كل عام تلتهم الحرائق الضخمة غابات الأمازون المطيرة وتؤثر على حياة الكائنات وتتفحم الأخشاب، بينما يتعرض السكان في المناطق المجاروة لكميات هائلة من ثاني الكربون، وإضافة لكل هذا اكتشف العلماء مجموعة سامة من المواد الكيميائية المعروفة باسم PFAS، وحذروا من أنها قد تكون قاتلة للنباتات والحيوانات التي تعيش هناك، فماذا يحدث؟ بحسب موقع «ديلي ميل».

سحابة كيميائيىة سامة في هذه المنطقة

الباحثون في جامعة كوفنتري اكتشفوا في الأيام القليلة الماضية وجود مركبات «PFAS» في الهواء حول أشجار الأمازون، والتي قد تمتصها الأشجار بشكل قاتل، وتم تسمية الـPFAS  أو مواد البيرفلورو ألكيل والبولي فلورو ألكيل  بـ«المواد الكيميائية السامة الأبدية»، لأنها مصممة بحيث لا تتحلل في البيئة ويمكن للبشر استنشاقها، وهذه المواد ارتبطت بأنها تسبب عددا من الأمراض الخطيرة مثل العقم، ومشاكل السلوك، والعيوب الخلقية، وارتفاع مستويات الكوليسترول، وحتى أنواع مختلفة من السرطان، بما في ذلك سرطان الكلى. 

الدكتور إيفان كورتشيف من مركز أبحاث الزراعة البيئية والمياه بجامعة كوفنتري، أجرى دراسة حديثة عن نسبة مواد الـPFAS في منطقة الأمازون، وقال إن ظهور هذه المواد الكيميائية الأبدية في الغلاف الجوي فوق غابات الأمازون أمرا صادما، وفي الوقت الحالي يعمل هو وزملائه على تحديد المخاطر الصحية الدقيقة التي تتعرض لها نباتات الغابات المطيرة والسكان ايضًا.

خطر يهدد 30 مليون شخص

وقال «كورتشيف»: «الأمازون هو مكان للنباتات والحياة البرية الفريدة من نوعها، وبالتالي فإن هذه المواد الكيميائية يمكن أن يكون لها تأثير على ذلك، وفي النظم البيئية الحساسة التي تضم أنواعًا نادرة أو مهددة بالانقراض، يمكن أن يكون لهذه الاضطرابات آثار مدمرة على التنوع البيولوجي وبقاء الأنواع، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 30 مليون شخص يعيشون في منطقة الأمازون، سوف يتأثرون أيضًا باستنشاق مركبات PFAS».

وأضاف: «عندما يخلط جسمنا هذه المادة الكيميائية مع الهرمونات البشرية تسبب العقم، وإذا كان لديك بعض الحيوانات أو النباتات الفريدة المتأثرة، فقد يتوقف تكاثرها»، ولإجراء الدراسة، جُمعت عينات من الهواء من أعلى برج الأمازون الشاهق الذي يبلغ ارتفاعه 1066 قدمًا، وهو تقريبًا نفس ارتفاع برج إيفل في باريس، ويقع وسط الغابات المطيرة على بعد حوالي 93 ميلاً (150 كيلومترًا) من مانوس، إحدى أكبر مدن البرازيل ثم إرجاع العينات إلى جامعة كوفنتري حيث قام الدكتور كورتشيف بتحليلها باستخدام تقنيات متطورة.

وبعد البحث والدراسة على العينات قال «كورتشيف»: «لقد جمعنا عينات من أعلى البرج وأيضا على مستوى مظلة الشجرة - حوالي 42 مترا، وما صدمنا هو أننا رأينا مادة PFAS - بنسبة لم نتوقعها ورأينا أيضًا المزيد منها في أعلى البرج، والمثير للحيرة إنه عُثر على هذه المواد في دم البشر والحياة البرية في المناطق النائية من العالم، وكذلك في البحيرات العذبة التي توفر مياه الشرب»، ويأملون الآن أن تساعد أبحاثهم في اكتشاف كيفية نقل PFAS.

هل تنتشر المواد السامة في غلاف الأمازون لباقي الدول؟ 

الدكتور محمود القياتي عضو المركز الإعلامي للأرصاد الجوية، قال لـ«الوطن» إن منطقة غابات الأمازون دائما ما تشهد حرائق كثيفة في الصيف وارتفاع الحرارة، ينتج عنها سحابة من الدخان ممتلئة بغاز ثاني أكسيد الكربون، وهذا أمر معتاد يحدث كل عام في فصل الصيف، ومع التغيرات المناخية وزيادة الموجات الحارة وفترات الجفاف تزيد الحرائق بالتالي تزداد السحب الدخانية المحملة بالغازات السامة.

وأضاف «القياتي»، أنّ هذه السحابة تتأثر بها منطقة الأمازون والدول المحيطة بها، لافتا إلى أنه مع الخريف يبدأ موسم الأمطار وتهبط السحب الدخانية حتى يأتي فصل الصيف وتبدأ الحرائق مرة أخرى.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأمازون سحابة سامة غابات مواد كيميائية المواد الکیمیائیة هذه المواد

إقرأ أيضاً:

جيل بلا وصايا.. فمن يُعلِّمهم الحياة؟

 

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

في إحدى القرى، جلس طفلٌ صغير بجانب جدّه تحت ظل نخلة، بينما كان الجدّ يُصلح مقبض الفأس بيده الخشنة.

قال الجدّ وهو ينظر إلى حفيده: "يا ولدي... الفأس ما ينفعه الحديد إذا انكسر الخشب، والولد ما ينفعه العلم إذا ما تربّى على الأصل".

نظر الطفل إليه بتساؤل، فقال الجدّ مُبتسمًا: "الأصل يا بُني، هو الوصايا... هي الكلام اللي يبقى في قلبك لما تكبر، حتى لو نسيت كل شيء".

مرَّت السنوات، وكبر الطفل، وصار رجلا في المدينة، وعاش حياته بين أوراق العمل والشاشات. لكنه لم ينسَ تلك الجلسة... ولا تلك الكلمة.

ففي كل بيتٍ من بيوت الأمس، كان هناك من يهمس في أذن الطفل، فوصايا الحياة لم تكن هذه الوصايا تُلقَى في محاضرات رسمية، بل كانت تمرّ ببساطة، في دعاء الأم عند الباب، في تعبيرات وجه الأب حين يشتد النقاش، في حكمة الجدّ وهو يحكي سيرة الأوائل. "ارضَ بما قسمه الله"، "من تواضع لله رفعه"، "افعل الخير ولو لم يرك أحد"، فتلك الكلمات، كانت تُغرس كما تُغرس النخلة في أرض عُمان، ثابتة، طيبة، أصلها في القيم وفرعها في سلوك الناس.

أما اليوم، فها نحن أمام جيلٍ يركض نحو المستقبل، لكنه لا يحمل حقيبة وصايا من الماضين، جيلٌ يعرف كيف يُفعّل التطبيقات، لكنه لا يعرف من أين تُستمد المبادئ.

جيلٌ يحاور الشاشات أكثر مما يحاور والديه، ويستقي نظرته للحياة من "المؤثرين"، لا من أهل الأثر.

فأين ذهبنا نحن؟ أين غاب صوت الحكمة؟ ومن يعلّمهم الحياة؟

إن المسألة لا تتعلق فقط بالتقنية أو بالزمن، ولا شك لكل زمان له تحدياته، لكن الخطورة اليوم تكمن في تراكم الانشغال وتراجع دور الإنسان المُربِّي. الأب مُنهك، الأم مشغولة، المعلم تحت الضغط، والجدّ غائب أو غُيِّب، ففي وسط هذا الفراغ، دخلت الشاشات لتؤدي الدور التربوي، لا لأننا اخترناها، بل لأننا تراجعنا خطوة... ثم خطوتين وربما أكثر.

في السابق، كان الطفل يتعلّم من التجربة، من حكايات الكبار، من المجالس، من القرى، من الفلج، من البحر، من النخيل، من صرامة الحياة نفسها. أما اليوم، فتجربته رقمية، وعلاقته بالحياة غير ناضجة، لأننا لم نمهّده لها؛ بل إننا- في كثير من الأحيان- نُحمِّله مسؤوليات لا يفهمها، ونطالبه بنضج لم نمنحه مقدماته، فنقول له: "كن قويًّا"، دون أن نعلّمه كيف يتعامل مع الخوف، ونقول له: "احترم الكبار"، دون أن يرانا نحترم كبارنا، ونقول له: "احذر رفاق السوء"، دون أن نشرح له كيف يختار أصدقاءه.

الوصايا ليست تعليمات عابرة، وإنما هي خلاصة الحياة تُسلَّم من جيل إلى جيل، هي جُمل صغيرة، لكن أثرها يتغلغل في شخصية الإنسان حتى تشكّله، وما لم نعد نفعله – للأسف – هو نقل هذه الخلاصة؛ بل إن بعض الآباء والأمهات باتوا يعتقدون أن أبناءهم "سيتعلّمونها لوحدهم"، أو أن "المدرسة كفيلة بذلك"، أو أن "كل جيل يتدبّر أمره"! لكن الحقيقة التي لا نحب مواجهتها هي: أن أبناءنا بلا وصايا يصبحون أهدافًا سهلة لوصايا الآخرين.

نحن لا نخاف على أبنائنا من الضياع فقط، بل من أن يجدوا أنفسهم في طريق لا يشبههم، لا يشبهنا، ولا يشبه هذا الوطن الذي لم نُحسن إيصال قيمه إليهم.

فأين مجالس الأمس؟ أين الجلسة بعد العشاء، حين كان الجدّ يروي كيف عاش على القليل، وكان كثيرًا؟ أين أمّ الأمس التي كانت تحفظ في قلبها ديوانًا من النصائح، وتقولها في وقتها دون تنظير؟ أين الأب الذي لا يكتفي بالصرف والإنفاق، بل يزرع في ولده الرجولة، والصبر، والعفة؟

ما نحتاجه اليوم ليس اختراع طرق تربية جديدة، بل استعادة تلك اللحظات الإنسانية الحقيقية التي كانت تعلّمنا أكثر مما نتصوّر، أن نمسك بأيدي أبنائنا، لا لنقيّدهم، بل لنرشدهم، فلا عيب أن نحكي لهم حتى عن أخطائنا، عن فشلنا، عن الأشياء التي تعلمناها بالطريقة الصعبة، حتى لا يعيدوا الطريق ذاتها.. نحن لسنا بحاجة إلى أن نكون مثاليين، بل صادقين، لسنا بحاجة إلى أن نكون متفرغين دائمًا، بل حاضرين حين يُحتاج إلينا.

الجيل الجديد لا يبحث عن معلومات- فالمعلومة موجودة بضغطة زر- بل يبحث عن معنى، عن من يفهمه، عن من يرشده إن أخطأ، لا من يحاسبه فقط.

في الختام.. أقول لكل والد ووالدة، ولكل معلم ومربٍّ: إن لم توصِ أبناءك بشيء، فسيوصيهم غيرك بشيءٍ آخر. وما أكثر من ينتظر أن يملأ هذا الفراغ؛ فدعونا نُعيد إلى أبنائنا جلسة الوصايا، ولو في الطريق إلى المدرسة، أو في لحظة صمتٍ قبل النوم. دعونا نحكي لهم عن عمان التي نحبها، عن ناسها، عن شهامتها، عن الطيبين فيها، عن الأمانة، عن الوفاء، عن الجد في العمل، وعن البركة التي تسكن في القناعة. دعونا نعلّمهم الحياة، قبل أن يُفاجئهم الواقع بلا دليل ولا درع. فإن لم نكن نحن "صوت الحياة" في آذانهم، فلن نلومهم حين يسمعون غيره.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • السر في الحديد.. طريقة ذكية لإزالة مواد كيميائية ضارة من الماء
  • أوكرانيا تهدد برد مكثف يشمل العمق الروسي بعد هجمات موسكو الأخيرة
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في منطقة الجوف
  • ما هي المنشآت النووية الثلاث التي استهدفتها الولايات المتحدة في إيران؟
  • على الخريطة.. مواقع الضربات الأمريكية التي دمرت تماما أبرز منشآت نووية
  • ما هي القاذفات الشبحية «بي-2» التي استخدمتها أمريكا في قصف إيران؟
  • الحياة على المريخ.. هل ستكون سجنًا حديثًا؟
  • نتنياهو: وعدت بتدمير منشآت إيران النووية وتم الوفاء بالوعد
  • جيل بلا وصايا.. فمن يُعلِّمهم الحياة؟
  • هيئة الغذاء البريطانية: مشروبات مثلجة تحتوي على مادة سامة للأطفال