أسفرت مرحلة التحديث السياسي التي بدأتها الدولة الأردنية في عام 2021 عن تحقيق جملة من المكتسبات السياسية لفئات مختلفة من المجتمع الأردني ولمؤسسات وطنية متعددة في مقدمتها الأحزاب الأردنية، حيث ظهرت هذه المكاسب بشكل واضح وجلي من خلال نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة لعام 2024، والتي حققت فيها الأحزاب السياسية تمثيلا غير مسبوق على مستوى القائمة الحزبية العامة، بالإضافة إلى الاستقطاب الذي قامت به بالنسبة للمترشحين عن الدوائر الانتخابية المحلية.



ومن الأمثلة على الأحزاب السياسية التي استفادت من تشريعات التحديث السياسي والإرادة الحقيقية بإحداث إصلاح حقيقي في المنظومة السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي تمكن من حصد تمثيل واسع له في مجلس النواب العشرين، بعد أن نجحت الهيئة المستقلة للانتخاب بأن تُجري انتخابات نيابية على درجة عالية من النزاهة والشفافية.

كما استفادت أحزاب سياسية جديدة من مرحلة الإصلاح السياسي والتي خرجت إلى النور حديثا، إلا أنها تمكنت من إيصال مترشحين عنها إلى المجلس النيابي الجديد على الرغم من حداثة عمرها السياسي، وكثرة الأخطاء التي وقعت فيها خلال فترة التحضير والاستعداد لإجراء الانتخابات النيابية الأخيرة.

وفي مقابل هذه الإنجازات التي حققتها الأحزاب السياسية الأردنية، نجد أنه من الضروري تذكيرها بأبرز الالتزامات القانونية الملقاة على عاتقها. فالحزب السياسي قد جرى تعريفه في المادة (3) من قانون الأحزاب السياسية النافذ لعام 2022 هو "تنظيم سياسي وطني يتألف من أردنيين تجمعهم قيم المواطنة وأهداف وبرامج ورؤى وأفكار مشتركة، ويهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية والعمل العام بطرق سلمية ديمقراطية لغايات مشروعة ومن خلال خوض الانتخابات بأنواعها المختلفة".

إن نقطة الإنطلاق في تعريف الحزب السياسي هي اعتباره حزبا وطنيا يسعى إلى الحفاظ على المصالح الوطنية العليا ويرفع شعار المواطنة بمفهومها الواسع القائم على وجود ارتباط بينه وبين الدولة أساسه احترام سيادة القانون واكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات.

ففي مقابل الضمانات التشريعية التي أوجدها قانون الأحزاب السياسية في المادة (4) منه بعدم جواز التعرض لأي أردني أو مساءلته أو المساس بحقوقه الدستورية بسبب انتمائه أو انتماء أي من أقاربه الحزبي مع حقه في المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي، فإنه يقع لزاما على الأحزاب السياسية وقاداتها الإمتناع عن الإتيان بأي عمل أو سلوك أو حتى تصريح فيه مساس بالأمن القومي ويخل بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي.

ومن الالتزامات القانونية الأخرى الملقاة على عاتق الحزب السياسي ضرورة احترام أحكام الدستور والقانون، وعدم الارتباط التنظيمي أو المالي بأي جهة غير أردنية أو توجيه النشاط الحزبي بناء على أوامر أو توجيهات من أي دولة أو جهة خارجية، والامتناع عن التنظيم والاستقطاب الحزبي، وعدم اللجوء للعنف أو التحريض عليه بجميع أشكاله، والامتناع عن إقامة أي تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية.

كما تحظر المادة (23) من قانون الاحزاب السياسية النافذ على الحزب الأردني إقامة أي علاقات سياسية مع أحزاب أخرى داخلية أو خارجية أو مع اتحادات أحزاب سياسية دولية إذا كان الهدف منها ارتباطه تنظيميا بتلك الأحزاب أو الاتحادات، وبشكل يخالف أحكام الدستور والقانون.

وفيما يخص تمويل الأحزاب السياسية، فقد اشترطت المادة (24) من القانون الحالي على الحزب أن يعتمد كليا في موارده المالية على مصادر تمويل أردنية مشروعة ومعلنة، بحيث يُحظر عليه تلقي أي هبات أو تبرعات نقدية أو عينية من أي دولة أو جهة غير أردنية أو شخص غير أردني، ومن أي مصدر مجهول.

إن أي فعل أو تصرف يشكل مخالفة للالتزامات القانونية المترتبة على الأحزاب السياسية قد اعتبره قانون الأحزاب السياسية جريمة يترتب على ثبوت ارتكابها جزاءات قانونية تتمثل الحبس والغرامة، والتي قد يصل مداها إلى حل الحزب السياسي. فالمادة (35) من القانون حددت الحالات التي يُحل فيها الحزب بقرار قضائي صادر عن محكمة البداية، والتي من أهمها مخالفة الحزب المعني لأحكام الدستور والقانون دون تصويب المخالفة، وإذا ثبت بدعوى جزائية ارتباطه ارتباطا تنظيميا بجهة خارجية، وإذا قبل تمويلا من أي جهة أو شخص خلافا لأحكام القانون.

إن أي قرار قضائي سيصدر بحل حزب سياسي لمخالفته أحكام القانون سيتم استغلالها سياسيا من قبل القائمين على إدارته لإثارة الرأي العام تحت ذريعة انتهاك حرية الرأي والتعبير، متناسين المخالفات الجسيمة المرتكبة والتي حدد القانون مسبقا العقوبات المترتبة عليها، ومن ضمنها الإعلان عن حل الحزب بموجب القانون.

أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

[email protected]


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: على الأحزاب السیاسیة الحزب السیاسی

إقرأ أيضاً:

قائمة السفراء: دبلوماسية العراق تختزل بعائلات السلطة

31 يوليو، 2025

بغداد/المسلة:

د. راقية الخزعلي

قال تعالى: “إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (سورة الشورى، الآية 42)

في مشهد يعكس عمق الفساد السياسي والمحاصصة الحزبية في العراق، جاءت قائمة السفراء الأخيرة التي اقرها مجلس الوزراء لتكشف عن واقع مؤسف، حيث معظم الأسماء المرشحة تنتمي الى عوائل نافذة من أبناء واقارب واشقاء رؤساء الأحزاب ومسؤولين كبار في الدولة. لم تبن هذه الترشيحات على أساس الكفاءة والخبرة، بل على صلات القرابة والانتماء الحزبي في تجاهل صارخ للكفاءات المستقلة، وتشويه لصورة الدبلوماسية العراقية.

 

ان قائمة السفراء في واقع الامر، انما جاءت باتفاق تم بين زعماء الأحزاب السياسية على شمول بعض موظفي وزارة الخارجية ممن يمثلون الأحزاب السياسية ضمن قائمة السفراء، حيث طلبت اللجنة المكلفة بإعداد القائمة في وزارة الخارجية من زعماء الكتل السياسية ترشيح عدد من موظفي وزارة الخارجية لإدراجهم ضمن قائمة السفراء دون التدقيق في توافر شروط الترشح ودون الالتفات الى موظفي الوزارة المستقلين الذين تتوافر فيهم شروط الترشح لكنهم لا يرتبطون بصلة مع قادة الكتل السياسية.

اما البعض الاخر، فقد تم ترشيحهم من أقرباء السياسيين ورؤساء الأحزاب، والمثل على ذلك نجل رئيس مجلس النواب العراقي ونجل أحد السياسيين المعروفين بظهورهم في الاعلام. وكأن هناك (تخادم) بين السياسيين على ان يرشح كل منهم ابنائه او اقربائه او أصدقائه المقربين لتمرير قائمة السفراء. فالقائمة تحتاج لتمريرها الى موافقة مجلس الوزراء كما تحتاج أيضا الي مصادقة مجلس النواب عليها. ولكي تتحقق الموافقة والمصادقة يجب ان يتم هذا (التخادم) بين السياسيين لتمرير هذه الصفقة متناسين قواعد القانون ومبادئ العدالة والكفاءة والمهنية ومصلحة الدولة، فهذه المسائل تزول وتنقضي عندما يتعلق الامر بمصالح شخصية.

 

يا للحسرة… على من كنا نظنه نصيرا للحق، وحليفا للعدل، فمددنا له اليد ووهبناه الثقة، وتعاهدنا معه على رفع الظلم وكسر شوكة الفساد، فاذا به اول من يغدر.

يا للحسرة… على عهد قطع فلم يصان، وعلى وعد تبخر امام مغريات السلطة والمحاصصة!!

اليوم، أوجه ندائي الى الشرفاء، الى من بيدهم القرار وبيدهم زمام الأمور: (أنصفوا من ظلموا لا لذنب الا لأنهم لا يتملقون، لا يساومون، ولا يبيعون وطنهم).

أعيدوا الكرامة لوطن تسحق فيه الكفاءات إرضاء للمحسوبية والمصالح الشخصية.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • قائمة السفراء: دبلوماسية العراق تختزل بعائلات السلطة
  • مدير الشؤون القانونية في الهيئة العامة للطيران المدني السوري هادي قسام لـ سانا: توقيع اتفاقية استثمار الإعلانات في مطار دمشق الدولي مع شركة “فليك” الإماراتية، جاء بعد فوزها في المزايدة التي أُجريت وفق الأصول واستيفائها لكامل الشروط الفنية والق
  • جهاز الضرائب ينظّم ندوة تعريفية حول الالتزامات الضريبية للشركات الخاصة بنزوى
  • ندوة حول الالتزامات الضريبية للشركات الخاصة بمحافظة الداخلية
  • المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا: مزاعم الحصار دعاية أطلقتها المجموعات الخارجة عن القانون لتسويق فتح معابرغير نظامية مع محيط السويداء داخل الجمهورية، وخارجها، لإنعاش تجارة السلاح والكبتاغون التي تشكل مصدر تمويل أساسي لهذه المجموعات
  • عاصم الجزار: لا مكان للمال السياسي في اختيار مرشحينا.. وبعضهم فوجئوا بالإشارة إليهم
  • عاصم الجزار: حزب الجبهة الوطنية يؤمن بأن التنوع الفكري يمثل عنصر ثراء في الحياة السياسية
  • بعد القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة.. تعرف على الاتهامات والعقوبة التي يواجهها
  • مرشح الجبهة الوطنية بالغربية: كلنا خلف القيادة السياسية وصوتكم بانتخابات الشيوخ لمواجهة أعداء الوطن
  • المؤتمر الجماهيري للجبهة الوطنية في الجيزة يتحول إلى تظاهرة حاشدة في حب الوطن والاصطفاف خلف القيادة السياسية