سودانايل:
2025-06-23@05:17:46 GMT

في تذكّر ثورة في السودان غابتْ

تاريخ النشر: 22nd, December 2024 GMT

جمال محمد إبراهيم

(1)

تدخل ثورة السودانيين التي أذهلت العالم عامها السادس، وهي التي أسقطت، بقوة إرادة شعب غالبة، نظاماً أرهق بلده، وعجزت منظمات المجتمع الدولية والإقليمية عن إرجاعه لاتباع سبل الحكم الرشيد، فلم يرعوِ. غير أن السودانيين صبروا على نظامٍ باطشٍ اتّبع تعديل أساليب حيواتهم، من قبل أن يوفّر لهم الأمن ويؤمِّن لهم الغذاء، فأخذوا بتأديب كلِّ مَـن يعارض نظامهـم الإسلاموي بأعنف ممّا ناله المسـلمون مِنْ أذىً على أيدي كفّـار قريش.

أسّـس "نظام الإنقاذ" الذي رعاه عـرّابهم حسن الترابي، رحمه الله، بيوتاً للتعذيب من درجة فظائعـها أن جلاوزتهم سمّوها، قبل أن يسميها الناس، "بـيـوت الأشـباح". تلك غرف وأقبية سـرّية يُهان فيها معارض النظام من الـرّجال، وتعـذّب النـسـاء والفتيات بالسياط في الميادين العامة، ليستفرد أعوان النظام بمقـدّرات البــلاد نهـباً ممنهجاً وإتلافاً. قال عنهم أديب مهذّب له مكانة ولهُ احترام عالمي، الطيّـب صالح، إنهم فعلـوا ببلاد السودان أفعالاً لكأنهم كُلفوا بتدميرالبلاد تكليفاً، فتسـاءل: من أين أتى هؤلاء؟

على المستوى الخارجي، كاد أن ينطق كبارالمجتمع الدولي ومنظماته التي ترعى الأمـن والسـلم وحـقـوق الإنسـان، بالتساؤل نفسه الذي أطلـقـه الأديـب الراحل: من أين أتى هؤلاء؟. ... ذلك قليل القليل ممّا عرفتُ عن ذلك النظام الباطش، فجرى توثيق شرِّ أفعاله وحدثتْ عنها كتبٌ ومجلدات. هَبَّةُ السودانيين جميعهم في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2018، التي أسقطتْ "نظام الإنقـاذ"، كانت درساً جديداً يقدمه شعب السودان لشعوب العالم وشـعوب إقليمه خصوصاً، في كيفية التخلص من نظم الطغيان الباطش، حَريّ بأن يجري توثيقه في كتاب التاريخ.

(2)

تلك مقدمة لمقالي عن تلك الثورة وعمّن وثق لها، وهو فؤاد مطر الذي كان أول من أصدر كتاباً شاملاً، وثق، في صفحاته التي تجاوزت الخمسمائة، رصداً لتلك الثورة في عاميها الأولين، وتفاصيل المجاهدة السياسية التي بذلتْ لترتيب أمور الدولة السودانية بعد نجاح تلك الثورة. غـير أن نظاماً شمولياً طاغياً تسلط 30 عاماً على رقاب الشعب، وكانت آخر وأبرز إخفاقاته أن فصل جنوب السودان عن شماله، ثم خلّـف ترِكة من اقتصادٍ منهار وضعف سياسي يصعب ترميمه، فتعثّر تجاوز حقبة الدمار ابتداراً حقبة الإعمار.

لن تتناول هذه المقالة ما وقع بعـد ذينك العاميـن من خلافات. لقد نصح الناصحـون في داخـل السودان ومن خارجه، ومن المجتمع الدولي والإقليمي، بهدف كبح جمـاح الخلافات، فأخفـق الجميع في منع التصعيد الخلاف بين المدنيين صنّاع الثورة والعسكريين الذين تحالفوا معهم لإسقاط نظام الإنقـاذ، فغاب ألق الثورة باندلاع حربٍ لم تُبقِ أخضر ولا يابساً.

لن يُتاح للصحافي الهمام فؤاد مطر، الذي أحـبّ السودان شعـباً وقادة وسياسيين وعسكريين، خلال عقود، أن يكتب ما لا أريد لقلمه أن يكتب عن بلد أحبّه وهو على قارعة الأفول.

(3)

ما مرّ على الصحافة العربية أن يخصّص كاتبٌ ومحللٌ صحافي، لا مقالاً ولا كتاباً فحسب، بل محبة موضوعية وانقطاعاً صادقاً لبلدٍ أحبّه، وإن لم يكن من أبنائه. مثل ذلك الصحافي المميّـز في مدرسـة الصحافـة التحليلية والتوثيقية، فـؤاد مطـر، أطال الله عمره وأبقـاه شاهداً صحافياً للقضايا العربية بصدقية وانقطاع. أخلص في تخصّصه للسودان وقضاياه إخلاصاً منقطعاً، منذ حضـوره مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم، عقب هزيمة الجيوش العربية في يونيو/ حزيران 1967، وشهد، بقلبه قبل عينيه، كيف أسرع قادة السودان إلى تضميد الجراح العربية في تلكم الأيام العصيبة في عاصمتهم الخرطوم، حين طرح قادة السودان مبادرة دعـم الدول العربية المتضرّرة لتجاوز آثار الحرب. وبعد إجازة القرار، سـعى بعض زعماء عرب حاضرين لتخصيص دعم لحكومة السودان إكراماً لمبادرتها. عندها وقف وزير مالية السودان، الشريف الهندي، معبّراً عن تقدير السودان المسعى، وأعلن أن حكومته تعتذر، بإباء وشمم، عن عدم قبول أيّ دعمٍ، وأنها ترى أن الأَولى به الدول العربية الجريحة. كان فـؤاد هـناك شاهداً للوقائع، مثلما شهد بعد ذلك مبادرة رئيس وزراء السـودان للمصالحة الشهيرة بين زعيمين عربيين كبيرين، جمال عبد الناصر والملك فيصل، فطويت صفحة حـرب اليمن.

تلك من اللحظات التاريخية، تعلق الصحفي الكبير بعدها بالسّودان، وأحبّ أهله وجذبته السياسة السودانية، فصار من أوائل الصحافيين الذين تخصّصوا في الشأن السوداني، من غير السودانيين.

(4)

لم يطلب نظام سوداني ولم تطلب حكومة سابقة أو حاضرة، من مطر، أن يتخصّص في شؤون السودان، بل هي المحبّة التي عمّدته متخصصاً فيها. لقد تنبّه، باكراً، إلى تلك الثنائية التي علقت ببلاد السودان، فالجغرافيا جعلت نصفه الأعلى أقـرب إلى الشرق الأوسط، ونصفه الأدنى في قلب أفريقيا، فانطوى ذلـك على ما يشبه التمازج والتنافر في آنٍ واحد.

لم تقف الجغرافيا عند ذلك، بل أعطت السّودان، بسخاءٍ محمود، نهرين عظيمين، النيل الأبيض والنيل الأزرق. يتكاملان ليشكلا نهر النيل الواحد، في مسيره شمالاً إلى مصر، موهوباً إليها، فقال المؤرّخون إنّ مصر هبة النيل.

لم تغب تلك الثنائية الملتبسة عن ملاحظة الصحافي المعتق لها، فاختار لسلسلة كتاباته عن السـودان عنواناً حملَ الجدّية والطرافة معاً، وبما يعكس التنافر والتكامل معاً، فكانت سلسلة "الحُلـوُ.. مُـر"، عنواناً أصدر فؤاد مطر تحته عدة إصدارات بلغت ستة كتب توثيقية رصداً وتحليلاً، عن أحوال السودان وتقلباته السياسية، بين أنظمة مدنية وعسكرية، تناوبتْ على حكم البلاد بين حقبة وأخرى. و"الحلو.. مُـر" مشروب عصير تقليدي اختصّت به موائد السودانيين في إفطار شهر الصّوم، منذ زمانٍ قديم. ولا تخلو منه مائدة رمضانية، يعدّ من تخمير مخفّف لحبوب الذرة مع مكوّنات فيها بهارات، بعضها حلـوٌ وبعضها مُـرٌّ، فجاءت التسمية "حلو.. مُر". إنه مشروبٌ معتصر من ثنائية متنافرة.

أزمـة حـرب السـودان، التي عجــز المنـاخ السـياسي الدولي والإقليمي عن حلها، يخشى السودانيون من أن تطـول مثلما طالت عشرية بشّار في بلاد الشام

(5)

قدّم فؤاد مطر كتاباً توثيقياً وتحليلياً جامعاً، قارب عدد صفحاته الخمسمائة، صدر في عام 2020، عن تلك الانتفاضة، وتطوّر أحوالها خلال عامين بعد نجاح الثورة، مُتسلحاً بكامل ملكاته ومقدراته الصحافية الغنية. أراد أن يحمل عنوان كتابه ذلك التزاوج بيـن متنافرين، فاختار وجهاً سودانياً، نصفه الأيمن مدني، والنصف الآخـر عسكري لغلاف كتابه، تلميحاً ذكياً إلى المكوّنين اللذيْن تشاركا ثورة ديسمبر (2018)، لكأنّه ألمح إلى استحالة التوافق بين هذين المكوّنين اللذين ائـتلفا على تنافرهما بعد ثورة السودانيين، ووقف الجميع ينتظرون مولوداً ينتج من ذلك الائتلاف، فاستحال الأمر، واستحقّ أن يُضاف إلى العنقاءِ والخلِّ الوفي، لكن الحرب نشبت في السودان وتحققت الاستحالة التي ألمح إليها كتاب فؤاد مطر.

(6)

لعلّ الأسف الذي يستشعره أغلبُ المتابعين، قد تحوّل حسرة ما بعدها حسرة. لكننا لو أحسنّا التفاؤل، وهو بعيد، فإنّ المناخات والمواسم السياسية لن تمرّ كما تمرّ الفصول: شتاء بعده ربيع، ثم صيف يليه خريف، بل ستطول مواسم السياسة وتحوّلاتها سنوات وسنوات. ها هم السوريون، وقد عاشوا شتاءً قاسياً مُرّاً امتد 13 عاماً، يروْن موسم ربيعهم. أما ثورة السودانيين في ديسمبر/ كانون الأول 2018 فلم يزد موسم ربيعها على عامين، ويتمنّى ملايين السودانيين، في ملاذاتهم خارج بلادهم، ألّا يطول موسم شـتائهم الماثل، الذي اندلع منذ إبريل/ نيسان عام 2023، إلى أبعد من هذا العام. أزمة حرب السودان، التي عجز المناخ السياسي الدولي والإقليمي عن حلها، يخشى السودانيون من أن تطول مثلما طالت عشرية بشّار في بلاد الشام.

بعد أن غـيّبَ السودانيون بأيديهم ثورتهم التي أذهلت العالم، وفيما تتسارع وتيرة القتل والدّمار في حرب روسيا وأوكرانيا وحرب إسرائيل لإفناء فلسطين، فهل يكون لانتظار المجتمع الدولي ومنظماته من معنى، بعد أن فقد قدراته لإحلال السلم والأمن الدوليين؟ لن أرفع سـؤالي إلى شعب بلادي، أو حتى للصحافي الكبير، إذ إنَّ حلـوَ السودان قد غلب علـى مُرّه، ... ألا يُغني الحال الماثل عن السؤال؟  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الشعب الجمهوري: ثورة 30 يونيو أسست لعصر جديد من الاستقرار والبناء

أكد عياد رزق، عضو الأمانة المركزية لحزب الشعب الجمهوري، أن ثورة 30 يونيو تمثل لحظة فارقة في تاريخ الوطن الحديث وأعادته لمساره الصحيح، عندما انتفض الشعب المصري دفاعاً عن هويته الوطنية ورفضًا لحكم جماعة الإخوان الإرهابية، ليكتب المصريين بإرادتهم الحرة شهادة ميلاد جديدة لجمهوريتهم، ويؤسسوا لعصر جديد من البناء والتنمية والاستقرار.

مهيب عبد الهادي: كنا سيبنا عماد النحاس أو كولرأول ظهور لـ عمر السومة في تدريبات الوداد قبل مباراة يوفنتوس ..شاهد

وأضاف رزق في بيان له اليوم، أن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد خروج جماهيري حاشد، بل كانت تعبيراً عن وعي شعبي عميق بالخطر المحدق بالوطن، ورفضًا لمحاولات طمس الهوية الوطنية وإخضاع مؤسسات الدولة لأجندات تنظيمية لا تمت لمصالح المصريين بصلة.

وأكد أن هذه الثورة جاءت استجابة طبيعية من شعب عريق لديه من الحكمة والصلابة ما يحمي به دولته من السقوط في مستنقع الفوضى والانقسام.

وأوضح عضو الأمانة المركزية لحزب الشعب الجمهوري، أن ما تحقق منذ 30 يونيو وحتى اليوم، من إنجازات في مختلف قطاعات الدولة، يؤكد أن الشعب المصري كان على حق عندما اختار طريق الاستقرار والتنمية.

ولفت إلى أن ما نشهده اليوم من نهضة عمرانية غير مسبوقة، وشبكات طرق ومدن ذكية، وتوسع في قطاعات الصحة والتعليم، ما هو إلا ثمرة لرؤية واضحة وإرادة سياسية قوية تؤمن بأن المواطن المصري يستحق الأفضل دائمًا.

مهيب عبد الهادي: كنا سيبنا عماد النحاس أو كولرأول ظهور لـ عمر السومة في تدريبات الوداد قبل مباراة يوفنتوس ..شاهدنائب محافظ أسوان يشهد ختام فعاليات ورشة عمل إعداد الخطة الإستراتيجية للمحافظة 2030ماكرون يطلب من الرئيس الإيراني ضمانات بالاستخدام السلمي لـ النووي

وأشار رزق إلى أن مصر تمكنت خلال السنوات الماضية من تثبيت أركان الدولة ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية بكل ثبات، كما استعادت دورها الإقليمي والدولي، وفرضت مكانتها كركيزة للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، مستندة في ذلك إلى دعم شعبها وقيادة سياسية رشيدة تدرك حجم التحديات وتسعى لتأمين مستقبل الأجيال القادمة.

واختتم عياد رزق بيانه مشدداً على أن الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو تأتي لتجدد التأكيد على أهمية وحدة الصف الوطني والالتفاف حول القيادة السياسية، ودعم جهود الدولة في مواصلة مسيرة البناء والتنمية.

وأشار إلى أن التحديات لا تزال قائمة، ولكن المصريين - كما عودوا العالم - قادرون دومًا على حماية وطنهم وتحقيق تطلعاتهم في غدٍ أفضل.

طباعة شارك الشعب الجمهوري حزب الشعب الجمهوري عياد رزق الشعب المصري الوطن

مقالات مشابهة

  • كاريكاتير الثورة
  • عميد الكفرة: عدد النازحين السودانيين في ليبيا بلغ قرابة 160 ألف نازح
  • ريهام العادلي تكتب: ثورة 30 يونيو .. انتفاضة شعب أنقذت الوطن
  • تأصيل الوعي والهوية والإحياء الحضاري .. عودة الروح اليمنية
  • كتاب حدث في زمن الإخوان «الطريق إلى ثورة 30 يونيو».. يجسد الأحداث السياسية في فترة حكم الإخوان
  • ولد علي: “زينباور أحدث ثورة في شبيبة القبائل”
  • موعد إجازة ثورة 30 يونيو 2025 والعطلات المتبقية خلال العام الجاري
  • «إعلام الزقازيق» يحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو بحضور مصطفى بكري
  • الشعب الجمهوري: ثورة 30 يونيو أسست لعصر جديد من الاستقرار والبناء
  • عالقون بين حربين.. آلاف اللاجئين السودانيين على الحدود بلا مخرج