شهدت الشهور الماضية عدةجرائم قتل، راح ضحيتها الأبناء على يد أباء وأمهات نزعت من قلوبهم الرحمة وتجردوا من الإنسانية، وهي جرائم هزت المجتمع المصري.

في هذه الجرائم رسم الأباء والأمهات مشاهد مأساوية لم يعتد عليها المجتمع العربي وخاصة المصري، وكشفوا عن سلوكيات خطيرة لابد من مراجعتها ودراستها حتي لا تتحول إلي ظاهرة تهدد المجتمع.

أب يقتل طفلته ويصيب شقيقيها بكفرالشيخ

أول هذه الجرائم وقعت في مطلع يناير الماضي، وهي جريمة بشعة شهدتها محافظة كفرالشيخ، حيث تخلى أب عن إنسانيته وتعدى على طفلته بالضرب المبرح، فأصابها بنزيف حاد وتوفيت عقب وصولها إلى المستشفى، كما تعدى على شقيقها وشقيقتها بالضرب، والسبب الانتقام من زوجته التي تركت له منزل الزوجية وأبنائها الثلاثة بعد خلاف بينهما.

قتل ابنته بعد وصلة تعذيب و رماها من الشباك

وفي نفس الشهر وقعت جريمة قتل مأساوية أخرى، أقبل خلالها أب على قتل ابنته ذات 13 عاما بعد وصلة تعذيب، ولم يكتفي بذلك بل ألقاها من شرفة المنزل، حتى يتخلص من جريمته ليدعي أمام الجيران والأهالي أنها سقطت أثناء وجودها في الشرفة.

أب يقتل ابنته بعد اكتشاف علاقتها العاطفية بالمرج

وفي شهر مارس الماضي، وقعت جريمة بشعة فى حق فتاة عشرينية عاشت عمرها في حماية والدها، ولكنه أقدم على قتلها صعقًا بعدما اكتشف وجود علاقة عاطفية بينها وبين أحد الأشخاص بالمرج.

أم تقتل ابنتها لتحفظ سرها بالأقصر

رسمت أم لعوب في مركز القرنة بالبر الغربي بمحافظة الأقصر، نهاية حياة بنتها "ص. ع. أ"، البالغة من العمر 16 عامًا، بعد أن اكتشفت خيانتها وشكت في سلوكها، فلعبت دور «ريا وسكينة»، وأنهت على حياة ابنتها بفوطة مبلولة وسم في العصير.

وعاقبت المحكمة على الأم "ج. ح"بالإعدام شنقًا.

خان الأم مع شقيقتها وقتل ابنهما لعدم افتضاح أمره بالإسكندرية

وفى مطلع شهر فبراير الماضي، وقعت جريمة قتل طفل يبلغ من العمر 7 سنوات، حيث أقدم والده على قتله خوفًا من افتضاح أمره، بعد أن شاهد الطفل الصغير والده وهو يخون زوجته ويقيم علاقة غير مشروعة مع شقيقتها.

وتعود وقائع القضية إلى استدراج الأب ابنه الصغير إلى أحد الأماكن النائية مدعيًا تنزههما سويًا، وبمجرد أن وصلا إلى المكان النائ دفع المتهم نجله إلى مجرى مائي ترعة وترك ابنه يصارع الموت إلى أن غرق دون أن يساعده.

أب وأم يقتلان صغيرهما في عين شمس

جثة طفل 7 سنوات داخل جوال في مقلب القمامة، كشفت عن وصلة تعذيب تلقاها الطفل الضحية إلى أن فاضت روحه، ليتبين في النهاية أن القاتل هو الأب، فيما أخفت الأم الجريمة عن طريق إلقاء جثة نجلها بعيدًا عن الأنظار.

مضيفة طيران قتلت ابنتها بسبب الطاقة والروحانيات

أثارت واقعة قتل مضيفة طيران تونسية وعالمة أرواح، لإبنتها بطريقه غريبة وقدمتها قربانًا للشيطان، زاعمة أنها بهذا تسبقها للعالم الآخر.

وهو الأمر الذي دفع جهات التحقيق إلى عرض المتهمة على الطب الشرعي لبيان صحة قواها العقلية.

الأزهر: لا يقتل الوالد ولده

وفيما يخص جرائم قتل الوالد بالولد، فإن الأزهر يرى أن هذا يتنافى مع طبيعة الأبوة فهى قائمة على الحنان والشفقة على هذا الولد، فمن النادر أن يقتل الوالد ولده عمدا لكن قد يحدث القتل خطأ، وهنا لا يتلقى عقوبة الإعدام، لكن في بعض القضايا نستشف في بعض التحقيقات والظروف المحيطة بالجريمة أن هذا الوالد ارتقى بالفعل وقفز فوق الحنان والشفقة إلى دائرة العمد والقصد الذي يريد به بالفعل أن يقتل ولده.

الطب النفسى وقتل الآباء لأطفالهم

من جانبها تقول الدكتورة فاطمة سيد، أخصائى الطب النفسى: إن هؤلاء الآباء الذين يقدمون على قتل أطفالهم يعانون من أمراض نفسية وضغط أسري ولاسيما الأنانية والتوحد، لا يشعرون ولا تربطهم صداقة بأبنائهم وبالآخرين حتى وإن كانوا أقرب إليهم من أنفسهم، ويروا أن موت أطفاله سواء كان معهم أو بمفردهم راحه لهم من هموم الدنيا، أو تخلص من ذنب اقترفوه في حياتهم واعتبار الأباء ان أبنائهم ملكيه خاصه.

وانتشار العنف الأسري بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة دليل علي أختلال العاطفة مع مشاكل الحياة، حتي وإن كان الأب والأم من ذات مستوي تعليمي مرتفع، موضحا أن المجتمع المصري يمر بصورة كبيرة من الأكتئاب وعدم القدرة على ضبط الثبات الانفعالي أو تحديد الوسائل المناسبة للعقاب.

وأضافت فاطمة، أن قتل الأطفال ناتج عن أمراض عقلية شديدة، يتسم صاحبها بالشخصية النرجسية الأنانية التى لا تفكر إلا فى ذاتها وأحيانًا تأخذ المجتمع ونظرته ذريعة لقتل الأبناء خوفًا من الفضيحة، وأن العار والقتل تحل المشكلات.

مؤكدة على ضرورة أن تشترك جميع مؤسسات الدولة، وعلى رأسها: الإعلام والأزهر ولأعمال الفنية، للتوعية بدور الأسرة وأهميتها في رسم الوفاق وأساسيات الحياة الإجتماعية الصالحة، إضافة لأهمية أن يكون هناك تأهيل نفسى لكل الأسر بدروس توعية في مراكز المرأة والطفل.

دير إدارة الوعظ بالأزهر

يري الدكتور عبد العزيز النجار، مدير إدارة الوعظ بالأزهر الشريف، في حديث سابق له، أن هناك غيابًا شديدًا للوازع الدينى داخل الأسرة المصرية فى الآونة الأخيرة، مما أدى لابتعاد الآباء والأبناء عن السلوك السوى الذى يأمر به الدين والقرآن.

وأضاف النجار، أنه يجب معاقبة هؤلاء القتلة بأقصى عقوبة، ويرى الجميع هذه العقوبة بشكل سريع ومباشر، مؤكدا أن حكم هؤلاء الآباء على أبنائهم بالموت لرحمهم من الفقر والضيق أو التخلص منهم لآي سبب فب أذهانهم، ما هو إلا افتراء وتجرؤ على الله لا يؤيده أى دين.

عقوبة قتل الأبناء لأبنائهم تقود للإعدام

من جانبه يقول عماد مراد، محامي بالأستئناف: إن عقوبة القتل فى القانون المصرى تنقسم إلى 3 أنواع تختلف كل واقعة منها عن الأخرى من حيث الأسباب والدوافع والعقوبة.

وأضاف مراد: أن القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ويكون فيه المتهم بيت النية وعقد العزم وإحضار أداة الجريمة ثم أرتكبها وتصل فيه العقوبة للإعدام شنقا، بينما فى جرائم القتل التى يقوم فيه المتهم بالقتل فى لحظتها بدون تحضير نية مسبقة تصل فيه العقوبة للمؤبد.

قتل للتأديب والتهذيب

وأشار مراد، إلى أن الآباء يلجأون لقتل الأبناء لسوء سلوكهم وممكن ان الضرب لتقويمهم لينتهى الأمر بالقتل، والسبب الحقيقى فى انحراف الأبناء هو سوء تربيتهم وابتعادهم عن تعاليم الدين و التقاليد المجتمعية، فالقصور يتحمله الآباء وعليهم البحث فى أسباب الانحراف والحلول السليمة لإنقاذهم وإعادة تأهيلهم و تربيتهم و ليكن الضرب آخر وسائل التقويم و الإصلاح.

جريمة الضرب المفضي الى الموت

واذا كان الضرب هو الإيذاء النفسى فقط و ليس الإيذاء البدنى، وتقع الجريمة تحت مسمى الضرب المفضي إلى الموت، و يحكمها نص الفقرة الأولى من المادة 236 من قانون العقوبات بعد تعديلها بالقانون رقم 95 لسنة2003 جرى على أنه " كل من جرح أو ضرب أحداً أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكنه أفضى إلى موته يعاقب بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع"، و ذلك لانتفاء القصد الجنائى في حق الجانى و أنه لم يقصد قتلا و إنما كان مقصده الأول التأديب.

اقرأ أيضاًإصابة 3 أشخاص في إنهيار جزئي لمنزل بمدينة إهناسيا ببني سويف

تعالت صرخاتها فقتلها خنقًا.. قرار عاجل من النائب العام في واقعة الطفلة جانيت

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: حكم الإعدام حوادث قتل رأي القانون قتل قتل ابنته قتل الأطفال قتل طفله على قتل

إقرأ أيضاً:

صرخة في وجه الوحش الخفي التحرش

كانت سحر تسير في طريقها المعتاد إلى الجامعة، تحمل في يدها كتبها وفي قلبها أحلاما كبيرة. لكن ذلك اليوم كان مختلفا؛ كلمات جارحة من شاب متطفل، ونظرات متفحصة، ثم محاولة التماس معها، أجبرتها على تغيير مسارها، وزرعت في نفسها خوفا لم تعرفه من قبل. عادت سحر إلى بيتها، وكعادة كثيرين من ضحايا التحرش، التزمت الصمت.. "لو أخبرت أحدا، ماذا سيقولون؟ سيلومونني لا محالة".. هكذا حدثت نفسها، وهكذا يفكر الكثيرون.

قصة سحر ليست فريدة، بل هي واحدة من آلاف القصص التي تُروى يوميا في مجتمعاتنا. التحرش، ذلك السلوك المشين الذي حرمه الله ورسوله، بات وباء صامتا ينخر في جسد المجتمع. يقول الله تعالى: "وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" (الأنعام: 151). هذه الآية تؤسس لمبدأ مهم في الإسلام، وهو الابتعاد عن كل ما يمس كرامة الإنسان والذي يعد التحرش من أبرز صوره.

في لحظة خاطفة، تتحول الأماكن العامة من فضاءات للحياة اليومية إلى ساحات قلق وترقب. عيون تلاحق، كلمات تخدش الحياء، حركات تنتهك الخصوصية، ثم تصل أحيانا لانتهاك العرض.. إنه التحرش، ذلك الشبح الذي يطارد ملايين البشر حول العالم، مخلّفا جراحا نفسية قد تستمر لسنوات.

جذور المشكلة: لماذا ينتشر التحرش في مجتمعاتنا؟

ثمة أسباب عديدة تقف وراء انتشار ظاهرة التحرش في مجتمعاتنا، ولا يمكن مواجهة المشكلة دون فهم جذورها العميقة.

في المقام الأول، يأتي ضعف الوازع الديني وغياب التربية الإيمانية الصحيحة. فحين تغيب مراقبة الله تعالى عن القلوب، تنفلت الجوارح وتسقط الحواجز الأخلاقية. يقول الله تعالى: "أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى" (العلق: 14). هذه الآية تذكير مباشر بمراقبة الله التي تشكل رادعا داخليا يمنع المسلم من ارتكاب المعاصي.

وتلعب وسائل الإعلام دورا سلبيا في تفاقم ظاهرة التحرش من خلال التركيز على تسليع الجسد وتصويره كسلعة استهلاكية خاصة في الإعلانات والأفلام، وتطبيع التحرش وتصويره كسلوك "ذكوري" مقبول أو كوسيلة للتعبير عن الإعجاب في العديد من الأعمال الفنية، والمحتوى الإباحي المنتشر عبر الإنترنت والذي يقدم صورة مشوهة للعلاقات الإنسانية ويؤجج الغرائز دون ضوابط. وأخيرا، ضعف البرامج التوعوية المضادة التي تعزز قيم الاحترام والخصوصية والعفة، مما يترك الساحة الإعلامية مفتوحة للرسائل المشجعة على سلوكيات التحرش.

ومن الأسباب الجوهرية أيضا مشكلة الفراغ والبطالة المستشرية بين الشباب. فالشاب الذين لا يجدون عملا يشغلون به وقتهم وطاقتهم، والذين يعجزون عن إعالة أنفسهم، يقعون فريسة للفراغ القاتل والإحباط المدمر. وقد صدق من قال: "إن الفراغ مفسدة للنفس والبطالة مقبرة للأخلاق". هؤلاء الشباب العاطلون، المحرومون من تحقيق طموحاتهم وإثبات ذواتهم بالطرق المشروعة، قد يلجأون إلى سلوكيات منحرفة للتعويض عن شعورهم بالعجز والدونية.

وتأتي المخدرات لتعمق الجرح وتزيد الطين بلة، فالمتعاطي، وقد غاب وعيه وانحلت ضوابطه الأخلاقية، يسهل عليه ارتكاب أفعال لا يمكن أن يرتكبها في حالة صحوه. المخدرات تكسر كل الحواجز النفسية والأخلاقية والاجتماعية، وتطلق العنان للرغبات المكبوتة والنزوات الدفينة. لذا نجد أن نسبة كبيرة من حالات التحرش والاعتداء ترتكب تحت تأثير المخدرات والمسكرات.

ولا يخفى على أحد أثر الصحبة السيئة في تشكيل سلوك الشباب. فالصديق إما أن يكون معينا على الخير، أو دافعا إلى الشر، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". في مجموعات الأصدقاء السيئة، قد يصبح التحرش نوعا من "إثبات الرجولة" أو "المغامرة" التي تُكسب الشاب مكانة بين أقرانه.

ويبرز ضعف اهتمام المجتمع بالقيم كسبب رئيسي في انتشار التحرش. فنحن نعيش في زمن طغت فيه المادية على الروحانية، وشغلت فيه الشهادات العلمية والمناصب المرموقة مساحة كبيرة من اهتمامنا، على حساب تربية النشء على القيم النبيلة. أصبحنا نهتم بتعليم أبنائنا كيف ينجحون دراسيا ومهنيا، ونهمل تعليمهم كيف يكونون أخلاقيا وإنسانيا.

وهناك عامل مهم يتعلق بالمتحرش به أو بها، وهو ما يتعلق باللباس والزينة وطريقة المشي والكلام. فالإسلام وضع ضوابط للباس والزينة ليس تضييقا على الحريات، بل حماية للمجتمع من الانزلاق نحو المفاسد. فاللباس الفاضح، والتبرج المبالغ فيه، والمشية المتمايلة، والتقعر في الكلام، كلها عوامل قد تثير الغرائز لدى ضعاف النفوس.

ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن التحرش ليس مقتصرا على الإناث فقط، بل قد يقع على الذكور أيضا. فهناك حالات كثيرة من التحرش بالأطفال والفتيان والشباب. وهذا النوع من التحرش قد يكون أكثر ضررا نفسيا، لأن ضحاياه يترددون أكثر في الإبلاغ عنه خوفا من الوصم الاجتماعي أو السخرية.

هل المتحرش مظلوم؟

يطرح البعض هذا التساؤل الغريب، متعللين بظروف اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية قد تدفع المتحرش لسلوكه المشين. لكن الحقيقة الراسخة أن المتحرش ليس مظلوما بأي حال، بل هو ظالم معتدٍ. فمهما كانت الظروف المحيطة به -كالبطالة أو تأخر الزواج- فإنها لا تبرر انتهاكه لخصوصيات الآخرين.

نعم، علينا معالجة الأسباب المجتمعية للظاهرة، لكن هذا لا يعني التهاون مع المتحرشين. فالإنسان مسؤول عن أفعاله، وقد منحه الإسلام أدوات كثيرة للتعامل مع الضغوط، من الصبر والصلاة وغض البصر.

هل الضحية ظالمة؟

يتجرأ البعض فيطرح سؤالا أكثر غرابة: هل الضحية ظالمة أو مسؤولة عما حدث لها؟ يُلمّحون إلى أن اللباس أو المشية أو التصرفات كانت "استفزازية" أو "مثيرة". هذا المنطق المقلوب يحاول تحويل المعتدى عليه إلى متهم، والمتحرش إلى ضحية!

هذه النظرة المعكوسة تمثل انحرافا خطيرا في المفاهيم والقيم، إنها تماثل تماما لوم المسروق على سرقته لأنه لم يؤمن منزله جيدا، أو لوم المضروب على ضربه لأنه مرّ في طريق مظلم. حتى لو قصّر شخص ما في التزام الآداب الشرعية -وهو ما لا يجوز بطبيعة الحال- فإن هذا لا يمنح أحدا حق التحرش به أو إيذائه.

خطورة هذا المنطق تتجلى في تكريس ثقافة الصمت؛ فالضحية التي تُلام على ما حدث لها ستفضل الصمت خوفا من لوم المجتمع. وهكذا يستمر المتحرش في ارتكاب المزيد من الجرائم بحق آخرين، وتتحول الظاهرة من حالات فردية إلى آفة أن نقطع الطريق على هذا المنطق المقلوب، وأن نضع المسؤولية على عاتق من يستحقها: المتحرش وحده.

آثار التحرش: جراح عميقة

التحرش ليس حادثا عابرا، بل يترك آثارا مدمرة على الضحايا:

- نفسيا، يسبب الاكتئاب والقلق المزمن واضطرابات النوم والأكل.

- اجتماعيا، يدفع الضحايا للعزلة وفقدان الثقة بالآخرين، ويعيق قدرتهم على بناء علاقات سليمة.

- أكاديميا ومهنيا، قد يؤدي لتراجع الأداء الدراسي أو العملي، وقد يدفع الضحية لترك الدراسة أو العمل تماما.

- جسديا، قد تظهر أعراض جسدية مثل الصداع المزمن واضطرابات الجهاز الهضمي وآلام الظهر نتيجة التوتر المستمر.

- التحرش يسرق من الضحية إحساسها بالأمان والسيطرة على حياتها، وفي الحالات الشديدة، قد يصل الأمر إلى التفكير بالانتحار.

- التحرش لا يؤذي الضحايا فحسب، بل يمزق النسيج الاجتماعي بأكمله. ومجتمعيا، يخلق بيئة من الخوف والريبة تحد من مشاركة المرأة في الحياة العامة وتقلص إسهامها في التنمية. كما يضعف الثقة بين أفراد المجتمع ويعزز ثقافة العنف والسيطرة.

- اقتصاديا، يكلف المجتمع خسائر فادحة نتيجة غياب الضحايا عن العمل أو الدراسة، وانخفاض إنتاجيتهم، والنفقات الصحية لعلاج آثاره النفسية والجسدية.

- أما أخلاقيا، فالتساهل مع التحرش يؤدي إلى انحدار القيم وتفكك المنظومة الأخلاقية التي تحمي المجتمع من الانهيار.

دور البيت في الوقاية والحماية

البيت هو المحضن الأول والأهم في تشكيل شخصية الإنسان وقيمه وسلوكياته، ومن هنا تأتي أهميته الكبرى في الوقاية من التحرش وفي حماية الأبناء من الوقوع ضحايا له.

في مجال الوقاية، على الأسرة أن تغرس القيم الدينية والأخلاقية في نفوس الأبناء منذ الصغر. فالطفل الذي ينشأ على مراقبة الله تعالى والاستحياء منه، والذي يتعلم احترام حدود الآخرين وخصوصياتهم، سيكون محصنا ضد الانخراط في سلوكيات التحرش. يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارا" (التحريم: 6).

ومن الأهمية بمكان أن تعلّم الأسرة أبناءها مفهوم الحدود الشخصية والخصوصية الجسدية. فالطفل يجب أن يتعلم أن جسده حرمة لا يجوز لأحد انتهاكها، وأن يقول "لا" بحزم لأي محاولة لانتهاك خصوصيته، وأن يبلغ والديه فورا عن أي سلوك غير مريح يتعرض له.

كما يجب على الأسرة أن تعلم أبناءها القواعد الشرعية للعلاقة بين الجنسين، من غض البصر وحفظ الفرج والتزام الحشمة في اللباس والكلام والمشي. وعلى الوالدين أن يقدموا لأبنائهم القدوة الحسنة في احترام الآخرين. فالطفل يتعلم من سلوك والديه أكثر مما يتعلم من كلامهما.

أما في مجال الحماية، فعلى الأسرة أن تخلق جوّا من الثقة والانفتاح، بحيث يشعر الأبناء بالأمان في مصارحة والديهم بأي مشكلة. فكثير من ضحايا التحرش يلتزمون الصمت خوفا من لوم الأهل، لذا يجب على الوالدين أن يؤكدوا لأبنائهم دوما أنهم سيكونون إلى جانبهم، وأنهم لن يلوموهم إذا تعرضوا لأي إيذاء.

كيف نواجه هذه الظاهرة ونقضي عليها؟

إن مكافحة ظاهرة التحرش تتطلب جهدا جماعيا على كافة المستويات، بدءا من الأفراد والأسر، مرورا بالمؤسسات التعليمية والإعلامية، وصولا إلى صناع القرار والمشرعين.

على مستوى المؤسسات التعليمية، ينبغي تضمين المناهج الدراسية القيم الأساسية للمجتمع الآمن، وتدريب المعلمين على كيفية التعامل مع حالات التحرش واكتشافها، وتوفير آليات آمنة للإبلاغ داخل المدارس والجامعات، كما ينبغي تفعيل دور المرشد النفسي والاجتماعي في المؤسسات التعليمية.

وعلى مستوى وسائل الإعلام، يجب إطلاق حملات توعوية مستمرة حول خطورة التحرش وكيفية مواجهته، وتقديم نماذج إيجابية للعلاقات السوية بين الجنسين، والابتعاد عن المحتوى الذي يسهم في تسليع الجسد. كما يجب تفعيل دور الإعلام في كسر ثقافة الصمت حول التحرش.

أما على المستوى التشريعي والقانوني، فلا بد من تشديد العقوبات على المتحرشين، وتسهيل إجراءات الإبلاغ عن حالات التحرش، وتوفير الحماية القانونية للمبلغين والشهود. كما يجب تأهيل رجال الشرطة والقضاة للتعامل مع قضايا التحرش بحساسية وفعالية.

الخطوة الأولى تبدأ بكسر جدار الصمت، برفض التواطؤ السلبي، بالإصرار على أن التحرش ليس قدرا محتوما، بل هو سلوك مرفوض يمكن استئصاله من النسيج الاجتماعي. هذا يبدأ بنا جميعا، في بيوتنا ومدارسنا وأماكن عملنا وشوارعنا، حين نقرر أن نكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة.

فلنتحد جميعا في صرخة مدوية ضد الصمت، ولنعد للإنسانية كرامتها المسلوبة، ولنبنِ معا مجتمعا يتنفس فيه الجميع هواء العفة والأمان، مسترشدين بقول الله تعالى: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (آل عمران: 104).

مقالات مشابهة

  • السيد القائد: العدوان الإسرائيلي على غزة جريمة القرن وتفريط الأمة له عواقب
  • السيد القائد: العدو الإسرائيلي وعلى مدى 19 شهراً مستمر في عدوانه الهمجي والإبادة الجماعية في قطاع غزة
  • صور عفوية لمواطنات برفقة أبنائهن قبل 42 عاما
  • أمين الإفتاء يحذر الآباء من ظاهرة منتشرة تتسبب في ضياع الأبناء
  • شيخ الأزهر: ما يحدث في غزة جرائم لم نكن نتخيل وقوعها حتى في القرون الوسطى
  • صرخة في وجه الوحش الخفي التحرش
  • وائل غنيم يعتذر لتركي آل الشيخ ويعلن توبته: «ظلمت نفسي وسأعيد الحقوق لأصحابها»
  • نبيلة مكرم: منتدى «اسمع واتكلم» يعكس التزام الأزهر بتمكين الشباب وتعزيز دورهم في ‏المجتمع
  • السلطة المحلية بمدينة البيضاء تدين جريمة استهداف العدوان الأمريكي المدنيين بشارع الاربعين بمنطقة سعوان بصنعاء
  • وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العنصرية والاستعمارية