الجمهورية الفرنسية الخامسة.. نظام سياسي أسسه ديغول وفرضته الثورة الجزائرية
تاريخ النشر: 10th, July 2024 GMT
بدأ الحكم الجمهوري في فرنسا بعد ثورة 1789 التي أطاحت بالملك لويس الـ16 وأنهت نظام الحكم الملكي. وتتميز هذه البلاد بتاريخها السياسي الحافل، فقد حكم الفرنسيين بعد الثورة 3 ملكيات، وإمبراطوريتان، و15 دستورا، و5 جمهوريات.
وحكم فرنسا 25 رئيسا من الجمهورية الثانية حتى الخامسة، بينما حكمها 8 رؤساء منذ بداية الجمهورية الخامسة عام 1958 إلى 2024.
وكان مؤسس الجمهورية الخامسة وأول رئيس لها شارل ديغول، ولا تزال هذه الجمهورية قائمة عام 2024 تحت رئاسة إيمانويل ماكرون.
وفي ما يلي لمحة تاريخية عن الجمهوريات الخمس، وتعريف مفصل بالجمهورية الخامسة ومؤسسها ديغول.
تأسست الجمهورية الفرنسية الأولى (1792-1804) بعد الثورة، ودامت حتى 1804 عندما أعلن نابليون بونابارت فرنسا "إمبراطورية" وأصبح بذلك أول إمبراطور للبلاد بعد الثورة.
وبعد سقوط نابليون عام 1815، حكمت سلالة البوربون -الذين كانوا ملوك فرنسا قبل الثورة- لفترة وجيزة حتى عام 1830. وبعد ذلك، تولت سلالة أورليانز السلطة تحت حكم الملك لويس فيليب الأول حتى ثورة فبراير/شباط 1848، التي أعادت القيم الجمهورية للبلاد.
وبدأت الجمهورية الثانية (1848-1852) بدستور جديد وبانتخاب لويس نابليون بونابرت (نابليون الثالث) رئيسا، ولكنها لم تدم، إذ انقلب بونابرت على الدستور عام 1851 وأعلن نفسه الإمبراطور نابليون الثالث، وأسس بذلك الإمبراطورية الثانية.
وبعد انهيار الإمبراطورية عام 1870 إثر الحرب مع بروسيا، قامت الجمهورية الفرنسية الثالثة (1870-1940) ولكنها انتهت عام 1940 حين هزم الألمان فرنسا وأجبروها على توقيع هدنة واحتلوا باريس وأقاموا نظام حكم جديدا.
وفي هذه الفترة، برز الجنرال ديغول الذي عارض وزملاؤه الهدنة مع ألمانيا النازية، وبرزت مقدرته القيادية العسكرية إذ جمع صفوف الجنود والضباط الفرنسيين لطرد الألمان مستعينا بالإنجليز الذين لجأ إلى أرضهم.
ثم أصبح رئيسا لحكومة فرنسا في المنفى بدعم من قوى التحالف ورئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل.
ومع استعادة السيطرة على باريس بعد هزيمة الألمان، ترأس ديغول الحكومة الانتقالية ما بين 1944 و1946 ثم استقال بعد أن فشل في إقناع الأطراف السياسية بالنظام الرئاسي بدلا عن البرلماني، وتأسست الجمهورية الرابعة (1946-1958) بعد رحيله عن السلطة.
ولكن الجمهورية الرابعة عانت من محاولة التصدي للثورة الجزائرية عام 1954، ومن أزمات دستورية وسياسية، وبات استقرار البلاد الداخلي في خطر.
ووسط ترويج مسؤولين فكرة وجوب تكليف ديغول بالسلطة، طلب رئيس الجمهورية آنذاك رينيه كوتي في 29 مايو/أيار 1958 من ديغول العودة إلى رئاسة الحكومة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1958، أسس ديغول الجمهورية الخامسة، وهي نظام الحكم الجمهوري السائد حاليا في فرنسا.
الجمهورية الخامسة والمؤسس ديغولتشكلت الجمهورية الخامسة بدستور جديد منح صلاحيات كبيرة للرئيس، وأصبحت رئاسة الجمهورية مركز السلطة في الحكومة، وهو الدور الذي كان يشغله البرلمان عادة.
وكان ديغول قد اشترط مقابل عودته إلى الحكم إجراء تعديلات عميقة على الدستور، فبادر إلى وضع دستور جديد يقوي فصل السلطات ويعزز مكانة رئيس الجمهورية، وينص على انتخابه بالاقتراع العام المباشر.
وكان ديغول معارضا لفكرة السلطة التنفيذية المحدودة التي نادى بها أغلبية البرلمانيين، حيث كان يرى أنها ضعيفة جدا مقارنة بالسلطة التشريعية، ووفقا له فإن الخلافات بين الأحزاب السياسية تؤدي إلى إبطاء اتخاذ القرارات المهمة.
وللتعامل مع ثورة التحرير الجزائرية أطلق ديغول مفاوضات مع الثوار انتهت بتوقيع اتفاقيات "إيفيان" الرامية إلى وقف إطلاق النار، ووضع حد لحرب دموية دامت 8 سنوات، والإعلان عن استقلال الجزائر عام 1962.
وتميز الجنرال ديغول بفكره المناهض للاستعمار، إذ انتقد احتلال إسرائيل أراضي عربية إبان حرب 1967، كما حصلت دول أفريقية عدة على استقلالها بسلاسة في فترة رئاسته.
وقد واجه على إثر استقلال الجزائر حملة معارضة شرسة من داخل فرنسا ومن المستوطنين الفرنسيين المقيمين بالجزائر، حيث اتهمه الكثير من العسكريين بالخيانة.
وعام 1968 وجد ديغول نفسه أمام أزمة اقتصادية طاحنة عصفت بفرنسا، إذ هزت مظاهرات لطلاب الجامعات والعمال جميع أرجاء البلاد، مما تسبب في إضراب عام أدى إلى شل الحركة، وتعرضت من خلاله الجمهورية الخامسة لخطر الانهيار.
أمام هذا الوضع طرح ديغول استفتاء للشعب بشأن إصلاحات رآها مناسبة، وبعد تصويت أغلبية الفرنسيين ضده فضل الاستقالة من رئاسة الجمهورية، وتنحى عن منصبه عام 1969.
رؤساء الجمهورية الخامسةتنوعت العائلات السياسية والأحزاب التي حكمت الجمهورية الخامسة، واختلفت بين اليمين والوسط واليسار، وفيما يلي قائمة بالرؤساء الذين حكموا بعد ديغول:
آلان بوهير (1969-1969): ترأس مجلس الشيوخ مؤقتا بعد استقالة ديغول، وخسر أمام جورج بومبيدو بالانتخابات الرئاسية. جورج بومبيدو (1969-1974): كان رئيس الوزراء في عهد ديغول بين عامي 1962 و1968، وبقي في منصبه حتى وفاته عام 1974.وينظر للجمهورية الخامسة بأنها الأكثر استقرارا من بين سابقاتها، ولكن بعد نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة التي تمت في يوليو/تموز 2024 أصبح الكثيرون يرون أن بداية نهاية الجمهورية الخامسة قد حلت.
فلم يحصل أي حزب على الأغلبية في البرلمان، ولم يتبين هيكل الحكومة المفترض أن تنتج عن هذه الانتخابات، وساد البلاد جو من التوتر والاضطراب، خصوصا وسط خوف صعود أقصى اليمين إلى الحكم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الانتخابات الرئاسیة الجمهوریة الخامسة بعد الثورة
إقرأ أيضاً:
هلال : الشعب القبايلي يطالب بالاستقلال قبل قيام الدولة الجزائرية
شهدت الندوة الإقليمية للجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، التي اختتمت أشغالها بمدينة ديلي في تيمور الشرقية، سجالاً دبلوماسياً محتدماً بين وفدي المغرب والجزائر، على خلفية ملف الصحراء المغربية، وذلك خلال جلستين خصصتا لحق الرد.
واتهم رئيس الوفد الجزائري المغرب بـ”استهداف بلاده” في خطابه، مشدداً على أن الجزائر ليست طرفاً مباشراً في النزاع، وهو ما رفضه السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، الذي أكد أن تدخل بلاده اقتصر على “تذكير المجتمع الدولي بوقائع وأحداث تتحمل الجزائر مسؤوليتها بوضوح وعلانية”.
وتساءل هلال: “من أنشأ جبهة البوليساريو؟ ومن يمولها؟ وأين تتواجد؟ ومن يقود الحملات الدبلوماسية ضد المغرب؟”، مضيفاً أن “الجواب على كل هذه الأسئلة هو الجزائر”، مشيراً إلى أن اسمها ورد خمس مرات في كل من قرارات مجلس الأمن الأخيرة بشأن الصحراء المغربية.
ورفض السفير المغربي توصيف الجزائر لنفسها بـ”الطرف الملاحظ”، معتبراً أن موقفها يعكس “فصاماً سياسياً مزمناً”، في ظل اعتراضها المستمر، منذ ثلاث سنوات، على استئناف العملية السياسية، مما يعيق إيجاد حل للنزاع.
وانتقد هلال ما وصفه بـ”خطاب متجاوز” للدبلوماسية الجزائرية، معتبراً أن مداخلاتها “تجاهلت التطورات التي شهدها الملف خلال ربع قرن”، لا سيما ما يتعلق بمقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب، والدعم المتزايد له من قبل المجتمع الدولي، بالإضافة إلى تراجع الحديث الأممي عن خيار الاستفتاء.
وفي رد على مزاعم الجزائر بأنها كانت “قبلة لحركات التحرر الإفريقية”، قال السفير المغربي إن هذا الأمر “ينتمي إلى الماضي”، متهماً الجزائر بأنها أصبحت اليوم “مرتعاً لعدم الاستقرار والجماعات الإرهابية والانفصاليين”، محملاً سياساتها في المنطقة مسؤولية تفشي الإرهاب في الساحل الإفريقي.
وختم عمر هلال مداخلته بالتشكيك في صدقية الخطاب الجزائري بشأن “حق تقرير المصير”، مشدداً على أن “الجزائر مطالبة أولاً باحترام هذا الحق داخل أراضيها، وتحديداً بالنسبة للشعب القبايلي، الذي تعود مطالبته بالاستقلال إلى ما قبل قيام الدولة الجزائرية”.