كيف يقرأ الإسلاميون العرب الانتخابات التركية وتجربة أردوغان؟ رأي من الجزائر (6)
تاريخ النشر: 8th, August 2023 GMT
كيف يقرأ الإسلاميون العرب تجربة حزب العدالة والتنمية التركي وزعيمه رجب طيب أردوغان؟ وما هي الدروس المستفادة من هذه التجربة عربيا وإسلاميا؟
الدكتور عبد الرزاق مقّري الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الجزائرية، يقدم وجهة نظر في تجربة إسلاميي تركيا، وتحديدا الرئيس رجب طيب أردوغان في السلطة، في دراسة تنشرها "عربي21" على حلقات، بالتزامن مع نشرها على صفحة الدكتور مقّري الخاصة في "فيسبوك".
الوطن التركي الواحد
حينما جاء رجب الطيب أردوغان إلى الحكم بعد نجاحه في انتخابات 2002، عام واحد بعد تأسيس حزب التنمية والعدالة عام 2001 تقدم بنفس خلفية أسلافه عدنان مندريس وتورغت أوزال وخصوصا نجم الدين أربكان من حيث منح المجال لتعبر تركيا عن انتمائها الإسلامي وليجد المسلمون فيها السبيل إلى التعبير عن هويتهم الدينية، كما جاء ليحل المعضلة الكردية بقاعدة الأخوة الإسلامية في الوطن التركي الواحد، فكان تأسيس الحزب من شخصيات انتمت لأحزاب سابقة تؤمن بهذا التوجه، على رأسهم حزب السعادة سليل الأحزاب العديدة التي أسسها نجم الدين أربكان، وحزب الوطن الأم الذي أسسه تورغت أوزال وحزب الطريق القويم الذي يعد امتدادا للحزب الديمقراطي الذي أسسه عدنان مندريس، كما كان من مؤسسيه عدد كبير من الأكراد ووصل عدد النواب الأكراد في البرلمان التركي في هذه الفترة أكثر من 80 نائبا وهو أمر غير مسبوق، مما يدل بأن عموم الأكراد رجعوا إلى الاعتقاد أن العمل السياسي في زمن قوة التيار المحافظ هو الأمل في الحصول على حقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية والعيش في أمن في إطار العدل والمساواة بين جميع الأعراق والقوميات في تركيا.لقد أدرك رجب الطيب أردوغان عند وصوله للحكم أنه لا يمكن لتركيا أن تنهض ويستمر تقدمها وتطورها ما لم تحل القضية الكردية، وأن الخسائر المادية والبشرية الناجمة عن المواجهات كلفة إنسانية واقتصادية واجتماعية وسياسية باهظة الثمن.
كما أن التأخر في معالجة هذه المسألة الشائكة المستدامة هو ما يوفر البيئة المناسبة للتدخلات الأجنبية والابتزازات الخارجية وأن شرط حلها هو أن تبقى قضية داخلية بين الأشقاء مهما اختلفوا، وأنه يجب على الحكومة الاعتراف بما وقع على الأكراد من مظالم عبر الزمن والسعي الجاد لضمان حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال رؤية شاملة وسياسات متكاملة لصالح سكان المنطقة وليس من خلال الحل الأمني وحده، والتوجه إلى تطبيق الحلول بالتدرج من أجل تجنب مقاومتها في البيئتين القوميتين التركية والكردية وعدم تخريبها من المتطرفين في الجهتين، ومن جهة أخرى يجب على الجماعات الكردية المسلحة أن تلقي السلاح وتدخل في المفاوضات بصدق وصبر وجدية.ولإظهار حسن النية بادرت حكومة أردوغان إلى القيام بالعديد من الإجراءات الأولية للتهدئة قبل بدء الاتصالات.
ومن إجراءات التهدئة ما يتعلق بإعادة الاعتبار للغات الأخرى غير التركية وخصوصا الكردية من خلال الدورات التعليمية وفتح أقسام لها في الجامعات والسماح باستعمالها في التأليف والنشر وفي القنوات التلفزيونية وفي القضاء وفي الدعاية السياسية الرسمية، وإعادة تسمية قرى وبلدات كردية بأسمائها الأصلية وتغليظ عقوبة جرائم التمييز على أساس اللغة والعرق والقومية، وإطلاق مشاريع تنموية عديدة في جنوب شرق البلاد على مستوى الهياكل القاعدية والمدارس والمستشفيات والمطارات والمرافق السياحية وغير ذلك، وإقرار “قانون الإرهاب وتمتين الوحدة الاجتماعية” بما يجعل القضية في يد الحكومة ويسمح باتخاذ إجراءات سياسية خارج الملاحقات الجنائية ويفسح المجال للعفو عمن يلقي السلاح ويرغب في العودة للحياة الاجتماعية والسياسية.
أثناء ذلك كانت الاتصالات مع الجماعات المسلحة تتم في سرية تحت عنوان "مشروع الوحدة والأخوة" إلى أن تم الكشف عنها عام 2010، وتُوجت برسالة من عبد الله أوجلان تدعو إلى إلقاء السلاح وحل القضية بالطرق السلمية تم قراءتها على المحتفلين بعيد النيروز في 21 مارس\آذار 2013. وتضمن الاتفاق مغادرة المقاتلين تركيا على مراحل إلى جبال قنديل، والسماح لمن لم يتورطوا في التفجيرات والقتل بالرجوع إلى عائلاتهم، والإقرار المبدئي من طرف الحكومة بالإصلاحات الدستورية الضامنة لحقوق الأكراد، والعمل المشترك على الترويج للحل السلمي من قبل الشخصيات الاعتبارية والحكماء والفنانين وأصحاب الرأي، وتشكيل لجنة من حزب الشعوب الديمقراطي بدأت عملها في كانون الثاني / يناير 2013 للوساطة بين الحكومة وأوجلان في سجنه للتشاور في الخطوات السياسية العملية.
لا شك أن الاهتمام الدولي الكبير بالقضية الكردية في ظل التطورات الحاصلة شجع أكراد تركيا على رفع مستوى طموحاتهم، معتقدين بأن القوى الدولية ستساعدهم بالنظر للحاجة إليهم في "مواجهة الإرهاب"، غير مستفيدين بالخذلان الذي تكبدوه مع بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولىغير أنه ما إن شُرع في تنفيذ الخطوات الأولى للاتفاق حتى حدثت تطورات محلية وإقليمية عرقلت مسيرة التسوية منها ما يبدو أنه كان مدبرا مثل مظاهرات “جزي بارك” في جوان\يونيو 2013 التي انطلقت بحجة الاعتراض على مخططات للمنشآت في المنطقة غير أن زخمها واتساع مداها دل أنها مظاهرات ضد حزب العدالة والتنمية من الناحية السياسية، وكانت خطابات المؤثرين فيها تشيد بكل أنواع المخالفات الدينية الإسلامية مثل السكر والمثلية وغير ذلك وتتهم أردوغان بأنه يسعى لأسلمة تركيا، وكان من أكثر النشطاء الفاعلين فيها العلويون، وفسرها العديد من الملاحظين بأن من أهدافها عرقلة مسار التسوية بعد أن ظهرت ملامح نجاحها.
أما السبب الأكثر تأثيرا في عرقلة المسار هو التطورات في شمال سوريا بعد إعلان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني حكما ذاتيا في يناير 2014 وتصاعد قوات وحدات حماية الشعب الكردي الذراع العسكري للاتحاد الوطني الكردستاني بتسليح ودعم أمريكي بحجة محاربة تنظيم داعش في كوباني\عين العرب، مما فرض على الحكومة التركية التدخل العسكري لحماية حدودها بإنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، ولمنع تمدد مطالب الحكم الذاتي إلى أراضيها ذات الأغلبية الكردية أو العلوية، ولقطع الطريق على القوى الأجنبية المختلفة، الأمريكية والروسية والإيرانية، المتعودة على استعمال الملف الكردي، مع استصحاب سابقة الدعم الأمريكي البريطاني للحكم الذاتي الكردي في كردستان العراق بعد غزو العراق خارج الأمم المتحدة وإعلان المناطق الكردية العراقية محمية من قبلهما دون اللجوء إلى الأمم المتحدة.
كان لنجاح التدخل العسكري التركي في شمال سوريا وقدرة الحكومة على المناورة الدولية لصالحها وفشل التحركات الشعبية "جزي بارك" ضدها وضغطها المتواصل على حزب العمل الكردستاني ومواصلة الاتصال بزعيمه أوجلان نتائج جيدة في إقناع هذا الأخير بتثبيت رغبته في الانتقال إلى الحل السلمي التي عبر عنها في رسالته الثانية التي قرأت على المشاركين في احتفالات النيروز سنة 2015.
اعتبر البعض بأن هذه النتيجة مشجعة وابتهجوا بها ولكنها كانت مخيبة للطرف الحكومي من حيث ارتفاع سقف مطالبها، بالشكل الذي لا يقبله كثير من المتحالفين القوميين والمؤسسة العسكرية وقطاع كبير من الشعب التركي، مما أدى بالرئيس أردوغان إلى انتقادها علانية، وقد فهم البعض بأن رفع السقف كان تكتيكا من قبل حزب العمال الكردستاني للعودة للمواجهات المسلحة ضمن ظروف إقليمية ودولية مناسبة، وبالفعل في الثاني عشر من شهر تموز / يوليو أعلن حزب العمال الكردستاني التراجع عن وقف إطلاق النار ونفذ مقاتلوه هجومات عديدة رد عليها الجيش التركي بحملة مضادة ابتداء من العشرين من نفس الشهر، وبقيت التوترات متواصلة إلى الآن. ومما زاد من تعقد الوضع في تلك المرحلة توتر العلاقة مع روسيا بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر 2015، إذ بات مسلحو وحدات الشعب الكردي تتسلح من الولايات الأمريكية وروسيا في نفس الوقت، علاوة على الدعم السياسي الروسي العلني للأكراد كرسالة في اتجاه تركيا تمثلت في استقبال موسكو ممثلي الاتحاد الوطني الكردستاني.
لا شك أن الاهتمام الدولي الكبير بالقضية الكردية في ظل التطورات الحاصلة شجع أكراد تركيا على رفع مستوى طموحاتهم، معتقدين بأن القوى الدولية ستساعدهم بالنظر للحاجة إليهم في "مواجهة الإرهاب"، غير مستفيدين بالخذلان الذي تكبدوه مع بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، وقد اتضح ذلك جليا من حيث أن الطرف الكردي في تركيا أصبح، في ظل هذه الأحداث، يطالب بحضور الإدارة الأمريكية كطرف مراقب في المفاوضات مع الحكومة التركية، كما أن صلاح الدين ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا زار هو الأخر موسكو وصرح تصريحات ضد الحكومة التركية.
ومما زاد في تملص الطرف الكردي من مسار التسوية ارتفاع أسهمه في الانتخابات البرلمانية التركية ـ مستفيدا من التفاف الأكراد حوله كطرف قبلته السلطات التركية ممثلا للأكراد في المفاوضات ـ إذ أصبح القوة الثالثة في البرلمان في انتخابات 2015 في مقابل الصعوبات التي وجدها حزب العدالة والتنمية في تشكيل الحكومة بين الدورة الأولى في جوان والإعادة في نوفمبر من نفس السنة.
ومما عقد مسار التسوية سطوة قيادات جبل قنديل على القرار، الرافضة للتسوية التي أقرها عبد الله أوجلان من سجنه من البداية، لا سيما العنصر العلوي صاحب النفوذ الكبير في حزب العمال الكردستاني، في فترة التأسيس وخصوصا في الفترة الأخيرة على مستوى المنظمات الأساسية التابعة لحزب العمال الكردستاني بعدما قُتل العديد من القيادات المهمة السنية، ومن هذه المنظمات اتحاد مجتمعات كردستان الهيئة الأكثر سلطة في الحزب التي ترأسها بشكل مشترك رجل وامرأة كلاهما من العلويين (جميل بايق وهوليا أوران)، وقد تسرب بأنه كادت تحدث اشتباكات مسلحة بين القيادات الكردية في جبل قنديل بخصوص فشل مسار التسوية حيث اتهم القائد مراد قريلان السني قائدين علويين هما جميل البارق ودوران كاكان بأنهما سبب تعثر مسار التسوية مع الحكومة التركية وسقوط مزيد من الضحايا عبر عملياتهم المتهورة حتى اضطرا الرجلان إلى الهروب إلى إيران على متن مروحية إيرانية.
إن من أسباب اتساع الخلافات داخل الصف الكردي غياب الرئيس المؤسس عبد الله أوجلان ولكنها تعمقت أكثر نظرا لتراجع الأيديولوجية اليسارية التي تشكلت على أساسها أحزابهم ومنظماتهم، فباتت أحزابهم ومنظماتهم وشخصياتهم حليفة للقوى الإمبريالية الرأسمالية التي نهضت لمحاربتها، مما أثر في عقيدة المقاومة لديهم، وجعلت الفرز المذهبي والقومي يبرز من جديد.
وهذا الذي يفسر اقتراب شرائح مهمة من الأكراد السنة من حزب العدالة والتنمية على شاكلة حزب هدى بارت وأعداد لا بأس بها من النخابين الأكراد الذين باتوا يشعرون بأنهم أقرب إلى حزب أردوغان من العديد من القيادات الكردية التي لم يبق لها من الانتماء الشيوعي سوى العداء للدين، وعلى رأسهم القيادات والإطارت العلوية في حزب العمال الكردستاني وغيره من الأحزاب والمنظمات اليسارية.
إقرأ أيضا: كيف يقرأ الإسلاميون العرب الانتخابات التركية وتجربة أردوغان؟ رأي من الجزائر (1)
إقرأ أيضا: كيف يقرأ الإسلاميون العرب الانتخابات التركية وتجربة أردوغان؟ رأي من الجزائر (2)
إقرأ أيضا: كيف يقرأ الإسلاميون العرب الانتخابات التركية وتجربة أردوغان؟ رأي من الجزائر (3)
إقرأ أيضا: كيف يقرأ الإسلاميون العرب الانتخابات التركية وتجربة أردوغان؟ رأي من الجزائر (4)
إقرأ أيضا: كيف يقرأ الإسلاميون العرب الانتخابات التركية وتجربة أردوغان؟ رأي من الجزائر (5)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تجربة تركيا الرأي تركيا سياسة رأي تجربة أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب العمال الکردستانی حزب العدالة والتنمیة الحکومة الترکیة إقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
كذبة المياه التركية: قادة العراق يعدون بالفيضان ويتركون الشعب يظمأ
14 أكتوبر، 2025
بغداد/المسلة: في قلب الشرق الأوسط، حيث يلتقي التاريخ بالتحديات الوجودية، يواجه العراق أكبر أزمة مياه في تاريخه الحديث، أزمة ليست مجرد نقص في الإمدادات بل تهديد يهز أركان الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
أنهار دجلة والفرات، التي روت حضارات قديمة وغذت شعوباً لآلاف السنين، تتحول اليوم إلى شرايين جافة، تئن تحت وطأة الجفاف الذي يبتلع الأراضي الخصبة ويحول المزارع إلى صحاري قاحلة.
اجتماعات أنقرة: تفاهمات هشة أم خطوة نحو الإنقاذ؟في الأيام القليلة الماضية، أجرت وزارة الموارد المائية العراقية اجتماعات مكثفة مع مسؤولين أتراك في أنقرة، أسفرت عن مجموعة من التفاهمات المركزية حول أزمة المياه. رحبت الوزارة بهذه اللقاءات كخطوة إيجابية، حيث تم التوصل إلى إطار اتفاقي مبدئي لإدارة تدفقات نهري دجلة والفرات، يشمل زيادة الإطلاقات المائية الفورية إلى 500 متر مكعب في الثانية لكل نهر خلال أشهر تشرين الأول والثاني.
الاتفاق، الذي يُعد امتداداً لآليات مشتركة اتُفق عليها قبل عامين، يركز على إعادة تأهيل البنية التحتية المائية العراقية من خلال لجنة عمل مشتركة، مع التركيز على الإجراءات قصيرة المدى لتوجيه المياه نحو الجنوب المتضرر.
لكن هذه التفاهمات تأتي محملة بأمل هش، إذ يُنظر إليها كجسر مؤقت فوق هاوية الجفاف. الزيادة الموعودة في التدفقات، التي ارتفعت مؤخراً بنسبة تصل إلى 88% في بعض الأقسام من الفرات، قد تخفف الضغط الفوري على السدود والقنوات، لكنها لا تضمن استدامة طويلة الأمد.
وفي الواقع، يُشكل هذا الإطار خطوة دبلوماسية مهمة، إذ دعا الجانب العراقي إلى توقيع الاتفاق النهائي في بغداد قريباً، مع الإقرار المشترك بأن كلا البلدين يواجهان انخفاضاً في هطول الأمطار ومستويات الخزانات، مما يتطلب ترقية الشبكات داخل العراق إلى جانب التنسيق على التدفقات النهرية.
وعود السياسيين: زيارات متكررة وإطلاقات وهميةوراء الجدران الدبلوماسية، يتردد صدى وعود كاذبة ألقت بظلالها على الثقة العامة.
وعلى مدار السنوات الأخيرة، زار عدد من المسؤولين العراقيين – من خميس الخنجر إلى صالح المطلك، مروراً بوزير الموارد المائية ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني – أنقرة مراراً، معلنين في كل مرة عن زيادات في الإطلاقات المائية كأنها منجزات تاريخية.
هذه الزيارات، التي غالباً ما تُروج كانتصارات دبلوماسية، أثارت موجة من الإحباط الشعبي، إذ تحولت الوعود إلى سراب يتبخر مع مرور الشهور. تركيا، التي تعد ولا تفي في كل الاجتماعات التي تجمع الطرفين، تستمر في استخدام المياه كورقة ضغط، مستفيدة من غياب معاهدة ملزمة تحدد الحصص السنوية لكلا النهرين.
هذا الفشل الذريع في الحصول على حصة ثابتة ليس مصادفة، بل نتيجة لعقود من التفاوض غير المتوازن، حيث يعتمد العراق بنسبة 90% على المياه الوافدة من تركيا. الإعلانات المتكررة عن زيادات مؤقتة، مثل تلك التي وعد بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارة البرلماني العراقي محمود المشهداني في يوليو، سرعان ما تذوب أمام الواقع: تدفقات انخفضت إلى 120 متر مكعب في الثانية فقط في بعض الفترات، مما يعكس نمطاً من الخداع الدبلوماسي يُتهم به الجانب التركي.
هذه الوعود، التي تُباع للشعب كحلول سحرية، لا تفعل سوى تعميق الشعور بالخيانة، حيث يرى المواطنون فيها مجرد مسكنات لألم مزمن.
و في الجنوب، حيث يلتقي الظمأ بالغضب المكبوت، يواصل المتظاهرون احتجاجاتهم الليلية المتقدة، محولين الشوارع إلى ساحات صراع يومي.
ومن البصرة إلى ميسان وذي قار، يخرج الآلاف ليلاً ليطالبوا بحقهم في قطرة ماء نظيفة، محاصرين طرقاً رئيسية ومصانع نفطية في حركة احتجاجية تعبر عن يأس يفوق الوصف.
وهذه الاحتجاجات، التي اندلعت مؤخراً في أكثر من خمس محافظات، ليست مجرد صرخة؛ إنها ثورة صامتة ضد إهمال يهدد بتحويل المناطق الزراعية إلى أراضٍ مهجورة، ودفع عشرات الآلاف إلى الهجرة القسرية نحو المدن الكبرى.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts