كرامة الوطن في إعلاء قيمة الكفاءة
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
إذا لم يتم التخطيط لحسم الحرب المفروضة على البلاد، والتي تدخل عامها الثاني، وبمشاركة كل السودانيين، مستنفرين ومقاومين ومجاهدين، والتعامل معها باعتبارها حربا غير عادية، ليست عبثية، ولا تمرداً تقليدياً، كما عهده الناس من لدن انقلابات 17 نوفمبر 1958م و 25 مايو 1969 ثم 30 يونيو 1989م.
فهذه الحرب الجارية هي حلقة في سلسلة طويلة، ضمن مخطط جيوبولتيكي متعدد الأطراف، يستهدف وجود السودان كدولة، ويسعى لإستئصال شعبه كأمة، فيستهدف موارده البشرية والطبيعية، الظاهرة والباطنة، وبدعم غير منقطع من السلاح والمرتزقة وشراء الذمم، وبنسق منتظم وغير مخفي، من أعدائه الظاهرين والماكرين المستترين.
لذا فإن الاعتماد والرهان على إمكانيات الجيش وحده، رغم جسارتها، سيستغرق زمناً طويلاً في حسمها، فتراق دماء كثيرة في مساراتها المتشعبة.
وذلك ليس لقلة كفاءة، ولا لافتقار لدربة ومهارة، بل هو كذلك نظراً لطبيعة تدريب الجيوش النظامية، التي ليس من أهدافها العليا الإعداد لحروب الشوارع والأزقة، والحروب الغادرة، التي ساحاتها البيوت والمستشفيات ودور الإعلام والإذاعات، والمرافق المدنية، والأعيان الرسمية، والتي تقضي خطط المرتزقة وبرامج العملاء المأجورين باحتلالها، وطرد واختطاف منسوبيها، والقتال فيها ومن خلالها.
ذلك كذلك، لأن من ضمن مخططات هذه الحرب الغادرة، والتي رسمت خارطاتها منذ أمد باكر، وبمكر بالغ، حصر الجيش، كمؤسسة قومية، في قفص الإتهام، وأشاعة الدعايات المغرضة، وبث تلكم الأراجيف عبر الإعلام المأجور، الموغل في الإسفاف، وبشيوع الإفتراءات الناشزة، ونشر الترهات وتكرارها، لاغتيال الشخصية الاعتبارية للمؤسسة العسكرية، وتسفيه علوية وبسالة الجيش الوطني في نفوس السودانيين، وذلك منذ ابتدار عمليات الشغب وتتريس الطرق وبث شعارات السفه العميل: “معليش ما عندنا جيش”..
فإذا ما فشلت القيادة العسكرية في استيعاب المخطط الماكر المنصوب، وفهم المكر الاستئصالي، وفشلت في حشد جميع أهل السودان بالاستنفار والمقاومة، وفي كل شبر من ربوع ما يقرب من المليوني كيلو متر مربع، التي أضحت مساحة سودان ما بعد نيفاشا، فاكتفت بالتكتيكات التقليدية للجيوش النظامية، التي تدرس في كليات الحرب منذ المئين من السنين، وانكفأت على إنفاذ المخططات المعروفة والمتوارثة، ومن تلقاء تجربة الحرب في الجنوب، خلال الفترة 1983- 2005م والتي انتهت بإتفاقيات نيفاشا، وما يلحظه السودانيون منذ بدء هذه الحرب الغادرة في أبريل 2023م وما يشهدونه من التردد التكتيكي المتأني والكسول في استرداد ود مدني من براثن الإرتزاق، ومجرمي النهابة من أفارقة الشتات، وإطلالات بوادر الخريف على الأبواب، بما أغرى الميليشيا بترهيب المواطنين الآمنين، وتهديد أهل جبل موية وسنار، لكسر الحصار الذي ضاق برفاقهم المحبطين، مما يمنحهم الفرصة لتسعير حروبهم الإعلامية وحملاتهم التدليسية.
فالمرئيات العابرة تشير إلى أن النصر الحاسم ربما لن يتحقق قريباً إذا لم تتغير الخطط التكتيكية الراهنة. بل ربما يقود الأمر لاستنزاف متطاول، ويغري بتدخل ما يسمى بالمجتمع الدولي، المتماهي مع مخططات الميليشيا، والذي نتسلل تحت مسماه جحافل أهل المكر والغدر، والأعداء المستترون.
الحروب بطبيعتها تحتاج إلى جسارة ومضاء، وإيمان من يقودونها الراسخ بمشروعية فعلهم، والثقة الواثقة والاعتقاد بأن النصر من عندالله، وحده، ينصر من يشاء، وينصر من ينصره، وأن المؤمن الصادق، يلزمه اعتقادا وشرعاً، التوكل على الله وحده:
“إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مؤمنين” الآية 84 – سورة يونس.
“ومن يتوكل على الله فهو حسبه” الآية 3 – سورة الطلاق.
هذا هو موروث الدين وهو المستفاد من فقه الجهاد..
فمن يستشعر وهن القدرة والإرادة للريادة والمبادرة، في مثل هذه الظروف الفاصلة، التي تحتاج الى التضحية والفداء ونكران الذات، عليه أن يتنحى إيثارا لمصلحة وخدمة البلاد العليا، واعترافا بقدرات وكفاءات ومهارات الآخرين، ممن يحملون مثله ذات الهم في إعلاء الوطن والبذل، فكل ميسر لما خلق له، فيفسح المجال لغيره، وعملا بقوله تعالى:” يأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا” الآية 11- سورة المجادلة..
وقد جاء في الأثر أن عمرو بن العاص، بعد أن أسلم جعله الله أميرا وقائد على جيش في إحدى المعارك، كان من جنوده أبوبكر وعمر، رضي الله عنهم. فإعلاء مبدأ الكفاءة وتقييم كل فرد وتقديمه لأداء ما يحسن، هو من السنة وفقه الدين، ومن رشد الحكم، وحسن الإدارة، وهو السبيل الأوفق لتطور الدول وتنميتها وضمان واستدامة تقدمها.
هذا ما يحتاجه السودان اليوم، ويرجوه أهله الصابرون والمحوقلون المحتسبون، في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخه، وعملا بمبادئ الكفاءة، وإفساح المجال لأصحاب الكفاءة والتخصص، المشهود لهم، لتقدم الصفوف وقيادة المعرك والجيوش، ففوق كل ذي علم عليم، والمولى عز ذكره يقول:
“إن أكرمكم عند الله أتقاكم” الآية 13 – سورة الحجرات..
دكتور حسن عيسى الطالب
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الشيخ خالد الجندي: النبي عبّر عن حب الوطن في لحظات الهجرة
قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن حب الوطن شعور فطري متجذر في النفس، وقد جسّد النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا الحب في أقواله وأفعاله، خصوصًا في لحظات شديدة الألم كموقف الهجرة.
وأضاف عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الثلاثاء: "في بداية البعثة، بعد نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، ذهب إلى ورقة بن نوفل مع السيدة خديجة، وحكى له ما حدث، فقال له ورقة: ليتني أكون حيًّا إذ يُخرجك قومك، فرد عليه النبي مندهشًا: أومُخرجيّ هم؟! فكانت إجابته تعبيرًا عن تفجع وألم لا يُخفى، إذ كيف يُطرد من وطنه، وهو لم يصدر عنه سوى المحاسن والكرامات؟".
الشيخ خالد الجندي: الإسلام الدين الأكثر انتشارا رغم كل محاولات التشويه
هل ما يحدث من فتن يعتبر نهاية الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يرد
الشيخ خالد الجندي: الإسلام واجه التنمر حتى ضد الحيوانات من أكثر من ١٤٠٠ سنة
خالد الجندي: الكلب مخلوق له حرمة .. والخلاف حول نجاسته لا يبرر إيذاءه
وأوضح الشيخ خالد الجندي أن الهجرة لم تكن سهلة على قلب النبي، قائلاً: "في ليلة الهجرة، وقف النبي صلى الله عليه وسلم على مشارف مكة، يرسل النظرة الأخيرة إلى ديار نشأته، عيناه مغرورقتان بالدمع، يخاطبها بكلمات خالدة: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت)، وفي رواية أخرى قال: (ما أطيبك من بلد، وما أحبك إليّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)".
وأشار الشيخ خالد الجندي إلى أن الإمام الذهبي رحمه الله أفرد فصلًا في كتابه لذكر محبوبات النبي صلى الله عليه وسلم، وعدّ من ضمنها: "وكان يحب عائشة، ويحب أباها، ويحب أسامة، ويحب سبطيه الحسن والحسين، وكان يحب الحلواء والعسل، وكان يحب جبل أحد... وكان يحب وطنه".
وأكد الشيخ خالد الجندي أن هذا الحب العميق للوطن يجب أن يكون في قلوبنا، متجذرًا في أفعالنا، فحب الوطن من الإيمان، وهو جزء من السنة النبوية في أبهى صورها.