علاقة الحوثيين والإيرانيين بالقرصنة الصومالية.. مخاطر صناعة خرائط السياسة والأمن في اليمن وشرق أفريقيا
تاريخ النشر: 20th, June 2024 GMT
يمن مونيتور/ مأرب/ خاص:
قال مركز دراسات يمني إن وجود تنسيق بين القراصنة الصوماليين والحوثيين والإيرانيين يمثل خطراً على الأمن البحري، والأنظمة السياسية في اليمن وشرق أفريقيا بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
الدراسة التي نشرها مركز أبعاد للدراسات والبحوث جاءت بعنوان:  تنافس يهدد السياسة والأمن الدولي.
                
      
				
منذ نوفمبر/تشرين الثاني، أُجبرت مئات سفن الشحن على الالتفاف لمسافة 4000 ميل حول قارة أفريقيا في محاولة لتجنب هجمات الحوثيين في اليمن على السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب. سمح هذا الإلهاء بتركيز أقل على عودة القراصنة الصوماليين بعد أن كانوا نائمين أكثر من عقد من الزمن.
وتقوم الدراسة على فرضية وجود تنسيق في مراحله الأولى بين القراصنة الصوماليين والحوثيين والإيرانيين، واعتبرته خطراً ليس فقط على صناعة الشحن التي تمر عبر مضيق باب المندب وصولاً لقناة السويس بل يتجاوزها إلى مساحة 5000 كم حيث ترى إيران فيها عمقها الاستراتيجي.
وكانت هجمات الحوثيين الناجحة على السفن في المياه القريبة نسبياً من اليمن، أما تلك التي تستهدف الأهداف المتحركة على نقاط بعيدة فنسبة دقتها ونجاعتها ضعيفة. لذلك تفترض \الورقة أن هناك إمكانية كبيرة لشن الحوثيين هجمات تشمل السفن التجارية في نقاط بعيدة في المحيط الهندي بمساعدة قراصنة إيرانيين وصوماليين. وتزيد من احتمالات ظهور القرصنة التي تستخدم كرافعة سياسية للحصول على التنازلات في الصراعات المحلية والتنافس الإقليمي في شبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا.
وخلصت الدراسة إلى أن ما يحدث في جنوب البحر الأحمر هو مقدمة تحوّل محتمل في المشهد الأمني للمنطقة ذات البيئة الهشة للأمن البحري، سيكون الحوثيون وإيران وعلاقتهم بعودة القراصنة عنوانه الأبرز.
وقالت: وفيما يراقب العالم هذه المنطقة خوفاً على حرية الملاحة في أعالي البحار سيأتي الوقت الذي يتوقف فيه الحوثيون –وربما إيران-عن شن هجمات بحرية ولو مؤقتاً؛ لكن ذلك لا يعني نهاية التوتر في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، بل بداية لمرحلة جديدة من القرصنة البحرية السياسية ذات التأثير ليس على التجارة البحرية في مضيق باب المنددب فقط، ولكن أيضاً على التنافس الإقليمي والصراعات الداخلية في شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، التي قد تغيّر ما نعرفه عن تاريخ القرصنة حول العالم.
يعتبر دخول الحوثيين كتهديد للملاحة البحرية الدولية تطور جديد نسبياً، فلم يتم اعتبار الامتداد البحري للصراع اليمني (2014-الآن) إلى جنوب البحر الأحمر “قرصنة” أو تأثير على حرية الملاحة في المنطقة ما جعل الحوثيين بعيداً عن المحاسبة تحت طائلة القانون الدولي، الذي لم يعتبر هجمات وقرصنة الحوثيين على السفن السعودية والإماراتية خلال الحرب تهديداً للملاحة الدولية.
حصري- أبو علي الحاكم.. ذراع “استراتيجي” لأشد عمليات الحوثيين سرية! الحوثيون مركز إقليمي جديد لتصدير الثورة الإيرانية… صنعاء بدلاً من طهران وبيروت! القرصنة والحوثيينولا توجد علاقة واضحة بين الحوثيين والقراصنة الصوماليين إلا أن الجماعة المسلحة اليمنية اعتادت العمل معهم لتهريب الأسلحة من وإلى اليمن بعد أن جُففت أعمالهم بفعل عمليات التحالف الدولي لمكافحة القرصنة؛ وتزايد الاعتماد المتبادل بعد 2015م. وكان للقراصنة الصوماليين علاقة جيدة مع قادة حوثيين بينهم “فارس مناع”المشمول بقائمة عقوبات مجلس الأمن بشأن الصومال وإريتريا في (2010)، بناء على القرار (1844-2008) المرتبط بمحاربة القرصنة. و”مناع” تاجر أسلحة ينتمي لمحافظة صعدة (معقل الحوثيين) وعينه الحوثيون في عام 2016 وزيراً للدولة في الحكومة غير المعترف بها دولياً. ويرتبط بشبكة تهريب واسعة بين اليمن والقرن الأفريقي، معظم هؤلاء الذين يعملون في شبكته مهربين وقراصنة من الصومال واليمن.
عملت هذه الشبكة على تهريب الأسلحة -التي يعتقد أن مصدرها إيران- إلى الحوثيين في اليمن خلال الحرب-حسب ما تشير تقارير فريق خبراء مجلس الأمن الدولي الخاصين باليمن 2017و2018. وعلى الرغم من العقوبات يتحرك “فارس مناع” ونجله أديب- (المشمول بعقوبات قرار مجلس الأمن الخاص باليمن 2140)- بجوازات سفر دبلوماسية ويعقدون صفقات شراء الأسلحة من إيران إلى دول أمريكا اللاتينية، ويشرفون على عمليات نقلها إلى اليمن عبر مسارات متعددة يرتكز المهربون الصوماليون واليمنيون على رأسها.
وتقدم دراسة مركز أبعاد علامات عن تعزيز الروابط والتنسيق بين هجمات القرصنة والصراع اليمني، بتهريب الأسلحة إلى الجماعة والتدرب على يدها. وبعد 2022 استمر الحوثيون بالاستثمار في شبكات القراصنة بضخ الأموال إليها، للحصول على معلومات عن السفن والملاحة، والوصول إلى المعدات، وتهريب الأسلحة التي تشتريها الجماعة من السوق السوداء أو القادمة من إيران.
(حصري) الولايات المتحدة توسع حملتها ضد الحوثيين لماذا فشلت الولايات المتحدة في حشد الدعم لمواجهة هجمات الحوثيين المتصاعدة؟! علاقة القرصنة بإيرانعلى الرغم من أن محاولات الوجود الإيراني في القرن الأفريقي وصل متأخراً مع منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، إلا أن لدى طهران طموحات أكبر بكثير من أدواتها الحقيقية في المنافسة الإقليمية الجديدة على النفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية فلم تحقق سوى نجاحات بسيطة. بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أيضًا أن القرن الأفريقي مهم بالنسبة للنظام الإيراني ليس بسبب قيمته الفردية، ولكن بسبب مصفوفة المصالح والمنافسة التي يمكن للجمهورية الإسلامية من خلالها إضعاف مواقف منافسيها.
وتقول دراسة مركز أبعاد إنه على الرغم من مشاركة إيران في عمليات مكافحة القرصنة بعد 2008م، إلا أن ذلك لم يمنعها من استخدام القراصنة في عمليات تهريب أسلحة للجماعات المسلحة في الصومال أو اليمن التي تملك علاقات معها. كما أنها تستخدم شبكات القرصنة لتهريب البضائع غير المشروعة لصالح تلك الجماعات الصومالية وبينها حركة الشباب (فرع تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا) وبيعها عبر إيران، حيث يتم تصنيفها أنها منتجات إيرانية.
وقالت إن التعاون بين طهران وشبكات القرصنة والتهريب في خليج عدن جزء من استراتجيتها للنفوذ في شرق أفريقيا واليمن. مشيرة إلى تعريف آية الله خامنئي مرشد إيران الأعلى لأفريقيا باعتبارها عمق استراتيجي لإيران وضمن جغرافية المقاومة.
ولأن إيران تفتقر الموارد المالية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية الكافية في شرق أفريقيا، إذ بإمكان دول الخليج العربية أن “تتفوق” بسهولة على أي عرض إيراني، فإنها ستذهب لتكون مثير للمشكلات من خلال التأثير في الأطراف الفاعلة والمؤثرة على الأمن في شرق أفريقيا لتحقيق تفوق على منافسيها. وأبرز هذه المشكلات هي التهديد البحري عبر القرصنة التي تعتبر أداة جيدة تمكنها من المنافسة والمقايضة، ليس فقط عبر عمليات السطو على السفن والتهديد السفن التجارية، بل حتى تهريب الأسلحة والبشر، والحصول على المعلومات البحرية مثل رصد السفن، وربما في استخدامهم لشن هجمات بطائرات مسيّرة من مناطق وجودهم أو من على متن سفن تجارية تم السطو عليها.
البحر الأحمر وعملية السلام اليمنية.. لعبة الأمن البحري رافعة الحوثيين السياسية الجديدة (تحليل) تقرير إلى الكونجرس الأمريكي حول الآثار الاقتصادية لاضطرابات البحر الأحمر مجالات التعاونتقدم دراسة أبعاد صورة على مجالات التعاون بين القراصنة والحوثيين والإيرانيين في المستقبل القريب مع هجمات البحر الأحمر، بينها استخدام الطائرات بدون طيار لإطلاقها من مناطق وجود القراصنة في السواحل الصومالية والقبائل التي تواليهم، إما عبر مسلحين حوثيين أو أفارقة تم تدريبهم من الحوثيين. أو في مناطق خاضعة لتنظيم الشباب الذي يملك صلات مع إيران وشبكات القرصنة والتهريب. والتي يمكنها أن تكون هجمات ناجحة في مناطق أبعد من اليمن.
كما يمكن أن يستخدم الحوثيون أو قراصنة صوماليون المراكب الشراعية كقواعد عمليات أمامية لشن حرب غير متكافئة بما في ذلك استخدام السفن المتفجرة التي يتم التحكم بها عن بُعد، والألغام اللاصقة، لاستهداف السفن التجارية في المحيط الهندي.
كما يمكن للإيرانيين والحوثيين توفير التدريب اللازم للقراصنة الصوماليين، مع تزويدهم بالمعلومات اللازمة لشن هجمات خارج منطقة خليج عدن وغرب المحيط الهندي، يتبناها الحوثيون. وتشتبه الولايات المتحدة في وقوف إيران وراء الهجوم على الناقلة “كيم بلوتو” التي ترفع علم ليبيريا قبالة الهند في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
يمكن لإيران أيضًا أن تقوم بعمليات بحرية في المحيط الهندي، ويعلن الحوثيون مسؤوليتهم رسميًا عنها. ولن يكون ذلك جديداً حيث اتهمت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية طهران بالوقوف وراء هجمات على منشآت النفط في أبقيق وخريص في سبتمبر/أيلول 2019 الذي يبعد 1000كم عن الأراضي اليمنية. على الرغم من انكار إيران ضلوعها في الهجوم.
نشر حاملة “طائرات مسيّرة” إيرانية.. هل ترتبط بعمليات الحوثيين؟! (تحليل خاص) (انفراد) الحوثيون يبدؤون حملة مطاردة الموالين للرئيس اليمني السابق مخاطر مستقبليةوقال مركز أبعاد للدراسات والبحوث إن تمكين القراصنة الصوماليين من شن هجمات عبر أسلحة الحروب غير المتكافئة يجعل من الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن في توتر دائم. ويدفع مجموعات القرصنة إلى طلب فدية من شركات الشحن لتجنب استهداف سفنها التي تعبر عبر قناة السويس.
وأضاف: توفر هجمات القراصنة الصوماليين الموجهة على سفن الشحن بالطائرات والقوارب المسيّرة والألغام اللاصقة قدرة للحوثيين على الانكار بعدم ضلوعهم بأي هجمات مستقبلية. لكنه في نفسه الوقت يجعل جنوب البحر الأحمر أداة في يد الجماعة المسلحة للضغط على المجتمع الدولي وحلفائهم في المنطقة تقديم المزيد من التنازلات السياسية للحوثيين وإيران.
وقال إن علاقة الحوثيين وإيران بالقرصنة الصومالية يعتبر مرحلة جديدة في القرصنة البحرية في شرق أفريقيا، بتلقي دعم من جهة تملك موارد لا محدودة للمعلومات والتقنيات والتمويل الجيد. وانتقال هدف القرصنة من المصلحة الشخصية، إلى المصلحة السياسية والذي قد يؤدي إلى تغيير أنظمة وخارطة دول في شرق أفريقيا حيث تزداد المنافسة الإقليمية، باعتبارها تجربة جيدة للحصول على المكاسب؛ فبدلاً من الفدية التي كان القراصنة يطلبونها ستكون هناك مطالب سياسية. وهو ما يمنح إيران التفوق على منافسيها الخليجيين للهيمنة على شرق أفريقيا.
واختتمت بالقول: على الرغم من شعور غرور قادة الحوثيين بإمكانية السيطرة على القراصنة الصوماليين الذين يدعمونهم في المستقبل بعدم استهداف اقتصاد اليمن –عندما تستقر للجماعة السلطة- إلا أنه لا يوجد ما يضمن ذلك. وكانت السفن اليمنية أكبر المتضررين من القرصنة الصومالية منذ بداية الألفية.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةالمذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...
ليست هجمات الحوثي وانماالشعب اليمني والقوات المسلحة الوطنية...
الشعب اليمني يعي ويدرك تماماانكم في صف العدوان ورهنتم انفسكم...
موقف الحوثيون موقف كل اليمنيين وكل من يشكك في مصداقية هذا ال...
What’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: القراصنة الصومالیین جنوب البحر الأحمر الحوثیین فی الیمن الولایات المتحدة هجمات الحوثیین علاقة الحوثیین فی شرق أفریقیا تهریب الأسلحة المحیط الهندی وشرق أفریقیا على الرغم من على السفن إلا أن
إقرأ أيضاً:
بين الدولة في صنعاء والمليشيا في المحافظات المحتلة .. فرق الأخلاق قبل السياسة
في الوقت الذي تعيش فيه العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الحرة حالة من الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وتواصل مؤسسات الدولة أداء مهامها بمسؤولية وانضباط رغم الحصار والحرب، تغرق المحافظات المحتلة في الجنوب، وعلى رأسها عدن، في فوضى أمنية وصراعات دامية بين فصائل المليشيات التابعة لتحالف العدوان، وسط تدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية والخدمات الأساسية، وتفشي مظاهر النهب والاعتقالات التعسفية والانفلات الأخلاقي والإداري.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
صنعاء .. ثبات الدولة ومسؤولية القيادة
في صنعاء، تتجسد ملامح الدولة في صورتها الحقيقية، مؤسسات فاعلة، وأجهزة أمنية يقظة، واقتصاد صامد رغم كل التحديات.
 الانضباط الإداري في مؤسسات الدولة، واستمرار عملية صرف المرتبات وفق الإمكانات المتاحة، وتنظيم الأسواق والمرور، ومتابعة قضايا المواطنين، كلها مؤشرات على وجود دولة مسؤولة تدير شؤون الناس بروح وطنية عالية، وتتعامل مع الظروف الاستثنائية بعقلانية ومسؤولية.
كما تحرص القيادة السياسية والثورية في صنعاء على تعزيز الوعي المجتمعي في مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها الأعداء لاستهداف الهوية الإيمانية والثقافة الوطنية، مؤكدة في الوقت نفسه على وحدة الموقف تجاه قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي باتت جزءاً أصيلاً من وجدان الشعب اليمني الحر.
المحافظات المحتلة .. فوضى المليشيات وانهيار القيم
في المقابل، يعيش المواطن في عدن والمحافظات المحتلة وضعاً مأساوياً على جميع الأصعدة، من عمليات اعتقال تعسفية تطال النشطاء والمواطنين، وتقطعات في الطرقات تستهدف التجار والمسافرين، ونهب للممتلكات العامة والخاصة، وصراعات مسلحة بين فصائل موالية للتحالف السعودي الإماراتي تتنازع السيطرة والنفوذ على حساب أمن واستقرار الناس.
كما يعاني المواطن في المحافظات المحتلة، من انعدام الخدمات الأساسية وغلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء والمياه، في ظل غياب تام لأي مؤسسات دولة حقيقية، وتفشي ظواهر الفساد والارتزاق والولاءات الضيقة، ما حول المدن المحتلة إلى ساحات تصفية حسابات ومراكز نفوذ متصارعة.
الفارق الأخلاقي قبل السياسي .. وعي يبني الدولة وهوية تحمي المجتمع
ليست المقارنة بين صنعاء والمحافظات المحتلة، مقارنة بين دولتين أو نظامين سياسيين، بل بين منظومتين أخلاقيتين، لدولة واحدة نصفها مسلوب الإرادة والحرية ومرتهنة للعدو المحتل، وتتغذى على الانقسام واستباحة حقوق المواطنين مقابل مكاسب فئوية وشخصية، ونصفها الآخر في صنعاء وكل المحافظات الحرة، تقوم على قيم المسؤولية والانضباط والالتزام بالمصلحة العامة ومواجهة العدو الخارجي،
الهوية الإيمانية .. درع الحصانة ومصدر الثبات
لقد أصبحت الهوية الإيمانية مبدأً جامعًا لكل أبناء الشعب في المناطق الحرة، تتجسد في السلوك اليومي، في المدارس والمساجد، في الإعلام والشارع العام، وفي الخطاب الرسمي والشعبي على حدٍّ سواء.
 هذا الالتزام بالقيم الإيمانية لم يعد مجرد شعار، بل أصبح ممارسة عملية تظهر في الانضباط، في الأمانة بالعمل، وفي التكافل الاجتماعي، وفي احترام النظام العام، وهو ما ساهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك الاجتماعي واستقرار الوضع الأمني والاقتصادي رغم الحصار والعدوان.
وفي المقابل، تسود في المحافظات المحتلة حالة من الفراغ القيمي والانحلال الأخلاقي، حيث تُستباح القيم والمبادئ تحت مسمى الحرية، وتُغيب الهوية الوطنية والدينية في خضم ثقافة دخيلة يراد فرضها لتفكيك المجتمع وتغريب وعيه عن قضاياه الكبرى.
تحصين المجتمع من الحرب الناعمة
أدركت صنعاء مبكرًا أن المعركة ليست فقط عسكرية أو اقتصادية، بل معركة وعي في المقام الأول، لذلك انطلقت الجهود التربوية والإعلامية والثقافية لتحصين المجتمع من مظاهر الانحلال والتفكك الأسري، ومن ثقافة اللهث وراء المظاهر الغربية الفارغة التي يسعى العدو لفرضها عبر الإعلام والمنصات الإلكترونية.
 تم تعزيز الخطاب الذي يربط بين القيم الإيمانية والهوية الوطنية، ويغرس في وعي الشباب مبادئ العفة، والمسؤولية، والانتماء للأمة، والتصدي لكل أشكال الاستهداف الأخلاقي والفكري.
ثقافة الجهاد والتحرر.. وعي الحرية لا التبعية
ومن بين أبرز الفوارق الأخلاقية التي تميز صنعاء، هو إحياء ثقافة الجهاد بمعناها الواسع، جهاد النفس، وجهاد الكلمة، وجهاد الدفاع عن الوطن والأمة، هذه الثقافة أعادت تعريف مفهوم الحرية لا بوصفها انفلاتًا من القيم، بل تحررًا من الوصاية الأجنبية وهيمنة القوى المتغطرسة، ولذلك بات شعار الحرية والاستقلال والتحرر من الوصاية، جزءًا من وعي المجتمع، ومحرّكًا للطاقات الشعبية نحو البناء والمقاومة، في حين تبدو المحافظات المحتلة غارقة في التبعية والارتهان للقرار الأجنبي، فاقدة لأي مشروع وطني جامع.
قيم تبني الإنسان قبل الدولة
ما يحدث في صنعاء ليس مجرد إدارة سياسية، بل مشروع قيمي وأخلاقي لبناء الإنسان اليمني الحر، الإنسان المؤمن الواعي القادر على التمييز بين العدو والصديق، بين الحق والباطل، ومن هنا يتجلى الفارق الحقيقي بين دولة تمتلك مشروعًا أخلاقيًا متجذرًا في ثقافة الأمة، وبين مليشيات لا تملك سوى السلاح والولاء للمحتلين.
دلالات المقارنة .. من الفوضى التابعة إلى الدولة الواعية
إن المقارنة بين ما يجري في صنعاء والمحافظات الحرة وما تشهده المحافظات المحتلة، لا تقتصر على اختلاف المشهدين في المظهر العام، بل تكشف عن صراع بين مشروعين متناقضين في الجذور والغاية، مشروع وطني مستقل يرتكز على الوعي القرآني والهوية الإيمانية والسيادة، ومشروع آخر تابع للمحتلين، يقوم على الفوضى والانقسام والارتهان السياسي والأخلاقي.
دلالة الوعي في صناعة الاستقرار
تثبت التجربة في صنعاء أن الوعي هو أساس الأمن، وأن استقرار المجتمع لا يتحقق بالقوة العسكرية وحدها، بل بنضج وعي الناس وإيمانهم بعدالة قضيتهم، كلما ازداد وعي المواطن بهويته وبمشروعه الوطني، تضاءلت فرص الاختراق والفتنة، وهو ما جعل صنعاء أكثر تماسكا رغم الحصار والقصف ومحاولات التشويه الإعلامي.
دلالة الأخلاق في بناء الدولة
يُظهر الواقع أن الأخلاق ليست ترفًا اجتماعيًا بل شرطًا لبقاء الدولة، فحين تتجذر القيم في مؤسسات الحكم، وتتحول المسؤولية إلى أمانة لا إلى مغنم، تزدهر الدولة وتكتسب ثقة المواطن.
 في صنعاء، تُدار المؤسسات بروح المسؤولية والانضباط، ويُحاكم الفساد باعتباره خيانة للأمانة العامة، فيما تغيب في عدن أبسط مظاهر الدولة، لأن السلطة المأجورة لا يمكن أن تُنتج عدلًا أو انضباطًا.
دلالة الهوية في مواجهة الحرب الناعمة
تجربة صنعاء أكدت أن الهوية الإيمانية والوطنية ليست مجرد رمز ثقافي، بل سلاح استراتيجي في مواجهة الحرب الناعمة.
 فالعدو حين عجز عن كسر إرادة اليمنيين عسكريًا، حاول اختراقهم ثقافيًا عبر الإعلام والمنصات المموّلة، لنزع قيمهم واستبدالها بثقافة التبعية والانحلال.
 لكن صنعاء واجهت ذلك بهوية صلبة، فحوّلت الهجوم الثقافي إلى فرصة لتعزيز الوعي والانتماء، في حين تحوّلت عدن إلى ساحة لتصدير الفساد والانقسام.
دلالة الموقف من قضايا الأمة
تكشف المقارنة كذلك عن فارق الموقف من قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
 ففي صنعاء، تتوحد القيادة والشعب في موقف مبدئي واضح، الانتصار للمستضعفين، والوقوف مع محور المقاومة، واعتبار فلسطين قضية إيمانية وإنسانية قبل أن تكون سياسية.
 بينما تلتزم سلطات المرتزقة في المحافظات المحتلة، الصمت أو التبرير، بل تذهب إلى التطبيع العلني أو الضمني مع الكيان الصهيوني، استجابة لإملاءات القوى التي تمولها وتتحكم بقرارها.
 وهذا الفارق لا يعكس فقط اختلاف الموقف السياسي، بل اختلاف الانتماء الأخلاقي والإنساني.
دلالة الاستقلال والوصاية
الفارق بين صنعاء والمحافظات المحتلة هو الفارق بين الحرية والارتهان.
 صنعاء، رغم الحصار، تمتلك قرارها، وتُعلن مواقفها باستقلال كامل نابع من إرادة شعبها.
 أما المحافظات المحتلة، رغم ما يُضخ فيها من أموال وتحالفات، فهي عاجزة عن اتخاذ قرار بسيط دون إذن من القوى الأجنبية التي تتحكم بها.
 هذه الدلالة تكشف أن السيادة لا تُشترى بالمال، وأن الاستقلال لا يُقاس بالمظاهر بل بامتلاك القرار الوطني الحر.
ختاماً .. الوعي والأخلاق أساس البقاء والسيادة
في المحصلة، فإن دلالات المقارنة بين صنعاء والمحافظات المحتلة تتجاوز الجانب الإداري والسياسي لتؤكد أن المعركة الحقيقية هي معركة وعي وأخلاق، فالدولة التي تُبنى على قيم الإيمان والكرامة والاستقلال، تخلق مواطنًا حرًّا وشعبًا متماسكًا قادرًا على مواجهة التحديات، أما الكيان الذي يُبنى على المال الحرام والولاء للخارج، فيظل هشًّا، فاقدًا للشرعية والمستقبل.
إن ما بين صنعاء والمحافظات المحتلة، ليس مجرد فرق في الإدارة أو النفوذ، بل فرق في المنهج والمبدأ والوعي، فرقٌ بين من يملك مشروعًا حضاريًا للنهضة والتحرر، وبين من تحوّل إلى أداة في يد المعتدي، لا تملك من أمرها شيئًا.
 وهنا يكمن جوهر الحقيقة، أن الأخلاق والوعي هما أساس السيادة، وأن الدولة بلا قيم ليست سوى مليشيا تلبس ثوب السلطة.
 الجالية المصرية في فرانكفورت تتابع باهتمام المتحف المصري الكبير عبر بث مباشر
الجالية المصرية في فرانكفورت تتابع باهتمام المتحف المصري الكبير عبر بث مباشر