بقلم : حسين الذكر ..
كنا في الطريق نمخر عباب الصحراء ، تجرنا مراكب مثقلة نحو المقابر ؛ لمواراة جسد أحد الشهداء تحت الثرى ، في أيام ولحظات فيض الدمع وغيض الحزن .. حينما رمى سائق السيارة جزءاً من عملة صغيرة من النافذة ، وقد كررها مرتين أو أكثر على طول الطريق ، وقبل أن نحط في رحال اليأس والوداع والاعتصار .
لفت انتباهي وانتباه من كان حاضراً معنا في الرحلة الشجية ، فوجهت سؤالي مستفسراً منه : لماذا تفعل ذلك ؟
فرد : ( إنها البومة .. يا أستاذ ) .
صحيح أن شكلها أو بالأحرى طبيعة سيمياء وجهها ومخرجاتها الراسية لا تشبه كثيراً بقية أقرانها من الطيور ، مع أن البعض لا يعدها من الطيور بالرغم من أنها طائرة ؛ إذ إنهم يعدونها من الأرواح الشريرة المحلقة التي تعكس الشؤم في يوميات الناس وطريقهم وحياتهم .
ظلت تلك الخرافة معششة في رأسي وأكثرية من أعيهم طوال عقود خلت ، بل وجدت أنها فكرة اتسعت لتشمل أغلب الدول والمجتمعات ، و أنها تغلغلت في أعماق التاريخ حتى أصبحت جزءاً منه ومن مسلماته ؛ إذ لم يكن شؤمها صناعة اليوم .
بصراحة حزنت كثيراً على طائر شكله حزين أكثر من انعكاساته الكئيبة .. مع أني لم أرَه محلقاً في الصباح ، ولا مغرداً في النهار ، ولا مشعاً في الفضاء ليلاً ، فمن النوادر حطه على الأشجار والبنايات ، إنه قليل المرور بالبيئة التي لا يستسيغها و تتشاءم منه ، وربما هو – أيضاً – يتشاءم من بني البشر .
كنت أراه في الكتب والصحف والمطبوعات والتلفاز والسينما … ومن ثم الميديا عموماً ، لكن لم يثبت بالدليل العلمي ولا التجربة الحيادية أن البوم طائر شؤم ، ومطلعه تامة النحس ، وميؤوس من مرافقته ورؤيته .
بعد مرحلة الوعي أو ادعاء ذلك ، أخذت أبحث عن مدلولات تلك الكراهية المصطنعة والمرسخة بين الإنسان وأحد جمالات السماء المحلقة في أجوائنا ، ورفيقة عالمنا ، فخامرني شك في إمكانية نظرية المؤامرة التي أصبحت أفكر بها بكل شيء حتى في الأكل والشرب والمعتقد والتعليم ووووو ..
هل هناك بعد سياسي أو أممي في حياكة تلك الأكذوبة وبثها وزرعها في الضمير الإنساني ضد طائر مسالم لم نرَ منه طوال صفحات ومراحل وعقود ما يشين مسيرته ، أو على الأقل يوازي شرور بعض أقرانه ؟
بعد قرون من الكراهية شاهدته أول مرة وجهاً لوجه في حديقة الحيوان وما زالت تلك المقابلة غير محببة ولا ودية بيننا ، فقد أثرت بي ، وتفجرت في نفسي المريضة جراء ما زرع وعبّئ من أحقاد غير مبررة تجاه براءة البوم .. ظل في نظري ( بوماً ) ، بل أخذت أمارس هذه الاحقاد كجزء من المسلمات طوال عقود خلت ، وأردد اسمه ، وأطلق تعابيره على كل موقف أو شخص أو رمز ما لا أحبذه .
في إحدى المرات – وبمصادفة غريبة – وجدته أمامي في بيت أحد الأصدقاء الأعزاء .. وقد وضعه في قفص ، فبدا حزيناً كما عهدته ، لكن صاحبي نجح في تربيته وتدجينه ؛ إذ ظهر من خلال حركاته أن لغة ما من التفاهم سادت بين صاحبي الهادئ وهذا الطائر المتهم منذ الأزل ، فتعجبت وسألته عن هذا السر : أحقاً ما أرى ؟ هل تضع شؤماً في بيتك ويرافقك في يومك ؟
رد صاحبي بمزحة وابتسامة عريضة مع استفسار ممزوج بسخرية ما : ( من عجائب القدر ورضوخ الاستسلام .. نحن أصبحنا نعشق ونتوق إلى الببغاوية ونمارسها في كل شيء حتى تجردنا من حواسنا وأفكارنا وأصبحنا طوعاً -وبصورة تلقائية – لرهن إشارة ما يُعبّأ فينا ويؤجند بدواخلنا من أمراض تؤثر على سلوكياتنا ومزاجاتنا وعلاقاتنا المتبادلة بين الإنسان ، وبقية أعضاء البيئة والمشتركات الحياتية .. ) .
وقفت أمام القفص أطالع هذا المتهم الذي لم تثبت إدانته برغم مرور آلاف السنين ، وربما ملايينها التي لا نعرف مصدر تهمته وعنوان اقترافه ، ولا مكان وزمان مآثمه .
ربما هي افتراءات .. وقد تكون من صنع خيال شعبي للقصص والحكايات العجائزية ، أو آلية من آليات العزف الجنائزي في طريق الموتى .
من يدري أن لدى هذا الطائر من الحكمة والكنوز المعرفية ما جعل الآخرين محاولين حرماننا منها .
لم أُطل النظر إليه مع أنه بدا مستسلماً ودوداً .. لكن ثمة غرز في أعماقي هو الذي يحاور ويرى ويتطلع ، أما أنا فمجرد وسيلة مصنوعة ، بل مصنعة بعناية فائقة إزاء محنة البوم ، وربما محنتنا أبناء عالم ثالث أو رابع وعاشر ، وحتى المرتبة الألف في تصنيف حيواني مؤجند مقصود ، وإن ضم ملايين الأصناف الإنسانية عبر التاريخ !!
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
ضربة إيران.. أهم الأسئلة التي بقيت بلا إجابة بعد كشف البنتاغون تفاصيل جديدة
(CNN)—كشف البنتاغون، الخميس، عن تفاصيل جديدة حول كيفية استعداد الولايات المتحدة لمهمة القصف الماراثونية ضد ثلاثة مواقع نووية إيرانية، والطواقم التي نفذت الغارة الجريئة، وكيف حاولت إيران تحصين أحد المواقع الذي يضم جوانب حيوية من برنامجها النووي.
وبالإحاطة صباحية، والتي وعد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مسبقًا بأنها ستكون "مثيرة للاهتمام ولا تقبل الجدل"، قال وزير الدفاع، بيت هيغسيث، إن الولايات المتحدة نفذت "أكثر عملية عسكرية سرية وتعقيدًا في التاريخ"، دون تقديم الكثير من التفاصيل، وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، الشخص الذي عرض تفاصيل مقنعة حول كيفية تنفيذ المهمة المتطورة للغاية، ولكن مع ذلك، لم تقدم الإحاطة معلومات استخباراتية جديدة تدعم تأكيد الرئيس بأن الضربات "قضت" على البرنامج النووي الإيراني.
ما كُشِفَ عنه
كشف كين عن تفاصيل لم تُنشر سابقًا حول طاقم القصف الذي شارك في المهمة، بالإضافة إلى الاستعدادات المكثفة التي بُذلت لها على مستوى الجيش، وقال إن عددًا كبيرًا من الخبراء عملوا على تصميم القنابل التي أصابت هدفها، وضمت الطواقم التي نفذت المهمة التي استغرقت 37 ساعة رجالًا ونساءً، برتب تتراوح من نقيب إلى عقيد، وكان من بينهم أفراد في الخدمة الفعلية في القوات الجوية وأعضاء في الحرس الوطني الجوي في ولاية ميسوري. وكان معظمهم من خريجي مدرسة القوات الجوية، وهي أكاديمية نخبوية في صحراء نيفادا.
وقال كين: "عندما ذهب أفراد الطواقم إلى العمل، الجمعة، ودعوا أحباءهم، دون أن يعرفوا متى سيعودون إلى منازلهم أو إن كانوا سيعودون.. وفي وقت متأخر من ليلة السبت، علمت عائلاتهم بما كان يحدث.. عندما عادت القاذفات إلى ميسوري، كانت عائلات الطاقم هناك، ترفرف الأعلام وتنهمر الدموع، أشعر بالقشعريرة وأنا أتحدث عن هذا حرفيًا".
وقبل أيام من المهمة، حاولت إيران تحصين منشأة فوردو النووية، الواقعة في عمق جبل، بتغطية فتحات التهوية بالخرسانة قبل اختراق القنابل الأمريكية لها، قال كين: "لن أفصح عن الأبعاد الدقيقة للغطاء الخرساني، لكن يجب أن تعلموا أننا نعرف أبعاد تلك الأغطية الخرسانية، وكان على المخططين مراعاة هذا الأمر، لقد وضعوا كل شيء في الحسبان".
ورغم التعديلات الضرورية في اللحظة الأخيرة، أصر كين على أن المهمة سارت كما هو مخطط لها، وأن القنابل الخارقة للتحصينات الضخمة التي تزن 30 ألف رطل عملت "كما هو مصمم" خلال استخدامها الأول في القتال.
وخلال الإحاطة، عرض كين فيديو يوضح كيفية عمل هذه القنابل الضخمة، أظهر الفيديو بالحركة البطيئة قنبلة تخترق ما يبدو أنه نوع من المخابئ، انبعث وهج برتقالي من ممر مفتوح مرئي على جانب المنشأة، تلاه كرة نارية كبيرة، وقال كين: "بالطبع، لم يكن هناك أحد داخل الهدف، لذا ليس لدينا فيديو منه".
وكُلِّف حوالي 44 جنديًا وبطاريتا صواريخ باتريوت للدفاع عن قاعدة قريبة من أي رد إيراني محتمل.
أسئلة بلا إجابة
في حين قدّم المسؤولان العسكريان بعض المعلومات الجديدة حول تخطيط الضربات، إلا أنهما لم يقدما أي دليل جديد على فعاليتها ضد البرنامج النووي الإيراني، وأحال كلٌّ من كين وهيغسيث الأسئلة المتعلقة بذلك إلى أجهزة الاستخبارات، وركزا على منشأة فوردو النووية دون ذكر المنشأتين نطنز وأصفهان.
ولا يزال المدى الكامل للأضرار التي لحقت بالمنشأتين غير واضح، ففي فوردو، أشار هيغسيث إلى أن شخصًا ما سيحتاج إلى "مجرفة كبيرة" لتقييم ما هو داخل المنشأة بالكامل، مضيفًا أنه "لا يوجد أحد تحت الأرض قادر على تقييم" الأضرار، في حين قال كين إن هيئة الأركان المشتركة لا تُجري تقييمات لأضرار ساحة المعركة "بشكل مقصود"، وأحال أسئلة محددة حول مدى فعالية الضربات إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية، حيث قال: "نحن لا نُقيّم واجباتنا المدرسية، بل أجهزة الاستخبارات هي التي تُقيّمها".
وأشار تقييم أولي صادر عن وكالة استخبارات الدفاع التابعة للبنتاغون، نقلته شبكة CNN ووسائل إعلام أخرى عديدة، إلى أن الضربات لم تُدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، بل على الأرجح أخرته لأشهر فقط، وصرح مدير وكالة المخابرات المركزية، جون راتكليف، لاحقًا بأن وكالته علمت أن المنشآت دُمرت، وأنه "يتعين إعادة بنائها سنوات".
أشار هيغسيث إلى أن التقييم الأولي لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية (DIA) أفاد بأن الأمر قد يستغرق أسابيع لتوضيح صورة فعالية الضربات وتأثيرها على البرنامج النووي الإيراني، مضيفا أنه كان "هجومًا ناجحًا تاريخيًا"، لكنه أشار إلى أن تقييمات هذا النجاح لا تزال قيد الدراسة.
وواصل هيغسيث الدفاع عن ادعاء ترامب بأن البرنامج النووي الإيراني قد "دُمّرَ"، متجنبًا الإجابة عن أسئلة حول كيفية توصل الرئيس إلى هذا الاستنتاج بعد ساعات فقط من إسقاط القنابل، حيث قال: "أؤكد لكم، رئيس اللجنة وموظفوه، ومجتمع الاستخبارات، وموظفونا، وآخرون، يجرون جميع التقييمات اللازمة لضمان نجاح المهمة".
وفي حين أن رواية كين للمهمة قدمت بعضًا من أكثر التفاصيل الملموسة التي قدمتها الولايات المتحدة حول الاستعدادات لتنفيذ الغارة، وتضمنت عناصر بشرية خصصت أطقم القصف وأفراد الخدمة الآخرين الذين شاركوا، اتخذ هيغسيث نبرة أكثر حدةً وسياسيةً، حيث انتقد تقارير وسائل الإعلام عن تداعيات المهمة.
إنه دور مألوف لهيغسيث، المعروف منذ زمن طويل بمدافعه الشرس عن ترامب أمام الكاميرات، ويوم الخميس، بدا أن رئيسه كان يراقب: فبعد فترة وجيزة من طرح الصحفيين أسئلة حول ما إذا كانت المركبات التي شوهدت خارج إحدى المنشآت قبل الهجمات تُشير إلى أن إيران نقلت اليورانيوم المخصب من الموقع استباقيًا، لجأ ترامب إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتقليل من أهمية الفكرة.
وقال الرئيس على صفحته بمنصة تروث سوشيال: "السيارات والشاحنات الصغيرة في الموقع كانت لعمال الخرسانة الذين يحاولون تغطية الجزء العلوي من أعمدة التهوية، لم يُسحب أي شيء من المنشأة".