سلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء على مدى فاعلية وتأثير العقوبات التي فرضها الغرب على نخبة رجال الأعمال وأصحاب المليارات الروس، موضحة أنها لم تؤت بنتائج فعالة خاصة في ظل مقاومتهم للقرارات بالإضافة إلى استمرار الحرب في أوكرانيا حتى الآن.

وترى الصحيفة أن العقوبات الغربية على رجال الأعمال الروس أتت بنتائج عكسية، فبعد عدم تمكنهم من الوصول إلى ثرواتهم في الغرب، قد يصبح بعضهم أكثر اعتمادا على أصولهم في روسيا، وبالتالي أكثر دعما وقربا من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خاصة أن كثيرا منهم ممنوعون قانونيا من السفر إلى الغرب، وهو ما يصب في صالح بوتين الذي دعا بالفعل رجال الأعمال إلى العودة إلى روسيا.

وأوضحت الصحيفة في تقرير، الأحد، أنه عقب بداية الحرب الأوكرانية منذ أكثر من سنة استعملت دول الغرب استراتيجية جديدة من أسلحة السياسة الخارجية للضغط على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لوقف حربه في أوكرانيا، والتي تمثلت في فرض عقوبات على أكثر من 100 من رجال الأعمال الروس البارزين وعائلاتهم.

لكن الصحيفة ترى أن هذه الخطة لم تنجح حتى الآن، خاصة أن الحرب لا تزال مستمرة، كما أن عددا محدودا جدا من المليارديرات الروس عارضوا بوتين علنا أو باعوا أصولهم الروسية. وتلجأ هذه المجموعة القليلة حاليا إلى المسلك القضائي في محاكم المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في محاولة للاعتراض على قرارات حظر السفر وتجميد الأصول.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المعارك القانونية ستكون كاشفة لمدى إمكانية أن يستخدم رجال الأعمال الروس مبدأ سيادة القانون في الغرب لتقويض أهداف سياسته الخارجية.

جانبا آخر تحدثت عنه الصحيفة يتعلق بالانتقادات السابقة لمثل هذه العقوبات وهو أن هذه المعارك القضائية ستكشف مدى تأثير رجال الأعمال على بوتين وقراراته، كما أن هذه العقوبات من الممكن أن تدفعهم لصفه بشكل أكبر.

ويرى بعض الخبراء القانونيين الذين تحدثت معهم الصحيفة أن العقوبات ستؤثر على رجال الأعمال وعائلاتهم لكن لن يكون لها تأثير سياسي كبير.

وأوضحت الصحيفة أنه حتى العقوبات الاقتصادية الأكبر التي فرضها الغرب على روسيا والتي تشمل حظر الصادرات الرئيسية إلى دولهم بهدف شل اقتصادها كان لها تأثير محدود أيضا.

وذكرت الصحيفة أن الملياردير الروسي والمالك السابق لفريق كرة القدم الإنكليزي تشيلسي، رومان أبراموفيتش، الذي كانت لندن مقر عمله لسنوات، يقوم الآن برحلات مكوكية بين روسيا وتركيا وإسرائيل.

كما أن رجل الأعمال، أندريه جوريف، الذي عاقبته الولايات المتحدة، أعاد تصنيف شركته القابضة التي تمتلك أسهما في شركة الأسمدة الروسية العملاقة PhosAgro إلى منطقة ضرائب منخفضة في روسيا بعد أن كانت متواجدة سويسرا، بحسب الصحيفة.

وأمرت الولايات المتحدة بمصادرة أصول عدد من رجال الأعمال الروس لوجود صلة بينها وبين أحداث العام 2014 والغزو الروسي لأوكرانيا في العام 2022، وفقا لوكالة "فرانس برس".

وفي مايو ذكر تقرير سابق لـ"وول ستريت جورنال" أن الروس القادمين إلى دبي في الإمارات أسهموا في دفع عجلة سوق العقارات وأصبحت الإمارة نقطة وسيطة رئيسية لإدخال البضائع الغربية إلى روسيا.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: أن هذه

إقرأ أيضاً:

بين الاستشراق والاستغراب: حين نكون موضوعًا بلا أدوات

أحمد بن محمد العامري

منذ لحظة الاحتكاك الأول بين  العرب والغرب الحديث، لم يكن التبادل الثقافي بين الطرفين قائمًا على الندية، بل انطلق من علاقة اختلال معرفي وقيمي شكلت فيها القوى الغربية طرفًا فاعلًا ممسكًا بأدوات البحث، بينما وقع العرب في موقع الطرف المنظور إليه، المراقب، الخاضع لعمليات تفكيك ممنهجة في مجالات اللغة والتاريخ والدين والاجتماع. هكذا وُلد "الاستشراق"، لا كمجرد نشاط بحثي أو فضول ثقافي كما يحلو للبعض تبسيطه، بل كمشروع طويل المدى، ارتكز على بنية معرفية ذات وظيفة سياسية واستراتيجية واستخباراتية عميقة.

لم يكن المستشرقون مجرد باحثين معزولين في أبراجهم الأكاديمية، بل كانوا – في كثير من الأحيان – امتدادًا للمؤسسات الإستعمارية والاستخباراتية والوكالات اليهودية، وخدمًا ناعمين لمشاريع السيطرة والتفكيك.. درسوا الإنسان العربي ليس حبًا في المعرفة بل لتشكيل معرفة تُستخدم ضدّه. استقصوا لغته، وحلّلوا بنيته الاجتماعية ورصدوا منظومته الدينية، ودوّنوا ملاحظاتهم عن عاداته وأمثاله وأسواقه ونكاته وتاريخه الجمعي؛ ليرسموا في نهاية المطاف خريطة ذهنية دقيقة لمجتمع معقّد، أُريد له أن يُفهم بغرض الهيمنة لا التفاهم.

ولأنهم أدركوا منذ وقت مبكر أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل بل خزانًا للهُوية ومحركًا للانتماء، استثمروا في اللسانيات العربية لا ليُقرّبوا ثقافتنا، بل ليُفجّروها من داخلها، فمن الاشتقاقات العربية القديمة صنعوا قوميات وهويات فرعية بثوا من خلالها النزاعات وأعادوا تركيب المجال الثقافي والاجتماعي العربي على أسس التنافر بدلًا من التكامل. ما كان استشراقًا في ظاهره، كان استهدافًا بنيويًا في جوهره.

لقد أدرك الغرب أن الفهم العميق للآخر هو الخطوة الأولى للسيطرة عليه، وعبر هذا الفهم تشكّلت استراتيجيات ناعمة لتفكيك المجتمعات وزرع الشك في الذات والقدوات، وهدم الأسرة الت تشكل نواة الأمة، وخلق صراعات داخلية، جعلت من العالم العربي ساحة نزاعات مفتوحة على كل الاتجاهات. الحدود التي نتقاتل عليها اليوم، والانتماءات التي تمزقنا، والمذاهب التي نُذكي بها نار الطائفية، ليست من إنتاجنا المحض، بل هي نتائج حتمية لرؤية استشراقية سبقتنا إلى فهم أنفسنا، قبل أن نفهم نحن أنفسنا.

وفي مقابل هذا المشروع المتكامل، وقف العرب عاجزين – أو غير راغبين – في بناء علم مضاد، لم يظهر لدينا ما يمكن أن نسميه "علم الاستغراب"، أي ذلك العلم الذي يُعنى بدراسة الغرب كما درسنا هو، ويقلب عدسات المراقبة ليُخضع مجتمعاته للتحليل والتفكيك. لم نسعَ لتكوين مراكز بحثية مكرسة لفهم الآخر، ولا أرسلنا "مستغربين" يدرسون اللغات الغربية وسلوك الإنسان الأوروبي والأمريكي، وقيمه، وتاريخه غير الرسمي، وتناقضاته النفسية والاجتماعية، كما فعل الغرب معنا.

"علم الاستغراب" لم يوجد بعد، لا كمجال معرفي، ولا كمشروع مؤسسي. وإن ظهرت بعض المحاولات النقدية – ككتابات إدوارد سعيد، ومالك بن نبي، وعلي الوردي – إلا أنها ظلت محصورة في النخبة الفكرية، ولم تتحول إلى تراكم معرفي يُنتج خطابًا استراتيجيًا عربيًا يُعادل الهيمنة الثقافية الغربية، بل إن هؤلاء المفكرين رغم عمقهم وتنوع زوايا طرحهم، لم يحظوا بمنظومات مؤسسية تحتضن أفكارهم وتطوّرها وتحوّلها إلى مشروع جامع يتجاوز حدود التحليل إلى التأثير.

وحتى تلك الجهود غالبًا ما اتخذت منحًى دفاعيًا أو أخلاقيًا، ولم تنخرط بعمق في تفكيك البنية الغربية، وقراءة تناقضاتها، ومكامن ضعفها، وفجواتها القيمية التي يمكن الاشتباك معها فكريًا.

إن علم الاستغراب الذي نحتاجه اليوم ليس ترفًا نظريًا، بل هو ضرورة للنجاة الحضارية. نحن بحاجة إلى عقول تُدرَّب على تفكيك الآخر وتقرأ بنيته من الداخل، وتخترق طبقات الخطاب التي يخفي بها أزماته. إن المجتمعات الغربية – على ما يبدو من تماسكها – تخفي خلف ستار الحداثة أزمات هوية، وفراغًا روحيًا، وتفككًا أسريًا، واستلابًا وجوديًا، وانقسامًا طبقيًا. لكنها بارعة في إخفاء هذا الجمر تحت رماد النظام والانضباط الظاهري. من دون علم يقرأ هذا الآخر بعمق، سنظل نستقبل فعله ونتفاعل معه دون أن نملك أدوات فهم حقيقية لما يُحاك ضدنا، أو حتى لما يُقدَّم لنا من سرديات مغلفة بالقيم الكونية والحياد المعرفي.

آن الأوان لأن نعيد التموضع، لا من خلال ردّات الفعل، بل عبر إنتاج مشروع متكامل تتضافر فيه المؤسسات البحثية، والجامعات، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، لتكوين جيل جديد من "المستغربين" الذين يُدركون الآخر كما يدرك نفسه، ويقرؤون خلف لغته ويتعقبون أنساقه الثقافية والتاريخية، بنفس الدقة التي قرأنا بها همومنا من خلال نصوص المستشرقين.

إن الهيمنة لا تُواجه بالعاطفة ولا تُردّ بالشعارات، بل تُواجه بمعرفة مضادة تُنتج خطابًا وتُشكّل وعيًا، وتبني مشروعًا يرى في ذاته قيمة، وفي الآخر موضوعًا معرفيًا مشروعًا للدراسة والتفكيك، لا فقط مرآة للانبهار أو موضوعًا للشكوى.

إذا كان الاستشراق قد صنع وعيًا غربيًا مشوّهًا عن الشرق، فإن الاستغراب الحقيقي يجب ألا يسعى إلى تشويه الغرب، بل إلى فهمه... فهمه من أجل التحرر منه.

ahmedalameri@live.com

مقالات مشابهة

  • فقر الشعوب وسقوط الكيانات الغنية
  • أستاذ علوم سياسية: روسيا تلوح بـ صفر تخصيب لليورانيوم لمساومة الغرب
  • بين الاستشراق والاستغراب: حين نكون موضوعًا بلا أدوات
  • ترامب يتنبأ بـحدوث أمور تجاه روسيا بعد تصريحاته عن العقوبات
  • روسيا تحذّر من خطورة توسّع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية
  • رجال الأعمال: حجم الاستثمارات المصرية في سلطنة عمان تتخطي 2.5 مليار دولار
  • المخابرات التشكية: روسيا تجند مهاجرين لزعزعة استقرار الغرب عبر "تيليغرام"
  • البنوك المصرية حاضرة بقوة في دبي لدعم المستثمرين
  • تعاون بين رجال الأعمال المصريين وغرف دبي لاستكشاف الفرص الاستثمارية بالإمارات
  • رجال الأعمال المصريين تبحث التعاون مع غرف دبي للوصول إلى الأسواق العالمية