عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا... ضرورة سنّية
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
كتب احمد الايوبي في" نداء الوطن": لا يمكن احتساب السوريين السنّة الموالين للنظام على أنّهم سنّة بالمعنى السياسي الذي يستدعي النصرة لهم، وهم الذين فضّلوا الانحياز إليه، حتى وهم مُحتَضَنون من البيئة السنية الرافضة للتطبيع مع نظام بشار الأسد، ومع ذلك زحفوا بمئات الآلاف لإعلان ولائهم للنظام من خلال التصويت للأسد في الاستفتاء الشهير لإعادة «انتخابه» رئيساً.
لا يصلح الشعار الديني لمقاربة أزمة الوجود السوري في لبنان، لأنّ جوهر الدين يرفض الظلم والأخوّة الإسلامية لا تعني الفوضى والاعتداء على حقوق الآخرين، بل الدين يحثّ على العدالة والإنصاف ويدين المنافسة غير المشروعة في الاقتصاد ويحرّم الاستغلال السيئ لحسن الاستقبال والجوار.
إنّ تطبيق القانون الذي يُلزم إعادة السوريين الذين يستطيعون العودة إلى سوريا لا يتناقض مع قيم الأخوّة الدينية والإنسانية، بل هو عين العدالة والإنصاف بعد أن تحوّل هؤلاء إلى مصدر فوضى وأذى، خاصة بعد أن اتضح أنّهم خاضعون بشكل مركزي للنظام السوري من خلال قاعدة معلومات مركزية يجري توجيههم من خلالها... لا بل جرى تنظيم بعضهم تحت إمرة رموزٍ من سرايا المقاومة كما هو الحال في المنية والجوار العكاري.
من المفيد هنا التذكير بالمبادرة التي أعلنتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في إطار المنتدى الدولي الذي عقده «المؤتمر الدائم للفدرالية» تحت عنوان «طريق السلام -1» من أجل شرق أوسط ديمقراطي بتاريخ 15 حزيران 2023، وأعلنت فيها الاستعداد لاستقبال اللاجئين السوريين الذين لا يستطيعون العودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري، وهذا من شأنه أن يحلّ جزءاً مهماً من هذه الأزمة، في حين يبقى السوريون الذين يحتلّ «حزب الله» والميليشيات الإيرانية أراضيهم ومنازلهم في القلمون والقصير، وعدد هؤلاء محدود وينبغي أن يتعاون جميع اللبنانيين على إنفاذ القانون لأنّه لا يمكن القبول بأن يصبح عدد السوريين ضعفي أو ثلاثة أضعاف اللبنانيين في بعض بلدات البقاع، كما لا يمكن قبول خرقهم لجميع قوانين العمل وفوق ذلك تحوّل بعضهم إلى الأعمال الإجرامية بالتعاون مع ملاذات الفوضى في لبنان وعلى الحدود.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد سياسة.. ولا يمكن فصلهما
سهام بنت أحمد الحارثية
harthisa@icloud.com
منذ أن تشكّلت الدول وبدأت تمارس وظائفها، ظل الاقتصاد جزءًا لا يتجزأ من أدواتها السياسية، فالسياسات الاقتصادية ليست مجرد قرارات تقنية تُتخذ بمعزل عن الواقع، بل هي في جوهرها قرارات سياسية تعكس مصالح، وأولويات، وتوازنات قوى. القول إن الاقتصاد محايد أو مستقل عن السياسة يتجاهل حقيقة أن كل قرار مالي أو استثماري أو تجاري يتطلب إرادة سياسية لتوجيهه، وتحمل تبعاته.
في التاريخ القديم، كانت السيطرة على الموارد الاقتصادية تُعد بمثابة إحكام للسيادة السياسية. الإمبراطورية الرومانية لم تكن لتصمد دون تأمين تدفق القمح من مستعمراتها، وعلى رأسها مصر، التي شكّلت “سلة الغذاء” للإمبراطورية. وفي ذلك الزمن، لم يكن الغذاء مجرد سلعة؛ بل أداة للحكم، والاستقرار السياسي كان رهناً بالوفرة الاقتصادية.
أما في العصر الحديث، فقد تجلّت العلاقة بين الاقتصاد والسياسة بوضوح في أزمة النفط عام 1973، حين قررت الدول العربية المنتجة للنفط خفض الإنتاج وفرض حظر على الولايات المتحدة وهولندا بسبب دعمهما لإسرائيل. أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة 300%، وانزلاق الاقتصاد العالمي في موجة تضخم وركود حاد. وهنا لم يكن النفط مجرد مادة خام؛ بل أداة سياسية أثَّرت في مواقف دول، وساهمت في إعادة تشكيل النظام الدولي.
في التجربة الصينية، شكّل النمو الاقتصادي منذ نهاية السبعينيات خطة سياسية منظمة، لم يكن تحرير السوق وتوسيع قطاع التصدير هدفًا اقتصاديًا فحسب، بل وسيلة استراتيجية لإرساء شرعية الحزب الشيوعي داخليًا، وتعزيز مكانة الصين في النظام العالمي. خلال أربعة عقود، نجحت الصين في انتشال أكثر من 800 مليون إنسان من الفقر، وفق بيانات البنك الدولي، وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو إنجاز اقتصادي ما كان ليتحقق لولا رؤية سياسية محكمة.
الواقع الأوروبي يعزز أيضًا هذا الترابط الوثيق، فالاتحاد الأوروبي بُني على فكرة أن التكامل الاقتصادي سيمنع اندلاع الحروب مجددًا بين دول القارة. إنشاء السوق الموحدة، وتبني العملة الموحدة “اليورو”، لم يكن مسعى اقتصاديًا بحتًا، بل هدفًا سياسيًا طويل المدى لتحقيق السلام والاستقرار. رغم التحديات، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي نحو 18 تريليون دولار في عام 2023؛ مما يعكس عمق هذا التكامل الذي جمع بين السياسة والاقتصاد.
في منطقتنا العربية، تتضح العلاقة في اعتماد العديد من الدول على السياسات الاقتصادية كأدوات للتماسك الاجتماعي والسياسي. برامج الدعم الحكومي للوقود والغذاء، والتوظيف في القطاع العام، والإعفاءات الضريبية، كلها قرارات اقتصادية تُستخدم سياسيًا لاحتواء التوترات الاجتماعية وتعزيز شرعية الدولة. وفي دول الخليج، مثلًا، لا تُفهم خطط التنويع الاقتصادي بمعزل عن التحولات السياسية والاجتماعية التي تهدف إلى ضمان الاستدامة والاستقرار في عالم ما بعد النفط.
ومن واقع تجربتي، حين ناديت أثناء المقاطعة الشعبية الأخيرة بعد حرب غزة بضرورة تطوير المنتج المحلي ليحل محل السلع المُقاطَعة، اعتبر البعض أن هذا الموقف تعاطف عاطفي لا علاقة له بالاقتصاد، وأن الأجدى هو تغيير سلوك المستهلك فقط. لكن هذا الفهم يغفل عن حقيقة أن الأزمات تخلق فرصًا لإعادة توجيه الموارد، وتعزيز الإنتاج الوطني، وتثبيت السيادة الاقتصادية. وقد وقعت بعض الجهات والدول في هذا الخطأ، حين تعاملت مع المقاطعة كفعل شعبي مؤقت بدل أن تستثمره في بناء بدائل وطنية مستدامة.
حتى في مفاوضات صندوق النقد الدولي مع الدول، يظهر الاقتصاد كأداة ضغط سياسي.. الاشتراطات المصاحبة لبرامج الإصلاح، مثل تحرير سعر الصرف، أو خفض الدعم، أو خصخصة المؤسسات، ليست فقط إصلاحات تقنية، بل تؤثر مباشرة في القاعدة الاجتماعية والسياسية للحكم، وتعيد رسم العلاقة بين الدولة ومواطنيها.
في النهاية.. الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة. لا يمكن فصل الإنفاق عن التمويل، ولا الضرائب عن العقد الاجتماعي، ولا الاستثمار عن رؤية الدولة لمكانتها في الداخل والخارج. كل قرار مالي هو رسالة سياسية، وكل سياسة اقتصادية تعكس هوية الدولة وأولوياتها… لهذا، فإن من يزعم أن الاقتصاد حيادي، يغفل عن واحدة من أهم حقائق التاريخ: الاقتصاد كان وسيظل أداة للسياسة، وأحيانًا جوهرها.