مصر تعقب على مجزرة إسرائيل في دبر البلح
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
عقبت وزارة الخارجية المصرية، اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024، في بيان صحفي لها، على المجزرة الإسرائيلية في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة فجراً والتي راح ضحيتها العشرات من الشهداء والإصابات.
وفيما يلي صورة البيان كما وصلت "سوا":
المصدر : وكالة سوا.المصدر: وكالة سوا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
(مجزرة الروح.. المأساة كاملة)
الطبيبة الفلسطينية التي استقبلت جثامين أطفالها التسعة
كانت الدكتورة آلاء النجار اختصاصية أطفال في مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي تتجهز لمغادرة المنزل بعد أن وعدت طفلها الكبير يحيى بتجهيز حفل عيد ميلاد جماعي ودعت أطفالها العشرة بعد أن أصر زوجها الدكتور احمد، على إيصالها خوفاً عليها للمشفى القريب من المنزل والذي لا يبعد اكثر من عشر دقائق ولكن بسبب زيادة القصف الإسرائيلي وكثرة الأنقاض على طول الطريق تزداد مدة الوصول للمشفى .
غادر الاثنان باب منزل العائلة وفجأة عادت الدكتورة آلاء للخلف وفتحت الباب وسط استغراب زوجها وأسرعت باتجاه مهجع رضيعتها سيدار ابنة السنة والتي تشاهدها وتنفرج ابتسامة ملائكية على محياها الصغير تشاهدها وتحتضنها رفق ثم تنادي على أبنائها من جديد وتقوم باحتضانهم وكأنها على موعد أخير لفراقهم .
تركتهم وركضت باتجاه باب المنزل بعينين دامعتين وقلب خائف حيث ينتظرها زوجها الذي بادرها بالسؤال وهو يضع يده اليمنى أعلى كتفها:
– ماذا هنالك يا أم يحيى لقد اخفتينا جميعاً
لم تستطع صبراً فبكت بصوت خافت وهي تدفن وجهها براحتي يديها وتجيبه:
– يلازمني شعور سيئ يا أبو يحيى منذ مساء الأمس.
يربت على كتفها ويتحدث معها بصوت هادئ..
– ابعدي عنك هذه الهواجس وتوكلي على الله فثمة أطفال بحاجتك في المشفى لمداواتهم..
أجابته وهي تزفر الوجع الجاثم في صدرها:
– ونعم بالله هيا لنذهب فقد تأخرنا..
فيما قلبها يئن من وجعٍ لا تفسير له، ركبت السيارة إلى جانب زوجها، تحاول أن تطمئن نفسها بأن كل شيء سيكون على ما يرام، بينما يتسابق في ذهنها مشهد عناقها الأخير لأطفالها. ظل صدى ضحكة سيدار الصغيرة في أذنها، كأنها نداء استغاثة من المستقبل، وكأن عينيها الصغيرتين ترجوان البقاء.
كان الطريق إلى المستشفى أطول من المعتاد، ليس بالزمن، بل بثقل الخوف والمجهول. صوت الطائرات لا يغيب، والدخان يرتفع من أطراف المدينة، وصوت الإنذارات بات مألوفًا أكثر من صوت المؤذن.
وصلت آلاء إلى قسم الطوارئ في مجمع ناصر، وما إن خطت إلى الداخل حتى بدأت تنهال الأنباء، جرحى بالعشرات، والمشفى بالكاد يستوعبهم. انشغلت بجسدها هناك، لكن قلبها ظل معلقًا في منزلها، يتخيل كل سيناريو ممكن، ويرجو ألا يتحقق أيٌّ منها.
لم يكد يمضي وقت طويل حتى دوى انفجار قريب، اهتزت نوافذ المستشفى، وسقط غبار من السقف، هرع الأطباء والممرضون إلى الخارج، وإذا بعدة سيارات إسعاف تتدفق تباعًا نحو البوابة، محملة بأشلاء أطفال ونساء، كانت إحدى العربات تغص بجثامين. متفحمة مغطاة بمآزر بيضاء.
في لحظةٍ، شهق أحد المسعفين وهو ينادي: «جاءوا من حي السلام.. منزل آل النجار.. ضُرب بالكامل».
تجمدت آلاء في مكانها، كأن الزمن توقف، كأنها تُقتلع من جسدها، أحست بأن الحروف تحولت إلى سكاكين تنهش في صدرها. حاولت أن تصرخ، أن تجري، أن تنكر، لكن قدميها خذلتاها.
سقطت على ركبتيها، تهمس كالمجنونة: «لا.. لا.. أبنائي هناك.. كانوا يلعبون قبل ساعة» ركضت، تسابقت مع الوقت، مع الأمل، مع الوجع، حتى وصلت المشرحة..
قدميها توقفتا عند عتبة الغرفة. تسعة أكفانٍ صغيرة مغطاة بملابس سوداء متفحمة، تنبعث منها رائحة اللحم المحترق. اقتربت بخطواتٍ ثقيلة، وفجأةً انكسرت. بين الأكفان، لاحظت خصلة شعرٍ ذهبية تلتصق بقطعة قماشٍ مُمزقة.. كانت لـ«ريفال» الصغيرة، ابنتها التي لم تتجاوز الخامسة.
من أشلائهم؛ حذاء مدرسي لـ«راكان»، سوارٌ ذهبي لـ«إيف»، دميةٌ محترقة لـ«أرسلان». كل قطعة كانت قصيدة موت تُذكّرها بأن العدوان الإسرائيلي سرق حتى أحلامهم البسيطة:
انهارت آلاء فوق الجثث، تاركةً عباءة الطب البيضاء تُلوّثها دماء أبنائها . في الزاوية، وقف زملاؤها يبكون بصمت، عاجزين عن تهدئة أمٍّ كانت قبل قليل تُهدئ رُضّعاً.
انه مشهد لا يمكن للعقل أو القلب تحمّله، وقفت الطبيبة آلاء أمام ثلاجات الموتى، تنظر إلى أجساد صغارها محتضنة جثامينهم، لا يميزهم سوى قلب الأم.. هم من كانت تحملهم صغاراً على صدرها، تسهر على مرضهم وتراقب نموهم، وتبتسم لأحلامهم الصغيرة. تحول الحلم إلى كابوس، والأم إلى شاهدة على محرقة عائلتها.
هكذا فقدت الطبيبة آلاء النجار كل شيء في لحظة.. أطفالها، بيتها، وزوجها الذي يصارع الموت، فيما العالم ينظر بصمت إلى واحدة من أبشع الجرائم التي لا توثقها إلا دموع أمٍ تبكي أطفالها داخل المستشفى الذي كانت تحفظ فيه حياتهم.
في المساء. كانت الدكتورة آلاء تحاول فتح خزانة منزلها المدمر تنتظر أن يخرج منها أولادها كما كانوا يفعلون في لعبة الغميضة.. لكن العدو البغيض لم يترك حتى أشباحهم.
هكذا كانت حكاية مأساة الدكتورة آلاء الأم التي استقبلت جثامين أطفالها التسعة تروي للعالم أنها ليست مجرد مأساة عابرة، بل جرحٌ مفتوح في قلب الإنسانية.