8 سبتمبر، 2024

بغداد/المسلة:محمد صالح صدقيان

لا مفاوضات الدوحة والقاهرة ولا المحاولة الأمريكية الحالية يُمكن أن تفضي إلى وقف نار في قطاع غزة، وفي الوقت نفسه، فإن فرص نشوب حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط تراجعت أكثر من أي وقت مضى، برغم انتقام حزب الله من الإستهداف الإسرائيلي للضاحية الجنوبية ولأحد قيادييه (السيد فؤاد شكر)، واستمرار تلويح إيران بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران.

لا أحد في طهران يتحدث عن تاريخ معين للرد الإيراني على استهداف هنية، لكن المعنيين بالملف يكتفون بالحديث عما يُسمونه “الرد الحاسم” و”الرادع”، وبأنه سيكون “مزدوجاً” و”تركيبياً” و”في الوقت المناسب”. ماذا تعني هذه المصطلحات؟ لا أحد يُجيب؛ لكنهم يقولون “انتظروا”!. وعندما نسأل إلی متی سننتظر؟ يُجيبون “انتظروا”! نسألهم: هل هو تكتيك جديد؟ يقولون “ربما”!

فعلياً؛ كُنا ننتظر “الأربعين” (الأربعينية الحسينية) من طهران لكن الرد أتى من جنوب لبنان. هل هذا يعني أن الرد الإيراني سيكون من خارج الحدود الإيرانية؟ يقولون “لا تستعجلوا.. هو آت”! نسألهم: هل هو الصبر الاستراتيجي؟ يقولون “مثل هكذا مرحلة قد انتهت”! نستدرك بالاستنتاج: اذن نحن في مرحلة جديدة؟ يقولون “ربما.. ربما”!

في غضون ذلك؛ تصدّر ملف إيراني آخر صدارة الأحداث الإيرانية، بعدما نبّهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخراً من أن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يقترب من الدرجة اللازمة لصنع الأسلحة في الوقت الذي تتعثر فيه المناقشات الرامية إلى تحسين تعاونها مع هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة.

وأشار تقرير الوكالة إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب تجاوز 30 مرة الحد المسموح به، وأن طهران تمتلك الآن 142.1 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 بالمئة.

وإذا ما أضفنا لهذه المعلومات التي اوردها تقرير سري صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما تحدث به رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الدولية في إيران الدكتور كمال خرازي عن احتمال لجوء إيران إلى تغيير “عقيدتها النووية”، فهذا يعني أننا أمام متغير جديد ربما يدخل القاموس السياسي والعسكري الإيراني.

خرازي كرّر هذا المفهوم أكثر من مرة، وهو ما يعني أن ما يُردّده لم يكن عبارة عن “زلة لسان”، وإنما تعبير عن مفهوم مطروح علی الطاولة خصوصاً أن خرازي من المقربين من المرشد الإيراني الأعلی السيد علي الخامنئي، كما أن المجلس المذكور يُصنف في خانة المؤسسات التابعة للمرشد الإيراني.

واستناداً إلی ما تقدم، نحن أمام معادلة ذات بعدين استراتيجيين يهمان الأمن في المنطقة والعالم؛ الأول، يتعلق بالكيان الاسرائيلي. الثاني، يتعلق بالعقيدة النووية الإيرانية.

لم أعثر في إيران علی من يتبنى نظرية مفادها أن طهران تناور بين هذين البعدين. الإيرانيون علّمونا بأنهم لا يخلطون الملفات بل يعملون علی تفريقها، لكن هذا لا يعني أن الرد علی إسرائيل لا يُؤثر علی المباحثات النووية التي تسعی الحكومة الإيرانية الجديدة إليها، لكن من المستبعد أن يتم خلط المباحثات بالرد وبالتالي تبقی استقلالية هذه الملفات قائمة حتی تتم معالجة الواحد منها تلو الآخر.

السؤال المطروح هل تريد إيران إعادة النظر في “العقيدة النووية” وبالتالي الذهاب لصناعة السلاح النووي؟ هذا سؤال إستراتيجي كبير ولا أعتقد أنه بمقدرو أحد أن يُجيب عليه بهذه السهولة لكنّه ربما يندرج في خانة سياسة “الغموض الإستراتيجي” التي تتبناها طهران بعد 31 تموز/يوليو 2024، إثر إقدام إسرائيل على اغتيال إسماعيل هنية في طهران.

في هذا السياق، أنا أميل إلی توصيف مقال صادر عن “معهد الشرق الأوسط” الأمريكي بعنوان “السياسة النووية الإيرانية الجديدة.. بين الردع والبراغماتية”، الذي يقول إن فشل خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) والأنشطة السرية لإسرائيل في السنوات الأخيرة دفع طهران إلى التخلي عن سياسة “الصبر الاستراتيجي” لمصلحة سياسة “الغموض الاستراتيجي”. ويزعم المقال أنه من الممكن في الوضع الحالي أن يكون هدف طهران الاستراتيجي هو البقاء في هذا الموقع كدولة على وشك أن تصبح قوة تمتلك أسلحة نووية.

وتتماشى هذه السياسة مع الاستراتيجية الوقائية الكبرى التي تنتهجها إيران، في حين كان نهج طهران السابق هو “الصبر الاستراتيجي”. ووفقاً لهذا التحليل، فإنّ إيران تعلم أن كونها على وشك التسلح النووي يمنحها المزيد من القوة في مفاوضاتها مع خصومها ولا سيما الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، فإن مثل هذا الموقف من الممكن أن يُعزّز احتمالات وقف التصعيد الإقليمي وتحسين العلاقات الثنائية مع جيران إيران الرئيسيين.

وفي نهاية المطاف، تتحرك إيران في سياق حماية مصالحها وأمنها القومي؛ بهذا المعنى تُصبح الوسائل والآليات ثانوية طالما أن الأهم هو الأهداف المتحققة؛ فإذا ما تحققت هذه الأهداف عبر وسيلة التفاوض تكون إيران قد حقّقت المنشود.

نحن نتحدث عن حكومة إيرانية جديدة برئاسة مسعود بزشكيان.. وعن مسار تحاول انتهاجه هذه الحكومة سواء علی صعيد المنطقة أو علی صعيد العلاقات مع الغرب. وما تملكه إيران من أوراق ليس قليلاً، والولايات المتحدة تعلم ذلك جيداً، وإيران تريد ازالة العقوبات الاقتصادية من خلال تعزيز قدراتها التفاوضية المحتملة مع الجانب الأمريكي.. لننتظر ونرَ. (U2saleh@gmail.com)

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: فی الوقت یعنی أن

إقرأ أيضاً:

الجيش الإسرائيلي: سنبدأ بمهاجمة أهداف حيوية في إيران خلال الساعات المقبلة

المناطق_متابعات

قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الثلاثاء، إن منشأة فوردو النووية مسألة سيتم التعامل معها بالتأكيد، مضيفاً “أن الجيش سيهاجم اليوم أهدافا بالغة الأهمية في طهران”.

وأكد كاتس: “سنواصل اليوم أيضا استهداف أهداف للنظام وأهداف عسكرية في طهران كما فعلنا أمس ضد هيئة الإذاعة والتلفزيون التي تُستخدم للدعاية والتحريض”. وأضاف “يد إسرائيل الطولى ستصل إلى كل عدو وفي كل مكان”.

أخبار قد تهمك أسعار شاحنات النفط ترتفع بنسبة 60٪؜ بالشرق الاوسط 17 يونيو 2025 - 11:26 صباحًا ترامب: لم أغادر قمة الـ7 لبحث وقف النار بين إيران وإسرائيل.. الأمر أكبر من ذلك بكثير 17 يونيو 2025 - 10:23 صباحًا

وتزامنا، قال مسؤول عسكري إسرائيلي إن تل أبيب لا تريد أن تتسبب ضرباتها على إيران في كارثة نووية، مشيراً بالقول: “لم ننفذ أي عملية في فوردو بعد لكن هذا لا يعني أننا لن نفعل”.

وأضاف المسؤول العسكري أن “الصواريخ الإيرانية أصابت أهدافا مدنية وعسكرية في إسرائيل”.

يأتي ذلك فيما نقلت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية عن مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع قوله، إن الجيش سيبدأ بمهاجمة أهداف حيوية خلال الـ24 ساعة المقبلة.

ووفق المسؤول، فإنه “لا يستطيع الخوض في تفاصيل أكثر من ذلك الآن”، لكنه قال إن “إسرائيل تريد تعظيم إنجازاتها من الحرب”.

وفقا للعربية : أكد أن “المرحلة القادمة ستكون مؤلمة ومرعبة، كان من الممكن رصد جزء منها صباحًا، ويمكن رصده الآن”.

وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن معطيات الجيش تشير إلى تحييد حوالي نصف منصات إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية حتى الآن، وأن العملية في إيران لم تنته بعد بل لا تزال في أوجها.

وقال الجيش الإسرائيلي إن هناك أهدافًا أخرى كثيرة يمكن مهاجمتها في الأراضي الإيرانية لتحقيق أهداف العملية التي لا تزال في أوجها.

ووفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي، تم تحييد أكثر من 200 منصة إطلاق حتى الآن، وهو ما يمثل حوالي نصف منظومة منصات إطلاق الصواريخ الباليستية التي بحوزة إيران، وهذا، وفقًا لتقييم جيش الدفاع الإسرائيلي، أحد تفسيرات انخفاض نطاق إطلاق الصواريخ وتقليصه.

وقالت إسرائيل، الثلاثاء، إنها استهدفت مواقع عسكرية في إيران، وقتلت قائدا عسكريا رفيع المستوى في غارات جوية جديدة، ردّت عليها طهران بصواريخ ومسيّرات كان من بين أهدافها مقر للموساد في تل أبيب في اليوم الخامس للمواجهات بين البلدين.

وسقطت صواريخ وشظايا في منطقة تل أبيب وسط إسرائيل، وفق الشرطة التي قالت إنها لم تُسفر عن إصابات. وقال الجيش إن المسعفين توجهوا إلى عدة مناطق بعد “سقوط قذائف” فيها. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، إن طائراته الحربية هاجمت ليلا “مقر قيادة في قلب طهران، وقضت على المدعو علي شادماني رئيس أركان الحرب في إيران وأعلى قائد عسكري والأكثر قربا إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي”.

من جانبه، أفاد الحرس الثوري أنه ضرب، الثلاثاء، مركزا للاستخبارات العسكرية (أمان)، ومركز تخطيط لجهاز الموساد في تل أبيب “اندلعت فيه النيران”.

وقالت طهران إنها دمرت “أهدافا استراتيجية” خلال الليل باستخدام طائرات مسيرة في تل أبيب وحيفا.

وأعلن الجنرال كيومرث حيدري، قائد القوات البرية الإيراني أن “هجمات مكثفة بطائرات مسيرة، باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة، بدأت وستشتد في الساعات المقبلة”.

وتعهدت طهران بمواصلة ضرب إسرائيل حتى توقف غاراتها الجوية التي بدأتها في 13 يونيو (حزيران) بهدف معلن هو منع إيران من امتلاك قنبلة نووية.

ومنذ الجمعة، استهدفت الطائرات الإسرائيلية مئات المواقع العسكرية والنووية، وقتلت عددا من كبار الضباط. كذلك قُتل مدنيون في البلدين جراء استهداف مناطق مدنية وتدمير مبانٍ.

ففي إيران، أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل 224 شخصا على الأقل، وإصابة أكثر من ألف آخرين، وفقا لحصيلة رسمية صدرت الأحد.

من جانبه، أفاد التلفزيون الرسمي، الثلاثاء، بمقتل ثلاثة أشخاص لدى استهداف مقره في طهران، الاثنين. وأسفرت الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية ردا على هجمات إسرائيل عن مقتل 24 شخصا على الأقل.

مقالات مشابهة

  • خبير استراتيجبي: العقيدة العسكرية الإسرائيلية تتهاوى أمام الصواريخ الإيرانية
  • إسرائيل تضرب منشأة نطنز النووية الإيرانية ومفاعلًا خارج الخدمة في أراك - عاجل
  • خبراء: العدوان على إيران كشف عجزًا استراتيجيًا وفشلًا مركبًا للكيان الصهيوني والولايات المتحدة
  • القدسُ وغزّةُ واليمنُ في جبهةٍ واحدة: الردُّ الإيراني يُشرِقُ من محورِ الوعيِ والنار
  • الجيش الإسرائيلي ينفذ غارات مكثفة على المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية في طهران
  • المرشد الإيراني: المعركة بدأت ويجب الرد بقوة على إسرائيل
  • بين القصف المباشر وإغلاق مضيق هرمز.. ما هي سيناريوهات الرد الإيراني على الاحتلال الإسرائيلي؟
  • الجيش الإسرائيلي: سنبدأ بمهاجمة أهداف حيوية في إيران خلال الساعات المقبلة
  • الخارجية الإيرانية: العالم يتجاهل الترسانة النووية الضخمة لإسرائيل
  • إسرائيل تهدد بمهاجمة منشأة فوردو النووية «الإيرانية» المحصنة بالجبال