جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-09@19:55:10 GMT

مجرد حياة فانية

تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT

مجرد حياة فانية

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

أصل كلمة فندق يوناني وتعني "النُزُل"، والحياة عبارة عن فندق كبير ينزل فيه النَّاس لفترة بسيطة وما يلبثون إلا وأن يولوا عنها راحلين، والسكن في هذا الفندق له ثمن باهظ لا يُدفع بالمال وإنما يدفع من عمر الإنسان الذي ينقضي سريعًا.

وهذا الفندق ليس كالفنادق التي نعرفها إنما يحتوي على نزلاء بمختلف مستوياتهم المادية والاجتماعية والنفسية، وبمختلف ظروفهم المعيشية وأفكارهم وتوجهاتهم.

والجميع يتمسك بالسكن في هذا الفندق الذي وجدوا أنفسهم فيه دون إرادتهم ثم لا يرغبون في الرحيل عنه حتى ولو كانوا يعيشون في اضطرابات معيشية صعبة أو مُعاناة متواصلة.

أما الذين أمورهم ميسرة ودنياهم تسير على ما يرام والحياة فارهة مبتسمة لهم في هذا الفندق الكبير المقيمين فيه، فلا يكتفون بذلك، ويُتعبون نفسيتهم لأتفه الأسباب وصغائر الأمور، وأكثر الأمور تافهة وصغيرة لا تستحق الالتفات إليها إذا وضع الإنسان ثقته بالله الذي يُحسن التدبير، وإنما التركيز عليها والانشغال بها يجعلها كبيرة متضخمة في ذواتهم.

فلا لإعطاء المجال للمنغصات أن تصعب الحياة ولا للتوافه أن تقلق الراحة في هذه الدنيا التي تفني النَّاس وتبقي نفسها، ولتكُن ردة الفعل حول ما يحصل خارجا هادئا معتدلا عابرا كسحابة صيف لا تلبث أن تزول. ولا يجب إعطاء توافه الأمور وصغائرها أهمية أكبر من حجمها إذا أردت أن تنعم براحة البال؛ فلا وقت في هذا العمر القصير كنزيل في الفندق الدنيوي، للكرب والضيق والمنغصات الحياتية، وأن تجعلها تهيمن على حياتك ولتأخذ الأمور ببساطة وتروى وتغاضى.

ولا داعي للتشنج والخوف والارتباك والأسى والندم، "فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وغدا أنت عن كل شيء راحل؛ فليجعل الإنسان في إقامته القصيرة في حياته الفندقية الانشغال بنفسه لا بالآخرين، فلديه ما يكفيه من انشغالات أهمها إصلاح نفسه وأهله بالتي هي أحسن.

والإنسان أحيانًا يكبل نفسه بنفسه بأوهام لا فكاك منها بسهولة؛ فيتصرف على نحو غير صحيح بوعي أو دون وعي. والبعض أوهامهم تبقى معهم يحملونها معهم طوال حياتهم وإنما تبقى أوهام مخدرة بالنسبة لهم ترضيهم لا يفيقون منها، ولا يريدون لأحد أن يطعن فيها لأنهم مؤمنين بها ويقتاتون عليها. وأن تعرف كيف تعيش فذلك فن ليس الجميع يتقنه، وإذا لم تعرف كيف تحكم عقلك في حياتك فستأتي الأوهام لتأخذ دور العقل في تسييرك وتحكم تصرفاتك.

البعض يقرر أن يقضي أكثر وقته في الصلاة وقراءة القرآن والتعبد ويبقى على هذا الوضع طوال حياته. وإذا تأخر عن أداء فريضة من الفرائض يومًا في وقتها في المسجد تراه يشعر بالخوف وغضب الله عز وجل ويشعر بتأنيب الضمير والحزن فيستغفر الله ويتوب إليه ألف مرة، ولا يريحه إلا الصلاة والاستغفار والتسبيح وله ذلك.

والبعض يقضي وقته متوجهاً للدنيا في لعبها ولَهْوِها، معتقدا بأنَّ الدنيا تعني المتع والسهر والخمر والرقص والموسيقى والانبساط بين أحضان النساء وله ذلك.

والبعض يقضي مُعظم وقته مع أصدقائه وأصحابه بالسفر وجلسات السمر ومراكز التسوق والمطاعم والأندية والمجالس مهملاً عمله وبيته وله ذلك.

والبعض الآخر يقضي وقته منغمسًا في العمل وغارقاً في الواجبات الوظيفية طوال حياته إلى أن يجد نفسه قد تقدم به العمر بسرعة إلى المشيب دون أن يعيش حياته لتهبط عليه الأمراض المزمنة التي لا فكاك منها. وكان معتقدا بأنه حتما سيأتي اليوم الذي يرتاح فيه ليستمتع بحياته وأمواله، مؤجلا فرحته إلى يوم آخر لا يأتي، عائشا في وهم الوظيفة وله ذلك.

 والبعض يكرس حياته لزوجته وأبنائه مسخرا ماله ووقته وقدراته وإمكانياته لهم مضحياً بكل ما لديه دون أن يلتفت لحاجاته ورغباته وسعادته، متفانيا لخدمتهم لا يأتي ولا يذهب لنفسه، ناكرًا ذاته وله ذلك.

ولا تلبث إلا أن تجد إقامتك في هذا الفندق قد انتهت أو أوشكت على الانتهاء وأنت لم تعرف كيف تعيش في هذا الفندق؟!

والآن قبل فوات عمرك هل تريد أن تعيش واهمًا أم تستيقظ من وهمك وتعطي توازناً لنفسك في هذه الحياة القصيرة الفانية؟! فوقتٌ لعبادتك ووقتٌ لعائلتك ووقتٌ لأصدقائك ووقتٌ لأعمالك ووقتٌ لهواياتك ووقتٌ لنفسك، أم تبقى غارقًا في وهمك؟!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سـوق مطـرح.. ذاكـرة تُسـرق علـى مـرأى المدينـة

هناك أسواق لا تبيع البضائع فقط، تبيع الحنين... تبيع العطر الذي لا يُقطّر في زجاجة، بل يسكن في الذاكرة.

وسوق مطرح واحد من تلك الأسواق النادرة التي كلما مشيت فيها، شعرت أن الزمن قد توقّف احترامًا لما بقي من ملامح الجمال. رائحة البهارات تفوح كأنها بخور الذاكرة، ولمعان المصوغات الفضية يُناديك من أزمنة بعيدة، خطواتك على بلاط السوق كأنها نقرات على باب التاريخ، تدعوه أن يفتح لك صفحة من ماضي عُمان الخالد.

إنه ليس مجرد سوق، إنه متحف مفتوح، تحفة معمارية تسكنها مطرح، وتحمل في جدرانها لهفة البحارة، وصوت الباعة، وثرثرة العابرين، وسيمفونية الحياة كما كانت تُعزف في أسواق العصور الوسطى.

كم يسرني كثيرًا وأنا أرى انبهار السياح الأجانب بهذا السوق، وهم يتوقفون أمام دكان صغير يحتفظ برائحة القرن التاسع عشر، أو يلتقطون صورًا لقناديل ما زالت تُضاء بروح الماضي، لكن تلك السعادة لا تلبث أن تنقلب إلى غصة في القلب، كلما رأيت ملامح هذا السوق تُسرق، تُطمس، وتُستبدل... لا على يد الزمن، بل بأيدينا نحن!

المحلات التي تبيع الملابس الجاهزة والكماليات المستوردة تغزو السوق من كل زاوية، وتطغى على محلات العطارين والفضة واللبان والبخور. باعة من جنسيات مختلفة، يعرضون سلعًا لا تمت للهوية العُمانية بصلة، حتى لكأنك تسير في ممرات سوق آسيوي عشوائي، لا في قلب مطرح التاريخ!.

أين تلك الزوايا التي كانت تحكي قصص الجدّات؟ أين الأبواب الخشبية التي عانقت أكفّ البحّارة والتجّار؟ أين روائح القهوة، وهمسات العطارين، وعبق اللبان؟ لقد بدأ السوق يفقد ملامحه... قطعةً قطعة، وروحًا روحًا.

إن مطالب تطوير السوق ليست ضربًا من الخيال أو المستحيل، بل نطمح بما تفرضه علينا واجباتنا تجاه تراثنا وهويتنا، نطمح بخطة متكاملة لتأهيل السوق، تعيده إلى ماضيه البهي، وتجعله وجهة تراثية عالمية تليق بميناء السلطان قابوس، وتُدهش السائح الذي يهبط من السفينة ليجد نفسه في رحلة عبر الزمن. نُطالب بأن يُعاد تصميم السوق بحيث تُشبه ممراته تلك التي في الحصون والقلاع القديمة. أن تُنظّم كل سكة في السوق لتعبر عن حرفة عُمانية أصيلة: العطارة، وصناعة الفضيات، والنسيج، والسعفيات، والخناجر، والنقوش، والحناء، والفخار... وأن يُمنع بيع كل ما هو مستورد دخيل، لا يحمل بصمة عمانية. بل أكثر من ذلك: يجب أن يُلزم أن يكون الباعة عمانيين بلباسهم العُماني التقليدي؛ ليعيش الزائر تجربة متكاملة، كأنّه دخل إلى موسوعة بصرية عن عُمان، لا مجرد سوق.

ومن الجانب العملي، لا بد من معالجة مسألة تصريف مياه الأمطار، فكل موسم مطير يُغرق السوق، وتنساب السيول من الشعاب المجاورة بلا تنظيم، فتُشوّه المشهد وتُربك الزوّار. وقد يكون الحل في إنشاء أنفاق أو مصارف ذكية تُوجّه المياه مباشرة إلى البحر، دون أن تمرّ بالسوق.

إن السوق هو نبض مطرح، ومطرح هي ذاكرة الوطن. وحين تُسرق الذاكرة... لا يبقى من الإنسان إلا اسمه!

سلطنة عُمان تملك كل مقومات السياحة التاريخية الأصيلة، لا تحتاج إلى مجمعات تجارية ضخمة، ولا إلى ملاهٍ صناعية، بل تحتاج إلى عين تُبصر الجمال الموجود، وعقل يُخطط، وقلب يُحب.

كما رأينا في حارة العقر بنزوى، كيف يمكن لفكرة بسيطة أن تُحوّل الحيّ العادي إلى تحفة سياحية يقصدها الجميع، فإن سوق مطرح جدير بخطة طموحة تُعيد له الحياة.

فليكن سوق مطرح ليس فقط مجرد سوق، بل قصيدة تُتلى، وعنوانًا لعُمان كما نُحب أن يراها العالم.

مقالات مشابهة

  • سـوق مطـرح.. ذاكـرة تُسـرق علـى مـرأى المدينـة
  • أردا غولر لاعب ريال مدريد يروي تفاصيل حياته ومسيرته الكروية
  • إعلام الأسرى يطالب بالإفراج عن المعتقل سامر هوجي وإنقاذ حياته
  • شخص ينهي حياته بالدقهلية
  • قصة وفاء نادرة..كيف ردّ النبي الجميل لامرأتين في حياته؟.. فيديو
  • حاول وفشل.. شاب يشرع في إنهاء حياته بمساكن دهشور
  • بوسي شلبي: المرحوم محمود عبد العزيز لم يخالف الشريعة الإسلامية طوال حياته
  • المستشار.. أم الشاغر؟
  • حادثة مؤسفة... هكذا خسر الشاب محمود حياته في منطقة الهري
  • الشرطة السودانية تكشف عن قصف صاروخي على فندق في بورتسودان