتجيب الوثيقة، التي تعد المرجع الأشمل لرؤية واشنطن للعالم، عن 6 أسئلة كبرى تكشف جوهر التحولات.

1- ما أبرز التغيرات في الإستراتيجية الجديدة؟

تعكس الإستراتيجية قطيعة مع الرؤية الليبرالية التي قادت السياسة الأميركية منذ نهاية الحرب الباردة، وتضع الدولة القومية ومصالحها الاقتصادية والأمنية في مركز القرار.
وتضع الهجرة غير النظامية في مستوى تهديد يوازي منافسة القوى الكبرى، مؤكدة أن "عصر الهجرة الجماعية يجب أن ينتهي".
كما تربط السياسة الخارجية مباشرة بالأولويات الداخلية: إعادة التصنيع، أمن الطاقة، وتقليص الاعتماد على الخصوم في التكنولوجيا وسلاسل التوريد.

2- كيف تتعامل الإستراتيجية مع الشرق الأوسط؟

تعتبر الوثيقة أن أهمية الشرق الأوسط "تراجعت دون أن تختفي"، بفعل تحوّل واشنطن إلى منتج للطاقة.
ورغم ذلك، تؤكد أن أمن إسرائيل، وإمدادات الطاقة العالمية، وحرية الملاحة في مضيق هرمز وباب المندب تبقى مصالح حيوية.
وتصف إيران بأنها تهديد يجب "احتواؤه لا استئصاله"، وتشير إلى أن حرب يونيو/حزيران حدّت من نفوذها.
كما تشيد باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتدعو إلى التخلي عن سياسات تغيير الأنظمة التي قادت إلى حربي العراق وأفغانستان.

3- ما موقع أميركا اللاتينية؟

ترفع الإستراتيجية من مكانة أميركا اللاتينية والكاريبي لتكون في مقدمة أولويات الأمن القومي الأميركي، في عودة واضحة لمنطق مبدأ مونرو.
وتحذر من أي نفوذ صيني أو روسي في المنطقة، وتربطه بتهديدات مباشرة كالتهريب والهجرة.
ولهذا تتبنى واشنطن توجها يقوم على تعزيز الوجود البحري، وتوسيع التعاون الاستخباراتي، والضغط على أنظمة تعتبرها "معادية" مثل فنزويلا.

4- كيف تغيّرت النظرة إلى الصين؟

لم تعد الصين تُقدم على أنها خصم أيديولوجي، بل منافس اقتصادي وصناعي قادر على خنق سلاسل التوريد العالمية.
وتسعى الإستراتيجية إلى فك الارتباط تدريجيا بالاقتصاد الصيني، وإعادة توجيه الاستثمارات والإنتاج نحو الداخل الأميركي أو دول "قريبة وصديقة".
وتؤكد في الوقت ذاته ضرورة ردع أي محاولة صينية لفرض واقع جديد حول تايوان.

5- ماذا عن أوروبا؟

تتبنى الإستراتيجية لغة حادة تجاه القارة، واصفة إياها بأنها تواجه "أزمة هوية" و"شيخوخة ديموغرافية".
وتدعو الحلفاء إلى رفع إنفاقهم العسكري إلى مستويات أعلى من المتعارف عليه في الناتو، وتشكك في جدوى التوسع المستمر للحلف.
وتشير إلى صيغة جديدة للعلاقة مفادها: "من يدفع أكثر ويحمل عبئا أكبر، يحظى بالتزام أمتن".

6- ماذا تعني هذه الإستراتيجية للسياسة الخارجية الأميركية؟

تبدو الوثيقة بمثابة إعلان مكتمل لعقيدة "أميركا أولا"، حيث تتقدم حماية الحدود والطبقة الوسطى والاقتصاد الصناعي على ما سواها.
وتمنح نصف الكرة الغربي أولوية مطلقة باعتباره المجال الحيوي للولايات المتحدة، مع استعداد لزيادة الحضور العسكري في الكاريبي وأميركا اللاتينية.
وفي المقابل، تتعامل مع آسيا باعتبارها ساحة مزدوجة: ردع عسكري للصين في المحيط الهادي، وانفتاح اقتصادي على الهند وجنوب شرق آسيا لفك الارتباط عن بكين.

المصدر / الجزيرة نت

مقالات مشابهة

  • رغم الانتقادات التي تضمنتها «الوثيقة الأمريكية».. واشنطن الحليف الأكبر لأوروبا
  • خطة السلام الأمريكية لأوكرانيا تفجر انقساما حادا في واشنطن
  • واشنطن تغيّر مسارها.. أبرز ملامح إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة
  • الخارجية الأمريكية: مباحثات مستمرة بين واشنطن وكييف لإنهاء حرب أوكرانيا
  • حصري لـCNN.. تفاصيل مفاجئة بقضية القارب الذي ضربته القوات الأمريكية في الكاريبي: لم يكن متجها إلى الولايات المتحدة
  • الصهيونية في طور التشكل.. قراءة تاريخية وفكرية في إسرائيل المعاصرة
  • جنوب إفريقيا: لن نرضخ للضغوط الأمريكية
  • هند الضاوي: إسرائيل تتغلغل داخل الإدارة الأمريكية.. وأزمة ثقة تتفاقم بين الطرفين
  • كأس العالم 2026 تصل إلى العاصمة الأمريكية قبل إجراء القرعة النهائية غدًا
  • القانون الأمريكي لاستقرار ليبيا: هل يمكن لقانون خارجي أن يصنع دولة؟