موقع 24:
2025-07-26@23:39:13 GMT

ترامب ومشروع تغيير المنطقة

تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT

ترامب ومشروع تغيير المنطقة

واحدٌ من أكبرِ الأخطاءِ في التَّعاملِ مع الرئيسِ المنتخَبِ دونالد ترامب هو التَّقليلُ من قدراتِه، كونُه لا يتحدَّثُ لغةَ الأكاديميين، ولا يستخدمُ عباراتِ المحلّلين، ولا تُعرفُ عنه لباقةُ السياسيين ومداورتُهم، لا يجعلُه أقلَّ فهماً ودرايةً بالقضايَا المَطروحَة.

هزأَ منه خصومُه كثيراً سواء كانوا المحليينَ، ضمنَ المماحكاتِ الانتخابيةِ والحزبية، أو المعلقِينَ الأجانب لتشويهِ سمعتِه.

ترامب ليسَ مثل بيل كلينتون خريجَ ييل، ولا مثلَ بايدن بخبرةِ خمسين عاماً في دهاليزِ الكونغرس وعالَمِ السياسة، إنَّما ما فعلَه في الأربعِ سنواتٍ التي حكمَ فيها الولاياتِ المتحدةَ كانَ أكثرَ نجاحاً في التَّعاطِي مع الأحداث. عندمَا هدَّدَ بإلغاءِ الاتفاقِ الشاملِ مع إيرانَ أو تحسينِه رفضُوا وقيلَ له إنَّه اتفاقٌ دوليٌّ لا يستطيعُ الانسحابَ منه. ألغاهُ بالكَاملِ وغيَّرَ مسارَ تاريخِ المِنطقة، وأنقذَها من أخطارِ ذلك الاتفاقِ السيئ.
قد لَا يكونُ ترامب مثقفاً مثل كيسنجر، ولا متواضعاً مثل كارتر، وكونُه جاءَ من السُّوقِ والاستثمارِ والعقار، يرجِّحُ كِفَتَّه في بلدٍ رأسماليّ كالولاياتِ المتحدة يقومُ على العملِ الجادِّ والتَّنافسِ من أجلِ الكسبِ والنجاح.
بَرهنَ ترامب على قدراتِه القياديةِ وكانَ أبرزَها نجاحُه في الانتخاباتِ الرئاسيةِ الأولى، وكرَّرها في الثانية، نجاحُه يعزى له شخصياً وليسَ لشركاتِ العلاقاتِ العامَّةِ أو لحزبِه الجمهوري. بخلافِ الحالِ مع معظمِ الرؤساءِ الأميركيين السَّابقين الذين يحظوْنَ بدعمِ أحزابهم وقادةِ حملاتِهم. انتصارُه في هذه الانتخاباتِ حدثٌ فريدٌ وهو شهادةٌ له على شعبيتِه وقدرتِه على التأثيرِ، ممَّا يجعلُه قادراً على التغيير، وقيادةِ بلدٍ كبيرٍ ومهمٍ مثل الولايات المتحدة، واتخاذِ قراراتٍ لا يجرؤ كثيرون على اتخاذِها.
سيخوضُ معاركَ داخليةً متعددةً كما وعدَ ناخبيه بالتغيير في ملفاتِ الهجرةِ والاقتصادِ والتعليم، وسيثيرُ الكثيرَ من الزوابع في سنواتِ حكمِه الأربع التي على وشكِ أن تبدأ.
ماذَا عن الشرق الأوسط؟ دعونا نستذكرْ ماذا فعلَ فورَ دخولِه البيتَ الأبيض رئيساً في عام 2017. قرَّر حينَها تخطّي البروتوكول، حيث كانت بريطانيا المحطةَ الأولى عرفاً، التي يبدأ منها كلُّ رئيسٍ أميركيّ جديدٍ رحلاتِه للعالم. ترامب قرَّر أن يبدأ من الرياض وليس لندن. وكانتِ السعوديةُ محطَّ هجومٍ عنيفٍ من سياسيينَ أميركيين، وسبقَ أن عَدّ سلفُه الرئيسُ أوباما العلاقةَ بالمملكة من ماضِي العلاقات الأميركية.
ترامب بدوره كانَ قد خاضَ انتخاباتِه وسطَ عواصفَ، وأُلصقت به تهمُ العنصريةِ ضد العربِ وضد المسلمين، وفاجأ الجميعَ بقبولِه دعوةَ السعوديةِ واختارها محطتَه الأولى. رحلتُه كانت رسالةً للسياسيين المعادينَ في واشنطن، ورسالةً لدولِ المنطقة. وسارتِ العلاقةُ في الأربعِ سنواتٍ كمَا أرادَها ترامب، وعندما خلفَه بايدن تراجعَ عن وعودِه وسارَ لاحقاً على طريق ترامب.
عندمَا يقولُ الرئيسُ المنتخب إنَّه قادرٌ على حلّ أزماتٍ خطيرة مثل أوكرانيا، وحربي غزةَ ولبنان، وغيرِها من القضايا التي وعدَ بالتعامل معها خلالَ حملتِه الانتخابية، نتوقَّعُ أنَّه يعنيها. لديه أغلبيةٌ في مجلسي الكونغرس، وقد باشرَ اتصالاتِه ولم ينتظر حتى يبدأ وظيفتَه رسمياً في العشرينَ من يناير (كانون الثاني) المقبل.
النقطةُ الأخيرةُ التي تستحقُّ الإشارة، هي: ليس كيفَ يرى ترامب العالمَ، بل كيف يرَى العالمُ ترامب. الصورةُ التي رُسِّختْ دولياً أنَّه ذو شخصيةٍ قوية، سريعُ التَّحرك، ويفعلُ ما يقول. هذه الصُّورةُ تجعلُ خصومَ الولاياتِ المتحدة يفكّرون مرتين قبل التَّورطِ معه في قضايا كبرى، وأكثرُهم سيفضّلُ إبرامَ اتفاقاتٍ وصفقاتٍ سياسيةٍ معه، ما دام أنَّه يملك الإرادةَ ولديه الأدواتُ مثل مجلسَيْ الكونغرس.
أعتقدُ أنَّه ينوي أن يغيِّرَ مِنطقةَ الشرقِ الأوسط، وسنشهدُ ذلك من خلالِ الاتفاقاتِ والعقوباتِ وليس عبرَ الحروب. فعلاً، كما يردّدُ، حَكمَ أربعَ سنواتٍ ولم يخضْ حرباً واحدة، لكنَّه كانَ صارماً في تطبيقِ العقوبات؛ لهذَا على المِنطقةِ أن تستعدَّ وتستوعبَ التَّغييراتِ المقبلة.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب

إقرأ أيضاً:

الغفران فضيلة وليس فريضة

في زمنٍ يُغلف فيه الخذلان والانكسار بورق «الفضيلة»، ويُطلب من القلوب المنهكة أن تتزين بالتسامح رغم نزفها، يصبح من الضروري أن نعيد النظر في المفاهيم التي تُفرض على النفوس كأنها واجبات مقدسة.

الغفران قيمة إنسانية نبيلة، نعم، لكنه لم يكن يوماً فرضاً إيمانياً مطلقاً، ولا اختباراً وحيداً لنقاء القلوب، فكثيراً ما يُتهم من يرفض المسامحة بالقسوة أو ضعف الإيمان، وكأن الحفاظ على الكرامة الشخصية جريمة أخلاقية، والحقيقة أن الغفران، كما يطرحه القرآن الكريم، هو خيار لا أمر، وفضل لا واجب.

قال تعالى: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله"، ليؤكد أن العفو ليس ملزماً، بل متروك لضمير الإنسان. وفي الآية التالية مباشرة، يُقر النص بحق الرد والكرامة، "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل"، وهي شهادة قرآنية على أن الانتصار للنفس بعد الظلم لا يُعد عيباً ولا نقصاً في الإيمان، بل هو عدل مشروع لا يُلام عليه صاحبه. هذا التوازن بين التسامي على الجُرح والحق في رد الاعتبار، يسقط فكرة الغفران الإجباري.

ويؤكد أن كرامة الإنسان ليست من التضحيات المفروضة باسم الفضيلة. فالغفران الحقيقي لا يُنتزع بالقوة، بل يولد من حرية داخلية، ووعي ناضج بالكرامة وحدود الاحتمال، ومن غير المنطقي أن يُطلب من قلبٍ ينزف أن يغفر فوراً، أو أن يُحمل الصبر فوق طاقته باسم التسامح، إن تسامح، هو قرار داخلي لا يُملى من الخارج.

والجرح لا يُقاس بالكلمات، ولا تُحدد له جداول زمنية، فقد يغفر الإنسان عن طيب خاطر، وقد يحتاج إلى سنوات لينضج هذا القرار داخله، وقد لا يغفر أبداً، وهذا حقه الكامل.

ليس كل من امتنع عن المسامحة جامد القلب أو لوحاً من الثلج، ربما هو فقط مرهق، أو خائف من تكرار الخذلان، أو لا يرى في الطرف الآخر ما يستحق فرصة جديدة، فبعض الأخطاء تنسف الثقة من جذورها، وبعض الجراح لا تضمد بالمبادئ وحدها، وأن تختار ألا تغفر يعني أنك تدرك حجم الألم الذي سُكب بداخلك، وتعرف متى تضع حداً لما يؤذيك، فهناك أخطاء لا تُفهم كخيبة فقط، بل كصدمة لأنها جاءت ممن كان الأجدر به أن يحميك لا أن يكسرك.

أحياناً، لا يكون الألم في الفعل نفسه، بل في أن من ارتكبه كان الأقرب، والأكثر علماً بما يوجعك. تشعر أن الخيانة ما كان ينبغي أن تطالك، لأنك أعطيت بإخلاص، ووثقت بصدق، وبنيت علاقة على أساس ظننته لا يُهدم. وحين تنهار تلك الثقة، لا يبدو الغفران مستحيلاً فحسب، بل وكأنه خيانة جديدة ترتكب في حق نفسك. لأنك ببساطة لم تكن تستحق أن يُكافأ كل هذا النقاء بالخداع.

فليس من النبل أن نُربت على يد من طعننا، ولا من الحكمة أن نقابل الخذلان بالتسامح المجاني. ليس كل اعتذار دليل ندم، فكم من كلمات قيلت لتبرئة النفس، لا لمداواة القلب.

بعض الخيانات، وبعض الأكاذيب، وبعض الانكسارات، لا يصلحها الغفران، بل الحزم والانفصال. وبعض التجاوزات لا تُعالج بالتسامح، بل بالوضوح والقطع. غفران الخيانة أو الكذب المتكرر قد يكون تخلياً عن قيمة النفس، لا نبلاً منها.

الكرامة لا تُنافي التسامح، لكنها تحدد له حدوده الطبيعية، وقد جاء في الحديث القدسي عن الله عز وجل: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً " فهل يُطلب ممن تعرض للظلم المستمر أن يغفر بلا توقف؟ وهل يُعد القلب قاسياً فقط لأنه لم يعد قادراً على الاحتمال؟

قد لا يكون العفو دائماً شفاءً، بل في أحيانٍ كثيرة إهانة إضافية للنفس. وإن الله الذي أوجب العدل على نفسه، لا يطلب منك أن تظلم نفسك باسم الصفح.

لذلك، حين يختار الإنسان ألا يسامح، فهو لا يختار القسوة، بل يختار الصدق مع ذاته. يقرر ألا يحمل في قلبه من لا يستحق البقاء.

فلا تطلبوا الغفران على غدرٍ أو خيانة، فما كان ينبغي في المقام الأول أن ترتكب في حق من منحكم ثقته بصدق، فالصفح الحقيقي لا يولد من ضعف، بل من قوة، والقوة أحياناً، أن تقول بكل هدوء: "كفى.

اقرأ أيضاً"أداب الإستئذان ونشر الفضيلة" ندوة تثقيفية للرواق الأزهري بالشرقية

«الأزهر للفتوى» يوضح كيف يربي الصوم هذه الفضيلة في الإنسان.. تعرَّف عليها

مقالات مشابهة

  • مسؤول أممي: لا مكان آمناً في أوكرانيا
  • أكسيوس: إدراة ترامب تدرس تغيير استراتيجيتها في غزة
  • أكسيوس: إدراة ترامب تدرس "تغيير استراتيجيتها" في غزة
  • بعد إعلان فرنسا.. خريطة بأسماء الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية
  • بن شرادة: زيارة بولس للاستماع وليس لفرض حلول تتعلق بالفلسطينيين أو المهاجرين
  • أسوان في 24 ساعة| إشادة بقاهرة الأمية.. أعمال فنية بواجهات العمارات.. ومشروع لتطوير طريق السادات
  • صفقة القرن الاقتصادية.. بريطانيا والهند تطلقان أكبر اتفاق تجاري منذ سنوات
  • الغفران فضيلة وليس فريضة
  • مندوبة قطر في الأمم المتحدة: استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي أدى إلى تهديد أمن المنطقة
  • مندوب مصر بالأمم المتحدة: إسرائيل تجرّ المنطقة نحو الانفجار.. ولا سلام دون إنهاء الاحتلال